"بالإشارة إلى إصدار مجلس الشعب القانون رقم 17 لسنة 2012؛ بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، والذي وضع قيدا جديدا على مباشرة الحقوق السياسية التي لها صلة بقانون الانتخابات الرئاسية؛ حتى إن جاء ذكر التعديل في قانون مباشرة الحقوق السياسية؛ إذ إنه انعكس على شروط الترشح للانتخابات؛ لذا قام المجلس الأعلى بإحالته إلى المحكمة الدستورية العليا؛ حيث إنه يحرِم بعض المصريين من حقوقهم السياسية دون حكم قضائي، وبعد صدور حكم المحكمة الدستورية بعدم الاختصاص بنظره، والتزاما منا بأن القانون صدر من المجلس الموقّر الذي جاء بإرادة شعبية؛ فقد تمّ التوقيع عليه وإصداره ونُشِر بالأمس في الجريدة الرسمية". ما سبق كانت الرسالة الموجّهة من المشير محمد حسين طنطاوي -رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة- إلى مجلس الشعب، المُرفقة مع قانون مباشرة الحقوق السياسية المصدّق عليه من المشير طنطاوي.
وهنا كانت البداية.. فعلى إثر إعلان اللواء عمر سليمان -نائب الرئيس المخلوع- تقدّمه للترشح للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية، قوبل ذلك بردود أفعال شديدة من قِبل أعضاء مجلس الشعب، معتبرين أن إعلان سليمان ترشّحه ليصبح بجوار أحمد شفيق -رئيس الوزراء الأسبق- في قائمة المرشحين للرئاسة هو بمثابة عودة للوراء، وإعادة إنتاج لنظام مبارك في صورة جديدة.
وهنا تقدّم النائب عصام سلطان -عضو مجلس الشعب عن حزب الوسط- بمشروع قانون العزل السياسي، والذي بموجبه يتم استبعاد رموز النظام البائد من خوض انتخابات الرئاسة، أو حتى التصويت فيها؛ لكن بمناقشة لجنة الشئون التشريعية والدستورية لهذا القانون، وَجَدَت أنه سيكون قانونا إقصائيا، الأمر الذي سيجعل المحكمة الدستورية تطعن بعدم دستوريته، وبالتالي عدم التصديق عليه من قِبل المجلس العسكري..
وهنا كانت المشكلة.. ولكن الدكتور عمرو حمزاوي -عضو مجلس الشعب- خرج بحلّ عبقري، وهو إدراج تعديلات على قانون مُصدّق عليه ومعمول به بالفعل؛ وهو قانون مباشرة الحقوق السياسية.
وقانون مباشرة الحقوق السياسية هو قانون إجرائي؛ يُحدد أحد بنوده إجراءات العملية الانتخابية من بدايتها حتى إعلان النتائج النهائية، فيتضمّن الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية من خلال تشكيل لجنة الانتخابات الرئاسية من القضاة، وإقرار التصويت ببطاقة الرقم القومي، واعتمادها الوثيقة الوحيدة لإثبات شخصية الناخب، والسماح من خلال اللجنة العليا للانتخابات بتواجد منظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية لمتابعة الانتخابات، وحق تصويت المصريين بالخارج في الانتخابات. وجاءت التعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية التي اقترحها الدكتور عمرو حمزاوي، وهي إضافة على المادة التي تحدد الشروط التي يجب توفرها في المرشح المُتقدِّم لانتخابات الرئاسة، ولما كان 26 إبريل هو الموعد النهائي التي ستعلن فيه لجنة انتخابات الرئاسة القضائية القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة؛ فقد سارع نواب مجلس الشعب بمناقشة تعديلات القانون والموافقة عليه قبل 26 إبريل.
وجاءت التعديلات كالتالي: يُحرَم من حقوقه السياسية كل مَن عمل خلال السنوات العشر السابقة على 11 فبراير: - 2011 رئيسا للجمهورية. - أو نائبا لرئيس الجمهورية. - أو رئيسا للوزراء. - أو رئيسا للحزب الوطني الديمقراطي المنحلّ، أو أمينا عاما له، أو بمكتبه لسياسي، أو أمانته العامة. وذلك لمدة 10 سنوات تبدأ من 11 فبراير 2011.
وبموجب هذا القانون المُصدَّق عليه من المجلس الأعلى للقوات المسلحة -وتمّ نشره في الجريدة الرسمية يوم الإثنين الماضي وبالتالي يتم العمل به بدءا من يوم الثلاثاء- فقد تمّ استبعاد الدكتور أحمد شفيق من سباق الرئاسة؛ لأنه كان رئيسا للوزراء قبل 11 فبراير، كما لن يحق له التصويت لأي مرشح، ولن يحق له أيضا -وكل من يُشير القانون إليهم- تكوين أي حزب، أو المشاركة بالترشح أو الانتخاب في أي انتخابات مقبلة ولمدة عشر سنوات.
لكن شفيق مارس حقه في التظلم أمام لجنة الانتخابات الرئاسية، ودفع بأن هذا القانون يعدّ إقصاء له، وهو ما اقتنعت به لجنة الانتخابات، فقبلت التظلم، وأعادت كتابة اسم أحمد شفيق في قائمة مرشحي الرئاسة، وشطبت من عندها تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقدّمت فيه طعنًا أمام المحكمة الدستورية، لينظر رئيس المحكمة –والذي هو أيضًا رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية- في دستورية سنّ هذا القانون من عدمه..
وكما قال عدد من الخبراء القانونيين؛ فإنه يحق لأي مواطن الطعن على هذا القانون أمام المحكمة الدستورية؛ حيث قال الدكتور حمدي عمر -أستاذ القانون الدستوري بجامعة الزقازيق- إنه بعد التصديق على القانون وإعلانه في الجريدة الرسمية يتم العمل به دون الحاجة إلى إعادته مرة ثانية لمجلس الشعب، فبعد نشر القانون والعمل به تأتي مرحلة الطعن على القانون؛ حيث يُسمح للأفراد المتضررين بالطعن عليه أمام المحكمة الدستورية، التي تُقرّر العمل به أو إلغاءه في حالة معارضته للإعلان الدستوري.
في النهاية أرجعت لجنة الانتخابات الرئاسية لأحمد شفيق حقوقه السياسية، وطعنت في القانون الذي عزله من قبل، ولن يجرؤ أحد في الطعن على قرارات لجنة الانتخابات؛ لأنها محصّنة من الطعن، ولكن الأيّام القادمة ستُخرج لنا ما هو جديد بكل تأكيد.. وستجيب عن عدة أسئلة تدور في أذهاننا؛ هل ستقبل الدستورية العليا طعن لجنة الرئاسة في تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يحرم الفلول من الترشح أم سترفضه؟ وإذا رفضت الطعن وأقرّت بدستورية القانون.. هل ستستبعد لجنة الانتخابات الرئاسية شفيق مرة أخرى.. أم ستُصرّ على رأيها مستخدمةً حقها الذي منحه إياها الإعلان الدستوري بأن قرارها باتّ ونهائي وغير قابل للطعن؟!