هذا خبر لم يكترث به الإعلام في مصر: فاز الطالب عمرو محمد من الإسكندرية في المسابقة العالمية "مختبر يوتيوب الفضائي" التي تنظّمها عدة مؤسسات علمية عالمية بالتعاون مع شركة جوجل، مالكة محرك البحث العلمي الشهير، وقد أعلنت الشركة عن أسماء الفائزين في المسابقة العلمية التي أطلقت على مستوى العالم للشباب من فئتين عمريتين من 14 إلى 16 سنة ومن 17 إلى 18 سنة؛ بهدف إتاحة الفرصة التي تمكّنهم من إجراء أي تجربة علمية في الفضاء الخارجي. عمرو -الشاب المصري- تقدّم للمسابقة بتجربة علمية حاول عبرها الإجابة عن السؤال التالي: هل يمكن تعليم العنكبوت حيلا جديدة؟ وحاول في تجربته العلمية أن يتعرف على أثر انعدام الجاذبية على سلوك نوع معين من العناكب "زيبرا" عند اصطيادها لفريستها، وكذلك ملاحظة مدى قدرتها على التكيّف مع البيئة الجديدة التي لم تعتد عليها. بقية الخبر أن عمرو محمد فاز في مسابقة الفئة العمرية 17 - 18 في حين فازت طالبتان أمريكيتان في مسابقة الفئة 14 - 16 سنة، وتم تكريم الفائزين في احتفال أقيم في واشنطن حضرته الجهات المنظمة للمسابقة، وهي: الإدارة الوطنية للطيران والفضاء (ناسا) ووكالة الفضاء الأوروبية (إيسا)، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية (جاكسا)، وستنظّم في أواخر هذا العام رحلة إلى محطة الفضاء الدولية؛ لاختبار التجربتين الفائزتين، وبثهما مباشرة على موقع يوتيوب، وسيتاح للفائزين الثلاثة الاستمتاع بواحدة من مغامرتين رائعتين من مغامرات الفضاء. الأولى رحلة إلى اليابان؛ لمشاهدة ساعة انطلاق التجربة على متن صاروخ إلى محطة الفضاء الدولية، والثانية الحصول على دورة تدريبية على ريادة الفضاء لمدة أسبوع في مدينة النجوم الروسية، التي تعدّ مركزا تدريبيا لرواد الفضاء الروس. هذه التفاصيل لم أجدها في صحيفة مصرية، ولكني وقعت عليها في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عدد 24/ 3، الأمر الذي يستدعي السؤال التالي: لماذا لم يكترث الإعلام المصري بالشاب الذي تفوّق على أقرانه، وحقق إنجازا علميا دلّ على نبوغ مبكر؟ عندي إجابتان: الأولى: أننا مهتمون بمسابقات الرياضة والغناء أكثر من اهتمامنا بمسابقات العلوم؛ حيث الأولى مبهجة وخفيفة الظل والثانية ثقيلة الظل، وفراغنا -خواؤنا إن شئت الدقة- يدفعنا إلى الانجذاب إلى الأولى دون الثانية. الإجابة الثانية إن فضائياتنا مهجوسة بالشأن السياسي، وصارت طرفا في اللعبة السياسية، الأمر الذي حوّل أغلب مقدمي برامجها الحوارية المسائية إلى زعماء وموجّهين للرأي العام، لذلك فهم لا يلقون بالا لمثل هذه الأمور "الصغيرة". في التعليق على هذا المشهد أضع بين أيدي الجميع خلاصة دراسة مثيرة أجراها مؤخرا فريق تابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، عن العلاقة بين قدرات الشباب العلمية ووفرة الموارد الطبيعية في بلدانهم؛ ذلك أن تلك المنظمة تجري كل عامين اختبارات في 65 بلدا للطلاب في سنّ الخامسة عشرة؛ لتقييم قدراتهم في الرياضيات والعلوم ومهارات القراءة بالمقارنة بنسبة إجمالي الناتج المحلي في كل بلد، الأمر الذي يجيب عن السؤال التالي: ما هو مستوى تلاميذ المدارس الثانوية في الرياضيات مقارنة بما يضخّه البلد من نفط أو ما يستخرجه من ماس؟ المثير في الدراسة أنها أثبتت وجود علاقة سلبية مهمة بين ما يقتطعه البلد من أموال الموارد الوطنية وبين معارف طلابها ومهاراتهم في المدارس الثانوية؛ إذ لوحظ إن طلاب سنغافورة وفنلندا وكوريا الجنوبية واليابان حققوا أعلى الدرجات، رغم أن بلادهم لا تتمتع بموارد طبيعية كبيرة، الأمر الذي بدا حافزا لشحذ همتهم واستنفارهم، أما طلاب قطر وقازاخستان الغنيتين بالموارد الطبيعية فقد حازوا أدنى الدرجات، حيث لا يتوفر الدافع القوي للتفوق، الذي بغيره تمضي الأمور على نحو طيب، وهذا الوضع تكرر في دراسة مماثلة لاتجاهات الرياضيات والعلوم الدولية في عام 2007؛ حيث كانت نتائج طلاب لبنان والأردن وتركيا (وهي بلدان محدودة الموارد نسبيا) أفضل من طلاب (السعودية والكويت وعمان والجزائر والبحرين وإيران)، كما كانت الدرجات المتدنّية أيضا من نصيب بعض بلاد أمريكا اللاتينية الغنية كالبرازيل والمكسيك والأرجنتين. بيّنت الدراسة أيضا أن من الذين حصلوا على درجات عالية في الاختبارات طلاب بعض الدول الغنية بالموارد، مثل كندا والنرويج واستراليا، إلا أن ذلك كان ناتجا عن أن تلك البلاد وضعت سياسات متوازنة لادّخار واستثمار عوائد هذه الموارد، ولم تكتفِ باستهلاكها. الخلاصة أنك إذا أردت أن تتعرف على مستقبل أي بلد في القرن الحادي والعشرين فلا تحسب احتياطياته من النفط أو الذهب، ولكن انظر إلى مكانة مدارسه وكفاءة مدرسيه العالية وقوة مناهجه التعليمية وإيمان آبائه والتزام طلابه، ذلك أن المعارف والمهارات هي التي ستحدد موقع كل بلد في خريطة المستقبل، وهو ما لا بد أن يصدم كثيرين في بلادنا ممن تصوروا أن غاية المراد أن يفوز فريق البلد القومي بكأس في مباريات كرة القدم، أو أن يتفوق بعض أبنائه في برنامج "ستار أكاديمي".. إننا نحثّ السير على طريق الندامة! نُشِر بالشروق 30 إبريل 2012