لم أقتنع بالحجج التي ساقها الإخوان لتبرير دفعهم بمرشح من بينهم لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية، وكنت قد تحفّظت من قبل على قيامهم بتشكيل الحكومة فيما اعتبرته "مغامرة" محفوفة بالمخاطر، إلا أن ما قيل أمس الأول عن الترشح للرئاسة يرفع من درجة التحفّظ حتى يضاعفه.. في هذا الصدد لديّ عدة ملاحظات بعضها في الشكل وبعضها في الموضوع... من حيث الشكل قيل إن موضوع ترشّح المهندس خيرت الشاطر جرى التصويت عليه في مجلس شورى الإخوان وأن 54 أيّدوه، في حين كان المعارضون 52؛ علما بأن الأمر حين عرض في اجتماع سابق للمجلس عارض مبدأ الترشح 52 شخصا وأيّده 13 فقط، ورغم أن التغيير في المواقف بين الاجتماعيين يلفت النظر؛ فإن نتيجة التصويت الأخير تحتاج إلى وقفة. ذلك أن صوتين هما اللذان رجّحا كفة تأييد الترشح. وفي قضية بأهمية الموضوع المطروح، ما كان ينبغي أن يتخذ القرار بناء على تلك الأغلبية البسيطة.. ناهيك عن أنه كان على رأس المعارضين قيادات حزب العدالة والتنمية والسيد محمد مهدي عاكف مرشد الإخوان السابق، الأمر الذي يعني أن المعارضين لهم ثقلهم الخاص في الكم والنوع وحسب ما سمعت من المستشار طارق البشري -نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق- فإنه حين كان يطرح موضوعا مهما للتصويت على الجمعية العمومية للمجلس، وتتقارب فيه الأصوات عند الفرز، فإن القرار يُؤجّل لأنه لا يستساغ اتخاذ قرار في موضوع مهم بأغلبية ضعيفة. وإنما يفضّل إتاحة فسحة من الوقت لكي يراجع كل طرف نفسه لاتخاذ القرار الصحيح. في هذا السياق ينبغي أن تثار عدة علامات استفهام حول علامات التحوّل في التصويت بين الأغلبية الكبيرة التي عارضت الترشح في البداية إلى الأغلبية النسبية التي أيّدته.
في الشكل أيضا يثار السؤال التالي: هل أقدمت قيادة الإخوان على هذه الخطوة دون أي تشاور أو تفاهم مع المجلس العسكري؟ إذا كان الرد بالإيجاب فمن حقنا أن نعرف مضمون ذلك التفاهم وحدوده، أما إذا كان الرد بالنفي؛ فهل الإخوان جاهزون للصدام مع المجلس وفي تحمّل تداعيات وفاتورة ذلك الصدام؟ وما هي المصلحة الوطنية في ذلك؟
النقطة الثالثة في نقد الشكل أن الإخوان قرّروا فصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ومعاقبة أعضاء الجماعة الذين أيّدوه بدعوى أن قرارهم الأصلي كان يقضي بعدم الترشح للرئاسة، لكنهم حين غيّروا رأيهم ظلّ موقفهم من الدكتور أبو الفتوح كما هو، حتى بدا وكأن الموقف لم يكُن مبنيا على المبدأ والموقف ولكنه كان منصبّا على الشخص.
النقطة الرابعة والأخيرة في الشكل هي: كيف مرّ على الإخوان أن الجماعة الوطنية المصرية بل والمجتمع المصري بأسره يمكن أن يحتملوا في وقت واحد رئاستهم لمجلسَي الشعب والشورى والجمعية التأسيسية للدستور ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية أيضا؟ وكيف يقتنع الرأي العام بحديثهم عن المشاركة أو عن زهدهم في السلطة؟
فيما خصّ الموضوع يثير المشهد عدة أسئلة منها ما يلي: ● هل الإخوان جاهزون لحمل المسئوليات التي يتقدّمون نحوها، وهل يتوقّعون أن يشاركهم أحد من القوى الوطنية الأخرى بعدما بالغوا في قدرتهم على النحو الذي لمسه الجميع؟ وهل يستسيغ في عقل رصين فكرة تفرّدهم بحمل تلك الأثقال في ظروف هي من أسوأ الظروف التي مرّت على مصر؟
● ألم يُدركوا أن تصويت الجماهير لصالحهم في الانتخابات البرلمانية يمكن أن تختلف دوافعه تماما عنها في حالة الانتخابات الرئاسية؛ إذ هم في البرلمان أصحاب رأي، أما في الرئاسة فهم أصحاب قرار، ولأنهم لم ينجزوا شيئا يلمسه الناس على الأرض حتى الآن فما الذي سيقنع الجماهير بجدوى التصويت لصالحهم في انتخابات الرئاسة.
● هل يتوقّع الإخوان أنهم وحدهم يستطيعون مواجهة تحديات الداخل التي على رأسها الانفلات الأمني وإدارة عجلة الاقتصاد وتحقيق العدل الاجتماعي، وأين هي الكوادر الإخوانية التي يمكن أن تنهض بهذه الأعباء كلها؟ ولماذا لم نرَها في لجان مجلس الشعب مثلا؟
● ألم يخطر ببال الإخوان أن بعض الدول العربية تتوجّس منهم، وبعضها مشتبك معهم، والبعض الآخر يُساند آخرين لا يمثّلونهم؟
● ألم يخطر ببالهم أيضا أن معاهدة السلام مع إسرائيل التي لم يحددوا منها موقفا تشكل أهم تحديات سياستهم الخارجية، وأن الموقف الأمريكي في مصر مرتبط إلى حد كبير بموقف نظامها من العاصمة؟
في مقام سابق قلت إن الإخوان يتعرضون لثلاثة أنواع من الفتن: فتنة السلطة، وفتنة الأغلبية وفتنة الأضواء. وفي حين حذّرت من الاستسلام لأي من تلك الفتن؛ فإنني فوجئت الآن بأنهم وقعوا فيها جميعا، وفي مقام آخر قلت إن الذين يكرهون الإخوان يريدون توريطهم في استلام السلطة، ويتمنون أن يغرقوا في مستنقع مشكلاتها المستعصية، وحين سُئلت أخيرا عن رأيي فيما أعلنوه أمس الأول قلت إنهم وقعوا في الفخ، وحققوا لخصومهم ما تمنّوه لهم، وهو أمر يصعب تصديقه، حتى يكاد يشك المرء في أن ما حدث من أوله إلى آخره ليس أكثر من كذبة إبريل التي أراد الإخوان أن يداعبونا بها. نشر بالشروق