س: هل يجوز استخدام علامة الجمع أو الزائد (+) في الرياضيات وهي تشبه الصليب؟ س: ما حكم التحية بمقولة: مساء الخير وصباح الخير وغيرهما من التحيات التي لم تَرِد؟ س: ما حكم لبس الكرافتة (رابطة العنق)؟ روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "هلك المتنطعون. هلك المتنطعون. هلك المتنطعون" قالها ثلاثا.. وقد عرفهم العلماء بأنهم المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم، وقيل: هم الذين يغالون بعبادتهم حتى يخرجوا عن حدود الشريعة.. وقيل: المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد.. وكلها تعريفات مقاربة لبعضها كما نرى. إن هذه الأسئلة التي قدمناها عاليا لتثبت ذلك بجدارة.. حيث إن التشدد في المسائل لا يؤدي إلا إلى الهلكة.. فهو ابتداءً يخالف تعريف الإسلام دين اليسر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة عنه أنه قال: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا".. وهذا التنطع وهذه المغالاة توجد دائما حينما يتوفر لها المناخ المناسب لنموها كما تنمو البكتيريا الضارة حين تجد عوامل تنشيطها، وقد وجدت المغالاة في أمور الدين في عصرنا هذا -مع الأسف- ما يكفي لأن تبيض وتفرخ، وتنمو وتتعملق حتى لأوشكت تحجب بأجنحتها نور التيسير والمقاربة، وتغطي بعوائها على صوت الرفق واللين؛ الذي هو الأقرب لفهم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدين الذي أرسله ربه رحمةً وهدىً لا عنتاً ومشقةً، كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله: "... إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، بعثني معلما ميسرا". وكما تقول عنه السيدة عائشة أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.. وليس التعنت والتشدد في الدين داءً جديدا على أمتنا، بل لقد قاسى علماؤنا من قبل الأمرّين مع هذا الصنف الذي يعارض الفطرة والفهم الصحيح، ويجنح إلى غير مراد الله من تكاليفه التي يأمر عباده بها، لقد أُثِر عن الإمام الشعبي إمام الكوفة في عصر التابعين قوله: والله لقد بغّض هؤلاء القومُ إليّ المسجدَ. قيل: من هم يا أبا عمر؟ قال: "الأرأيتيون"؛ يعني الذين يبدأون أسئلتهم بقولهم: "أرأيت لو..." فكان يجيبهم بقوله: أرأيتَ أنت؟! فإنهم يفترضون افتراضات جدلية ويطلبون لها أحكاما وفتاوى، كالذي جاء إلى الإمام مالك رضي الله عنه يسأله: أرأيت لو أن رجلا وطئ دجاجة ميتة فأفرخت فرخا أيحلّ له أكله أم لا؟ فأجابه الإمام مالك رضي الله عنه بقوله: يا أخي سل عما يكون!! هم هم الذين جاء أحدهم -وكان رجلا من أهل العراق- إلى سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه يسأله عن حكم دم البرغوث إذا أصاب الثياب أَنَجسٌ هو؟ فقال له عبد الله بن عمر: "تسألون عن دم البرغوث، وقد قتلتم الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" [رواه الترمذي].. إن هناك عوامل كثيرة هي التي تنجب في المجتمع مثل هؤلاء المتشددين الذين يغالون على أنفسهم وعلى غيرهم، فيحملونهم ما لا يطيقون، فينفِّرونهم عن دين الله الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة: "ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"؛ ومن هذه العوامل: أولا: الأسرة؛ فإن الذي يتربى على القهر والإرغام ويلغَى له عقله ليتحول إلى منفذ لرغبات والد متسلط أو وليٍّ متعنت يُزرع في عقله وقلبه شخصية من ثلاثة: إما سلبي انطوائي يعتمد على غيره أن يقيمه ويقعده، أو فاسد مفسد يعربد في الأرض ولا يقيم وزنا لقانون غير قانون القوة، أو شخص عنيف متشدد يأخذ نفسه وغيره بالشدة والمغالاة في كل تصرفاته.. ثانيا: البيئة؛ فإن الذي يعيش ولا يسمع إلا الرأي الواحد لا يُسمَع غيره، ويرى الحاكم الفرد لا يطاع غيره، ويرى ديكتاتورية المؤسسات وقمع المعارضات وكبت الحريات، ولا يجد للتعبير عن الرأي متنفسا... كل هذا يجنح بالشخص إلى مثل هذا التشدد والمغالاة على النفس والغير، وإنكار فكرة تعدد الصواب، أو الاستماع للرأي الآخر على الأقل.. ثالثا: الوعي؛ فإن الذي لا يُلقَى على أسماعه إلا التهديد والوعيد ولا يُؤمر إلا بتمام المحاكاة، ويوجّه له الخطاب ليصوغ نفسه نسخة مكررة من غيره، ويُلغى له فهمه بفهم آخرين، ويُلقّن الهجوم والجدل قبل أن يتشرب الحكمة والموعظة الحسنة، كيف يكون إلا من هؤلاء؟؟ بل إنني أسأل نفسي وأسأل هؤلاء المتنطّعين جميعا: بمَ استطاع أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أن يرجع إلى قومه وليس في فمه وعقله وقلبه إلا الشهاداتان وكلمات قلائل سمعها من رسول الله يدعوهم بها إلى الإسلام فيؤمنون جميعا على يديه؟ وغيره العشرات من أصحاب رسول الله شهدوا أمامه بشهادة ألا إله إلا الله وأنه رسول الله، ثم تفرقوا عنه في البلاد يدعون إلى هذه الكلمة بفهم استمدوه من فطرهم وقلوبهم وعقولهم.. لا أريد في النهاية أن أشكّك في نية أحد ولا إخلاص أحد، ولكن أدعو الجميع إلى الفهم وإلى الاتباع الحق؛ لئلا نغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما غضب من مثله، كما جاء فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس، قد فرض الله الحج عليكم فحجّوا" فقال رجل: أكُلّ عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها الرجل ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم" ثم قال: "ذروني ما تركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدَعُوه".. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم..