الشغل الشاغل لإسرائيل حاليا بجميع مستوياتها هو القضية الإيرانية، وضرب المنشآت النووية الإيرانية؛ لذلك كثرت التعليقات والمقالات في الصحافة الإسرائيلية التي تعكس آراء مختلف المحللين الإسرائيليين من مختلف أطياف المجتمع الإسرائيلي، وكان من أهم تلك المقالات التي كُتبت في هذا السياق ما كتبه المحلل الإسرائيلي اليساري أوري أفنيري في صحيفة هآرتس، والذي يحمل رؤية تختلف عن كثير مما نشرته الصحافة الإسرائيلية مؤخرا. حيث يرى أوري أفنيري -ناشط السلام الإسرائيلي اليساري خبير الشئون العربية- أن إسرائيل لن تُقدم على مهاجمة إيران لا خلال العام الحالي ولا في الأعوام القادمة أيضا، ونفس الأمر ينطبق أيضا على الولاياتالمتحدة؛ وذلك لسبب واحد مهم لأن مهاجمة إيران سيجلب كارثة قومية للولايات المتحدة ولإسرائيل بشكل خاص وللعالم أجمع بوجه عام. وهنا يقتبس أفنيري مقولة جاءت على لسان نابليون بونابرت؛ وهي: "إذا أردت فهم سياسة دولة ما، فخذ الخريطة"، ويقول إنه إذا نظرنا إلى خريطة المنطقة فسنعرف جيدا أنه بعد عدة دقائق قليلة من تنفيذ أي هجوم على إيران ستقوم طهران بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره كل نفط: السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين، والعراق، وإيران -أي 40% من إجمالي النفط العالمي المنقول بحرا- وبعدها بدقائق معدودة سترتفع أسعار النفط إلى الضعفين، وربما ثلاثة أو أربع أضعاف، وحينها سينهار الاقتصاد الأمريكي والعالمي، ويقول أفنيري إن مثل تلك الأمور الصغيرة لا تخطر على تفكير الجنرالات، والمحللين العسكريين وباقي الحكماء، الذين ينظرون إلى الأمور بمنظور أمني وعسكري ضيق. ويرى أفنيري أن إغلاق مضيق هرمز هو أمر سهل جدا من الناحية العسكرية، حيث تكفي عدة صواريخ برية أو بحرية لفعل ذلك؛ ولكن لا يكفي لإعادة فتحه تحريك حاملات الطائرات الأمريكية إليه؛ بل يتطلب الأمر احتلال أجزاء من الأراضي الإيرانية؛ لكي يصبح المضيق آمنا من مرمى الصواريخ الإيرانية، وبما أن إيران تزيد مساحتها على مساحة كل من: ألمانيا، وفرنسا، وأسبانيا، وإيطاليا (مجتمعة)؛ فإن هذا الأمر سيؤدي إلى نشوب حرب ضخمة وطويلة، قد تصل إلى مستوى حرب فيتنام. ويشير المحلل الإسرائيلي إلى أنه بالنسبة لإيران، فلا فرق عندها ما إذا كان هذا الهجوم إسرائيليا أو أمريكيا، فكلاهما متساوٍ لديها، وفي كلا الحالتين ستكون النتيجة هي إغلاق المضيق ونشوب حرب ضخمة؛ لذلك يقول أفنيري إن هذا سبب كافٍ حتى لا تهاجم أمريكا إيران، وأيضا لكي تمتنع إسرائيل عن شنّ أي هجوم. ويشير ناشط السلام الإسرائيلي إلى أن إسرائيل لم تقم من 66 عاما بشنّ أي حرب دون الحصول على موافقة مسبقة من أمريكا، ويؤكد أنها عندما شنّت حرب 1956 دون موافقة واشنطن حرمها الرئيس الأمريكي آنذاك (إيزنهاور) من الاستفادة من إنجازات النصر؛ لذلك قامت إسرائيل قبيل حرب 1967 وحرب لبنان الأولى بإرسال مندوبين رفيعي المستوى لواشنطن؛ للحصول على موافقة أمريكية صريحة وواضحة. لذلك يتساءل أفنيري: إذا شنّت إسرائيل هجوما الآن ضد إيران على عكس رغبة أمريكا فمن الذي سيملأ مخازن السلاح الإسرائيلية؟ ومن الذي سيدافع عن المدن الإسرائيلية التي ستكون مكشوفة أمام صواريخ إيران وحلفائها؟ ومن الذي سيوقف موجة العداء للسامية التي ستنتشر في الولاياتالمتحدة بأكملها؛ عندما يتضح للمواطن الأمريكي أن إسرائيل سببت له كارثة وطنية؟؟