أحبّ أولا أن أُوجِّه شكرا خاصا لثورة 25 يناير؛ لأنها عرّفتني أنني لا أسكن وحدي في العمارة، نعم أنا أسكن في إحدى المدن الجديدة -اللي فيها ناس مايعرفوش بعض- لكن بركات الثورة أنها فَتَحت أبواب الشقق على مصراعيها. فرأيت الأبواب كلها مفتوحة مَن يمدّنا بالطعام ومَن يمدنا بالشاي؛ حتى يُدفّئنا خلال الشتاء القارس هذه الأيام، لكن كل هذه ذكريات رائعة تكلّم عنها الكثيرون.. لكن بحُكم عملي الصحفي فكنت أُتابع شيئا آخر وهو الآلة الإعلامية سواء التليفزيون المصري أو باقي الفضائيات، والتي في رأيي لا تختلف كثيرا عن مبنى ماسبيرو "مصنع الكذب والوهم لتشويه الثورة". فذكرياتي مع الإعلام المصري أصابتني وقتها بالهلوسة؛ فعلمت يومها معنى الحكمة القائلة "أعطني إعلاما بلا ضمير.. أعطيك شعبا بلا وعي"، وقائل هذه المقولة هو جوزيف جوبلز -وزير الإعلام النازي في زمن هتلر- وهو أيضا صاحب مقولة "استمر بالكذب.. حتى يُصدّقك الناس". ففي الوقت الذي تشتعل فيه الثورة وتأججت نيرانها؛ التليفزيون يُؤكّد حضور سيادة الرئيس المخلوع لفعاليات معرض الكتاب.. أغلبية الشعب المصري في ميدان التحرير، والتليفزيون يصوّر مدى روعة وجمال نهر النيل.. 150 ألف متظاهر في ميدان التحرير، في الإعلام المصري يُساوي بضعة آلاف، في المقابل 150 فردا في ميدان مصطفى محمود يعادل في نظر الإعلام المصري أيضا بضعة آلاف، أُطالع الجرائد يوم 25 يناير لأجد أحداث لبنان هي المانشيت الرئيسي للجريدة القومية الأولى في مصر. أذكر هذه الأيام جيّدا، وأتذكّر كمّ الصراعات مع والدي وإخوتي حول جدوى الثورة والكلمة المشهورة "آدي اللي جالنا من الثورة" حتى اليوم الذي بكى فيه جميع مَن بالبيت أثناء إلقاء مبارك خطابه العاطفي، وظللت أنا أضحك وحدي، وأتلقّى السباب واللعنات على "الجيل الجاحد" والجيل اللي ماشافش فقر. وكانت المفاجأة في جلسة الليل مع اللجنة الشعبية لمنطقتي هي مدى اقتناعهم بكلام مبارك ونظامه، وبدأ جيراني في مقاطعتي وتجنّبي، حتى جاء اليوم المشهود وهو يوم "موقعة الجمل"، وتحوّل المشهد 180 درجة من تعاطف كبير إلى كره مشوب بالحذر. وعاد الود مرة أخرى بيني وبين جيراني وهم يروْن "الجمال والبغال والبلطجية" تقتحم ميدان التحرير، ودار الحديث عن شعورهم بالتضليل من آلة الكذب المصرية "ماسبيرو سابقا"، وبدأت أُعدّد لهم كيفية تشويه الثورة والثوار، وكيف يتمّ صناعة هذا الأمر ببراعة حتى نتحوّل لشعب "يُقاد" لا أن "يقود". وأبرز هذه الأفعال التشويهية كانت وما زالت -مع الأسف- من خلال شغل المواطن العادي بمقولتي الاستقرار وعجلة الإنتاج ولقمة العيش؛ الحديث عن البلطجية والمأجورين والمندسّين والطرف الثالث وتقسيم الدولة وانهيار الدولة والمؤامرة وأنا أو الفوضى! استخدام الفنانين أصحاب الشعبية والذين يتمتّعون بقبول لدى الناس في الشارع لصناعة الأكاذيب ببراعة؛ لأنه من الأساس عملهم الذين يتقاضون عليه أجرا. ومع الأسف عقب مرور سنة على اندلاع الثورة نرى ذات الآلة الإعلامية تعيد صياغة نفس المنهج والسير على طريق الكذب "المباركي"؛ فهم يتلوّنون مع كل سلطة حاكمة؛ فهم يُعيدون صياغة المشهد الثوري بنفس الأفكار البالية وبنفس الألفاظ.. لذلك أقولها وبقوة "الثورة مستمرة" حتى تتحقق أبرز مطالبها "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"؛ صعبين أوي يعني!!