مِن أظرف ما تقدّمه بعض القنوات المصرية الفضائية هي فقرة ألف ليلة وليلة الإعلانية؛ حيث ستسمع جملاً من نوعية "بطانية أم فوقية.. بطانية مية مية بالرسوم الفنية والهندسية تزيّن غرفة نومك بلمحة رومانسية.. اتصلي يلّا بيّ بطاطينّا بتقاوم بقع المهلبية.. البطانية العشرية الشقية اللولبية.. يلّا يا ست أنتِ وهي، البطانية الإيطالية بأيدي مصرية وألياف بصرية أسبانية.. البطانية اللي هيه".. إلى آخره مما يتدفق به خيال كاتب الإعلان والمتأثر بشدة بطريقة سبقه إليها كاتب الحوار الجامد "شريف المنياوي" والذي مَلَكَ سبق الاستعانة بروح ألف ليلة وليلة في فيلمه وكالة البلح؛ حين تطل علينا نادية الجندي بالجمل الحوارية الآتية: "أنا نعمة الله والأجر على الله يا عبد الله"، "قلت لك ما تعشقيش, ما بيديش, مع إنه ما يساويش"... وغيرها من التحف التي خلدها شريط السينما المحظوظ.. أما المنحوس هو من سيرميه عقله (أو عدم وجود الأخير) للاستجابة لإعلانات التسوّق التليفزيونية والتي لا تقف عند حد البطاطين, بل تمتد إلى بيع الخصوبة والصحة والسعادة لشعوب تقدّس الأولى, وتفتقد للثانية وتحلم بالثالثة. فالطبيب في أحد الإعلانات -وهو ليس طبيباً بالمناسبة بل ممثل قد تتعرّف عليه في مسلسلات الثامنة- يُخاطب المريض قائلاً: "ما تقلقش يا باشمهندس التحاليل اللي قدامي بتؤكد إن حالتك تحتاج...".
وأفتى لنا باسم العلبة الملوّنة "لن أقول دواء" والذي منه يا سبحان الله علبة للرجال لزوم القوة العددية ومكافحة تشوّهات الحيوانات المنوية، وعلبة للسيدات لزيادة عدد البويضات يا حلاوة. والأجمل إنه كله مواد طبيعية ولا عدّى على معمل ولا صيدلية يعني مضمون سبعماية لمية.
ونستطيع أن نلاحظ أن مزاج صانعي تلك الأدوية الطبيعية غريب شوية فمن بول البعير الذي يشفي من فيرس سي -أعرف شخصاً محترماً للأسف شرب زجاجة البول أم 300 جنيه من منطق أهو يمكن!- إلى الشاي الذي "يسدّ النفس" ويساعدك أن "تكشّي" و"تنسخطي"، وعسل النحل بتاع كله، وتخاريف الشفاء بالتعزيمة وصفاء النية ودعا الوالدين والطب العربي وحزم الكرفس والمستكة والتمر وعرض الأحلام لتفسير المرض إلخ إلخ..
ماذا نفعل بأنفسنا؟ وأين أجهزة حماية المستهلك؟؟
أين وزارة الصحة من ظاهرة تنتشر منذ سنين وفي التليفزيون وليس في ظلام أبيار السلالم, عدم انقراض هذه الظاهرة طوال تلك السنين يشف أنها شغالة كويس أوي و"بتُجبر" الحمد لله, فماذا ننتظر؟ ولا أفهم كيف نترك يائسينا يتسوّقون أوهام الشفاء والجمال من مجهولين لا نعرف عنهم سوى رقم تليفون, الحقيقة أنا لا أفهم ولا أعتقد أن هناك أحدا يفهم!! على كل حال لو أردت اغتصاب بعض البسمات في يوم بايخ من فضلك أقلب بالريموت وابحث عن أي فقرة من فقرات ساحر ألف ليلة وليلة وصدّقني: لن يخونك الضحك!!!