شاب عابث مستهتر يدرس بالأكاديمية البحرية، قبل أن يُصبح قبطاناً فاشلاً يقود سفينة والده إلى غير اتجاه حتى تقع السفينة ومَن عليها (والدته وحبيبته وإخوته وأصدقاؤه) في يد القراصنة الأشرار، وبالطبع سيُخطط الشاطر حسن؛ للتخلّص من الأشرار لإنقاذ ست الحُسن والجمال؛ ليتزوجها في النهاية بعد أن بطّل السجائر وبقى إنسان جديد، وإيييييييه.. هل كنت تتوقع أن تحتوي قصة الفيلم على شيء آخر؟! خدعوك فقالوا! قالوا عن الفيلم إنه حقق أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية، بعد أن وصلت إيراداته في ثاني أيام العيد فقط إلى ما يقرب من المليون وستمائة ألف جنيه، محققاً بذلك رقماً قياسياً جديداً تفوّق على الرقم القياسي السابق الذي بلغ مليون وثلاثمائة ألف جنيه في ثاني أيام عيد الأضحى بالعام الماضي والذي حققه أيضاً محمد هنيدي في فيلمه قبل الأخير "رمضان مبروك أبو العلمين حمودة"؛ ليصبح هنيدي هو المنافس الوحيد لنفسه في الأرقام القياسية، فهل عندما أخبرك أن الفيلم دون المستوى المتوقع ولا يستحق كل هذه الضجة سيكون العيب في ذوقي الشخصي وطريقة مشاهدتي لأفلام هنيدي؟!! أم إن الفيلم كذلك بالفعل وكل ما حققه مجرد خدعة اعتمدت على إقبال الجمهور على فيلم هنيدي باعتباره "أكبر" نجم كوميدي في موسم عيد الأضحى الحالي دون أن يكون أمامه أي منافس "حقيقي" في مجال الكوميديا والضحك، فكانت النتيجة أنه ضحك على الناس الذين ظنّوا أنه عاد بقوة بعد "رمضان مبروك" وعادوا ليدخلوا أفلامه وهم "مغمضين"؟!
بلا أي تقليل من نجاح هنيدي وتاريخه، "أمير البحار" -بالنسبة لي على الأقل وكذا مَن كان حولي مِن الجمهور في دور العرض- مجرد عمل يحاول أن يرسم البسمة على شفتيك، لكنه لا يصلح -على حد ما سمعت من المشاهدين حولي- سوى للمُشاهدة في المنزل على قنوات "روتانا سينما" أو "ميلودي أفلام" أو "نايل سينما"؛ لأن كل أحداثه لن تتجاوز ما شاهدته في ال"تريلر"، وإذا ما صرخت في وجهي أن الناس تدخل الأفلام الكوميدية من أجل الضحك والتسلية لا من أجل القصة والمضمون، فدعني أخبرك أن حتى هذا الهدف لن تجده في "أمير البحار"؛ لأنه -على الأقل- سيكون أقل بكثير مما كنت تتوقع، فلم يأتِ الفيلم بضحك "مسخرة" كما تتمنى، ولا فكرة "واو" كما نطالب، ولا تمثيل نتحدّث عنه بعد مغادرة دور العرض، إذ وجدته مجرد استغلال لظاهرة القرصنة البحرية التي أعادها الصوماليون إلى أذهاننا في العامين الأخيرين، محاولاً أن يُغلفها بشيء من العمق والجدية، مستنداً إلى ظهور مشهد "تمثيلي" من برنامج "البيت بيتك" يستضيف فيه الإعلامي محمود سعد والد القبطان المخطوف، ووالد حبيبته، دون أن يتناول القضية، ودون أن نرى أي مداخلة تليفونية من أحد المسئولين، ودون حتى أن يتحدّث ضيوف الفقرة!
"أمير البحار" مجرد عمل يحاول أن يرسم البسمة على شفتيك بخلاف ذلك تم حشو قضية القرصنة بعدة مواقف يحاول فيها الكاتب يوسف معاطي أن يجعلها كوميدية، لكنها جاءت قديمة ومتوقعة؛ فلم نضحك سوى على مواقف معدودة طوال أحداث الفيلم، كما أن تيمة الفيلم لم يتم استغلالها جيداً وكان من الممكن استخراج عشرات الجمل البصرية الغنية بالضحك والمواقف الطريفة، لولا أن المركب الذي تدور معظم الأحداث فيه كان صغيراً للغاية بشكل يحصر بصرك في مكان ضيّق يُقيّد الضحك والتمثيل بل ويُقيّد المُشاهِد نفسه!
حتى الجانب الإنساني الذي يحاول فيه الكاتب أن يخرجك من "مود" الكوميديا ويدخلك في "جو" الكآبة والتأمل سادته التناقضات؛ حين قرر القراصنة قتل أحد الرهائن وطلبوا من هنيدي ورفاقه أن يختاروا مِن بينهم من يموت لإثبات جدية الاختطاف للعالم كله، فتهرّب البعض من الموت، بينما قرر البعض الآخر أن يموتوا للتضحية من أجل الآخرين، فإذا بهنيدي يصيح فيهم: "كلكم دلوقت بقيتم مش عايزين تموتوا ومتفائلين وبتحبوا الحياة"، ثم يطلب من القراصنة أن يقتلوه بدلاً من الآخرين الذين رفضوا الموت، رغم أن منهم من رحّب بالموت!
نهاية معروفة بالطبع أنت تعلم قبل دخول الفيلم أن البطل سينتصر على الأعداء، وسيتم تحرير المركب وإظهار بطولته بعد أن تعلّم شيئاً جديداً من هذه التجربة "شغل أفلام عربي"، لكن ما لم أتوقعه أو أتخيّله أنا وباقي المشاهدين!! أن تكون طريقة تحرير المركب هي اعتماد البطل على التوقيع بين القراصنة بكلام لم نسمعه، واكتفى المخرج وائل إحسان بعمل "فوتو مونتاج" للبطل وهو يضع فمه في أذن كل قرصان، بينما تتسع أعين القراصنة من الغضب وكأنهم لا يصدقون ما يسمعون، فتكون النتيجة أنهم يتقاتلون فيما بينهم، بينما يستغل ركّاب المركب ذلك القتال لإعادة السيطرة على الموقف وتحرير أنفسهم!! فهل يمكن أن يحدث هذا الكلام سواء في فيلم عربي كوميدي أو حتى هندي، أو حتى صومالي؟!! ده العيال ما بقاش حد يعرف يضحك عليها يا جماعة ويوقع بينها.. والله عيب!
البقية تأتي مخرج الفيلم وائل إحسان اهتم بالجمل البصرية التي تمتع عين المُشاهِد، والتدقيق في اختيار الزاوية التي تعطي الروح والحركة طوال الوقت، بينما غفل عما هو أهم من ذلك؛ سواء المضمون الذي جاء غير متماسك، والمَشاهِد التي شعرت في كثير من الأوقات أنها غير مترابطة، بخلاف الثغرات التي تسخر من عقلية المُشاهِد. بينما أجمل ما في الفيلم هي الموسيقى التصويرية التي جاءت أكثر من رائعة، وموظفة في كل مَشهد تمام التوظيف، وكذا جاء الديكور بالمسطرة على مقاس الفيلم بشكل ينمّ عن ذوق رفيع وفهم متأنٍ لطبيعة الفيلم من مهندس الديكور أكثر من كاتبه يوسف معاطي!
كلمة أخيرة لا زلت يا هنيدي تمشي على سطر وتترك الآخر، دون أن تثبت على مستواك القديم الذي عشقك فيه الجمهور بشخصيتك البسيطة؛ حين كنت أصلعاً وترتدي ملابس متواضعة.. مثلك مثل الزعيم عادل إمام الذي ما إن ترك الجينز، والقميص العادي، وبالغ في نظرته الصارمة المطلّة من تحت نظارته الشمسية الغالية، وبذلته الباهظة الثمن، متقمصاً دور الزعيم طوال الوقت، حتى فَقَدَ زعامته التي منحتها له الجماهير بفضل قربه منهم، وسحبتها لإحساسهم بالتعالي عليهم، وعدم الإحساس بهم.