تنوعت مقالات في الصحف الصادرة صباح اليوم ما بين حالة صدمة مستمرة من أحداث يوم الجمعة والسبت الماضيين، والتي ما زالت بعض أثارها مستمرة، أو تحليل لأسباب وصول مصر لهذه الحالة، والعوامل التي خلّفت هذا الكم من أطفال الشوارع الذين لا يمانعون حرق المجمع مقابل 50 جنيه، بل حرق مصر كلها إن تطلّب الأمر. فيرى د. حسن نافعة في عموده بجريدة المصري اليوم بعنوان "رفض التوريث لا يعني قبول التغيير"، أن القوات المسلحة ربما كان في نيتها عندما رفضت مشروع التوريث لم يكن باعثها في ذلك رفض مشروع التوريث، بقدر ما كان باعثها أن ابن الرئيس هو شخص مدني محاط بشلّة فاسدة. وأضاف نافعة أن الوضع ربما كان أكثر اختلافاً لو كان جمال مبارك على سبيل المثال شخصاً عسكرياً وليس شخصاً مدنياً، أو ربما اختلف الوضع لو كان الرجل يتمتع بقبول جماهيري واسع، ولكن أن يتولى الحكم شخص مدني ومحاط بشلة فاسدة وفي إطار مشروع توريثي يعوق دعائم الدولة الجمهورية، التي تفخر القوات المسلحة دائماً بأنها ساهمت في إرسائها بمصر، فذلك لم يكن مقبولا بأي حال. ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن القوات المسلحة ما زال أمامها الفرصة من أجل أن تثبت للمصريين أن رفضها مشروع التوريث كان رغبة في التغيير، وأنها جادة في نقل السلطة للمدنيين، ولا تطمع في أن يكون رجل الدولة عسكريا بالأساس. من جهته يرى د. خالد منتصر في عموده "خارج النص" بالجريدة نفسها أن حريق المجمع العلمي أعاد إلى الأذهان قضية أطفال الشوارع، متسائلا في الوقت نفسه: قبل أن نسارع بإلقاء وصبّ اللعنات فوق رؤوسهم.. ماذا فعلنا لهم؟ فبحسب منتصر لم نقدم لهؤلاء سوى إغلاق زجاج نوافذ السيارات أمامهم عندما يقدمون علينا لبيع المناديل، لنتركهم يحترقون أسفل الكباري وفي صناديق القمامة، وينام وسط إخوته العشرة وأم وأب لا يتواريان عن ممارسة حياتهما الطبيعية أمام عينيه. وبناء على كل ما سلف يرى منتصر أنه كان من البديهي أن يقبل ذلك الطفل المهمّش أن يحرق المجمع العلمي بخمسين جنيه بل ومصر كلها.. فهل ننتظر منهم أن يفهموا القيمة التاريخية لشيء مثل المجمع العلمي؟ رولا خرسا هي الأخرى ناقشت الأزمة نفسها وهي أزمة أطفال الشوارع في عمود "إنسانيات" وقالت إن مشكلة هؤلاء أن أغلبهم ضحية للتفكك الأسري وقوانين الشارع وقيمه، والتي أهم قيمة فيها أنه لا قيمة على الإطلاق؛ فالشذوذ وتناول المخدرات هي أهم أبجديات هذا العالم، وبالتالي فاللوم هنا ليس على المرحلة الحالية أو على الثورة بقدر ما هو لوم على العصور الماضية التي خلقت هذا المجتمع من الأطفال المشرّدين. أما الكاتب الكبير فاروق جويدة فقد عبّر في عموده "هوامش حرة" في الصفحة الأخيرة بجريدة الأهرام اليومية في مقاله المعنون ب"كلنا خاسرون" عن استيائه من تورط الجيش في مواجهات مع الشعب المصري بهذه الصورة. وقال جويدة إن قوات الجيش كانت لديها حلول كثيرة لتفريق المعتصمين من أمام مجلس الوزراء بصورة أخرى، غير الصعود فوق أسطح المنازل من أجل إلقاء الطوب وسحل الفتيات وتعريتهن بهذه الصورة المهينة، خاصة وقد سمح بأن يتسلل إلى صفوفه بعض من فلول الحزب الوطني المنحلّ. ووفقاً للشاعر الكبير فقد خسر الجميع في تلك المواجهات الأخيرة؛ خسرت النخبة المصرية الشارع بعدما نأت بنفسها عن هذه المواجهات، وخسر الثوار عندما سمحوا للبلطجية بأن يتسللوا بين صفوفهم، وخسر الجيش من رصيده لدى الشعب بأن تورّط في مواجهات مع الشعب الذي مفترض به أن يحميه. أما الكاتب عماد العريان فقد أكد في مقال بعنوان "حروب كرة القدم" أن من أشهر الدول التي حدثت نزاعات بينها كانت بسبب مباريات كرة القدم كانتا الهند وكوستاريكا، فكانت حربا حقيقية استُخدمت فيها الجيوش والدبابات والطائرات، ولكن مصر هي الدولة الوحيدة التي يقوم فيها نزاع بين الجيش وشعبه؛ بسبب كرة قدم تخطّت سور مجلس الشعب! ويرى العريان أن تعامل الجيش غير الحكيم مع الاعتصام تسبب في وضع مصر في نيران المؤسسات الدولية، التي اتهمت مصر بالفشل في إدارة المرحلة الانتقالية، فعلى الرغم من أن "المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين"، إلا أن مصر لدغت مع الأسف أكثر من مرة من الجحر نفسه، فهكذا كان السيناريو في أحداث شارع محمد محمود، وأمام ماسبيرو أحداث مسرح البالون، فدائما ما يبدأ الأمر بتفريق الاعتصام، وينتهي بإراقة الكثير من الدماء. كما اتفق الكاتبان صلاح منتصر وأيمن أبو عايد بجريدة الأهرام مع مبادرة العالم المصري الكبير الدكتور أحمد زويل بضرورة إخلاء الثوار للميدان؛ حتى يُمكن تمييز البلطجية والمخربين من الثوار الحقيقيين الذين لا يقبلون بكل شك حالة التخريب التي تحدث حالياً في منشآت الدولة. أما الكاتب جمال الغيطاني فقد عبّر في مقاله "يوميات" بالصفحة الأخيرة من جريدة الأخبار عن حزنه الشديد لتدخل قوات الجيش لفضّ اعتصام مجلس الوزراء، مستغربا من مشاهد السحل والتعرية والضرب، مستحضراً في الأذهان موقف العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية مشاة ميكانيكي الذي أسرت فرقته ضابطاً إسرائيلياً برتبة متوسطة، وتم اقتياده إلى حيث وجود العميد حسن، وبمجرد أن وقف قبالته تم فكّ وثاقه وأدى التحية العسكرية لقائد الفرقة الذي ردّ التحية بالمثل. ويقول الغيطاني إنه تصادف وجود أحد الإعلاميين في هذا الموقف، فأبدى استغرابه الشديد تجاه هذا التصرف من قائد الفرقة، فرد عليه الأخير قائلاً: "إن شرفي العسكري يمنعني من إهانة أسير، لقد انتهى دوره كمقاتل عدو منذ سقوطه أسيراً".