يظن البعض أن اهتمام الحكومات الخليجية بالتنوير أو الثقافة والأدب عموماً أتى خلال النهضة الاقتصادية التي جرت في السبعينيات، جرّاء الارتفاع المفاجئ والتاريخي في أسعار النفط، ورغم أن الخليج العربي دخل عصر الحداثة بالفعل خلال تلك المرحلة، إلا أن اهتمام الحكومات الخليجية بالتنوير ودعم الحركة الثقافية سبق الثورة النفطية التي جرت في السبعينيات. ولعل مجلة العربي الكويتية التي تحتفل بالعيد الخمسين لإصدارها واحدة من منارات التنوير الخليجي في عصر ما قبل ارتفاع سعر النفط، بل وأتى هذا الاهتمام من قبل حاكم الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح بينما لا تزال الكويت تحت الحماية البريطانية.
وهكذا في 8 ديسمبر 1958 خرج العدد الأول من مجلة العربي الكويتية إلى النور، برئاسة تحرير الكاتب المصري الدكتور أحمد زكي، وهو واحد من مفكري الحقبة الليبرالية في مصر، وصدرت المجلة عن وزارة الثقافة الكويتية.
تناولت المجلة منذ صدورها أبزر مستجدات الحركة الأدبية والثقافية والفكرية العربية والعالمية، شارك في كتابة مقالاتها أبرز الأدباء والشعراء؛ مثل: عباس محمود العقاد، نزار قباني، عبد الهادي التازي، إحسان عباس، يوسف إدريس، صلاح عبد الصبور وغيرهم.
منذ صدورها قبل خمسين عاماً وحتى اليوم، شكّلت "العربي" رمزاً عربياً ثقافياً متميزاً، فقد نجحت في طرح صيغة جديدة لمعنى المجلة الثقافية. كما أنها لم تتوقف عن الصدور منذ التأسيس عدا سبعة أشهر هي فترة الاحتلال العراقي للكويت.
ويلاحظ أن الحاكم الذي صدرت في عصره مجلة ثقافية مميزة بهذا الشكل، هو ذاته الذي قاد الكويت للاستقلال عن الاحتلال البريطاني، وسنّ دستورا كويتيا فقامت دولة متقدمة على ضفاف الخليج العربي، وحظي بعلاقات حسنة مع الزعيم المصري ذي الشعبية الجارفة وقتذاك جمال عبد الناصر، وكان الأخير سنداً له في محاولة الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم للتحرّك عسكرياً حيال الكويت خلال الستينيات في واحدة من حلقات الادّعاء العراقي المستمر بتبعية الكويت للعراق، وهو يثبت التاريخ والجغرافيا زيف وبطلان هذا الادّعاء.
وتعاقب على رئاسة تحرير المجلة عدداً من الأسماء اللامعة، فكان رئيس التحرير الأول هو وزير الشئون الاجتماعية المصرية السابق، وأول كيميائي مصري في العصر الحديث الدكتور أحمد زكي، حيث ترأس تحرير المجلة منذ تأسيسها عام 1958 وحتى وفاته عام 1975.
وفي عام 1976 وقع اختيار وزارة الثقافة الكويتية على نائب رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين الأسبق، ونقيب المصريين الأسبق الأستاذ أحمد بهاء الدين لترؤس تحرير المجلة، وشغل بهاء هذا الموقع حتى عام 1982.
وكما جرى في العديد من المناصب في منطقة شبه الجزيرة العربية، يقوم رواد التنوير في مصر والشام بتأسيس وشغل تلك المناصب إلى أن تتواجد كفاءات محلية قادرة على تولي هذه المهمة، وهكذا كلفت وزارة الثقافة الكويتية الدكتور محمد غانم الرميحي -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت- ليصبح أول كويتي يتولى رئاسة تحرير المجلة وثالث رئيس تحرير في تاريخها.
وعلى أثر تولي الرميحي منصب أمين عام للمجلس الوطني للثقافة والآداب بالكويت عام 1998، تم اختيار الباحث وأستاذ التاريخ بجامعة الكويت الدكتور سليمان إبراهيم العسكري؛ ليصبح رابع رئيس تحرير لمجلة العربي الكويتي عام 1998 وحتى لحظة كتابة تلك السطور.
وأدى نجاح العربي الكويتية إلى فتح جديد للصحافة الأدبية في الإعلام الخليجي، فأصدرت إمارة دبي مجلة دبي الثقافية، وأصدرت دولة قطر مجلة الدوحة الثقافية، وتسابقت وزارات الثقافة في الخليج العربي في إصدار مجلات ذات سعر رمزي وذات طباعة فاخرة ومحتوى دسم.
وختاماً تعتبر مجلة العربي الكويتية رائدة الصحافة الأدبية الخليجية من جهة، ورمزاً للتنوير الثقافي بالكويت في مرحلة مبكرة عن النهضة الاقتصادية خلال السبعينيات.