تصريحات تليفزيونية لرئيس الوزراء من أول مصنع في مصر وأفريقيا لشركة BSH المملوكة لمجموعة "بوش" الألمانية لتصنيع الأجهزة المنزلية    وزير الزراعة يبحث مع وزير المصايد والأمن الغذائي الهولندي تعزيز التعاون المشترك بين البلدين    المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: الاحتلال استهدف أكثر من 253 مركزا للإيواء منذ 7 أكتوبر    "زيلينسكي" يعيد تشكيل هيئة أركان الجيش ويعين قائدا جديدا للقوات المشتركة    نجم مانشستر سيتي يكشف خطة بيب جوارديولا للفوز على يوفنتوس    مدرب بالميراس: لن نُغيّر أسلوبنا أمام بوتافوجو وسنسعى لإيقافهم    أيامه أصبحت معدودة.. تفاصيل العروض الخارجية لضم وسام أبو علي من الأهلي    عزاء مجمع لضحايا حادث الطريق الإقليمى بمحافظة المنوفية    عودة الهضبة وعمرو مصطفى للتعاون الفني.. أبرز ملامح ألبوم عمرو دياب الجديد    شيماء عبد الحميد.. من مدرسة الصنايع إلى كلية الهندسة ثم وداع لا يُحتمل    أحمد السقا يشوق الجمهور لفيلمه الجديد مع أحمد فهمي "أحمد وأحمد"    بدء فعاليات اليوم العالمي للتبرع بالدم.. ما هي الأماكن الثابتة والمتحركة للتبرع فى القاهرة؟    وزير التعليم العالي ومحافظ دمياط ورئيس جامعة دمياط يفتتحون ويتفقدون عددًا من المشروعات التعليمية والصحية بجامعة دمياط    مشجع بالنادي المصري يهدي وزير الرياضة "بوكيه ورد"    احتجاجات في إسرائيل للمطالبة بصفقة تبادل ووقف حرب غزة    تعرف على شهيدات الكرامة والعمل.. قصص ضحايا حادث المنوفية الإقليمي    الثانوية العامة 2025|التعليم تنفي إصدار قرارات بمجازاة مسؤولين في امتحان الفيزياء    هشام عاصي: مسئولو محافظة المنوفية يتهربون من الحديث عن كارثة حادث الإقليمي ولا يردون على اتصالاتنا    تحذيرات من عواصف وأمطار رعدية في الصين    آخر موعد لتقديم إنهاء طلبات المنازعات الضريبية    الطائفة الإنجيلية تنعى ضحايا حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية    الاتحاد الإفريقي يرحب بتوقيع اتفاق سلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    نقل حي ومُباشر لمبارايات الأدوار الإقصائية لكأس العالم للأندية من أمريكا حصريًا على شاشة MBC مصر2    نادر السيد: مشاركة الأهلي في مونديال الأندية مشرّفة.. والزمالك أولوية نجلي    عاجل| الحكومة تقرر صرف 1500 جنيه لهؤلاء المواطنين بعد شهريين: شوف لتكون منهم    نقيب المحامين ينعي ضحايا حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية    مصر تدين اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية    وفاة 12 حاجًا من حجاج السياحة    الأرصاد تحذر: حرارة محسوسة 39 درجة بالقاهرة الكبرى.. وارتفاع الرطوبة يزيد الإحساس بالطقس    الحبس سنة لمتهم قتل شخصا في الإسكندرية.. ووقف تنفيذ العقوبة لمدة 3 سنوات    إسفكسيا الغرق وراء وفاة شاب بمياه الرياح الناصري    وزيرة البيئة: "جرين شرم" يقود تحول شرم الشيخ لأولى الوجهات السياحية الخضراء    حقيقة خصخصة الجامعات الحكومية وإلغاء مجانية التعليم| مجلس الوزراء يكشف    قصة كفاح مهندسي مصر من أجل تحقيق حلم.. 8 سنوات تلخص رحلة إنشاء مصيف مطروح.. 25 مليون جنيه تكلفة المشروع    وزير الثقافة يشهد احتفالية البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية بذكرى 30 يونيو    في هذا الموعد.. شيرين عبدالوهاب تحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان موازين ب المغرب    12 أكتوبر.. روبي تحيي حفلا في فرنسا    تحت رعاية وزير الثقافة.. انطلاق التحضيرات لمهرجان أكاديمية الفنون للعرائس وتعيين إدارة تنفيذية جديدة    عاجل... مجمعة التأمين تصرف 100 ألف جنيه لكل متوفى بحادث المنوفية    رونالدو: لسنا سعداء ولكنني أؤمن بمشروع النصر    "الصحة" تعلن توقيع 10 بروتوكولات ومذكرات تفاهم بمؤتمر صحة إفريقيا    للتخلص من السعال وبرد الصيف.. طبيبة تنصح بتناول هذا المشروب    اليوم، امتحان مادة "اللغة الإنجليزية" لطلاب القسم العلمي للثانوية الأزهرية    الأهلي يتحرك لحسم ملفات الموسم الجديد.. جلسة فنية بين ريبيرو ويوسف.. الأحمر ينهي صفقة جديدة.. إغراء أبو علي للاستمرار مع الفريق.. واجتماع حاسم للإدارة    6 علاجات منزلية للتخلص من أعراض القولون العصبي    الدقهلية تستعد لاستقبال رئيس هيئة السكة الحديد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 28-6-2025 في محافظة قنا    مع شروق الشمس.. أفضل الأدعية لبداية يوم جديد    إذا أردت أن تتصدق علي صحة جسدك.. فعليك بإقامة تلك الصلاة    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : شهداء لقمة العيش!    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    «الجبهة الوطنية»: صرف 100 ألف جنيه لأسر المتوفيين و50 ألف للمصابين بحادث المنوفية    رسميًا.. موعد إجازة ثورة 30 يونيو 2025 للقطاع العام والخاص بعد قرار رئيس الوزراء    ستجد نفسك في قلب الأحداث.. توقعات برج الجدي اليوم 28 يونيو    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد خالد توفيق يكتب: أنا أتذكر (5).. سديم
نشر في بص وطل يوم 01 - 12 - 2011


برد .. برد .. برد.
من القسوة أن يموت المرء بينما البرد يلتهم أطرافه.. كنت آمل في ميتة مشمسة دافئة نوعًا...
نباح الكلاب من بعيد وأنا أركض مذعورًا..
************
الكلاب لم تكن تنبح في تلك الليلة منذ أعوام، بل كانت تزوم.. وكانت سديم تتقدم المشهد.. الأسمال التي تلتف بها تتطاير في ضوء القمر الشاحب.. كانت تتقدمني بخطوات بطيئة. برغم كل شيء كانت فيها لمسة من فتاة صغيرة لعوب.. كأنها صورة ساحرة تم تشويهها وحرقها..
الكلاب كانت تحيط بنا في دوائر وهي تنبح.. ثم تتراجع للخلف دون أن تبعد عيونها وتنفتح الدائرة... سديم تصدر صوت هسيس غريبًا.. أعرف هذا لأنها تتقدمني لكن لا أنظر لها أبدًا.. أكتفي بالنظر إلى قدمي؛ لأني لو رفعت عيني لرأيت..
وكنت أعرف أن الكلاب تراها جيدًا.. أنا أراها جيدًا.. الناس لا يرونها على الأرجح...
كانت تحكي لي عن أشياء....
عن الطفلة الساحرة سديم التي تلهو في حديقة الأسرة ليلاً.. عن الأب طيب القلب الذي يجلب لها لعبة قطار ودمية تتكلم.. ماما.. بابا.. عن الأم الرقيقة التي تتظاهر بالحزم أحيانًا... عن الأخ الأصغر المزعج... عن الحياة الكاملة التي فرّت من أناملها..
- "أنا أحبك يا محمود".
ولأنها تحبني تحميني من كل كلاب المقابر ذات الشعر المنتصب حول العنق.. تحميني من الزئير الغاضب الخفيض..
في ليلة أخرى كانت هناك يد قوية امتدت لتحيط عنقي من الخلف، وشعرت بالمعدن البارد تحت ذقني وسمعت صوتًا لاهثًا في أذني:
- "نقودك بسرعة.."
سمعت صوت فحيح غريب أتى من مكان ما..
مددت يدي الراجفة في موضع الحافظة من سترتي، وحاولت أن أخرج الحافظة لولا أن تخلت عني تلك القبضة.. ولما نظرت رأيت هذا الوغد مكومًا على الأرض..
رأيت الخيال المميز لسديم في الظلام.. لا أعرف إن كان رآها أم لا لكنه بالتأكيد سمعها.. فهي صاحبة الفحيح... وكانت تقول:
- "معذرة.. هذه من حيلنا المعروفة!
************
أخيرًا رأيت ثلاثة كلاب تركض نحوي في حديقة القصر الشاسعة.. كلاب جلال الشريف السوداء من طراز (روتوايلر) التي تبدو كالبلطجية الخارجين من السجن.. كتلة عضلات حية تركض نحوي.. لا بد أن جلال هذا مجنون.. لن يستطيع أي حارس أن يسيطر عليها في الوقت المناسب.. هذه عملية إعدام وليست تخويفًا.. رفعت يدي محتجّا كما كنا نفعل ونحن أطفال.. كأنني أقول: مش لاعب يا كابتن .. دي مش طريقة..
لا بد من شجرة في مكان ما.. لكن لم أجد شجرة.. وجدت ثلاثة مقاعد تحت عمود إضاءة، فأمسكت بأحدها ورفعته.. إن القوة العضلية لهذه الوحوش تكفي لإطارة المقعد من يدي فورًا..
يجب أن أتماسك..
كلب رابع آت من بعيد..
وثب كلب باتجاهي فتراجعت لأجد أن الآخر ينهي وثبة طاشت..
سقطت على الأرض وسقط المقعد من يدي، ولا أعرف كيف وجدت الإلهام...
الهسيس..
الهسيس الذي أطلقته سديم في تلك الليلة وجعل الكلاب تتراجع... إنني قادر على أن أفتعله بحنجرتي..
وعندما نهضت على قدمي فوجئت بأن الكلاب تتراجع.. لا تبعد عيونها عني لكنها تقف صفًا وتتراجع للخلف... هذه حيلة تعمل..
لم أنظر للخلف ورحت أركض.. لكني كنت أعرف أنها لا تقتفي أثري.. أصوات أقدامها ثقيلة جدًا ولا يمكن ألا تسمعها فوق العشب الرطب..
توقفت ونزعت سترتي.. ألقيت بها بعيدًا وكذا فعلت مع ربطة عنقي..
الحذاء.. سوف أتخلص منه.. الجورب..
إن هناك أشياء كثيرة تحمل رائحتي في عدة مواضع.. وإن كنت فعلت هذا بسبب الحر وليس التضليل.. البرد الذي كان يقتلني تحول إلى حر يقتلني كذلك...
- "توقّف!"
ورأيت من بعيد حارسين يركضان نحوي.. عرفت الرأس الصلعاء والأناقة المفرطة في الظلام... لم يكونا مسلحين.. لماذا يحمل شخص بهذا الحجم سلاحًا؟ رحت أركض وأنا أعرف أنهما يركضان خلفي، وكنت سريع الحركة لذا عرفت أنني سأتعبهما قليلاً.. من بعيد أرى حمام السباحة العملاق يسبح في الأضواء وتطفو فوق مياهه البالونات الملونة من بقايا الحفل...
- "الفحيح يا محمود .. جرّب الفحيح!!"
أي فحيح؟ ثم تذكرت.. اللص يلفّ ذراعه حول عنقي وسديم تطلق ذلك الصوت الغريب.. معذرة.. هذه من حيلنا المعروفة!
أطلقت الفحيح.. وللحظة تصلّب الرجلان وهما يراقبان ما أفعل... لا يفهمان سر هذا الخبال الذي أصابني فجأة... ثم بلغت التردد الصحيح والنغمة الصحيحة.. عندها رأيت أن أرجلهما تتخاذل..
يسقطان.. لكنهما ينهضان ثانية وقد أمسك كل منهما برأسه..
ليست حيلة ناجحة جدًا...
ومن بعيد أرى المزيد من الرجال قادمين.. معهم كلاب.. وقفت حيث أنا وقد أدركت أن المزاح انتهى على الأرجح. وسط الرجال كان أحدهم يتقدم في ثبات وهو يضع يديه في جيبيه.. مثالاً للسيطرة وقوة الشخصية..
كان هو جلال ذاته..
كانت عيناه تلمعان..
************
التفت الذراع حول جلال وجرّته إلى حمام السباحة (رسوم: فواز)
هكذا كانت عيناه تلمعان بعد انتهاء الحفل..
سديم الصغيرة الجميلة تركض في حديقة دارها.. الكل بالداخل يمرحون، وعمو جلال الشاب يمشي وسط الأشجار.. هناك تعريفات كثيرة للنجاح لكن من بينها أن يكون عندك قصر مثل هذا.. ستعرف أنك قد بلغت القمة.. ستعرف أنك لا تملك أرزاق الناس لكن تملك حياتهم كذلك...
هنا يرى الغزال الرقيق الطفل يجري.. وحده..
ينظر لها بعض الوقت ثم يناديها.. سديم..
- "عمو جلال.."
ثم رأت عينيه...
كانت عيناه تلمعان بذات البريق..
سديم تصرخ وتركض في الحديقة خائفة.. سديم تنادي أباها.. جلال يحاول اللحاق بها.. يا لك من حمقاء.. سوف يجذب صراخك الجميع...
في النهاية تمكّن منها.. وضع يده على فمها.. نظر حوله.. لن تخرس أبدًا.. لن تخرس.. لماذا يا سديم؟ ترين أنني ضحية.. حتى عندما ألقيت بك في حمام السباحة البارد ورحت أضغط رأسك تحت مستوى الماء كنت أنا ضحية.. أنت جعلتني أفعل ذلك..
لقد صرت جثة طافية يا سديم.. أنا آسف.. الغلطة غلطتك...
البقاء لله يا فتحي بيه.. كلنا سنلقى النهاية ذاتها... لو أردت أي شيء اتصل بي.. هل حقًا تريد بيع هذا القصر؟ سأجد لك زبونًا مناسبًا..
تماسك.. تماسك..
************
- "تماسك يا أستاذ محمود.. أنت رجل ناضج.. سوف نتفاهم".
ثم أخرج سيجارًا وأشعله ليبدو وغدًا.. نفث الدخان بكثافة بينما الرجال يحيطون بي..
تراجع بظهره قليلاً ليصير بيني وبين حوض السباحة حيث تسبح البالونات. فجأة حدث كل شيء..
فجأة انشق الماء ليخرج هذا الشيء المبتل.. الشيء الملفوف في أكفان.. شيء أعرفه جيدًا.. فجأة التفت الذراع حول جلال.. فجأة جرّته الذراع إلى حمام السباحة...
صرخ في هلع.. لكن الحقيقة أن كل شيء تم بسرعة إلى درجة أن الرجال لم يتحركوا.. ظلوا يراقبون المشهد في رعب.. حتى الكلاب تراجعت للخلف بلا صوت...
الماء انتثر... الماء يفور... جلال يصرخ كأن تمساحًا يمسك به بين فكيه..
في النهاية ساد السكون.....
وعندما ساد السكون بدا الرجال كأنهم جنود مات قائدهم ولم يعودوا على استعداد للقتال لحظة واحدة أخرى... ومن بعيد جاءت الفتاة شيرين وكانت تبكي.. لقد انتهت المسرحية نهاية دامية حقًا..
************
أحبك يا سديم..
وأنت تحبينني حقًا..
هناك أجزاء فهمتها وأجزاء لم أفهمها بعد. مثلاً فهمت لماذا بدأت أهتم بجلال وأكتب عنه.. أنت أوحيت لي بذلك.. كان هذا هو الانتقام. لكن ما لم أفهمه بعد هو هل كان هذا القصر هو قصر أبويك فعلاً؟ لم أستطع التأكد من هذه النقطة، ولم أعرف إن كان هذا هو حمام السباحة الذي مت فيه أم لا.. لقد استطاع جلال أن يخفي التاريخ القديم لهذا القصر.. لكن لو كان هذا هو القصر ذاته فأعصاب الرجل قوية جدًا، دعك من أنني لا أفهم لماذا تركته كل هذه الأعوام واخترت الليلة.. ما لم يكن خوفك عليّ جعلك تفعلين ما لم تعتادي فعله، وتعبرين الحدود المحرمة بين العالمين..
لماذا لم تساعديني وأنا في الحديقة؟ يبدو أن سبب هذا هو أنك مرتبطة بمياه حمام السباحة فقط، على أن ما تعلمته منك أفادني كثيرًا..
الحراس لم يفهموا شيئًا ولم يروا ما حدث جيدًا.. قالوا إن جلال بيه أصابه الهلع فجأة وسقط في حمام السباحة... قد أكون أنا محقًا وتكونين أنت من فعل هذا، وقد يكونون هم محقين وأنا مخرف كبير..
ما أعرفه يقينًا هو أنك لي وأنني أحبك..
يومًا ما سيتم اللقاء النهائي بيننا وتتحطم كل الحواجز..
يومها هل ستعرفين وجهي؟ هل ستتذكرين اسمي؟ هل ستعنين بي في رحلتنا المرعبة عبر الظلمات، كما فعلت بياتريس مع دانتي في (الكوميديا المقدسة)؟
سوف نرى.. سوف نرى..
تمت
لقراءة الأعداد السابقة من "أكشن" اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.