أعدّه: كريم رمضان بعد مرور نحو 24 ساعة على بدء الهجوم بدا واضحا أن الجيش المصري نفّذ المرحلة الأولى من الخطة "بدر" التي وضعها الفريق الشاذلي بنجاح غير متوقع، لدرجة أن القيادة العامة لم تصدر أي أمر لأي وحدة فرعية؛ فقد كانت القوات تؤدي مهامها بمنتهى الكفاءة والسهولة واليسر كأنها تؤدي تدريبا. ووفقا للخطة "بدر" لم يعد أمام القوات المصرية سوى انتظار وصدّ الهجوم الإسرائيلي المضاد والمتوقع خلال ساعات. وفي يوم 11 أكتوبر طلب وزير الحربية بناء على تعليمات السادات البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة، بما يعني تطوير الهجوم إلى خط المضايق؛ بحجة تخفيف الضغط على الجبهة السورية، لكن الشاذلي عارض بشدة أي تطوير خارج نطاق ال12 كيلو التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، وقال الشاذلي صراحة: "إذا نحن قمنا بهذه العملية فإننا سوف ندمر قواتنا دون أن نقدّم أية مساعدة؛ لتخفيف الضغط على الجبهة السورية". وفي اليوم التالي (12 أكتوبر) أعاد الوزير طلبه من الفريق الشاذلي بتطوير الهجوم نحو المضايق، إلا أن الشاذلي صمم على موقفه المعارض من أي تطوير للهجوم خارج مظلة الدفاع الجوي. وبعد ظهيرة اليوم نفسه كرر الوزير طلبه للمرة الثالثة، وقال إن القرار السياسي يحتم تطوير الهجوم نحو المضايق، وإن ذلك يجب أن يبدأ غدا (13 أكتوبر)، فقامت القيادة العامة بإعداد التعليمات الخاصة بتطوير الهجوم وإرسالها إلى قائدي الجيشين الثاني والثالث. وفي الساعة الثالثة والنصف اتصل اللواء سعد مأمون -قائد الجيش الثاني- بالشاذلي؛ ليخبره باستقالته ورفضه تنفيذ الأوامر، وبعدها بدقائق اتصل اللواء عبد المنعم واصل -قائد الجيش الثالث- بالقيادة ليبدي اعتراضه على الأوامر. قال الفريق الشاذلي لرئيسي الجيشين إنه نفسه يرفض تطوير الهجوم، لكنه أجبر على ذلك. قام الشاذلي بعد ذلك بإبلاغ الفريق أول أحمد إسماعيل باعتراضات قائدي الجيشين الثاني والثالث، فتقرر استدعاؤهما لحضور مؤتمر بالقيادة العامة استمر 5 ساعات، وانتهى بتصميم الوزير على تنفيذ القرار السياسي بتطوير الهجوم، لكنه عدل موعده من فجر يوم 13 أكتوبر إلى فجر يوم 14 أكتوبر. وكان على القوات المصرية التي ستنفّذ التطوير وقوامها 400 دبابة أن تواجه 900 دبابة معادية في المكان الذي يختاره العدو، وتحت سيطرة جوية معادية! كان الهجوم فاشلا بكل جدارة كما توقّع الشاذلي، حيث خسرت القوات المصرية في هذا اليوم الأسود 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودات من بدء التطوير، وهو عدد لم تخسره القوات المصرية في الأيام الثمانية الأولى من الحرب! وكان هذا التطوير هو أول خطأ كبير ترتكبه القيادة المصرية خلال الحرب، وقد أدى إلى سلسلة من الأخطاء التي كان لها أثر كبير على سير المعركة ونتائجها. وبنهاية التطوير الفاشل بدأت القوات الإسرائيلية تنفيذ خطتها المعدة سلفا والمعروفة باسم "الغزالة"؛ للعبور لغرب القناة، وحصار القوات المصرية الموجودة شرقها، ومع رفض السادات اقتراح الشاذلي بسحب بعض القوات إلى الغرب، أصبح ظهر الجيش المصري مكشوفا غرب القناة. فيما عرف بعد ذلك بثغرة الدفرسوار. لقد كان السادات وأحمد اسماعيل يعترضان على كل ما يقدمه الشاذلي من أفكار خلال الحرب، وبعد أن يكتشفا بعد يومين أو ثلاثة أن وجهة نظره سليمة يكون الوقت قد فات. استمر هذا الوضع منذ 12 أكتوبر 73 وحتى وقف إطلاق النار. ويقول الشاذلي إن السادات خشي أن هذه الحقائق لو عُرفت لاهتز موقفه، ولأصبح الشاذلي شخصية شعبية تهدد سلطانه وجيوشه، ولذا عمد بعد الحرب إلى أن يكيل إليه الاتهامات الباطلة. لكن الشاذلي آثر الصمت؛ لأن الوقت لم يكن مناسبا من وجهة نظره لكي يتكلم. واقرأ أيضاً.. عن غلطة عمْر السادات التي حوّلت الثغرة لعدة ثغرات