إن الذين يريدون التأثير في الشعوب لا يستهينون بهذه الشعوب، ولا يسبونهم، ولا يتهمونهم بالمنكفئين في إشارة متدنية لأحوال الشعب المصري، ولا يجعلون من مقالاتهم وما ينشر في جرائدهم خنجرا مسموما يطعن به المتآمرون ظهر شعوبهم وأوطانهم وكذلك يفعل إبراهيم عيسى.. إنني هنا لا أريد ولا أجرؤ أن أشكك في وطنيته ولا غيرته ولا رغبته في أن يرى مصر دولة قوية في مصاف الأمم، ولكنني أختلف في أسلوب تناوله لبعض القضايا. ويسيئني وصفه للرئيس بالفرعون، تمهيدا لوصف شعب مصر بالمستضعفين الجبناء الذين ينتظرون معجزة من السماء تعبر بهم بحر الذل والخضوع، والفرعون بالمناسبة كما جاء في القاموس المحيط: "الفِرْعَوْنُ: لقبٌ لكلِّ ملكٍ من قدماءِ ملوك مصر وأصله بالمصرية (يَرْعو) ومعناه البيت العظيم. وهو: لقبٌ لكل متجبِّر طاغية والجمع: فَراعِنةٌ".... والكل يعلم إلى أي مرمى تشير مفردتك يا إبراهيم. ثم يأتي على وصفه هذا ذكره للشعب المصري مستشهدا بالآية: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}! وهكذا يتكلم إبراهيم عيسى ليستخف هو أيضا بهذا الشعب فيشتري جريدته ويعلو توزيعها ويربح إبراهيم في لعبة المعارضة المال والشهرة، ويحصل على جائزة الصحافة الحرة، ويبدو بطلا من نوع فريد.. حين يرتفع قدره بسباب قومه! يا سيد إبراهيم إن جريدة الشروق الجزائرية في حملتها المسعورة ضد مصر تستشهد بأحد المقالات التي نشرها عندك المصري الذي عاش في كنف قناة الجزيرة -صاحبة أكبر علامة استفهام إعلامية عربية- "أحمد منصور" وهو يسب الحكومة ويسخر مثلك من الشعب المصري، فهل أنت راضٍ عن نفسك؟ وهل أنت راضٍ عن تجارة المقالات في جريدتك التي أصبحت معارضة للحكومة والشعب معا؟ إن التاريخ لم يذكر كاتبا منيرا أو مصلحا اجتماعيا أو سياسيا يحب وطنه وأهله ظل ليل نهار يسب فيهم، ويتهمهم بالكسل والخمول وقبول الاستبداد طواعية، ويريدهم أن يتيقظوا على صوت شتائمه وسبابه، إن من يريد يقظة لهذا الشعب عليه قبلا أن يدرسه ويقرأ تاريخه ويحترم إرادته، فمصر التي تسبها وتسب أهلها سمّاها رسول الله الكنانة.. وذكر أن أهلها في رباط إلى يوم القيامة، وأن فيها خير جنود الأرض فهل أنت وأصحابك من المسيئين لهذا الشعب منتهون؟ وصدقا رغم اختلافي مع بعض السياسات في هذا البلد وخاصة الاقتصادية منها والتي يصبح الرئيس -أي رئيس- وحكومته هم من يخططون لها ومن ينفذونها إلا أنني لست مع المعارضة بالسباب والاستهزاء. وأحمد الله أنني وأنا أحدثك لست ممن ينتمون للحزب الوطني ولا لأي حزب مهترئ آخر في هذا البلد وهم كما نرى أحوالهم جميعا مهلهلون ورغم ذلك تجدهم "كل حزب بما لديهم فرحون".. وأحمد الله أنني لست ممن يقصدون أعتاب الملوك حتى يأكل من فتات المائدة الكاذبة، ولكني وددت أن أقولها لك يا سيد إبراهيم: كف عن سباب هذا البلد وأهله واجعل من جريدتك منبرا للإصلاح إن أردت إصلاحا.. فانشر خطة لإصلاح التعليم أو مقالا ليقظة الضمير الشعبي.. أو اجعل جريدتك تتبنى حلما قوميا أو تزرع الأمل في النفوس.. بدلا من السباب واليأس الذي تزرعه ليل نهار. أما ما يحيط بنا من فساد فواجهه بكل ما أوتيت من قوة، وقل ما شئت في قدحه ولكن تذكّر أن الفساد إذا ظهر في البر والبحر لا يكون سببه فقط حكومة ولا رئيس -أي حكومة وأي رئيس- إنما كما قال تعالى: {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}.. وما إصلاح الناس يأتي السباب والطعن، بل يأتي بالحكمة والموعظة الحسنة، فيا عزيزي كلنا مخطئون في حق هذا البلد، وأنت واحد منا فواجه نفسك كما تواجه الناس.
وقبل أن تلقي الحجر في وجه المخطئ الظاهر لعينيك والشعب الواقف أمامك وكأنك بلا خطيئة انظر في مرآة العاملين معك، انظر في مرآة الذين اتفقوا أو اختلفوا معك باعتبارك رئيس جمهورية جريدة الدستور، وكيف أن البعض يرونك ديكتاتورا، ولا تقبل الاختلاف، وأنك ترى يقينا أنك أكثر وعيا منهم ودراية بما يصلح أحوال جمهوريتك، وأنك تقدم أهل الثقة على أهل الخبرة.. وأنك لا تقبل أبدا أن تتنازل عن عرشك الصغير ولو معنويا بالرأي والمشورة.
إن هذا الرأي ليس ببعيد عنك يا إبراهيم، وهو رأي لا يبعد كثيرا عن رأيك فيمن تنتقدهم ومن تسبهم.. وهذه هي النسخة التي يتداولها البعض لصورتك كحاكم فيما أنت فيه.. ومع هذا ورغم صغر جمهوريتك وباعتبار أن هذا الرأي ربما كان للحاقدين عليك والناقمين على نجاحك، اسمح لي أن أسألك إذا كنت ترضى بأن تقبل من النقد والانتقاد عُشر أو أدنى من ذلك مما توجهه لجمهورية مصر العربية وحاكمها وشعبها؟ ثم اعتبر الإجابة هدية خالصة مني إليك.. اضبط موازينك يا سيدي فإنه لا يجري شيء في ملك الله إلا وهو على مراد الله، "يهب الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء".. وهذه هي رسالتي الأولى إليك.. فأرجو أن تفكر فيها مليا.. أما عن شعبنا المصري فهو من أطيب شعوب الأرض وما تراه تهاونا يراه صبرا، وما تراه انكفاءة يراه مسالمة، وكم من الشعوب التي تهاوت وسقطت ثم تعافت وقامت من سباتها ومن كبوتها، وما بسيف السباب والسخرية توقظ النيام يا إبراهيم. إن هذا البلد سوف يحفظه الله إلى يوم القيامة، فرغم ما في أهلها من عيوب ورغم ما أصابها من كبوات فإنه بلد محفوظ بأمر الله وعنايته.. إنني أتحدث إليك ولا أخشى قلمك، ولست أدري إذا ما كان اطمئناني هذا لشدة يقيني فيما أقول أم لعلمي أنك تعتبر من ينتقدونك أدنى من أن ترد عليهم!! أليست هذه آفة من آفات الشعور بالعلم يا إبراهيم؟ ولكن من منطلق ما كتبت أنت ذات يوم رسالة للرئيس تقول له فيها: "إنك ميت" لتذكره بالموت، أقولها لك وأنت حي ترزق لأذكرك بحقيقة الحياة: "أفق من نشوتك بما آتاك ربك يا إبراهيم" فقد منّ الله عليك بالكلمة ووفقك إليها وجعل منها سهاما فلا تصوبها في صدر مصر، ولا توجهها نحو أبناء شعبك فإنك ملاقٍ مما يصيبهم أجمعين.. وأختتم حديثي برسالتي الثانية، فأبعث إليك ما ردده أديبنا نجيب محفوظ في رائعته ألف ليلة: لا تأمن لهذه الدنيا يا إبراهيم