كتب: عمرو الشوبكي تزايد الحديث عن قانون العزل السياسي، وطالب البعض بضرورة منع أعضاء الحزب الوطني المنحل من الدخول في الانتخابات المقبلة، وحدد البعض الآخر نوعية من أعضاء الحزب لمنعها من الترشح في الانتخابات المقبلة وعدم السماح لها بممارسة العمل السياسي. والحقيقة أن موضوع العزل السياسي من أخطر الموضوعات التي يمكن أن تواجه مجتمعًا من المجتمعات في مرحلة التحول الديمقراطي؛ فبرغم أنه في بعض بلدان أوروبا الشرقية طُبّقت قوانين العزل السياسي على عدد من قيادات الأحزاب الشيوعية الحاكمة، كما حوكم في أمريكا اللاتينية بعض القادة العسكريين الذين ارتكبوا جرائم تعذيب وقتل في عدد من هذه البلدان؛ فإن تطبيق العزل في تجارب النجاح ظل مشروطًا بالتأكد من أن هؤلاء الناس قد ارتكبوا بالفعل هذه الجرائم، وبأن المحاسبين هم القادة الكبار الذين خططوا للفساد والإفساد، وليس البسطاء من ضحايا النظام؛ حتى لو كانوا جزءًا منه. إن النموذج الفج الذي عرفة العراق باجتثاث البعث أدخل البلاد في حرب أهلية، بعد أن حرمت الحكومة كل أعضاء حزب البعث -الذين قُدّروا بالملايين- من حق ممارسة الحياة السياسية، وتحوّلت البلاد إلى ساحة حقيقية للصراع الدموي تحت سمع وبصر القوات الأمريكية. في كل تجارب التحول الديمقراطي الناجحة تم وضع ضوابط لعملية العزل السياسي؛ بحيث لا تُترك للانتقام العشوائي وتصفية الحسابات، كما جرى في العراق، وكما يمكن أن يجري في أي بلد آخر يفتح الباب على مصراعيه للانتقام الشخصي دون أي رادع قانوني أو سياسي؛ فكثير من التجارب الفاشلة فتحت الباب لتصفية الحسابات بين أشخاص اختلفوا في العمل أو كانت بينهم كراهية شخصية؛ فكان الاتهام السياسي للواحد منهم (بأنه عضو في الحزب المنحل والنظام القديم، أو فلول، أو ثورة مضادة) مُعدًّا سلفًّا لتصفية هذه الحسابات، ودخلت هذه المجتمعات في مآسٍ حقيقية وضعتها في مصافّ الدول الفاشلة بامتياز. إن الحالة المصرية تمتلك فرصة ذهبية للعبور من تلك الأزمة، إذا أحسنت التعامل مع قانون العزل السياسي؛ فالتغيير جاء عبر ثورة شعبية وليس غزوًا أجنبيًّا أو انقلابًا عسكريًّا، كما أن هذا التغيير أسقط النظام ولم يُسقط الدولة، كما جرى في الثورات التقليدية التي لم تعرفها تجارب النجاح في ال40 سنة الأخيرة؛ وبالتالي فمصر في حاجة إلى قانون جراحي يحدد أولًا العناصر التي يجب عزلها، وأولها العناصر المتهمة بتزوير وإفساد الحياة السياسية من المحبوسين أو المحكوم عليهم بالسجن من قيادات الحزب الوطني، وهناك أيضًا الناجحون بالتزوير في الانتخابات الأخيرة لمجلسي الشعب والشورى، أما ما عدا ذلك من الأعضاء العاديين، الذين دخلوا الحزب الوطني أسوة بآبائهم وأجدادهم الذين دخلوا أحزاب الحكومة بصورها المتعددة من هيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي وحتى حزب مصر والحزب الوطني؛ فهؤلاء يجب ألا يطبق عليهم قانون العزل السياسي؛ لأنهم ضحايا النظم المصرية المأزومة وليسوا صانعيها. إن على الشعب المصري أن يفخر بأنه لأول مرة منذ عهد مبارك يطبق القانون على كبار الفاسدين في نظامه كأحمد عز، ومَن هم على شاكلته، ويتسامح مع البسطاء وصغار المخطئين؛ فهؤلاء يجب ألا نحاسبهم كما فعلنا مع الكبار، وهؤلاء يجب ألا نطبّق عليهم قانون العزل ولا الغدر؛ لأن العواقب ستكون وخيمة حين سنكتشف أننا نصيب مئات الآلاف من البشر ومعهم ملايين المتضامنين من أسرهم وأهلهم وأبناء أحيائهم وقراهم؛ فحذارِ من الوقوع في هذه الخطيئة. نشر بالمصري اليوم بتاريخ 3/ 9/ 2011