جرت العادة في مباريات الكرة أن يكون هناك فائز واحد، كما أنه في المحكمة يقف القاضي ليعلن في نهاية الجلسة حكما يعتبر انتصارا لطرف من المتنازعين، وهزيمة للطرف الآخر. فهل الحياة كمباراة الكرة أو ساحة المحكمة لا تعترف في معادلاتها سوى بربح طرف وخسارة الآخر؟ هل على المرء أن يعمل بمبدأ (أنا ثم فليذهب الجميع إلى الجحيم) نظرا لأن فوز الآخرين يعد هزيمة له؟ الحقيقة أن معادلات الفوز والخسارة في الحياة تتوقف كثيرا على المبادئ التي يتبناها المرء منا؛ فهناك من البشر من لا يرى سوى نفسه، ولا يعنيه أمر الناس شيئا، كما أن هناك من يهتم بشأن الآخرين حتى لو على حساب نفسه، وهناك من لا يتحرك إلا بعدما يتأكد من أنه سيفوز وبشكل محترم يحقق الراحة للآخرين. أستاذ الإدارة الشهير ستيفن كوفي في كتابه الرائع والمعنون ب(العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية)، أكد على أن هناك ستة احتمالات لمعادلات الحياة:
1) أنا أربح / أنت تخسر: أصحاب هذا المنهج يؤمنون بأن الحياة لعبة مجموعها صفر، ولا يتحقق النجاح بالشكل المرضي إلا بخسارة الطرف الآخر. وأصحاب هذا المبدأ أشخاص لا تنقصهم الشراسة، شرهين للفوز دون النظر لأطراف اللعبة.
2) أنا أخسر / أنت تكسب: لعلك تتعجب من أن يكون هناك شخص يعمل على خسارته مقابل ربح الآخرين، ولكن للأسف هذا كثيرا ما يحدث في حالات عدة منها الإحباط الشديد وعدم الرغبة في الفوز، أو الترف الزائد وعدم توافر الحماسة، وهذا المبدأ يفتقر للإيجابية، ومعتنقوه دائما ما يتصفون بالسلبية وقلة الحيلة.
3) أنا أخسر/ أنت تخسر : هؤلاء هم متبنو قاعدة شمشون (عليّ وعلى أعدائي)، معتنقو هذا المبدأ تركيزهم دائما مصوب نحو المنافس، همه الأول أن يرديه خاسرا، من سماتهم الاتكالية، يخففون وجع الفشل بالنظر إلى فشل الآخرين؛ لذا فهم أشخاص سلبيون، بنيت مداركهم على أسس هشة.
4) أنا أربح / أنت لك الله: ما يهم متبني هذا المبدأ أن يربح دون النظر إلى منافسه، نعم قد لا يتعمد إفشاله لكنه في المقابل لا يحاول أن يشاركه النجاح.
5) لا أخسر / لا تخسر: بمعنى أن يتم التسوية السلمية بين الطرفين دون خسائر، وليذهب كل منا في طريقه.
6) أنا أكسب / أنت تكسب: كلنا نربح، كلنا نلتزم بالاتفاقيات المشتركة، كلنا نبحث عن المصلحة المشتركة. أصحاب هذا المبدأ ينظرون إلى مصلحة الآخر تماما كنظرهم إلى مصلحتهم، يؤمنون بأن مكسب طرف دون النظر للآخر يعد أنانية، وخطأ.
هذه هي المعادلات الست التي نعمل وفقها، ونلتزم بأحدها في الحياة، وبالطبع الخيار الأخير (أنا أكسب / أنت تكسب) هو ما قد نوافق على فاعليته وقوته، لما يوفره لجميع الأطراف من مكاسب مشتركة؛ بيد أن ستيفن كوفي أكد -رغم إيمانه الشديد بمبدأ المكاسب المشتركة- بأننا قد نلجأ للنماذج الأخرى في بعض الأوقات حيث تكون فاعليتها أقوى؛ فنموذج الربح الخسارة هو الفعال في التنافس الرياضي، وقد نلجأ إلى نموذج (أنا أخسر أنت تكسب) إذا وجدنا أن تنافسنا في أمر ما قد لا يستحق ما ننفقه عليه من جهد ومال، وأن خسارة قريبة بسيطة أفضل من الصمود والخسارة الكبيرة فيما بعد. لكن في الأصل يظل نموذج (أنا أكسب أنت تكسب) هو أفضل الخيارات التي يمكن أن يتبناها المرء منا ويعمل وفقها. بيد أن العمل وفق هذه القاعدة ليس بالأمر الهين، ويتطلب توافر بعض الخصائص في الشخصية حتى تستطيع التعامل بها؛ فليس سهلا على المرء -خاصة في زمننا المادي المحموم هذا- أن يشغل باله أمر الآخرين، ويتبنى هم التفكير في مصالحهم، ويبني مصالحه وهو محترس من المساس بمصالحهم.
والمتأمل في المنهج الإسلامي يجد أنه قد ركز على هذا المبدأ بقوة؛ مهيبا بأبنائه على العمل به وتبنيه، ولعل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"؛ تأكيدا على أن الإسلام لم يجعل الأمر اختياريا؛ بل جعله عقديا؛ فالعمل بقاعدة (أكسب / تكسب) شرط في إيمان المرء؛ فلا يتم إلا به.
ومن الخطير أن تدفعك الحياة إلى المعسكر الخاسر عبر تنمية مشاعر الشح لديك؛ فترى أن الخير في أن تكسب وحدك، وأن الكعكة لا تكفي سوى شخص واحد.
وتحديك الأعظم لا يكون في الانتصار الشخصي المجرد بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى سوى الفوز؛ بل يكون في الانتصار الشريف، الذي تتحقق فيه أركان المعادلة (أنا أربح / أنت تربح)، حينها ستتمتع بصدر صافٍ، وقاعدة اجتماعية طيبة، وذهن إيجابي فعال.
الخلاصة: ليس معنى الربح أن نهمل الآخرين؛ بل يجب أن نعمل على أن يشاركونا الربح، ويقاسمونا الفوز، ويغنوا معنا أنشودة النصر.