القناة الثامنة هي الأفضل في التليفزيون المصري هل تعمد بعض القنوات إلى عقد صفقات مع النظام حتى تتركها تعمل؟ قبل أن أثير هذه النقطة يجب أن أشير إلى نقطة أخرى تتعلق بالإعلام الرسمي والإعلام الخاص، فألمانيا وفرنسا لديهما قنوات تابعة للدولة ولكن دورها يتعلق بمهام خدمية في الصحة والتعليم والبيئة. وأنا قلت بنفسي قبل ذلك للسيد صفوت الشريف -وزير الإعلام السابق- في إحدى الجلسات الخاصة، إن أحسن قناة في التليفزيون المصري هي القناة الثامنة، فهي قناة صعيدية حقيقية، تتحدث عن مشاكل الزراعة وتلعب دورًا تنمويًا، وتقوم بالدور الخدَمي للتليفزيون الرسمي، لكن مجال التنافس السياسي لا بد أن يكون مستقلاً. ولكن وعلى الرغم من ذلك؛ يقول الإعلامي فاروق أبو زيد إن النظام يملك 70% من الإعلام المستقل، وهو ما يتعارض مع نظام الدولة الذي يطبق سياسة السوق الحرة، وهذا يجعلنا نتساءل عما إذا كنا نعيد اختراع العجلة فيما يتعلق بالنظام الرأسمالي، فإذا كنا نطبق النظام الرأسمالي اقتصاديًا فيحب أن يقابل ذلك حريةٌ في الإعلام، من خلال ملكية محررة لوسائل الإعلام، والمثال الواضح على ذلك أنه لم يتمكن أي من المعارضين أن يؤسس قناة تليفزيونية خاصة، وعلى العكس فكُل مُلاك القنوات الخاصة إما رجال من الحزب الحاكم، أو على علاقة قوية برجال الحزب الحاكم، ولنتذكر حوارات حسن راتب وأحمد بهجت، عندما قال أحدهما إنه لو طُلب منه أن يغلق قناته فسيفعل. صحيح أن وجود هذه القنوات في حد ذاته هو أمر جيد، ولكننا نعود للتساؤل من جديد.. ما دمنا نطبق منهج الرأسمالية فلا بد أن يقابل ذلك ليبرالية، وديمقراطية، وصناديق انتخابية حرة، وقضاء حر، فحتى الآن ما زال لدينا وزير للعدل، وهو جزء من السلطة التنفيذية التي من المفترض أنها مستقلة عن السلطة القضائية، وكذلك الوزراء الذين هم جزء من السلطة التنفيذية هم أيضا نواب في البرلمان وجزء من الهيئة التشريعية، فكيف من المفترض له أن يراقب أداء الحكومة التي ينتمي إليها ويوجه لها استجوابًا؟ وبالتالي فالأمور لا تتجزأ. أما فيما يتعلق بالصفقات بين القنوات الخاصة والنظام فهو بالتأكيد أمر يحدث، ولا أريد أن أخص بالذكر قنوات بعينها عقدت صفقات مع النظام، ولكن الصحفيين المحترفين يمكنهم التغلب على هذا الأمر، والحصول على المعلومات التي يريدونها، وأنا أتذكر أنه في إحدى المرات تم مصادرة كارنيه المركز الصحفي الخاص بي، وتوقفت عن العمل حتى استُعيد الكارنيه، وبالتالي كان هناك إمكانية لعقد صفقة مع النظام مقابل التحرك بحرية في الشارع، ولكن الثمن كان أن أفقد مصداقيتي لدى الناس إن فعلت، ولم يكونوا ليصدقوني بعدها ويتوقفوا عن مشاهدتي. مواقف لا تنسى ما هي أكثر التغطيات الخبرية التي تأثرت بها خلال عملك بقناة الجزيرة؟ قطار الصعيد وصخرة الدويقة، كانا من أصعب التغطيات التي تحتّم عليّ القيام بها، فقد تعاملت فيهما بشكل احترافي ولكن في الوقت نفسه وأنا مصري، بالطبع لم أبكِ ولكني قلت الحقيقة كما رأيتها منذ بداية وقوع الحادث، فقد وصلت إلى موقع قطار الصعيد وحدث وقتها الخلاف الشهير بيني وبين رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد، وسألته عن المسئولية الوزارية الجماعية في هذه المأساة، فأجاب بأن على الحكومة أن تستقيل في الحوادث المشابهة.
صورة الأهرام التعبيرية هي فضيحة بكل المقاييس فضيحة الأهرام التعبيرية كيف تقيّم صورة الأهرام التعبيرية للرئيس مبارك؟ صورة الأهرام التعبيرية هي فضيحة بكل المقاييس، وكان يجب على الأهرام أن تعتذر، فلا يجب أن نتعامل على أننا نخاطب بعضَنا فقط؛ بل يجب أن ننتبه إلى صورتنا في الخارج، وكيف يوثّقون هذه الصورة، فقد كانت فضيحة مهنية مدوية تمامًا مثل الانتخابات، ولتتابعوا الصحف البريطانية والفرنسية والإسرائيلية التي علّقت علينا، وكان واجبًا على الأهرام الاعتذار إلى الرئيس مبارك نفسه، لأنه جرى العرف أنه إذا قمنا بتعديل أي شيء فيما يتعلق بالرئاسة؛ فلا بد من الاستئذان منها، فإذا قبلت ذلك فليكُن. وكان على الرئاسة أن تصدر بيانًا أو تصريحًا تقول فيه بكل وضوح إن هذا الأمر تم دون علمها، وأنها تقبل الاعتذار ولكنها لن تتساهل مع مثل هذه الواقعة.
دليل الصحفي المحترف الصحفي المحترف هو ذلك الصحفي الذي يعمل في مؤسسة صحفية قائمة على أسس منظمة، وتلقى تدريبًا صحفيا. أنا على سبيل المثال كنت أعمل في البداية بالصحافة المكتوبة، وعندما بدأت العمل في BBC كان ذلك في راديو BBC، وأثناء التدريب وجدت أن المدربة هي فتاة تصغرني ب10 سنوات اسمها أليس موريسون، وفي أول جلسة قالت لي: "أنا أعلم أنك صحفي محترف في الصحافة المطبوعة، ولكن هل تقبل أن تتعلم مني؟" فقلت لها: "بالطبع أقبل". لا أحد كبير على التعليم، خاصة وأن الصحافة المكتوبة تختلف عن الصحافة التليفزيونية، ولا بد أن تتلقى تدريبًا مهنيًا محترفًا، ليس فقط في بداية حياتك، بل كل فترة حتى ترتبط بما يستجد في المجال، ومثال على ذلك: الصحفي محمد حسنين هيكل، الذي ما زال حتى هذه اللحظة يقوم بزيارات سنوية لمؤسسات صحفية (مثل الجارديان) ويجلس في صالة التحرير ويعرف كيفية سير العمل، فصحيح أنه كان يدير جريدة، ولكن ذلك كان حتى عام 1974، وبالتالي ففكرة الفهلوة الموجودة لدى البعض، وأن الصحافة مهنة مَن لا مهنة له هو أمر غير مقبول، فالصحافة حرفة لا بد من إتقانها. وأخيرا لا بد أن يكون الصحفي المحترف وطنيًا ويحب البلد.
بعض الصحفيين يشاكسون الحكومة ولا يجرأون على مشاكسة رئيس التحرير ولكن ورغم كل ذلك تبقى لكل جريدة أو قناة سياستها وخطوطها الحمراء، فكيف سيتعامل معها الصحفي الذي لا يعتد بغير قواعده المهنية؟ هناك نمط ملكية مثل الجارديان، يتكون من مجموعة من رجال الأعمال الذين أودعوا مبلغًا في البنك، وينفقون من ريعه على الجريدة، ولكن هذا استثناء لا يوجد في مصر، وهنا دعونا نعود من جديد للمثال الخاص بأحمد بهاء الدين، وكيف أنه كلما استطاع الصحفي أن يحافظ على استقلاله الحقيقي، استطاع أن يحافظ على مكانته لدى الناس، فأنا صحفي لديّ قواعد معينة، وطبقتها في التحقيق أو التقرير الخبري أو الخبر، وبالتالي لا بد أن أتحلّى بالثقة بالنفس والشجاعة كي أرفض تغيير موضوع استوفى هذه القواعد المهنية، ولا مشكلة فيه من وجهة نظري.
إضغط لمشاهدة الفيديو: الجيل الجديد وحيوية المجتمع هي الأشياء المشرقة في المشهد السياسي
المشكلة أن بعض الصحفيين لديه الشجاعة لمشاكسة حكومة بلاده ولكنه يقبل مع ذلك أن يملي عليه رئيس تحريره ما يفعله من عدمه، فالاستقلال لا يتجزّأ وأنا دفعت ثمن هذا الرأي في كثير من الأوقات، وهناك بعض الكلاشيهات الخاطئة من نوعية "لا تدخلوا معارك خاسرة"، وأنا في رأيي أنه يجب دخول هذه المعارك الخاسرة ما دامت تتعلق بمبادئك، فكل الصحفيين المحترمين الذين حافظوا على استقلالهم قيمتهم أكثر بكثير من أولئك الموالين، والذين يزيفون وعي الناس، وبالتالي فحتى وإن خسرتَ في البداية سوف يأتي من يقدّر قيمتك. المجتمع المصري حيّ وفعّال ما هو الشيء المشرق الذي تراه في المشهد السياسي المصري؟ الجيل الجديد والحيوية التي يتمتع بها المجتمع المصري هي الأشياء المشرقة في المشهد السياسي المصري، ففي الجامعة عرفنا معنى الحرية الجامعية والأكاديمية وكان مسموحًا لنا بالنشاط الثقافي والسياسي والأدبي والمسرحي، لكن الأجمل من ذلك أنه يحدث منذ تأسيس ما يسمى بالمدارس العليا والجامعات المصرية، وقد كانت هذه المؤسسات التعليمية هي مصنع تفريخ القادة في العمل العام، والعمل المدني، وقادة الرأي. ورغم حظر السياسة في الجامعة بموجب لائحة 1997، فإن الأجيال تبقى مستمرة في ممارسة السياسة في الجامعة، واهتمامها بالشأن العام لأنها -أي السياسة- مستقبل إخوتنا وبناتنا وأولادنا، فعلى عكس كل المتشائمين، أنا أرى أن المشهد الحالي سيفرز نتائج إيجابية، ربما ليس على المدى القصير؛ ففي وقتنا كان الإيقاع أبطأ والمناخ كان أفضل، على عكس الوضع بالنسبة لشباب الوقت الحالي الذي يكافح الظروف الصعبة، فكل من يلقي نظرة على دولاب النظام المصري سوف يجد قدرًا لا بأس به ممّا نسميه بالجمود، لكن -وعلى عكس حال النظام- فهناك حيوية في جيل الشباب. إن الحراك السياسي والثقافي سيظلان مستمرين، والعجلة لن تعود إلى الوراء، وحتى مساحات الحرية التي انتزعها الناس خلال الفترة الماضية لن يتم استرجاعها، ودعوني أذكركم بوثيقة الإعلام الفضائي التي وقعها وزراء الإعلام العرب، ولم يتم تطبيقها لأن الشباب قاوموها. وقد سبق وفكر السادات من قبل أن ينقل مياه النيل إلى إسرائيل ولم يستطع لأن الناس قاومته.. فداخل جينات المصريّ توجد ثقافة المثابرة التي ورثها المصريون من صبرهم على الشدائد، بل سبق وأجبروا الإسكندر الأكبر نفسه على احترام آلهتهم.
واقرأ أيضاً حسين عبد الغني مدير مكتب "الجزيرة" (1):أصحاب المصالح هم مَن يغذّون الصحف بالمعلومات للتشهير ببعضهم البعض حسين عبد الغني مدير مكتب "الجزيرة" (2): إذا قبلت الجزيرة مهاجمة أمير قطر قد أقبل أنا مهاجمة مبارك