"إذا تسلّحت إيران بأسلحة نووية فلن تستطيع تدمير إسرائيل" هكذا تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي للمرة الأولى بلغة مليئة بالثقة والغرور، معترفا بأن طهران لا تشكل تهديدا لوجود بلاده حتى في حالة امتلاكها للسلاح النووي، وهو نفس ما ذهب إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي صدّق على كلام باراك.. والسؤال هو: هل فعلا أن طهران لا تشكل خطرا على إسرائيل؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تعلن إسرائيل هذا من قبل؟ ولماذا ظلت تستغل هذا الشبح الإيراني في استنزاف الخزينة الأمريكية من خلال المساعدات العسكرية وخلافه والتي يدفع ثمنها المواطن الأمريكي المطحون من الضرائب من ناحية، ومن تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية من ناحية ثانية؟ تفسيران للكلام يمكننا فهم تصريحات باراك من زاويتين.. الأولى: أن هذه التصريحات حقيقية، وأن إيران بالفعل لا تشكل خطرا على إسرائيل، لكنها –أي تل أبيب– كانت حريصة على التهويل من موضوع الخوف من إيران من أجل ابتزاز أمريكا والحصول منها على دعم عسكري ومادي غير محدود، بل تجعل أمريكا تدخل في مواجهة مع طهران سواء أكانت هذه المواجهة دبلوماسية أو اقتصادية "عقوبات من مجلس الأمن" أو حتى عسكرية "ضربة أمريكية لطهران"، وهو نفس ما فعلته تل أبيب في التعامل مع عراق صدام حسين، حيث استغلت بعض التصريحات العنترية للراحل صدام حسين بأنه سيحرق أو يدمر نصف إسرائيل، وقامت بتسخين أمريكا لضرب العراق باعتباره خطرا عليها، وهو ما حدث بالفعل بعد أحداث سبتمبر حيث تم غزو العراق عام 2003. وفي حالة إيران استغلت تل أبيب التصريحات العنترية للرئيس أحمدي نجاد بأنه سيمحوها من الخريطة، وأعلنت أنها ستقوم بتوجيه ضربة عسكرية لطهران، وهنا تدخلت الولاياتالمتحدة وتولّت ملف المواجهة بدلا منها، وها هي الآن تخوض حربا دبلوماسية وأخرى اقتصادية تجاه طهران مع تأجيل المواجهة العسكرية ولو إلى حين في ظل التورط الأمريكي الراهن في العراق وأفغانستان.. تشويه صورة إسرائيل لكن إذا كان الأمر كذلك، بمعنى أن إيران كما قال باراك لا تشكّل خطرا على بلاده، وإنما عملت إسرائيل على ابتزاز أمريكا، فإن هذا الأمر من شأنه تشويه صورة تل أبيب أمام الرأي العام العالمي بصفة عامة، والأمريكي بصفة خاصة، بل قد يؤثر على المساعدات التي ستقدم لتل أبيب خلال الفترة القادمة.. فلا داعي من وجهة نظر دافع الضرائب الأمريكي إلى تقديم السلاح والأموال لإسرائيل ما دامت طهران لا تشكل خطرا عليها، تماما كما يرى المواطن الأمريكي منذ عهد بوش أنه لا داعي لإرسال قوات أمريكية إضافية للعراق على اعتبار أن غزو العراق كان أكذوبة من إدارة بوش التي اعترفت بأن بغداد لم يكن لديها سلاح نووي، وأن المخابرات الأمريكية قامت بتقديم معلومات مزوّرة أدت إلى دخول القوات الأمريكية المستنقع العراقي وعدم الخروج منه حتى الآن.. كذبة إيران وكذبة المحرقة النازية إن كذبة إسرائيل بشأن الخوف من إيران تجعل الرأي العام العالمي لا يثق في أي شيء تقوله إسرائيل، بل تجعله يصدّق بأن موضوع المحرقة النازية التي قام بها هتلر ضد يهود أوروبا كانت فشنك، وأن إسرائيل افتعلتها من أجل الحصول على المليارات، فضلا عن الحصول على أراضي فلسطين التي استوطنوها فرارا من النازي. إيران خطر حقيقي أما التفسير الثاني لتصريحات باراك فهو أن إيران تشكل بالفعل خطرا حقيقيا على تل أبيب، لكن باراك يحاول تهدئة الرأي العام الإسرائيلي المذعور من البرنامج النووي الإيراني من ناحية، أو أنه يعمل على التهدئة المؤقتة مع إيران استجابة لموقف الإدارة الأمريكية التي تسعى للتفاوض مع طهران الشهر القادم وتفضل مبدأ الحل الدبلوماسي أو العقوبات الاقتصادية على الحل العسكري.. خاصة بعدما أكد الدكتور محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال خطابه الوداعي قبل تركه منصبه بأنه لا بد من احتواء إيران وعدم استخدام لغة التهديد العسكري أو العقوبات؛ لأنها لن تجدي نفعا، وضرب مثلا على ذلك بحالة كوريا الشمالية. ومعنى هذا أن إسرائيل مطالبة بعدم التصعيد مع إيران في الوقت الراهن، وترك الأمر للولايات المتحدة التي أقدمت مؤخرا على خطوة هامة في هذا الشأن تمثلت في تراجعها عن بناء الدرع الصاروخي الأمريكي المضاد للصواريخ في بولندا والتشيك لمواجهة الصواريخ الإيرانية على اعتبار أن طهران لا تشكل تهديدا حقيقيا للمصالح الأمريكية أو أراضي الولاياتالمتحدة، أو حتى أراضي العواصم الرئيسية في أوروبا.. ويبدو أن هذا التفسير الثاني هو الأقرب إلى التصور خاصة وأن العداء بين إسرائيل وتل أبيب لم ينتهِ في يوم وليلة، كما أنها لن تنسى بسهولة تصريحات نجاد، أو حتى الصواريخ الإيرانية طويلة المدى، وكل ما هنالك أن باراك عمل من خلال هذا التصريح على تهدئة الداخل الإسرائيلي من ناحية، وعدم الدخول في صدام وعناد مع إدارة أوباما من ناحية ثانية خاصة وأنها -أي تل أبيب- رفضت قبل ذلك سماع كلامه بشأن وقف المستوطنات.. لذا فهي تخشى من غضب أوباما عليها هذه المرة.