بدء تشغيل مفاعل بوشهر يعجل باستهداف طهران نذر حرب تتصاعد وتيرتها بين الحين والآخر إثر تهديدات تطلقها تل أبيب ضد طهران.. شواهد عديدة تنبئ بقرب توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران.. وفي المقابل تتكاتف عناصر أخري لتنفي احتمالات قيام تل أبيب بتلك الضربة.. ليبدو ما يحدث أقرب للحرب النفسية. وبين إرهاصات المواجهة وإشارات التراجع تظل النهايات مفتوحة علي كافة الاحتمالات.. ويبدو من الصعب ترجيح كفة أي منها.. ويظل التخوف هو سيد الموقف وتظل معه منطقة الشرق الأوسط بؤرة لأحداث ساخنة يصعب التنبؤ بما يحمله الغد لها من أحداث. تتأرجح احتمالات توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران بين النفي والتأكيد.. فمن ناحية تدفع شواهد عديدة للتنبؤ بقرب توجيه هذه الضربة، أهمها تنامي الدور الإيراني علي الساحة الإقليمية والدولية، وامتداد الأصابع الإيرانية للتأثير في ملفات مهمة وخطيرة أبرزها العراق وفلسطين ولبنان.. وهو ما يزيد من التوجس الإسرائيلي تجاهها.. خاصة مع استمرار طهران في برنامجها النووي والذي بدأ نجاحها في إحراز خطوات مهمة ومؤثرة فيه بعد تشغيل مفاعل بوشهر رغم العقوبات المفروضة عليها.. وهو ما يدفع أيضا لمزيد من التخوف الإسرائيلي ويزيد من احتمالات قيامها باستهداف هذه المنشآت لإجهاض محاولة طهران لامتلاك سلاح نووي كما تزعم إسرائيل من شأنه الإخلال بميزان القوي في المنطقة المائل حتي الآن لصالح تل أبيب التي تمتلك ما بين 200 و300 رأس نووي.. ثالث الشواهد التي تعزز من اتجاه إسرائيل لاستهداف إيران هي تلك المناورات العسكرية التي تقوم بها تل أبيب بين الحين والآخر والتي يبدو فيها هدفها الواضح وهو الوصول إلي العمق الإيراني، وفي المقابل ترد طهران بمناورات مماثلة ويصاحب ذلك الاستعداد العسكري شحن نفسي من خلال تهديدات مضادة يطلقها كل جانب تجاه الآخر. وبينما تبدو مظاهر الاحتقان واضحة تبدو شواهد أخري ليست أقل وضوحا وتدفع في اتجاه مضاد تماما يستبعد قيام مثل هذه الحرب. أولها أن تكرار الحديث عن توجيه ضربة يدعم من احتمال ألا تخرج الدائرة عن مجرد حرب نفسية تستعرض فيها كل دولة قوتها أمام الأخري في محاولة لردعها وإجبارها علي تقديم أكبر قدر من التنازل. ما يعزز ذلك الاتجاه أيضا صعوبة قيام إسرائيل بشن حرب ضد إيران تعرف مسبقا مدي تكلفتها الباهظة فضلا عن عدم ضمان نجاحها. خاصة أن دخول الولاياتالمتحدة إلي جانب إسرائيل لن يزيد من احتمالات نجاح تلك الضربة أو بمعني آخر سيكون تكلفة الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها الولاياتالمتحدة أكبر مما يمكن أن تتحمله.. فالقواعد الأمريكية في دول الخليج ستصبح هدفا سهلا لطهران فضلا عن قيام الميليشيات الموالية لها في العراق وتلك التي تتلقي دعما منها في أفغانستان لتفتح مزيدا من النار وتكثف نشاطاتها ضد الأهداف الأمريكية. ومن غير المستبعد أن يتحرك حزب الله من جهة وحماس من جهة أخري لفتح جبهات أخري تبدو إسرائيل معها كمن وقع بين فكي رحي. ما يدفع إسرائيل أيضا لعدم توجيه هذه الضربة أو تأجيلها علي الأقل تلك التطمينات الأمريكية التي تؤكد أن طهران مازال أمامها أكثر من عام علي امتلاكها سلاحا نوويا.. وأن شهورا يتطلبها مفاعل بوشهر حتي يصل للعمل بطاقته الكلية. إلا أن ما تعتبره الولاياتالمتحدة رسائل تطمينات يبدو علي الجانب الآخر ورقة ضغط تستغلها طهران في حربها النفسية ضد تل أبيب.. فبنجاحها في تشغيل مفاعل بوشهر تبدو طهران محققة لخطوات جادة ومؤثرة في مشروعها النووي وتبدو حزم العقوبات غير مؤثرة عليها من جانب ولا تشكل لها مصدرا للقلق من جانب آخر.. وهو ما بدا واضحا في حرص طهران علي إظهار حدث تشغيل مفاعل بوشهر علي أنه انتصار للجمهورية الإسلامية علي أعدائها علي حد وصف البعض له. وبين رسائل التهديدات والتهديدات المضادة لا يتوقف الصراع بين طهران وتل أبيب.. لتبدو العلاقة بينهما أقرب للحرب النفسية وإن كان أحد لا يضمن أن تتحول بين لحظة وأخري لمواجهة حقيقية. فمن جانب لا تتوقف تل أبيب علي القيام بالمناورات العسكرية التي تتعمد فيها إثبات قدرتها علي الوصول إلي ألف وخمسمائة كيلومتر وهي المسافة بين حدود إسرائيل ومفاعلات إيران النووية. هذا فضلا عن مناورات واسعة يقوم بها سلاح الجو الإسرائيلي لاختبار قدراته الدفاعية في مواجهة غارات جوية أو هجمات صاروخية متوقعة من إيران أو سوريا أو لبنان. إضافة إلي وضع السيناريوهات المحتملة لتعرض شبكة الحواسب الإلكترونية لجيش الدفاع لهجوم من شأنه إصابتها بالشلل، وعليه تضع الخطط لمواجهة مثل هذه السيناريوهات وكيفية التعامل معها. ولا تتوقف الدولة العبرية أيضا كعادتها دائما عن شحن داخلي لمواطنيها وجبهتها الداخلية وتدريب الجميع علي كيفية التعامل مع الخطر والتوجه إلي الأماكن المحصنة والآمنة بمجرد سماع صفارات الإنذار.. وعلي المستوي السياسي تتواصل الزيارات واللقاءات بين كل من الرئيس الإيراني »أحمدي نجاد والسوري بشار الأسد وزعيم حزب الله حسن نصر الله التي تصب غالبا في اتجاه مناقشة احتمال قيام إسرائيل بتوجيه ضربة مباغتة لمنشآت نووية إيرانية وكيفية التعامل معها، وتنتهي اللقاءات دائما بتصريحات تصب في اتجاه دعم إيران ومساندتها في مواجهة إسرائيل. أما علي الجانب العسكري فتواصل طهران استعدادها العسكري من خلال امتلاك شبكة من الصواريخ أهمها صواريخ 300 s الروسية أرض جو بعيدة المدي والتي جاء امتلاك طهران لها ليصب في اتجاه داعم للفزع والقلق الإسرائيلي ودافع لها لتوجيه ضربة عسكرية ضد طهران. علي جانب آخر نجحت طهران في امتلاك عدد من الغواصات لها قدرة دفاعية كبيرة لمواجهة أي تهديد ضدها، منها غواصات من طراز غدير يبلغ وزنها 120طنا وعدد آخر من الغواصات لها قدرة علي تنفيذ مهام طويلة الأجل. إذا أضفنا إلي ذلك قدرة طهران علي التحكم في مضيق هرمز الذي يمر به 40٪ من تجارة النفط العالمي وهو ما تهدد إيران بغلقه. الأمر الذي من شأنه أن يقفز سعر برميل النفط من 150دولارا إلي ما يزيد علي الضعف وربما إلي 400 أو 500دولار للبرميل ليشعل بدوره أزمة عالمية ستلقي بظلالها بشكل أكبر علي الولاياتالمتحدة التي تعاني من أزمة مالية تدفعها إلي العمل بكل الطرق علي تجنب المزيد. إذا أضفنا لكل ذلك صعوبة قيام تل أبيب بهجوم عسكري ضد طهران لعدة أسباب أهمها المسافة الشاسعة بين إسرائيل وإيران والتي تشكل التحدي الأكبر أمام إمكانية نجاح أي ضربة جوية إسرائيلية ضد منشآت نووية إيرانية، وهو ما رصدته العديد من التقارير الصحفية الغربية التي أكدت أن قيام تل أبيب بتلك الهجمة يتطلب مائة طائرة من طراز F15 وF16 مجهزة بخزانات وقود كبيرة السعة، إضافة إلي استخدام طائرات أخري لإعادة تزويدها بالوقود. علي جانب آخر تبدو مخاطر توجيه مثل هذه الضربة نظرا لمحدودية سعة سلاح الجو الإسرائيلي واضطراره في حال مهاجمة إيران لاستخدام المجال الجوي التركي أو العراقي أو السعودي وهو ما يتطلب الحصول علي تصريحات رسمية من تلك الدول. وأمام هذه العقبات وضع المركز الأمريكي للبحوث الاستراتيجية سيناريوهين للهجوم الإسرائيلي علي المنشآت النووية الإيرانية الأول ويشمل ثلاثة مسارات أولها تحليق الطائرات الإسرائيلية علي طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط ثم العبور فوق البر في المنطقة الحدودية التركية السورية ثم اختراق الأجواء الكردية وصولا إلي الأراضي الإيرانية، وهو مسار صعب تنفيذه لأنه يتضمن مخاطر سياسية مع سوريا لعدم وجود علاقات دبلوماسية معها، من المستبعد أن توافق تركيا علي السماح للطائرات أن تمر عبر أجوائها. أما المسار الثاني فيمكن للطائرات الإسرائيلية أن تحلق عبر الأجواء الأردنية ثم الحدود السورية/ الأردنية حتي الأجواء العراقية وصولا للأراضي الإيرانية، وهنا أيضا تكمن مشكلة الحصول علي تصريح أردني للسماح بعبور الطائرات الإسرائيلية وهو أمر مستبعد أما اجتياز الأجواء دون الحصول علي ذلك التصريح يعرض اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية للخطر فضلا عن أن العراق أيضا من المستبعد أن يسمح بعبور الطائرات لما يمكن أن يتسبب ذلك في عواقب سياسية وعسكرية وخيمة ضده. يبقي المسار الثالث وهو تحليق الطائرات الإسرائيلية في المناطق الشمالية للسعودية إلا أن المخاطر السياسية المترتبة علي ذلك لن تحمد عقباها ومن المستبعد أن تسمح الولاياتالمتحدة لإسرائيل بهذه المخاطرة التي تعرض علاقتها بالسعودية للخطر. أما السيناريو الثاني الذي يطرحه الخبراء بالمركز الأمريكي للبحوث الاستراتيجية فيتعلق بقيام إسرائيل بقصف المنشآت الإيرانية بصواريخ باليستية معتمدة علي ضعف قدرات الدفاع الصاروخي الإيراني كما تقدره هي علي الرد هذا السيناريو أيضا محفوف بالمخاطر خاصة في ظل نجاح إيران في امتلاك منظومة S300 وهي منظومة دفاع روسية قادرة علي تدمير مايتراوح مابين 20 إلي 30٪ من القوة المهاجمة. صعوبات المواجهة وكارثية الخسائر وعدم ضمان النتائج كلها عقبات تحول دون قيام إسرائيل بالمجازفة بشن هجوم عسكري ضد طهران.. ومع ذلك يبقي احتمال توجيه الضربة قائما بل ويقدره المراقبون بنسبة 50٪ وذلك أن جنون الدولة العبرية يصعب معه استبعاد أي عمل كارثي ربما يجر المنطقة كلها للدمار.