ترجمة: كريم هشام تعيش ألمانيا حاليا حالة تأهب قصوى في خضم الأحداث الجارية؛ حيث حذّر مسئولو الأمن بأن لديهم معلومات قوية تفيد حدوث هجوم إرهابي على مبنى البرلمان الاتحادي ببرلين، ولكن يبدو أنه تمّ التعامل مع هذا الأمر بشكل متحفّظ من قبل وزير الداخلية "توماس دي ميزيير" رغم كون المبنى يجذب السياح بشكل قوي. مكالمة تليفونية من منطقة خطيرة تثير القلق وكان من أسباب هذه الشكوك هو مكالمة من الخارج للشرطة الجنائية الاتحادية بألمانيا من رجل يتحدّث بسرعة، ويبدو من صوته أنه خائف من شيء ما، وأخبر المسئول بأنه يريد العودة لألمانيا ولأسرته، وطلب المساعدة من المسئول الألماني، وقد بدا من المكالمة أن هذا الرجل يتصل من منطقة خطيرة في العالم، وفعليا فإن هذه المكالمة هي السبب الحقيقي وراء حالة التأهب التي فرضها "توماس دي ميزيير" على البلاد يوم الأربعاء الماضي. والجدير بالذكر أن الرجل نفسه اتصل مرة أخرى في فترة قصيرة، وأعطى السلطات المزيد من المعلومات، وأخبر المسئولين بأن مجموعة صغيرة من الإرهابيين يريدون إيقاع تفجير في مبنى "الرايخستاغ"، الذي يوجد به البرلمان الاتحادي، وأضاف الرجل أن هذا المبنى هو فقط أحد الأهداف الموضوعة ضمن خطة الإرهابيين. دعوة من المسئولين للإبلاغ عن كل مَن يتكلّم العربية وجاءت تصريحات "توماس دي ميزيير" للردّ على هذه المعلومات قائلا: "إن هذا الأمر قد يثير القلق، ولكن لا داعي لأن يتحوّل إلى هستيريا"، وبينما هو يصف الحالة بأنها غير خطيرة فإن زملاءه في الدولة وصفوها بتعبيرات أكثر قوة؛ حيث قال بعضهم إن هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها البلاد هذا الوضع. وقال أيضا "إيرهارت كورتينج" -عضو مجلس الشيوخ في برلين- إنه يدعو كل مواطن في العاصمة الألمانية إلى أن يبلغ عن أي شخص يشكّ أنه من أصول عربية، وقال نصا: "إذا رأيت فجأة ثلاثة أشخاص غرباء عن منطقتك، وهم يغطون وجوههم ويتحدّثون العربية فقط، عليك أن تبلغ السلطات عنهم".. ليست المكالمة فقط هي سبب التحذيرات بل مكتب التحقيقات الفيدرالي وتبعا لهذا التوتر فإن مسئولي الولايات الفيدرالية ال16 في ألمانيا يتحققون من جداول انعقاد الأحداث المهمة هذا الأسبوع داخل حدود ولاياتهم؛ كمحاولة لتحديد أي هدف محتمل. والحقيقة أن المعلومات عن التهديد الإرهابي لم تأتِ من مصدر واحد بل اثنين، فقبل استلام المكالمة الهاتفية بفترة وجيزة، تلقّى مسئولو الشرطة الجنائية الاتحادية تحذيرا من نظيرتها في أمريكا (مكتب التحقيقات الفيدرالي) عن احتمالية حدوث هجوم. خُطة الهجوم المحتملة نفّذت من قبل في بومباي وقد خرجت بعض المعلومات الجديدة؛ فطبقا للمكالمة الهاتفية، قال المتحدّث إن القاعدة ومجموعاتها في باكستان يقومون بالتحضير لهجوم على ألمانيا، وحينها ظهر احتمالان، فالبعض قال إن التفجير سيكون عن بُعد من خلال الهاتف المحمول، وقالت مجموعة أخرى إنه سيتم الهجوم على مبنى "الرايخستاغ" عن طريق البنادق وأخذ الرهائن، وأن الأمر سينتهي بشكل دموي.. ولكن الشرطة الجنائية الاتحادية كانت قد علمت أن الخطة الأخيرة نفّذت من قبل في هجوم على فنادق فخمة في مومباي بالهند في مذبحة أودت بحياة 175 شخصا، وقال المتصل إن الشخصين المسئولين عن التفجير سافرا إلى ألمانيا قبلها بستة أو ثمانية أسابيع، وإن أحدهم يُدعى "أبو محمد"، والآخر ألماني من أصل تركي، وكلاهما عاش حياة صعبة خالية من أي ترف. وعلى نفس المنوال فقد زعم المتصل أن هناك أربعة متطوّعين آخرين من ألمانيا وتركيا وجنوب إفريقيا وجهادي آخر لا تُعرف هويته، ينتظرون الإشارة للسفر إلى ألمانيا، وطبقا للمكالمة الهاتفية فإن القاعدة ستنفّذ هجومها في فبراير أو مارس.. والسؤال الآن هو: هل يُحاول هذا المتصل أن يرفع أسهمه لدى السلطات؛ كي يبعد نفسه عن المشهد الإرهابي؟ أم إن القاعدة تخطط لضربة ثانية بالفعل كما حدث في ديسمبر 2009 عندما سمح الأمريكيون لجاسوس على مستوى عالٍ بالدخول إلى قاعدة عسكرية أمريكية دون الخضوع للتفتيش، وحينها قتل سبعة مسئولين من وكالة المخابرات المركزية وحوّلهم إلى أشلاء؟ تنظيم إرهابي شيعي يتعاون مع القاعدة السنّية تأتي هذه التساؤلات مع التقارير التي وردت من مكتب الاتحاد الفيدرالي في أمريكا، والتي أخبرت المسئولين في ألمانيا أن هناك مجموعة غير معروفة تُدعى "سيف"، وهي مجموعة شيعية، ورغم ذلك فإنها تتعاون مع تنظيم القاعدة المعروف بكونه مجموعة سنية، وقد أرسلت "سيف" خمسة من رجالاتها إلى باكستان؛ لتلقي التدريبات، وطبقا لتقارير الاتحاد الفيدرالي فإن هناك متطوعَيْن في طريقهما إلى ألمانيا، وأنهما سيدخلان الإمارات العربية المتحدة يوم الإثنين 22 نوفمبر، وأنهما سيحصلان على مستندات جديدة قبل السفر إلى ألمانيا، ويُدعى أحد الرجلين "خان"، ولكن لا توجد تأكيدات حاسمة حول جنسيتهما، وظهر اسم آخر على الساحة وهو الذي أقلق الألمان لرجل يُدعى "داوود إبراهيم" ويبلغ من العمر 54 عاما، وهو أكثر الرجال المطلوبين في الهند، وقد وضعت الولاياتالمتحدة اسمه تحت قائمة "إرهابي عالمي"، وأقنعت الأممالمتحدة أن تدرج اسمه ضمن قائمة المؤيدين للإرهاب، وهناك شكوك بأنه هو من يهرّب الإرهابيين المشتبه فيهم إلى ألمانيا. معلومات مؤكدة ودقيقة.. ولكنها غير واقعية أو ممكنة وفي الوقت الذي اهتم فيه مكتب الاتحاد الفيدرالي والشرطة الجنائية الفيدرالية بالمعلومات التي وصلت عن طريق الاتحاد الفيدرالي، ظهرت الشكوك حول أمر المكالمة، والتهديد لدى المخابرات في كلا البلدين، وأشارت أجهزة المخابرات إلى أن هناك تناقضات داخلية تدعم شكوكهما؛ وقالا إنه من الصعب جدا أن تتحد مجموعة شيعية مع مجموعة إرهابية سنية، خاصة أن جزءا كبيرا من القاعدة يسيء إلى الشيعة؛ والسبب الآخر الذي يدعم هذه الشكوك هو أن المخابرات في كلتا الدولتين لم تألف تنظيما يسمّى "سيف"، وأنه لم تردهم أية تهديدات عن هجوم على ألمانيا من قبل متطرفين من الهند، ويبدو هذا السيناريو كله غير واقعي. وعلى الجهة الأخرى نجد أن المعلومات الواردة لمكتب التحقيقات الفيدرالي واقعية بشكل لم يسبق له مثيل، بدليل حصولهم على أسماء المشتبه فيهم، بالإضافة إلى الحصول على اليوم والتاريخ الذي من المفترض أن يصل فيه الإرهابيون إلى الإمارات، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك اعتقادا قويا بأن "إبراهيم" كان خلف الهجوم الإرهابي على مومباي، ولو اتّضح أنه كان خلف الأمر بالفعل فهذا سبب كافٍ كي يثير القلق. ووسط كل هذه الظروف فهناك شعور قوي بالتهديد من قبل المسئولين الألمان؛ حيث أصدرت الشرطة الجنائية الاتحادية بيانا صحفيا تقول فيه: إن هناك حقيبة "لاب توب" مشتبها بها وُجِدت في وقت باكر في عاصمة نامبيا، قبل أن توضع على الطائرة المتجهة إلى ألمانيا، واحتوت الحقيبة على أسلاك وفتيل تفجير وساعة، وبمعنى آخر فإنه يوجد بالحقيبة كل ما تحتاجه لتفجير الطائرة. ولهذا فإن أي مسئول لا يريد أن يظهر هذه الأيام وكأنه غير حذر بالشكل الكافي، ولا يوجد من يريد أن يكرر موقفا كالذي حدث في بداية نوفمبر الماضي، عندما لم يكن "توماس دي ميزيير" يعرف لساعات إذا ما كانت الحقيبة مليئة بالمتفجرات أم إنه إنذار خاطئ! رب ضارّة نافعة.. وزراء ألمانيا يتّحدون بسبب التهديدات وبالطبع لا يمكن لأي شخص أن يكون متأكدا بشكل قاطع؛ ففي ال12 شهرا الأخيرة وقعت سلسلة من الهجمات التي تمّ التجهيز لها في المنطقة على الحدود الأفغانية الباكستانية، ونفّذت هذه الهجمات في بلاد مثل أمريكا في ميدان التايمز، وفي كوبنهاجن كنوع من الرد على الرسومات المسيئة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في 2005. ويبقى أن نقول إن ما حدث عاد على ألمانيا بفائدة وحيدة، إلا وهي أن ألمانيا لم تشهد تعاونا بين مسئولين على المستوى الوزاري للدولة والمستوى الاتحادي من قبل مثلما حدث مؤخرا، وما دفعهم إلى هذا هو الخوف المشترك على البلاد. نُشر بمجلة "دير شبيجل" الألمانية