"مصر هبة النيل".. مقولة خالدة أبد الدهر، عن ذلك الشريان الذي يقطع مصر والعديد من البلدان بطوله وعذوبة مائه، كان مصدر إلهام وحديث الشعراء والكُتاب عبر التاريخ؛ لكن المشكلات القائمة حالياً والتي دارت حول المياه وتوزيعها وأحقية كل بلد بأجزاء محددة وبناء خزانات وسدود خاصة كانت سبباً آخر لأن يبحث الدارسون؛ فبعد أن أصدرت دار الشروق كتاب "ثرثرة أخرى فوق النيل" للكاتب عادل حمودة، ها هي ذا تنشر كتاب جديد عن نهر النيل للكاتب والخبير الاقتصادي "أحمد السيد النجار". الكتاب الواقع في 244 صفحة ويحمل اسم "مياه النيل القدر والبشر"، يتحدَّث عن قضية مهمة؛ وهي قضية مياه النيل الواردة من خارج حدود مصر كقدر جغرافي لا مجال لتغييره، والجهود البشرية المصرية القديمة والحديثة للتعامل مع هذا القدر، وتمكين مصر من إمساك مصيرها المائي بيدها، والجهود الممكنة للتعامل مع هذا القدر في المستقبل في ظل تصاعد مطالب دول حوض النيل في مياهه، ومطالبتها الأخطر بتقليص حصة مصر منه. تطرّق الباحث كذلك أثناء عرضه للكتاب للعديد من المشاريع المهمة؛ كالسد العالي الذي وصفه ب"الملحمة الأسطورية لبناء أعظم مشروع في تاريخ مصر القديم والحديث"، كما تحدّث عن مشروع توشكى والذي عدّه مِن النماذج السيئة لصناعة القرارات، وأوصى بأنه قد أصبح أمراً واقعاً لا بد من التعامل معه بحنكة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، وتناول كذلك الأمر الخاص بكفاية مصر من الموارد المائية حالياً ومستقبلاً؛ خاصةً في ظل الضغوطات التي تمارسها دول حوض النيل على مصر، مدللاً أن موقف الدول التي تتدفق منها منابع نهر النيل تتعرّض للكثير من المؤثرات الخارجية، وتحديداً من قِبل الكيان الصهيوني، كما أكّد على أهمية أن يتم استغلال "إنتاجية المياه" لتحقيق بعض التوازن في الميزان التجاري الزراعي "المختل بشدّة". لم يغفل الكاتب كذلك أصله الريفي الذي سيطر عليه أثناء كتابة الكتاب؛ حيث يقول: "لم نعطِ ظهورنا للترعة، وتعلَّمنا السباحة، وأخذنا معها البلهارسيا وكل الأدوية الخاصة بها، وتلقينا العقوبات العائلية المعتادة على عصيان الأوامر بعدم نزول البحر، كما يُسمّى في قريتنا الصغيرة كفر "هورين"، وتعلّقنا بأغصان شجر شعر البنت، وتركناه يلهو بنا في المياه، وحلمنا بجنيات الماء".
"أحمد السيد النجار" خبير اقتصادي، ورئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيچية بمؤسسة الأهرام، ورئيس تحرير التقرير الذي يُصدره المركز سنوياً تحت عنوان "الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيچية". صدر له ما يزيد على الستين بحثًا وكتابًا منشورًا، وما يزيد على الألفي مقال وتحليل سياسي، حصل "جائزة الدولة التشجيعية في الاقتصاد" عام 1999، بالإضافة إلى عدد من الجوائز الأخرى.