كتب: عمرو أبو بكر أمرهم غريب حقاً.. يدعون الفلسطينيين إلى السلام، ونجدهم في الوقت نفسه يحرقون المزارع ويهدمون المنازل ويجرفون الأراضي.. يقولون نحن نريد أن نقتسم لقمة العيش مع الفلسطينيين، وهم يحاصرون شعباً ضعيفاً في غزة، يقطعون عنه كل مقومات الحياة من طعام ومياه وكهرباء وحتى الدواء، يؤكِّدون كل يوم حرصهم على التفاوض، والوصول إلى حل سلمي لجميع المشكلات بينهم وبين العرب، ثم يشنّون عملية حربية على شعب أعزل بصواريخ الطائرات، وقذائف الدبابات ونيران المدفعية.. يُعلنون في كل الملأ أنهم شعب مسالم يعيشون جنباً إلى جنب مع جيرانهم، متمنّين لهم كل خير وسلامة، ثم يتّضح لنا أن من طقوس صلاتهم الدعاء على جيرانهم، بأن يعيشوا جميعاً مفعمين بالعلل والأمراض الخبيثة، وأن يكون مصيرهم الفناء والإبادة.. من يقرأ السطور السابقة يدرك على الفور وللوهلة الأولى أن الحديث يدور حول الإسرائيليين، فمعظمنا يعرف عنهم كل هذا وأكثر، ولكن.. لماذا يتصرّفون على هذا النحو؟ لِمَ كل هذه الممارسات الإسرائيلية المستمرّة ليل نهار من عمليات تهويد للأراضي الفلسطينية المحتلّة، وهدم للمنازل، وتغيير لأسماء الشوارع الفلسطينية بأخرى يهودية، وعمليات القتل العشوائي، وتحليل قتل الأطفال والنساء والمسنين، وتهديدهم المستمرّ بشنّ حرب على لبنان تارة، وعلى سوريا تارة أخرى؟ لماذا يدعو حاخام إسرائيل الأكبر والزعيم الروحي لحركة شاس "عوفيديا يوسف" على الفلسطينيين، متمنياً زوالهم من على وجه الكرة الأرضية خلال موعظته الأسبوعية؟ لماذا نجدهم دائماً وراء أي فتنة أو نزعة طائفية أو زعزعة أمنية في دولنا العربية؟ لِمَ كل هذه الكراهية والضغينة؟ الإجابة عن هذه الأسئلة وشاكلتها أمر بسيط.. وهي أن الإسرائيليين شعب متديّن للغاية، وأبرز دليل على تديّنهم هذا مطالبتهم بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية من قِبَل دول العالم قاطبة، وهذا المطلب هو شرط الحصول على الجنسية الإسرائيلية، وهو أيضا شرط مفروض على الفلسطينيين؛ كي يُسمح لهم بالحصول على بعض حقوقهم، إذن فهم يريدون أن يُثبتوا للعالم أن إسرائيل هي دولة دينية في المقام الأول، تلتزم سياساتها بأحكام الشريعة الدينية اليهودية.. لكن ما علاقة هذا التديّن وهذه الشريعة بالإجابة عن التساؤلات السابقة؟!! عند القراءة في الشريعة الدينية اليهودية، سنفهم تصرفاتهم جيداً، وستزول كل علامات الاستفهام والإبهام التي لدينا على ممارساتهم، وعندها سيدرك كلّ منا حقيقة أمرهم.. الشريعة الدينية اليهودية تسمّي من ليس يهودياً ب"الجوييم"، وهي كلمة عبرية وردت في معظم مصادر التشريع اليهودية وتعني "الأغيار"، ومن مصادر التشريع تلك "التلمود" وهو كتاب فقهي يضمّ أحكام شريعة اليهود، ونجد فيه أن اليهودي يُعتبر أفضل من الملائكة، وأن غير اليهودي (الجوييم) الذي يضرب يهودياً يستحقّ الموت، أما إذا حدث العكس فلا يكون على اليهودي شيء، وأن الفرق بين اليهودي وغير اليهودي كالفرق بين الإنسان والحيوان.. كما يعتبر التلمود أن شعوب العالم من غير اليهود "حميراً"، فقد قال الحاخام "أباربانيل": "إن الشعب المختار (اليهود) فقط يستحقّ الحياة الأبدية، وأما باقي الشعوب فمثلهم كمثل الحمير"، ويخاطب التلمود اليهود قائلاً: "أيها اليهود إنكم من بني البشر؛ لأن أرواحكم مصدرها روح الله، وأما باقي الأمم فليست كذلك؛ لأن أرواحهم مصدرها الروح النجسة"، وفي موضع آخر: "خلق الله الأجنبي على هيئة الإنسان؛ ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خُلِقت الدنيا من أجلهم؛ لأنه لا يتناسب أن يخدمه ليل نهار وهو على صورته الحيوانية".. واليهود في التلمود هم "الشعب المختار" و"الزرع المقدّس"، وهم "البشر وجميع الأمم (غير اليهود) حيوانات يستدعي نحرهم"، فالرؤية التلمودية ترى أنّ بني إسرائيل هم البشر وحدهم، أمّا من عداهم من جميع الأمم فإنّهم من أصناف البهائم والحيوانات.. ويوصي التلمود بقتل غير اليهودي.. "اقتل الصالح من غير الإسرائيليين، ومحرّم على الإسرائيلي أن يُنجي أحداً من باقي الأمم من الهلاك، أو يخرجه من حفرة يقع فيها؛ لأنه يكون بذلك حفظ حياة أحد الوثنيين"، وفي نصّ آخر: "من العدل أن يقتل اليهودي بيده كافراً؛ لأن من يسفك دم الكافر يقرّب قرباناً إلى الله".. ووفقاً للتلمود لا يجوز لليهودي أن يسكن في بيت واحد مع أحد من الأغيار، ويجب على اليهودي أن يجتهد بإخراج الساكن معه من غير اليهود؛ لأنّ بيوت الأمم الأخرى تشبه خان الحيوانات، وليس لهم اسم "مسكن" على الإطلاق.. ولم يقتصر الأمر على التلمود فحسب، بل إن العهد القديم أيضا -وهو مصدر آخر من مصادر التشريع عند اليهود- يوصي باحتقار غير اليهودي، وقتله، وإبادته، فلا يجوز لليهودي أن يتعامل بالرّبا مع أخيه اليهودي، بينما يُباح له أن يمتصّ غيره من الأمم والشعوب الأخرى، وأن يسرقه، وأن يشهد عليه بالزّور، وأن يقتله، أو يكذب عليه، أو يغدر به، أو يغصبه، أو ينتقم منه، أو يشتهي امرأته أو بيته، فالمحرّمات التي نجدها في "سفر الخروج" -أحد أسفار العهد القديم- تخصّ بني إسرائيل وحدهم.. "لا تشهد على قريبك شهادة زور، ولا تشتهِ بيت قريبك، لا تشتهِ امرأة قريبك، ولا أمَته، ولا ثوره، ولا حماره"، وفي "سفر التثنية": "للأجنبي تقرض بربا، لكن لأخيك لا تقرض بربا".. وشريعة الحرب وأحكامها في العهد القديم تبيح للإسرائيليين أن يغزوا الشعوب الأخرى، وأن يضربوا بعد انتصارهم على بلد ما جميع رقاب رجالها البالغين بحدّ السيف، ولا يبقوا أحدا منهم، وأن يسترقّوا جميع نسائها، ويستولوا على جميع ما فيها من مال أو عقار أو متاع، فقد ورد في سفر التثنية: "إن عملت يا إسرائيل مع مدينة حربا فحاصرها (...) واضرب جميع ذكورها بحدّ السيف، أما النساء والأطفال والبهائم، وكل ما في المدينة فتغتنمها لنفسك، وهكذا تفعل مع جميع المدن البعيدة عنك".. ويطول بنا الحديث لو أحصينا ما ورد في مصادر التشريع اليهودي عن أسلوب تعامل اليهودي مع الآخر غير اليهودي، فهذا غيض من فيض مما ورد في العقيدة الدينية اليهودية من رؤى عنصرية للآخر، مفعمة بالسبّ والشتائم والوصف بالحقارة والدونية. خلاصة القول هل فهمنا حقيقة الكراهية والبغض الذي نراه أثناء مشاهدتنا للمستوطنين اليهود عندما يقتلون الأطفال، ويحرقون أشجار الزيتون، ويهدمون المنازل؟ هل أجبنا عن السؤال الذي ترامى إلى أذهاننا جميعا عندما شاهدنا مقطع الفيديو الذي بثّته جميع شبكات الأخبار العربية والعالمية، وأبكى أعيننا دماً، حينما ظهر فيه جندي إسرائيلي يرقص بجوار أسيرة فلسطينية معصوبة العينين؟ هل أدركنا أسباب حرمان الإسرائيليين لشعب غزة من جميع مقومات الحياة؟ إنهم باختصار يرون أن ممارساتهم تلك تقرّبهم إلى الله؛ لأنهم ينفّذون تعاليم التلمود والعهد القديم.. لكن السؤال المُلحّ بعد كل ما سبق: هل يمكن إقامة سلام حقيقي مع أولئك الذين يؤمنون بأن غير اليهود هم بهائم وحيوانات؟!!!