"الماسوشية" -كما تعلّمت في مادة علم الإجرام بكلية الحقوق- هي الولع المَرَضي بالشعور بالألم الذي غالبًا ما يسعى الشخص "الماسوشي" لإشعار نفسه به مستمتعًا بذلك، وأحيانًا كثيرة يرتبط الأمر باللذة الجنسية، بحيث لا يصل "الماسوشي" لأعلى درجات النشوة الجنسية بدون الشعور بالألم! وبغضّ النظر عن ارتباط الأمر بالجنس من عدمه، فإن ما صدمني من أفلام على موقع Youtube لشباب أمريكيين وأوروبيين -أغلبهم مراهقون- يتلذذون بتعذيب أنفسهم وهم في منتهى السعادة والمرح، هو أمر أكبر من أن نعتبره مجرد حالات فردية، فانتشار هذه الممارسات على الإنترنت، وظهور فنون معيّنة لها، بمسمّيات وطرق ومنافسات في الغرب، هو مما ينمّ عن أننا بصدد الحديث عن ثقافة "الماسوشية"! والأمر قد يبدو تافهًا أو أنه مجرد "عبث أطفال أو مراهقين"، وقد كان يمكن أن أعتبره كذلك لو كان ما لاحظته مجرد حالات فردية، ولكن الحقيقة أنها من الكثرة بشكل يعطي انطباعًا قويًا بأنها بالفعل "ثقافة" جديدة مختلّة! فنون شاذة! على موقع Youtube القائمة حافلة! يمكنك مشاهدة مراهقين يقومون بعمل Wedgie (تعليق الشخص عن طريق الطرف الخلفي لسرواله الداخلي، ولك أن تتخيل الألم)، أو الWax torture وهو أن يتقبل أحد الشباب قيام زميله بسكب أو تنقيط الشمع الملتهب على جسده. كذلك الNippling وهو الجذب بشدّة من مقدمة عضلة الصدر وبعنف يصل لحد استخدام كماشة لفعل ذلك! هذا فضلاً عن الجَلد والتعريض للكهرباء والضرب العنيف، بل بلغ الأمر ببعض الشباب أن ارتدى أحدهم سترة واقية من الرصاص، ثم تلقّى من مسافة قريبة رصاصة مباشرة في صدره أصابته بكدمة عنيفة، وربما شرخ بالضلع، وآخر طلب من رفاقه تقييده ثم تلقّى بصبر عجيب اللكمات في معدته لمدة عشر دقائق متواصلة، وأحيانا يتمّ تلقي الضرب بأماكن حساسة -كالمناطق التناسلية والرأس- أو التعريض للجرح بآلات حادة. وثمة نوع آخر من الممارسات "الماسوشية" هو التعذيب الذاتي بإجبار الشخص نفسه على القيام بعمل مقزّز كأكل حشرة مقزّزة أو تقبيل خنزير أو إلقاء نفسه في فضلات بشرية أو حيوانية أو كومة من القاذورات! وكل ذلك برضى بطل الفيديو وعظيم سعادته وامتنانه! والأمر لا يتعلق بممارسة جنسية ما مثلاً، بل هو يُمارَس لِذَاته، ولا أدري ما وجه المتعة أو الفائدة من هذه الممارسات، فهي ليست مثلاً من قبيل تدريبات زيادة قوة التحمّل، ولا هي تحمل شكل استعراض تلك القوة المذكورة، بل إنها مجرد ممارسة لإحداث الألم للذات لمجرد فعل ذلك! والمستفزّ أن لها مسابقات ومنافسات بين هُواتها! "الماسوشية".. محاولة للتنكيل بالذات بوضعها في صورة منفّرة صادمة خدمات "ماسوشية" خاصة وما يؤكّد تحول الأمر لثقافة منتشرة نوعًا هو ظهور برامج مرئية متخصصة فقط في هذا النوع من الممارسات، فتكون الأفلام بلا قصة سوى قيام أبطالها -مجموعة من المتخصصين في الحركات الخطيرة- بتعريض أنفسهم لتجارب مؤلمة جسديًا بشكل عنيف جدًا، وبعضها مقزّز صادم للنفس، والمثير أن لهذه الأفلام شعبية كبيرة! كذلك عرضت رواية "نادي القتال Fight club" نموذجًا قويًا لرجل يعتنق تلك الثقافة، ويتلذّذ بتلقي الضربات والتعرّض للتشويه، وهي رواية تنتقد بعض المسكوت عنه من سلبيات المجتمع الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك يساهم انتشار وشعبية أفلام لا قصة لها سوى التعذيب والتمزيق بأبشع الطرق مثل "المنشار Saw" و"المصير النهائي Final destination"، ورواج الأفلام التي تعرض تسجيلات لحوادث بشعة أثناء وقوعها، ونجاح مواقع متخصصة في بثّ الصور البشعة والمقززة والصادمة نفسيًا، في توطيد تلك الفكرة عن إقبال شريحة من الشباب على تعذيب أنفسهم بصدمها بمشاهدة ما يمثل لأية نفسية سوية صدمة وألمًا معنويًا، من مشاهد بشعة مقززة منفرة. تشويه ذاتي كذلك تنمّ ظاهرة انتشار من يقومون بتشويه أنفسهم بالوشوم والأصباغ المنفّرة للوجه والشعر، عن أن معتنقي ذلك المذهب أكبر مما نعتقد، فمن الطبيعي أن ترى في الطريق في أمريكا فتاةً ترتدي السواد وتصبغ أسفل عينيها بالأسود ورأسها حليق تمامًا، أو شابًا يضع عشرات الأقراط في وجهه وحاجبيه وأذنيه وأنفه ولسانه وجفونه! كما قد يقترن ذلك بارتداء ملابس مكتوب عليها عبارات مسيئة لصاحبها، كأن ترتدي الفتاة قميصًا عليه كلمة "عاهرة" أو يكتب الشاب على قميصه عبارة "تبًا لي" (بالتعبير الأمريكي البذيء طبعًا). هذه ليست مجرد "مظاهر للتمرّد الشكلي" بقدر ما هي طرق للتنكيل بالذات بوضعها في تلك الصورة المنفّرة الصادمة، واستمتاع صاحبها بشعور "الخاسر المنبوذ" أو "المسخ". والشباب الذين يظهرون في مثل تلك المشاهد المسجّلة بالفيديو ينمّ مظهر معظمهم عن خلوّ من هموم الحياة أو الانتماء لتيار متمرد فكريًا مثلاً! فماذا قد يكون مبررهم للقيام بذلك؟ محاولة للتفسير التفسير الأول الذي يقفز للذهن هو "الفراغ"، وهو تفسير له وجاهته نوعًا، بالإضافة لتفسيرات أخرى منطقية بدورها كالرغبة في لفت أنظار المجتمع المحيط بتصرفات شاذة صارخة، كذلك يمكن إضافة فكرة "التَطَهُّر" اللاإرادي، وكراهية الذات بالنسبة للبعض، ولكن كل هذه تفسيرات فردية، فماذا عن التفسير الشامل لتحوّل الأمر لظاهرة ملحوظة؟! ليت المجال يتسع لذلك، ولكن هذا أمر يحتاج لمتخصصين محترفين لا مجرد دردشة مقالية بسيطة. والوقوف عند ظاهرة كهذه ليس من قبيل الالتفات للتفاهات، فسلوكيات الأفراد في إطار الجماعة البشرية الواحدة مهما بدت تفاهتها وقلة شأنها، تساعد مراقبتها ومتابعتها في فهم بعض -أو كل- جوانب التكوين النفسي لهذا المجتمع، وهو أمر مهم بالذات لو كان مجتمع دولة مُصَدِّرة للثقافات لمجتمعنا، ودعونا لا نغفل حقيقة أن الثقافة "الماسوشية" انتقلت لنا منها شذرات في صورة تيار الEmo الملحوظ بين المراهقين!