فلنحسبها سوياً، لاعب خلوق قدّم لمنتخب مصر الكثير، كان الجمهور يهتف له بالأمس، أما اليوم فيهتف ضده، فقط لأن هذا الجمهور يشجّع الفريق المنافس، ولا يعجبه حركة فَعَلَها اللاعب.. أو أن الجمهور يريد أن يُخرج اللاعب عن تركيزه؛ فيسبّه، ويضغط عليه بشكل لا يقبله دين ولا خلق. هل هذا عدل؟ لاعب يُخطئ في فاول فيَجِد جمهور الفريق المنافس ينعته بأسوأ الألفاظ؛ فتجد ما لا يقلّ عن ثلاثة آلاف مشجّع وهم يرتفعون بأصواتهم التي تملأ أقطار مصر، وهم يسبون اللاعب بقولهم: "يا (…) يا بن التايهين.. روح شوف أمك فين". حَكَم يحتسب ضربة حرة أو ضربة جزاء أو أية ضربة في الدنيا، تجد الجمهور يأتي بأصول وجذور هذا الحكم ليَلعن في الأرض التي نشأ عليها، وتربى فيها جده لأمه، وجد جده الذي أخطأ لأنه أنجب جده، الذي أنجب والده، الذي خسر شرفه يوم أنجب هذا الحكم صاحب الحظ السيء، لأنه حكم هذه المباراة، واحتسب الضربة اللي وقعت على قلبه!! شيكابالا يشتمه الجمهور بأبيه وأمه، ويُشكّكون في نسبه؛ وكأن أمه أنجبته من رجل غير أبيه!! فإذا انفعل كان خارجاً عن حدود الأدب واللياقة، والجمهور دائماً على حق!! سيد معوّض يَسبّه جمهور الزمالك؛ فيَقْبَل فانلة الأهلي؛ فيزدادون سبًّا ولعناً فيه وفيمن ألبسه هذه الفانلة! حسن شحاته الذي يهتف الجمهور باسمه اليوم، وطالما هتفوا باسمه في الملاعب، أتذكر يوم أن كانت هناك مشكلة تخصّ أخت زوجته، لم يرحمه بعض جماهير النادي الأهلي، وأخذو يشتمونه حتى سألوه: حسن شحاتة قول الحق.. ابنك ولاّ لأ؟ وظلوا يهتفون بها حتى بكى الرجل وأراد الخروج من الملعب؛ لولا أن أخذ الخطيب بيده، وذهب به لجمهور الأهلي طالباً منهم أن يرحموه؛ فتوقفوا، ثم هتفوا للخطيب! وانتهى الأمر.. وغير هذا الكثير والكثير. ما كل هذا العبث، وهذا التعصب الأعمى، الذي يصل إلى حدّ سبّ الأعراض، والتشكيك في الأنساب، وإهانة الأب والأم والعيلة كلها أحياناً؟ أليست الرياضة مُتعة ومنافسة شريفة يغلّفها خُلُق، فبها تترابط الشعوب، وحولها تتّحد القلوب؛ فكيف نُحوّلها إلى سبّ ولعن وضرب بالجنازير، وضرب من ضروب الجحود والنكران. ولماذا يُصاب إعلامنا الرياضي بالخلل في تعامله مع هذه المشكلة؛ فتجد وصلات من النفاق والمزايدة على اللاعب، أو المدير الفني، أو الحَكَم الذي أخطأ حين ردّ على الجمهور الذي تلفّظ ضده بأبشع الشتائم.. وتخرج الأصوات الإعلامية تُطالب بالقصاص من هذا المشتوم، وشطبه، وإن شئت محوه؛ عقاباً له على أنه لم يتَحلَّ بالأخلاق أمام هذا التعنّت وهذا التجبّر من بعض الجماهير.. أي أنهم يتركون الشاتم، ويُمسكون في المشتوم. يتركون المستفِزّ ويطالبون مَن أغضبه بالاعتذار، وتخرج كل الأقلام التي تدّعي الخُلق لتطالبه بالموت خنقاً أو شنقاً على أعتاب ناديه. كلمة قالها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه.. قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال يسبّ الرجل أبا الرجل فيسبّ أباه ويسبّ أمه". وأبسط المعاني أن الذي يسبّ أبا أحد أو أمه مُعرّض لأن يَسبّ المشتوم أباه وأمه أيضاً. أعتقد أننا كما نُطالب اللاعبين بالأخلاق، يجب أن نطالب الجمهور المتعصب بها أيضاً؛ وإلا نكون بذلك قد ضيّعنا الحق، ونصَرْنا الجمع الباطل على الفرد وإن كان حقاً.. وأعتقد أن على كلٍّ منا أن يسأل نفسه وليُجب بصدق: أتحب أن يشتم أحد أباك وأمك.. ولو فعل، فماذا أنت فاعل؟ لقد قابلت بعض المتعصبين من الجانبين يتعاملون مع اللقاء وكأنهم ذاهبون إلى الحرب.. وبات كل منهم يعدّ قائمة بأسماء المشتومين في المباراة، وعبارات السب التي ستسقط على رأسهم وكأنها حجارة من سجيل، وإنني فقط أذكّر نفسي وكل المتعصبين من جمهور الناديين الكبيرين (الأهلي والزمالك) أننا في مباراة كرة، ولسنا في حرب، وأن اللاعب -الذي يستعدّون للنيْل منه- لا ذنب له أنه احترف هذه اللعبة، وأنه ليس أسوأ عند الله من إيذاء القلوب. وليت كثيراً -ممن لا تؤثر فيهم الكلمات من الشباب المتعصبين من الجانبين- يتخيل شكله ومشاعره، وهو يقف مكتوف الأيدي أمام مُخبر أو أمين شرطة فاسد، تَطَاول عليه أو حتى أهان كرامته؛ لمجرد أنّ شكله أو سلوكه لم يعجبه -وكثيراً ما يحدث- ثم يقارِن موقفه هذا بموقفه، وهو بين جمهور ناديه يشتم لاعباً لا حول له ولا قوة أمام هذا الطغيان.. فإن كنت لا تستطيع أحياناً أن ترفع صوتك وتدافع عن حقك ولو بكلمة مهذبة؛ فالأوْلى بك ألا ترفع صوتك لتُهين غيرك بكلمة نابية؛ فكما تدين تُدان. ولنجعلها مباراة قمة حقيقية، في فن اللعبة، وفي الجهد المبذول وفي المثابرة من اللاعبين والجهاز الفني، وقمة في الروح الرياضية من جمهور الناديين. لا قمة في الشتائم وسبّ الناس.