حينما سمعت أن لوحة "زهرة الخشخاش" قد سُرِقت، جال بخاطري أن أرسم كاريكاتيراً، يظهر أن مَن سرقها رجل مدمن؛ معللاً ذلك بأزمة الحشيش (أهو خشخاش برضه!)، إلا أنني لم أستطِع. السبب هو أن الحديث عن هذه اللوحة حديثٌ ذو شجون.
رأيتها في المرة الأولى منذ حوالي 7 سنوات.. في زيارة لمُتحف محمد محمود خليل وحرمه في الجيزة.
المُتحف رائع.. والمقتنيات مبهرة.. أُعجِبت بهذا الرجل الذي حوّل قصره إلى مُتحف بعد وفاته كي يستمتع الناس بهذه الفنون.. أذكر تمثالاً (في الدور الأرضي) يكاد ينبض بالحياة من روعة إتقانه.. إلى أن حدث اللقاء.
غرفة منفصلة.. بها صفوف من الكراسي أمام لوحة متوسّطة الحجم في إطار أنيق.. تقدّمت من اللوحة كي أعرف سر هذا الاهتمام.. فعرفت أنها "زهرة الخشخاش" ل"فان جوخ" شخصياً.
لم أُصدّق أنها هي.. هل "زهرة الخشخاش" عندنا في مصر؟؟ هكذا سألت صديقي، فأجاب: مين "فان جوخ" ده أساساً؟!
لم أُصدّق أنها هي؛ لأنني لا أرى أي رجال أمن، بل نحن وحدنا تماماً في الطابق.. بل في المُتحف كله.
لم أُصدّق أنها زهرة الخشخاش لسبب بسيط.. هو أنني لمست إطارها لأسمع صفارات الإنذار أو لينهرني رجال الأمن، إلا أن شيئاً لم يحدث.. فلمست اللوحة نفسها بيدي، وتحسّست آثار فرشاة "فان خوخ" ذاته ولم يحدث أي شيء.. لم أُصدّق أنها هي؛ لأنني في هذه اللحظة فكّرت: ما الذي يمنع أن تخدش اللوحة أو أن تنقطع في هذه اللحظة؟
خرجت من المتحف مقتنعاً أنها مجرد نسخة للعرض فقط.. وأن اللوحة الأصلية في مكان ما.
جال هذا بخاطري؛ لأن فكرة أن المسألة "ماشية بالبركة والتساهيل" لم تكن تحضر بأبشع كوابيسي بعد.
لم أكن وقتها قد زرت مُتحف "فان خوخ" في أمستردام بعد.. لم أكن قد رأيت الناس يقفون على بعد مترين من لوحة "البورتريه الشخصي"، لا بسبب رجل الأمن الجالس لهذه اللوحة بالذات، بل بسبب رهبتهم مِن هيبة اللوحة التي تُمثّل تاريخاً وجدانياً عظيماً.. وقلت لزوجتي -فخوراً- إن لوحة من لوحاته موجودة في مُتحف محمود خليل.. إلا أن فخري لم يدم طويلاً كالمعتاد!!
حين قرأت خبر السرقة لم أستطِع أن أسخر من الموضوع.. السبب هو أن القضية ليست سرقة لوحة بل سرقة وطن!! مجموعة مِن المسئولين غير الأكفاء يحتلون وطناً، إلى أن أصبح بمثابة "بلد العجائب" الذي لا يفوت فيه يوم دون خبر سيئ أو مصيبة ما.
أصبح البلد مجرد ديكور بلد.. لا هدف منه إلا أن يرى الأسياد أن كل شيء على ما يرام.. وأننا في بلد الأمن والأمان (أمان المسئولين وليس أمان المواطن أو زهرة الخشخاش!).
من حقي أن أتساءل: بأي حق يشعر المسئول بالفخر؟ هل ينام ليلاً؟ هل يَعتبر نفسه قد أدّى ما عليه فيقابل الله بقلب مستريح (لو كان يعتقد في وجوده أصلاً)؟
هل يعرف أنه هو المسئول عن كل هذا؟
كيف يُفكّر المسئول.. وكيف يدير الأمور؟
ظلّت هذه التساؤلات تلح بذهني، إلى أن شاهدت فيديو لمسئول مهم أثناء خطاب له.. يقول فيه لأحد الجالسين: - هو أنا هاقعد أقرأ كل حاجة في البلد؟ يا راجل كبّر مُخك.. هاهاها!!