حال حرية التعبير والرأي في إيران لا يختلف عنه كثيراً في بلدان العرب والمسلمين بصورة تدعو للأسف؛ حيث تشكو أغلب الشعوب العربية من فساد الحكم وقهر الحكام الذي يصل إلى حد الاستعباد في كثير من الأحيان. ونتيجة لذلك الحجْر الصارخ على الحريات وقمع الاعتصامات وفضّ المظاهرات بالقوة المفرطة أضحت شبكة الإنترنت ملاذاً أخيراً ومنفذاً تخرج من خلاله أصوات أصحاب الرأي والمنادين بحرية التعبير؛ وبخاصة من الشباب الذين يبحثون عمن يسمع أصواتهم قبل أن تموت كمداً في حناجرهم. وبما أنه لا توجد نوافذ رسمية تُمكّن جموع الغاضبين من الحقوقيين والشباب من أصحاب الرأي للتنفيس عن بركان غضبهم وثورة مشاعرهم في مختلف قضايا بلادهم العادية منها أو المصيرية بشكل هادئ ومتحضر من خلال الاعتصامات والمظاهرات السلمية؛ حيث يدرك الجميع أن القمع هو مصير اعتصاماتهم، وعصا القوة المفرطة -وربما سيف الاعتقال- مسلطة على رقابهم إذا ما فكروا في التظاهر والتعبير عن صوتهم ولو بهدوء؛ فلم تتبق نافذة لهؤلاء سوى المدوّنات الشخصية في السابق ومؤخراً المواقع الاجتماعية مثل "الفيس بوك" الذي أصبح ملاذاً لتلك المجموعات المناهضة للتعذيب، ينفسون فيه عن غضبهم ويعبرون عن آرائهم وردود أفعالهم.
ولكن ماذا عن إيران أحد أكبر السلطات القمعية في شرقنا الأوسط الكبير؟ كيف يعبر الشباب عن آرائهم وغضبهم وبأية وسيلة بالرغم من الرقابة الشديدة على محتوى الإنترنت في إيران؟ ومن هم قوات "الباسيج" أو قوات مكافحة الشغب الإيرانية؟ التدوين في إيران يعمل تحت ظروف خاصة لأن الحكومة تقيّد -بل وتحجر- على بعض الآراء، والمدونة بصفة عامة أقرب ما تكون لكسر القواعد وعدم الالتزام بالقيود؛ مقارنة بأشكال التعبير الأخرى داخل المجتمع الإيراني؛ وهو ما يفسر تلك الشعبية الجارفة للمدونات؛ لا سيما في صفوف الشباب الإيراني. فتيات من قوات "الباسيج" أثناء أحد العروض العسكريّة تشير التقديرات المعلنة في أكتوبر من عام 2005 إلى أن هناك أكثر من 700 ألف مدونة إيرانية من أصل قرابة 100 مليون مدونة على مستوى العالم، النشط منها يتراوح بين 40 ألفاً و110 ألفاً، كُتب معظمها بالفارسية، بالإضافة إلى العديد من المدونات التي يكتبها الإيرانيون بالإنجليزية واللغات الأخرى؛ ولو أن هؤلاء ينتمون إلى المغتربين الذين يعيشون في أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان. ولعل إحكام الرقابة وطبيعة الحكم في طهران يوضحان بشكل كبير سبب احتلال إيران للمرتبة الثالثة بين البلدان التي تضم أكبر عدد من المدونين على مستوى العالم، بعد الولاياتالمتحدة والصين وهو ما دعانا لنعرض نماذجاً لما تتناوله تلك المدونات التي تحكي على صفحاتها حكايات بعض سجناء الرأي الذين اعتقلوا بمعزل عن العالم الخارجي لعدة أيام أو لأسبوع أو لأشهر، ولا يزال أقرباؤهم غير قادرين على معرفة أسباب احتجازهم أو التهم الموجهة إليهم. أما تلك السرية التي تحيط بهذه الاعتقالات من شأنها أن تسهّل على المحققين اللجوء إلى التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، ومنها الاغتصاب والإعدام الوهمي، وذلك من أجل انتزاع "اعترافات" منهم بالإكراه، يتم استخدامها فيما بعد كأدلة في المحاكمات. ولكن لنتعرف أولاً على قوات "الباسيج" وطبيعة عملهم داخل المجتمع الإيراني.. الباسيج (بالفارسية: بسيج) "تعني التعبئة" أو "قوات التعبئة الشعبية"؛ وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين ذكور وإناث، أسّسها الإمام مصطفى أحمد الموسوي الخميني في نوفمبر 1979، تتبع الباسيج الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، كذلك تضم قوات الباسيج مجموعات من رجال الدين وتابعيهم، كان لتلك الميليشيا نشاط بارز أثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات. "الباسيج" واحدة من أخلص الميليشيات المسلحة في الدولة الشيعية لنظام ولاية الفقيه، وخط الدفاع الأول عن حكومة الملالي في طهران، وقد شكّلت رأس الحربة في عمليات القمع، التي جرت لتظاهرات المعارضة، منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي فاز فيها الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، المدعوم من مرشد الثورة علي خامنئي. "الباسيج" يقودون الدراجات النارية لتمكّنهم من خوض قتال الشوارع بسهولة وهي قوات صدامية، يتسلح أفرادها بالهراوات والسلاسل، وغالباً ما يحملون الحجارة، وأحياناً السكاكين، وغيرها من الأسلحة البدائية.. تضمّ مئات الآلاف من العناصر، وهناك تقديرات تقول إنهم يتجاوزون الثلاثة ملايين إيراني من الرجال والنساء؛ غالبيتهم من المدنيين، إضافة إلى عدد من الوحدات المسلحة، يرتدي أفرادها ملابس مدنية، لتسهل تحركاتهم، وخلال عملياتهم يقودون الدراجات النارية في أنحاء إيران لتمكّنهم من خوض قتال الشوارع بسهولة؛ حيث يقوم رجل بالقيادة وآخر يقوم باستخدام العصى لضرب الحشود، فهي قوات شبه عسكرية، تتدخل لقمع أي تحرك معادٍ للنظام في حال اندلاع توترات يقف وراءها مدنيون، وكثيراً ما اتُهموا باستخدام الوحشية المفرطة، والقسوة تجاه مخالفيهم. وتنتمي غالبية عناصر الباسيج إلى الفئات الفقيرة والمتوسطة، وهم ينشطون عموماً في القضايا الاجتماعية مثل حملات التطعيم؛ لكنهم يشاركون أيضاً في الحملات "الأخلاقية" التي تطلقها السلطة، مثل قمع الحفلات الموسيقية والغنائية غير القانونية أو مراقبة النساء اللواتي يرتدين ملابس لا تنسجم مع الشريعة الإسلامية. ولنتعرض الآن لنماذج مترجمة مما تحويه بعض المدونات الإيرانية المعارضة والتي كانت لأصحابها أو ذويهم تجارب مؤلمة مع النظام الحاكم في طهران. "شيما كلباسي".. أنا شاهدة "أنا شاهدة على الأضحيات التي تجرى لاسترضاء الإله.. على القرابين والاغتصاب والقتل والقتل الخطأ، والرجم، والعبودية، على إخضاع الجماهير وإلزام الناس كضحايا الذبيحة باسم الدين.. على الجرائم التي ارتكبها النظام الإيراني.. على تحريف تاريخ شعبي في الكتب المدرسية.. على الكارثة الاقتصادية وتجارة الرقيق الأبيض في إيران.. على قتل الأطفال، والرجال والنساء في شوارع طهران، شاهدة على وفاة "ندى"، وعلى وفاة "سهراب"، واغتيال "زهراس" وإعدام "فارزاد"، شاهدة على نفي شعبي.. أنا شاهدة".
التعذيب جزء من البرنامج اليومي لسجناء حرية التعبير في السجون الإيرانية "حامد طهراني": "أوميد ريزا" مات في السجن في هذه المدونة يحكي "حامد طهراني" عن صديقه "أوميدا ريزا ميسيافي" الذي لقي مصرعه داخل أحد السجون في إيران، وقد سبق الحكم على "أوميد" بالحبس عامين ونصف؛ بتهمة "إهانة القادة الدينيين الإيرانيين". والسبب في وفاته -كما يقول "حامد"- لم يتم الإعلان عنه بعد؛ ولكنه كان يعاني من حالة نفسية سيئة للغاية. ويعدّ التعذيب وغيره من أنواع سوء المعاملة جزءاً من برنامج سجناء حرية التعبير في السجون الإيرانية، وبالتالي فإن وفاة "أوميد" كانت نتيجة مباشرة لأعمال الحكومة الإيرانية. باعتبار أن الحكومة عادة ما تحتجز المدوّنين في السجن مع المجرمين الأكثر خطورة، وربما جاءت وفاته نتيجة غير مباشرة لهذا. وفي كلتا الحالتين؛ فإن رجال حكومة طهران وسجونها لديهم الكثير من الأسئلة للإجابة عنها. في النهاية يبعث "حامد" بخالص تعازيه إلى عائلة "أوميد"؛ قائلاً: "لقد قتلوا واحداً منا". "من أجل العدالة" قامت عائلة "حسين ديراخشان" بإطلاق هذه المدونة سعياً لتحقيق العدالة لرجل كل تهمته التصريح برأيه في حكومة بلاده وكتب على صفحاتها: "إذا كنت ترغب في خسارة رطلين أسبوعياً؛ فإنك حتماً بعد 19 شهراً ستكون قد فقدت كثيراً من الوزن حتى الآن، إذا رزقك الله بمولود جديد؛ فسيكون قد بلغ 19 شهراً حتى الآن، وإذا كنت قد فضضت غلاف قطعة من الحلوى فبعد 19 شهراً لن تستطيع التعرف عليه، إذا كنت قد اشتريت زوجاً من الأحذية فإنه سيكون بالياً الآن؛ أليس كذلك؟ الآن تخيّل "حسين ديراخشان" يقبع في زنزانته في إيران لمدة 19 شهراً". أن تكون منسياً "من الضروري أن ندافع عن المسجونين بغير حق وأن نكون صوتهم؛ إذ أن أشد الكوابيس وطأة على السجين هو فكرة أن يكون منسياً؛ ولكن معرفته بأن محنته تلامس شغاف قلوب الناس في شتى أنحاء العالم وعقولهم، تعطيه شعوراً عميقاً بالأمل". "مازيار بهاري"، الصحفي الإيراني-الكندي الذي أُطلق سراحه بعد احتجاز دام أربعة أشهر في أعقاب الانتخابات الإيرانية، في حديث إلى صحيفة نيوزويك". شاهد عناصر شرطة مكافحة الشغب تضرب امرأة بالهراوات إضغط لمشاهدة الفيديو: