ابن يقتل أباه داخل المسجد بدم بارد.. وزوج يقتل زوجته بإطلاق رصاصة في رأسها... وإخوة يقتلون زوج شقيقتهم التي أسلمت وهربت معه دون تردد.. كانت تلك أهم الأخبار التي استوقفت الأستاذ فهمي هويدي ليتساءل ويعرض علينا تساؤله في مقال الأحد.. ما وراء هذا العنف؟ ولا مهرب من الألم ونحن نتابع كل هذا العنف وهذا التردي وهذا السقوط، من المؤكد أن الفقر ليس هو السبب الأوحد لكل هذا العنف، ولا الجهل وحده المسئول، فقد كان المصريون طوال عمرهم يعيشون في فقر وجهل ولم يكن المجتمع بهذا العنف وهذه القسوة.. ولكن يبدو أننا وسط كل هذا الضجيج وهذا الزحام فقدنا أهم مقومات الحياة.. الحب.. تلك الكلمة الطيبة التي تهتز لها القلوب.. ويتحرك لها الوجدان، وتقام لأجلها مراسم الصمت والدموع في لحظات القرب ولحظات الفراق.. تلك الكلمة التي تتكون من حرفين؛ حرف يرتفع بها إلى السماء وحرف يصلها بالأرض، حرف هو الحاء كرمز للروح وحرف هو الباء كرمز للجسد.. تلك الكلمة النورانية المغموسة في بشريتنا الراقية أين ذهبت؟ فإنسان بلا حب، هو إنسان بلا وجود، ووطن بلا حب وطن موءود.. وإذا نظرنا للإنسان المصري رجلا كان أو امرأة لوجدنا كل هذا الكم الهائل من الحزن والتشقق والانقسام، فهذا الرجل يرتبط بإنسانة لا يحبها، ويميل إلى امرأة لم يجد سبيلا إلى الارتباط بها.. وتلك المرأة تعيش مع رجل لا تحبه، وقلبها يميل إلى رجل لم تتزوجه.. ومن هنا يصبح الحب فاكهة محرّمة على القلوب، والانشغال بمن نحب نوع من أنواع الخيانة.. لقد قتلنا كل تجارب الحب تحت عجلات المهر والشبكة والمؤخر ومتطلبات الحياة الفارغة.. فماذا تنتظر من قلوب متهالكة وعقول منهكة.. لقد غاب الحب عن حياتنا حين جعلنا للماديات النصيب الأعظم من اهتماماتنا، وحين حوّلنا القيم إلى مجموعة أشياء إن امتلكها الشخص صار مرموقا وإن فقدها فلا شيء لديه.. غابت معايير العلم والخلق في تقييمنا للبشر.. أنت تملك إذن أنت موجود.. أنت لا تملك إذن أنت لا شيء.. تفسّخت الأسر وتهاوت الروابط.. فإذا تركنا هذه الصورة من صور الحب لنتجه لصورة أخرى للوطن لوجدنا نفس الهدم ونفس الضياع.. وطن لا يعبأ بمن هم أعلى قيمًا وقيمة.. وطن يحكم تقييمه للبشر بمعايير الثروة والسلطة.. وطن فقد معايير الذوق والاحترام.. في كل شيء.. هو وطن فقد رابطة الحاء والباء وأضاف بينهما الراء، فتحول الحب إلى حرب، وتحولت الرغبة في النجاح والكفاح من أجله إلى الرغبة في التسلق والتملق وفقد القيمة الإنسانية الحقة، من أجل قيمة فارغة لا معنى لها.. إن الحوادث على الطريق والمشاكل في المحاكم سببها غياب الحب.. إن عدم وجود الدفء في بيوتنا والأطفال التي تتشرد بسبب حالات الطلاق سببه غياب الحب.. إن التراجع والتردي والتخلف في هذا البلد سببه غياب الحب.. حتى المخلفات التي تمتلئ بها شوارعنا سببها غياب الحب.. ولا أظن أن ثمة سبيلا لتقدم إنسان في حياته بمنأى عن الحب.. وبالتالي لا سبيل لتقدم أمة من الأمم تسودها المنازعات ويغيب عنها الحب.. الصلاة حب، والإيمان حب، والصوم حب، والدين كله -أيّ دين- قائم على الحب.. فما لنا نعيش في هذا الخراب في البشر والخراب في الوطن؟؟ لقد لعب السياسيون على أن يقتلوا الانتماء حين عم الفساد.. لقد قتلوا الحب في نفوس أبناء الوطن للأرض ومعناها.. فسهل عليهم أن ينهبوها ويفسدوا فيها ويمزّقوا أوصالها.. فإذا أراد الله لهذا البلد صلاحا.. وللبشر سعادة أيقظ قلوبهم على أهمية ما فقدوه في سنوات الانهزام والاستسلام.. فالفقر في أوطاننا خرج من خلو الجيب من المال.. إلى خلو العقل من الفكر.. ثم امتد ليقطع علينا طريق الحياة بخلو القلب من الحب..