أولاً أحب أن أشكركم على مجهوداتكم ومساعداتكم لكل من يحتاج إليكم. لا توجد مشكلة بالمعنى الدقيق لديّ؛ ولكني أحتاج لأحد أن يجيبني عن ما يجول بخاطري، ولم أجد سواكم قد يفيدني. نحن (أقصد هذا الجيل) هو جيل متّهم دائماً بالفساد والضياع وغياب الأهداف والانحلال الأخلاقي، وأننا تافهون ونريد النجاح بدون بذل أي مجهود. ولا أنكر أن جزءاً من هذا الكلام صحيح؛ فنحن نريد نجاح -واعذرني في اللفظ- تيك أواي؛ ولكن ألم يسأل من يتهموننا أنفسهم: من الذي جعلنا هكذا؟.. إنهم هم؛ فإذا كان الجميع يتهمنا على أي حال؛ فما المانع أن نكون كما يقولون وأسوأ؛ فنحن في كلا الحالتين متهمون؟ نحن لسنا كذلك حقاً؛ ولكن أحداً لم يرد أن يسمعنا أو يساعدنا، نحن لا نريد أن يكون طريقنا مفروشاً بالورود؛ ولكننا كذلك لا نحتاج إلى سيول تجتاحنا، نحن نقبل العقبات التي قد نواجهها؛ ولكن لا نقبل بالسيول التي تدمّرنا؛ فنحن ضعفاء، ومن يتهموننا هم سبب ضعفنا وقلة حيلتنا. نحن جيل الضياع كما يحلو للبعض أن يُطلق علينا؛ ولكن قبل أن يحاكمونا لمَ لا يحاكمون أنفسهم؟ فهم من خلقوا منّا جيلاً تافهاً وجاهلاً في يوم من الأيام. كيف تريدون منا أن نصبح علماء ورجالاً ونساء يفيدون هذا البلد وأنتم من علّمنا اختصار كل المفاهيم الجميله للوطنية مثلاً في مباراة كرة قدم؟ نحن نريد من يساعدنا بدلاً من انتقادنا؛ فللأسف الشديد لا التعليم في بلدنا الحبيب أصبح له قيمة ولا فائدة؛ لأننا -واجعلني أعترف لك- نتخرج من جامعاتنا ونحن ما نزال جاهلين. نحن جيل حائر، معلّق بين السماء والأرض، لا نحتاج منكم الاتهام أو أن توصّلونا إلى أهدافنا؛ ولكن نحتاج أن تضعوا أمامنا الهدف والغاية وتبثّوا فينا المقدرة والإيمان بأنفسنا كي نصل إلى برّ يريحنا ولا يجعلكم تتهموننا. آسفة على طول رسالتي؛ ولكني حقاً كنت أحتاج أن أتحدث إلى أحد. s.a
نشكرك كثيراً عزيزتي على رأيك فينا، وثقتك الغالية التي جعلتك تُشركينا معك في مكنونات نفسك ونرحّب بك دوماً. أشعر بكل كلماتك، ولستِ وحدك من يتساءل؛ فكلنا "في مركب واحدة"، وتأتي علينا لحظات كثيرة نتمنى فيها الحياة في زمن تأخذ فيه القيم والمبادئ مكانتها، ومشكلة التعليم بالفعل مأساة تقطر ألماً، وأتفق معك في شعور الطالب بالخواء بعد تخرّجه، ونجده في النهاية لا يعمل وفق ما درسه إلا مَن رحم ربي وهُم قلة، ونجد الآخرين يعتمدون على الفهلوة والتيك أواي -كما تقولين- دون تعب حقيقي يؤصل هذا الجهد ويستحقون عنه النجاح، ويحاولون استغلال الفُرص ولو على حساب أي شيء، ويطئون معها ضمائرهم فتسقط البرَكَة من كل شيء حولهم، ويجدون عقابهم بعد ذلك في أي مال اقترفوه بلا تعب أو مشقة يظهر في زحفهم على علاج مرض أو شكوى أو مصيبة أصابتهم أو تذمّر من أي شيء آخر. وصدقيني يا عزيزتي؛ فقط من يحاولون الثبات على مبادئهم رغم الصعاب؛ يُثَبّتهم الله ويعطيهم من القوة والصبر والبركة في الحياة ما يُعينهم على تحمّلها، ليجدوا مكانتهم العالية في سكنهم الحقيقي في الجنة مقابل كل ذرّة تعب أو ألم أو هم شعروا به في رحلتهم القصيرة، والتي يحاول الشيطان بكل الطرق أن يضللنا عنها، وعندما يجدنا نتمسك -قدر الإمكان- بحبال الله لا يجد طريقاً أمامه سوى إلقاء الحزن في قلوبنا، فلا يتصور أحدٌ أن الشيطان يمكن أن يتركنا هكذا سعداء بالأعمال الصالحة؛ فكيف له أن يهدأ وقد كرّم الله بني آدم عليه وجعله يسجد له تكريماً وتشريفاً لمكانته التي نالها بسبب تكليفه وإصلاحه في الأرض، وهي أمانة ليست سهلة، وكلها مشقّة وتعب؛ لذلك كرمه الله. نحن لم نُخلق عبثاً، ووجودنا في مجتمع نرى أنه قاسٍ هو اختيار الله؛ برغم أن الأمم السابقة كانت أقسى من ذلك بأضعاف الأضعاف، وإلا لما استحقت العذاب الرهيب الذي حدّثنا به الله من ريح صرصر عاتية أو صيحة جعلتهم كهشيم المحتظر وغيرها من ألوان العذاب الشديدة.. نعم هذا المجتمع القاسي هو اختيار الله لنا من قبل خلق أي شيء مكتوب عنده بمقادير يعلمها الله، وهو اختيار يأتي من ملك حكيم في ملكه، خبير بما ينفعنا، لطيف بمن خلقه. وإذا نظرنا من جهة إيجابية فيكفينا شرفاً أننا من أمة محمد التي كرمها الله على سائر الأمم بقوله {كنتم خير أمة أُخرجت للناس}، وهذا ليس من فراغ؛ فتكملة الآية {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، وعندما نؤدي هذا الواجب نستحق هذا التشريف. ثقي بأن الله لن يضعنا في مكان إلا ونحن قادرون على تحمّل صعابه؛ فالله لا يكلّف نفساً إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وربما كانت تلك الصعاب شفيعاً لنا من زمان أو مكان آخر ربما لم يكن بالضياع الذي نراه الآن؛ ولكن بمشقّات أخرى أغنانا الله عنها، وكنا بطبيعتنا التي يعلمها الله أكثر منا لن نستطيع تحمّلها، وكنا سنتذمر منها أكثر مما نحن فيه الآن. أنا لا ألومك فيما تشعرين به الآن من غضب وحسرة على هذا الجيل لأني ألتمس طاقة نور في تفكيرك الذي يشقّ أي منقذ يريد به إنقاذ الموقف، وأحييك على فطرتك النقية التي سعت خلف الأهداف والغايات النبيلة، وانتقت الإيمان والتنفّس خارج مستنقع أمراض المجتمع. ولكن ما أخشاه عليك هو التسليم بفتح ملفات العقل وتكليفه بانتقاء السلبيات من كل شيء والتركيز عليها -وطالما ركّزنا على شيء فسيتكرر أمامنا كثيراً- وتكبيل النفس بقيود اليأس والتذمر من الأوضاع التي تُعمينا عن استبصار كل ما هو إيجابي، ورؤية النماذج الصحيحة التي لم تترك أي شيء يؤثر فيها لأنها صاحبة إرادة قوية وقرارها بيدها. فلمَ تبحث عن أسباباً ضعفها وقلة حيلتها على قدر ما استغلت كل أنفاسها القصيرة فيما يفيدها ويفيد من حولها، ونظرت إلى المشكلات على أنها تحدّيات خلقت لأجلها، وتوازنت نظرتها إلى الحياة برؤية كل مجتمع فيها يحتوي على ما هو إيجابي وسلبي. أما من يتّهمنا بالضياع؛ فهو ضعيف في نفسه، لم يجد فيها الاستقرار حتى يترك الآخرين يسعون إليه، وهم أضعف من أن يتغلبوا على قوة الله التي يعطيها لعباده وقتما تمسّكوا بها وتعبوا وحاربوا من أجل الوصول إليها؛ وإلا فأين جهاد النفس وأين الأمانة التي لن يستطيع سوى الإنسان الذي كرمه الله تحمّلها. هوّني عليك كل ألم يضرّك، وبالدعاء مع اليقين في قدرة الله والصبر الجميل، سيفتح الله لك بابا تجدين فيه أهدافك التي ستخلق لك سعادة تدافع عن كل يأس تشعرين به الآن.. وحتى لو انغلقت بعض الأبواب في وجهك؛ فهذا لن يكون إلا خيراً لأن الله يرتّب ويهيئ لك حياتك بما يناسبك وبما يُصلح لك نفسك.. فقط عليك بذل كل استطاعتك فيما هو تحت يدك ومفتوح أمامك وفي قدرة استطاعتك الآن، وسيفتح الله عليك بعدها فلا تقلقي وتذكري الآية الجميلة.. {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، وكذلك الآية التي تقول: {من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. تمنياتي لك بحياة سعيدة مع التمسّك دوماً بمبادئك السليمة.