بعد أقل من 24 ساعة من تتويجها ملكة جمال أمريكا، أثارت "ريما فقيه" -أول أمريكية مسلمة من أصل عربي تتنزع هذا اللقب منذ نشأة المسابقة في عام 1952- جدلاً واسعاً بسبب صور نُشرت لها وهي تؤدي رقصة، في نادٍ للتعري بديترويت.. تُرى ما سر كل هذه الضجة التي أثيرت حول الفتاة؟ وكيف بدأت؟ تعالوا لنعرف سوياً ونزيل بعضاً من علامات الاستفهام حول الأمر ليتضح بصورة أكبر. لعنة "حزب الله" تطارد Miss USA رغم أن "ريما فقيه" قد تُوّجت بلقب ملكة جمال ولاية ميتشجان الأمريكية منذ 19 سبتمبر 2009 فأنا وغيري كُثر لم نعلم عنها شيئاً قبل ذاك التاريخ؛ ولم يلقَ الأمر كل هذا الاهتمام -خارج حدود الولاياتالمتحدة على الأقل- باعتباره فوزاً عادياً لمواطنة أمريكية حتى ولو كانت مسلمة ومن أصل عربي؛ ولكن البعض من الذين نعرفهم جيداً لم يتركوه ليمر هكذا مرور الكرام؛ لا بد وأن يتدخلوا بأنوفهم المعقوفة لتسليط مزيد من الضوء وكشف الجوانب الخفية للأمر. وبالفعل بدأت جهات عديدة تنبش تاريخ "ريما" بدوافع عنصرية أحياناً وسياسية من جهات صهيونية أحياناً أخرى. كان أولها خروج القناة الثانية الإسرائيلية لتعلن علينا أن "فقيه" تنتمي إلى عائلة لبنانية شيعية متشددة، تؤيد نشاطات "حزب الله". وزعمت القناة أن ثلاثة أفراد من عائلة "ريما" يتولّون مناصب قيادية رفيعة داخل "حزب الله"، كما أن ثمانية آخرين من أقاربها لقوا حتفهم خلال قتالهم في صفوف "حزب الله" ضد إسرائيل في الحروب السابقة. فضيحة بالصور والفيديو بعد انتهاء مراسم التتويج شنّت مواقع الإنترنت وبرامج "التوك الشو" وفضائح المشاهير مثل "TMZ" هجوماً إعلامياً ضارياً على ملكة جمال الولاياتالمتحدة لعام 2010؛ بسبب شريط فيديو ومجموعة صور تُظهر "ريما" ترتدي شورتاً قصيراً وتضع نقوداً في ملابسها وهي تشارك بمسابقة "Stripper 101"، التي يُطلق عليها "Mojo In The Morning"، برعاية راديو ديترويت، كانت قد أقيمت عام 2007. هذه المسابقة نظمتها راقصات تعرٍّ، إلا أن "ريما"، التي فازت بأداء أفضل رقصة، لم تتجرد من ثيابها، ولم يكن هناك رجال من بين الحاضرين على حد زعم منظمي المسابقة. "ووبي" ساخرة: بعض جراحات التجميل وأكون ملكة جمال! لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث اقتطعت "ديبي يشيزل" (ألا يوحي لك هذا الاسم بشيء) -وهي من الشخصيات المحافظة في أمريكا- صورة علم "حزب الله"، ولصقته بجانب صورة "ريما فقيه" عقاباً لها على انتمائها إلى جنوب لبنان، مستغلة وجود تشابه أسماء أحد أفراد عائلتها مع أعضاء سياسيين في "حزب الله"! وانتقل النقاش في برامج التليفزيون والإنترنت إلى موضوع آخر غير الصور الفاضحة، وهو فيلم للكبار شاركت فيه "ريما"، اسمه "Throbbing Justice" يتضمن بعض التلميحات الجنسية، ظهر فجأة على يوتيوب في حين لم يُسمع به من قبل؛ حتى أن الممثلة "ووبي جولدبرج" البعيدة عن الأضواء حاليا ظهرت فجأة في فيديو على موقع "abc news" في أعقاب نشر صور "ريما" لتعلّق ساخرة أنها تتصور نفسها "ملكة جمال للولايات المتحدة"؛ ولكن ينقصها أن تجري بعض جراحات التجميل. أمريكية أم عربية ما يثير الغيظ هو ذاك الجدل المستفز حول ما إذا كانت الرقصة بالملابس من عدمه، وما إذا كان يتواجد رجال من بين الحضور، أو كونها تلقت نقوداً من عدمه مقابل هذا الاستعراض- رغم أن هناك بعض الصور التي تؤكد هذا- ولكن ما يثير الحنق بحق فهو تعقيب "ريما" نفسها والتي قللت من أهمية الصور، قائلة إنها "جاءت ضمن منافسة للرقص وليس للتعري". وإنها تحمل التراث الإسلامي واللبناني في أصولها، لكن عائلتها ليست متدينة، وتأكيدها "أنا أمريكية أولاً وأنا أمريكية عربية مسلمة" بهذا الترتيب. قبل الحكم على الفتاة دعونا نتعرف عليها أكثر. وُلدت الفقيه في "صريفا"، وهي قرية في جنوب لبنان كانت قد تعرضت لقصف شديد خلال الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" عام 2006. وهاجرت مع عائلتها إلى الولاياتالمتحدة عام 1993، وعاشت في نيويورك، ثم انتقلت إلى ديربورن بولاية ميتشجان في عام 2003، ودرست في مدرسة كاثوليكية في نيويورك. أي أنها تعيش في الولاياتالمتحدة منذ قرابة 17 عاماً، وربما لا تدرك شيئاً عن أصلها العربي ودينها سوى ما يخبرها به والداها. ويؤكد هذا دفاعها عن نفسها بخصوص ما واجهته من اتهامات ونفيها ارتباط عائلتها ب"حزب الله" الذي تصنِّفه الولاياتالمتحدة كمنظمة إرهابية، مؤكدة أن "الدين يجب ألا يمثّل مشكلة للفائزات بلقب ملكة جمال الولاياتالمتحدة"؛ مما يعني أن "ريما" أمريكية بالمعنى الكامل للكلمة، وأنها قد انسلخت من عباءتها العربية وتناست هويتها الشرقية والإسلامية؛ لتنخرط في المجتمع الأمريكي، وتمارس حياتها بعيداً عن الحياء الشرقي، فلا تتردد في ارتداء البكيني أمام لجنة تحكيم مسابقات الجمال، أو في أداء رقصة مثيرة قد تتخللها أنشطة نرى أنها لا تتفق معنا نحن الشرقيين. دونالد ترامب يرحب ب"ريما" في مكتبه "ريما" لن تُحرَم من لقبها المثير للضحك أن رجل الأعمال "دونالد ترامب" الذي ينظّم ويملك حقوق مسابقتي ملكة جمال الكون وملكة جمال الولاياتالمتحدة قد علّق قائلاً: لا شيء خطأ في الصور طالما لم تخلع "ريما" ملابسها، ما قد يضع حداً للتخمينات التي أشارت إلى احتمال حرمانها من لقبها. ويضيف "ترامب" أن صور "ريما" لا تستحق الزوبعة الإعلامية التي تثار حولها، بل ذلك كان مفيداً في زيادة عدد المشاهدين لمحطة "nbc" الإخبارية وهذا هو الهدف. لا تنكروا أن الفتاة بهرت حكام المسابقة بجاذبيتها، وسحرتهم بحضورها، لذا سُلّطت الأضواء عليها. كلنا يعلم أن هذا النوع من المسابقات لا يلقى نفس الصدى الكبير لدى مجتمعاتنا العريبة الشرقية؛ لاختلاف الموروث الديني والثقافي بين مجتمعاتنا وبين الغرب؛ العجيب أن بعض الغربيين أنفسهم وبخاصة النسويين (المؤيدين للمساواة بين الجنسين) يرون في مسابقة ملكات الجمال تمييزاً وعنصرية ضد النساء؛ حيث إنها تقوم على مفهوم تكريس المرأة كرمز جنسي وظيفته دغدغة غرائز الرجال، كما أن هذه المسابقات تُكرّس تسلط مفاهيم الجمال الأنثوي المتحيز لمظهر معين مثل: بياض البشرة ونحافة القد وما إلى ذلك والذي بدأ يتغير في الآونة الأخيرة بعد وصول ذوات البشرة السمراء إلى النهائيات وتتويج بعضهن كمحاولة لتغيير تلك الصورة المتأصلة؛ وهنا يكمن سر الحماس الذي واكب تتويج "ريما" باللقب؛ ببساطة لأن فوزها يناقض تلك المفاهيم السابقة؛ هي عربية مسلمة بشرتها ليست بيضاء وقدها ليس ممشوقاً. وهو نفسه ما دفع الجاليات العربية في الولاياتالمتحدة، وتحديداً في ولاية ميتشجان للاحتفال بهذا الفوز الذي سيؤهلها للتنافس في مسابقة ملكة جمال الكون، وهو ما يرون أنه كفيل بصرف نظر الأمريكيين عن الصورة النمطية للمسلم والتي طالما ارتبطت بأذهانهم ملتصقاً بالهوية العربية الإسلامية: وهو جانب الإرهاب.