أحيانا أقف على أحد الطرق السريعة أريد العبور.. ولكن السيارات الطائرة لا تمنحني الفرصة، ينضم إليّ الكثيرون ولكن صوت السيارات وصورتها تجعل الكل يتراجع ويعيد النظر.. ألم يحدث شيء كهذا معك من قبل؟ بالتأكيد طبعا.. فما رأيك إذا تلفّت يمينا ويسارا فلم تجد نفقا تمر منه أو شرطيا يمارس سلطته في منح الناس حق العبور.. حينها تتأكد أن هناك من يريد بك شرا، وقد أتقن الخطة تماما فليس أمامك إلا التراجع أو اتخاذ قرار الانتحار.. مهلا هناك خيار ثالث.. أحيانا يتحد الواقفون جميعا ويقرّرون العبور.. يمسكون أيديهم ويتقدمون في وقت واحد فيُجبرون السيارات المسرعة على التوقف والخضوع لإرادة المشاة فينجو الجميع ويحققون هدفهم المشروع.. بالطبع هذا يحدث على الطرق.. فهل يحدث على مستويات أكبر.. أتأمل حكومتنا الرشيدة وقد صممت طريقا سريعا للتغيير السياسي لا يعبر منه إلا أصحاب سيارات النفوذ الطائرة، ولكنهم لم يقولوا لك لا تعبر؛ فالعبور إلى التغيير حق مكفول لكل مواطن.. اعبر يا عزيزي.. ولكن أرني كيف.. ها هو طريق التغيير مفتوح أمامك يا عزيزي المواطن فتفضّل في أمان الله.. تقف تنظر من بعيد إلى حلم العبور ولكن منظر الطريق لا يمنحك الفرصة.. ينضم إليك الكثيرون ولكن الصوت والصورة يجعل الكل يتراجع ويعيد النظر.. شرطي المرور قُتل في ظروف غامضة.. الأنفاق غير موجودة؛ لدى حكومتنا حساسية تجاهها.. ولكن لا تنس يا عزيزي المواطن أننننننننننت في قلبي.. تأكدت إذن أن هناك من يريد بك شرا، وقد أتقن الخطة تماما فليس أمامك إلا التراجع أو اتخاذ قرار الانتحار.. فماذا أنت فاعل إذن؟ أريد أن أسمع صوتك.. أن أرى خطوتك.. أريد أن تعبر؛ لأن عبورك عبور لي إلى أولادي ولك إلى أولادك الذين ينتظرون كلينا في الجانب الآخر.. نعم هم في الجانب الآخر مهما حاول أصحاب الكروش والعروش إقناعك بالعكس.. أراك تحرِّك قدمك للخلف.. لا لن أسمح لك.. إنك لا تأخذ قرار التراجع وحدك؛ إننا معا، إما أن نعبر معا أو نتراجع معا.. ليس من حقك أن تتركني وحدي.. للأسف لا تملك وحدك قرار العودة.. يطول بنا الوقوف ويطول.. ولا يمنحنا العابرون بسرعة الصاروخ أي فرصة.. ثم.. ثم تمتد يد.. هيا بنا معا.. نعبر معا.. سنجبرهم على التوقف والخضوع لإرادة العابرين، لينجو الجميع ويحققوا هدفهم المنشود.. أستشعر رهبتك.. ترددك.. خوفك الذي تبرره بأنه ليس على نفسك بل على أطفالك الذين ليس لهم غيرك.. أشعر بك.. أقدر مأساتك وأقصّ عليك مأساتي.. يا عزيزي كلنا هكذا.. معلقون في مشانق الطعام.. في مشانق السكن.. في مشانق الزواج.. في مشانق الصغار.. في مشانق الشهور والسنين.. وهذا وحده كفيل بأن يجعلك تتخذ قرار العبور لا التراجع.. ترتجف يدك في خوف.. مسكين لا تعلم أن خوفك داخلك.. أفقت من تأملاتي على صوت سيارة مسرعة، صوت صريرها كصوت الجَلد على ظهور مرتكبي ذنب الأحلام.. أنظر حولي أتأمل ما أنا فيه.. على الطريق السريع أقف.. والكثيرون يتجمعون حولي.. تتملكهم الرغبة في العبور، ويردعهم الخوف من الموت تحت عجلات السيارات.. أسمع أحدهم يقول بألم وغضب مكتوم: ألم نقدم مئات الشكاوى حتى ينشئوا نفقا هنا.. أتذكر أن ذلك حدث بالفعل، وبعد سنين استجابت الهيئات المختصة وحضر الوزير بنفسه ليضع حجر الأساس، ولكن كان هو الحجر الأخير ولم يجدّ جديد.. أبتسم وأنا أتأمل الخضرة والسَّعة على الجانب الآخر.. وينضم الكثيرون إليّ..
ونحن واقفون الآن على الطريق السريع: سنعبر معاً 61% (36 صوت) سنتراجع للخلف 7% (4 صوت) سننتظر افتتاح النفق 32% (19 صوت) عدد الاصوات : 59