العشوائية يا عزيزي أيبك تلك هي المشكلة! فكما حصلت مصر على درجة صفر مع مرتبة الإهمال في ملف المونديال، وصفر في إدارة الأزمات على اختلاف أشكالها وألوانها وأنواعها، حصلت أيضاً الحكومة المصرية على صفر في إدارة أهم وأخطر ملفات مصر في العصر الحديث، ملف مياه النيل، ورغبة دول المنبع في إعادة توزيع الحصص. الفهلوة والرسائل الغرامية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، فدول إفريقيا تريد الخبز لا رسائل الغرام، أو الحديث عن الأخوّة والعمق التاريخي للعلاقة بين مصر وبين هذه الدول؛ فقد شبعت إفريقيا حباً وغزلاً، شبعت غراماً من الحكومة المصرية وما زالت بطون شعوبها خاوية من طعم الخبز المصري، وما زالت أراضيها خاوية من أي مشروع مشترك مع الحكومة المصرية. لقد تغيّر العالم كله، من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه ومن فوقه لتحته، وبقيت مصر على حالها من التراجع والتردّي، وبقيت الحكومة المصرية تتعامل مع الخارج كتعاملها مع الشعب المصري. فهم يقولون للشعب: "مصر بتتقدم بينا"، و"من أجلك أنت"، في حين يشرب الناس في كثير من قرى مصر مياه الصرف الصحي، ويقف بعض موظفي وعمال مصر شبه عرايا يتعاركون مع الأمن المركزي، يبكون أن عزّ عليهم رغيف الخبز في هذه المرحلة التعسة من تاريخ مصر. إن حكومتنا الرشيدة تتحدث مع شعبها عن الرخاء، وعجلة الاقتصاد اللي "فرقعت" منذ حوالي 25 سنة، وكل هذا وارد مع شعبنا الصبور المهاود، أما شعوب إفريقيا فهذا الأسلوب لن يجدي معها، وعبارات الترحيب لن تثنيها عن إقامة سدودها ورعاية مصالحها، والتخطيط لمستقبل أبنائها.. والنهوض بشعوبها. أما عن نظرية المؤامرة التي تدبّرها إسرائيل ومن خلفها أمريكا فهي كلام واهٍ إذا ما كانت الحكومة المصرية تسعى بجدية للتواصل مع هذه الدول وبناء جدار من الثقة المتبادلة والمنافع المشتركة.. أما وقد تركت مصر الساحة وأخذ يبحث شعبها عن كسرة الخبز، فلا مجال لأي من هذه الدول إلا أن تغادر قطار مصر المنكوب لتلحق بأي قطار تجده أمامها، ولو كان قطاراً يؤدّي إلى تل أبيب. أما أعجب ما سمعت وقرأت من تصريحات بعد أن وقّعت معظم الدول على اتفاقيتها الجديدة وصار الأمر شبه محسوم عندها، فهو تصريح السيد مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، بأن ملف المياه حالياً في يد الرئيس مبارك والجهات السيادية، بعد أن ظل طول السنوات الماضية في أيدي الفنيين من وزارة الري!!. والسؤال الذي يلحّ علينا هو: هل ملف المياه لم يكن يستحق طوال هذه السنوات أن تلتفت إليه الجهات السيادية؟ وهل تدخُّل السيد الرئيس بعد كل هذا الخراب الذي حلّ بالقضية وتعقّدت حتى بلغت منتهاها كفيل بأن يعيد الأمور إلى نصابها؟ إن قضية المياه قضية أمن قومي، وهي أهم من كل القضايا التي شغلت حكومتنا وتكلم عنها إعلامها وتشدق دكاترة السلطة في إبرازها.. فكيف تهمل طوال هذا الوقت؟ ألهذا الحد أصبحت حياة هذا الشعب رخيصة على حكومته. إن القضية أكبر من أن يغطيها تصريح إعلامي يُطمئن الشعب الجائع خشية أن يصيبه العطش مع الجوع فيفنى، أو تحية طيبة مباركة نلقيها على السادة رؤساء أو رؤساء وزراء هذه الدول الإفريقية.. في قصر من قصور الرئاسة.. فالسدود التي نتكلم عنها تُشيّد منذ سنوات ونحن نائمون نحلم بالوصول لكأس العالم ونبحث عن القاتل في قضية سوزان تميم! إن القضية تحتاج إلى قلب حريص على هذا البلد، وحكومة تحدد الهدف وتتعامل معه بواقعية، وتعرف ماذا يريد الطرف الآخر.. أما سياسة الفهلوة والفسح على شواطئ المتنزهات وعشاء العمل على أضواء الشموع، وتوزيع الابتسامات فلا يصلح لإقامة علاقة بين شاب مراهق وفتاة جامعية؛ لأنها ستقول له وبصراحة: ماعنديش وقت، هات م الآخر!! وستعرض عليه شروطها للعلاقة وتخفي ابتسامتها وهي تقول له بمنتهى الحسم: deal or no deal""، فإذا كان الأمر كذلك بين المراهقين في علاقتهم، فكيف يصلح هذا الأسلوب لإقامة علاقة بين دول تتنازع على شريان الحياة. فليت حكومتنا تكفّ عن التعامل مع هذه الدول الجادة معاملة المراهقة السياسية.