ما من شك في أننا جميعاً نعرف شعر نزار.. قرأناه صبية وفتياناً وشيوخاً؛ وانهالت كلماتنا عليه ثناء ومديحاً ولعنة وسباباً. فالصبية يقرءون نزار وكأنه من محرمات ألف ليلة وليلة، والفتيان يقرءونه لأنه يقول عنهم ما لا يستطيعون البوح به، والفتيات تحمر أوداجهن وتدغدغ كلماته مشاعرهن لأنه قد يمس ما أرادت كل فتاة من حبيب أحلامها أن يمسه وأن يصب في أذنيها كلمات الغزل تلك الصريح منها والعفيف، والعقلاء من الأزواج والزوجات منهم من يسعى إلى المراهقة الكامنة، والزوجات يرين فيه عزاء لحلم العذرية الضائع ولحظات الحب السحرية التي ذهبت مع عواصف الحياة. والشيوخ يرون فيه انتهاكاً لحياء المجتمع وجرأة يفتح نزار بابها ويفتح معها أعين الشباب على ما بعد الخطوط الحمراء لقيم المجتمع. وعلى الرغم من أني أقف في صفهم أحياناً على المستوى الظاهري؛ أريد أن أكشف عن مستوى آخر لاستخدام المرأة في شعر نزار قباني، لتكون معادلاً موضوعياً لكل من الوطن والأرض والعرض والحب والخيانة والأمانة. لتتماهى السياسة مع الحب والحب مع قيم المجتمع؛ ليقدم وجهي العملة معاً وجه الغارق في ملذاته ووجه الساخط على وطنه والصارخ يرثي حرماته. في ذكرى وفاته نعيد معاً قراءة بعض أشعاره لنرى أوجه المرأة فيها. فعن المرأة الأرض يقول قباني في "إشاعات الهوى": أقول أمام الناس... لست حبيبتي وأعرف في الأعماق كم كنت كاذبا وأزعم أن لا شيء يجمع بيننا لأبعد عن نفسي وعنك المتاعب وأنفي إشاعات الهوى وهي حلوة وأجعل تاريخي الجميل خرائبا وأعلن في شكل غبي براءتي وأذبح شهواتي لأصبح راهبا ولنعد قراءة المرأة الوطن في "أسألك الرحيل": لنفترق.. ونحن عاشقان.. لنفترق برغم كل الحب والحنان فمن خلال الدمع يا حبيبي أريد أن تراني ومن خلال النار والدخان أريد أن تراني.. لنحترق.. لنبكِ يا حبيبي فقد نسينا نعمة البكاء من زمان لنفترق.. كي لا يصير حبنا اعتيادا وشوقنا رمادا.. وتذبل الأزهار في الأواني.. والمرأة القيمة والأخلاق والمجتمع في "مشبوهة الشفتين": مشبوهة الشفتين، لا تتنسكي لن يستريح الموعد المكبوت وغريزة الكبريت في طغيانها ماذا؟ أيكظم ما به الكبريت؟ شفتان معصيتان.. أصفح عنهما ما دام يرشح منهما الياقوت إن الشفاه الصابرات أحبها ينهار فوق عقيقها الجبروت شفتان للتدمير، يا لي منهما بهما سعدت، وألف ألف شقيت شفتان مقبرتان، شقهما الهوى في كل شطرٍ أحمرٍ تابوت شفةٌ كآبار النبيذ مليئةٌ كم مرةٍ أفنيتها وفنيت الفلقة العليا.. دعاءٌ سافرٌ والدفء في السفلى.. فأين أموت؟ أنت كذلك عزيزي القارئ يمكنك إعادة قراءة نزار في ذكراه هذه.