تشهد الجزائر الآن حالة من التوتر والقلق من احتمال حدوث مواجهات سياسية أو فكرية بين القوى الإسلامية والوطنية من جهة، والحكومة من جهة أخرى. سبب هذه المواجهات هو قرار الحكومة -وتحديداً وزير الخارجية "يزيد زرهوني"- مؤخراً بضرورة حلق اللحية الكثيفة "أو تخفيفها لأقصى حد" للرجال، ونزع الخمار للنساء من أجل صور البطاقة والجواز الجديدين المعروفين بالبيومترية (تحتوي البطاقة البيومترية على شريحة إلكترونية وصورة رقمية ستضمن للمواطنين الإنهاء السريع لكل المعاملات، أما فيما يتعلق بجواز السفر البيومتري؛ فهو عبارة عن وثيقة هوية وسفر أكثر ائتماناً، قابلة للقراءة آلياً وتحتوي بصفة خاصة على صورة رقمية وشريحة إلكترونية، وسيكون جواز السفر الإلكتروني مطابقاً للمعايير المملاة من طرف المنظّمة الدولية للطيران المدني). السبب في اتباع مثل هذا النموذج -من وجهة نظر الحكومة- يرجع إلى تعليمات منظّمة الطيران المدني الدولية التي ترغب في تعميم هذه الجوازات على كافة أنحاء العالم؛ وذلك لأن الجوازات السابقة يمكن تزويرها من قبل الجماعات الإرهابية، وبالنسبة لبطاقات الهوية البيومترية؛ فهي ستحدّ من إمكانية تزويرها من قبل القوى الإرهابية داخل البلاد أو عبر الحدود.. ونفس الأمر بالنسبة لجماعات الجريمة المنظمة (حيث يلاحظ أن النوع الجديد من البطاقات وجوازات السفر البيومترية يعتمد أيضاً على الأخذ ببصمة العين والإصبع معاً)، وبالتالي لا يستطع أحد أن يقوم بعمليات التزوير. المهم هذه هي وجهة نظر الحكومة التي فجّرت الأزمة الأخيرة على اعتبار أن عملية التصوير تتطلب نزع الخمار وحلق اللحية لمن أراد استخراجهما؛ على أن يتم البدء في ذلك من أول أبريل. ويلاحظ أن هذا القرار ليس جديداً؛ وإنما سبق وأن صدر قرار مثله قبل موسم الحج الأخير على اعتبار أن السلطات السعودية قد طلبت مثل هذه الجوازات من قِبَل السلطات الجزائرية.. وهو ما أوقع الكثير من حجاج القرعة في حيرة واضطراب؛ لدرجة أن بعض هؤلاء رفض السفر على أن يحلق لحيته أو تخلع المرأة خمارها. أين المشكلة؟ المشكلة من وجهة نظر القوى المعارضة -التي تهيمن عليها القوى الإسلامية- تكمن في إصرار القرار على حلق اللحية أو نزع الخمار بالرغم من أن هذا النظام البيومتري معمول به في العديد من الدول الأجنبية مثل بريطانيا وإيطاليا وحتى الدنمارك.. وبرغم ذلك لم يُجبَر مسلمو هذه الدول على حلق اللحية أو خلع الخمار.. بل لم يُجبَر بعض النساء المسيحيات -خاصة الراهبات- على خلع غطاء الرأس؛ فضلاً عن أن بعض دول الخليج تطبّق هذا النظام الجديد أيضاً؛ ولكن ليس بهذه الصورة التي ترغب الداخلية الجزائرية في تنفيذها؛ خاصة وأنه لم يعد هناك حاجة لهذه الإجراءات في ظل اعتماد النظام الجديد على بصمة العين والإصبع في ذات الوقت. ومن ثم تصبح هذه الإجراءات من سبيل التكلّف غير المرغوب فيه، والذي يصطدم ليس مع الشرع فقط؛ وإنما مع القانون والدستور؛ بل ومبادئ الثورة التي قامت في وجه الاستعمار الفرنسي عام 1954، والتي أكدت على هويتها الإسلامية، كما أن بعض بنود الدستور تؤكد على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع؛ وبالتالي لا يجوز مخالفة الدستور، فضلاً عن مخالفة الشرع من قبل وزارة الداخلية. قرار إداري وليس قانوناً الغريب في الأمر أن قرار وزير الداخلية ليس صادراً بموجب قانون من قبل البرلمان؛ وإنما صادر بناء على قرار وزير سابق عام 1997.. يعني باختصار: هذا القرار ليس صادراً عن نواب الشعب؛ بل إنه صادر عن جهة تنفيذية. صحيح أن الحكومة تحاول هذه المرة إضفاء الصفة القانونية عليه من خلال مطالبة البرلمان بإقراره؛ إلا أن إثارة الزوبعة في مثل هذا التوقيت يساهم في تعميق أزمة عدم الثقة بين الحكومة والشعب الذي يتهمها بأنها حكومة عميلة للغرب وترغب في إرضائه على حساب الهوية الإسلامية للبلاد؛ لا سيما وأنها سبق وأن رفضت الرغبة في التعريب وأمور أخرى. أزمة عدم الثقة هذه ساهمت في حدوث تقارب كبير بين معظم القوى الإسلامية في البلاد (أحزاب حمس، الإصلاح، النهضة وغيرها)، التي أصدرت بيانات منفصلة في البداية، ثم عملت على التنسيق فيما بينها للضغط على الحكومة لسحب هذا القرار، أو إجبار البرلمان على وقف العمل به. الجزائر ليست تونس قوى المعارضة أكّدت على أن الحكومة الجزائرية بمثل هذا القرار تحذو حذو تونس الشقيقة بالرغم من أن الجزائر ليست مثل تونس من وجهة نظرهم الذي اتخذ نظامها قرارات كبيرة ضد القوى الإسلامية والمسلمين عموماً، بسبب علمانيته الشديدة؛ ومن ذلك رفض سفر الحجاج التونسيين بسبب الخوف من أنفلونزا الخنازير بحجة أنه لم يتحول إلى وباء؛ رغم أن الرئيس التونسي شخصياً تعرّض لهذا المرض دون أن يسافر، كما أن النظام لا يسمح للمصلين بالدخول إلى المساجد إلا من خلال البطاقة وعبر بوابات خاصة مثل تلك الموجودة في مترو الأنفاق لدينا. الخلاصة إذن هي وجود حالة غليان بدون أي داع من قبل الحكومة من خلال قرارها الأخير، وهو الأمر الذي قد يعصف بالمصالحة الوطنية التي شهدتها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، والتي أنهت سنوات من الحرب الأهلية التي اندلعت ليس بسبب الصراع بين المسلمين والمسيحيين؛ ولكن بسبب رفض الحكومة إعلان نتيجة الانتخابات البرلمانية التي كانت تشير إلى فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية بها عام 1989؛ مما دفع هذه القوى إلى حمل السلاح. فهل تتراجع الحكومة عن قرارها أم ستصرّ على موقفها.. وهل ستستخدم الدين من خلال الخطباء الرسميين لتبرير قرارها؟ أم أنها ستتراجع احتراماً لمبادئ الشريعة الإسلامية أولاً ولرغبة الشعب ثانياً؟