"بوليتيكو": أمريكا تستعد لإعلان عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    ارتفاع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 26 أبريل 2024    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    تبدأ اليوم.. تعرف على المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمولات    «تنمية الثروة الحيوانية»: إجراءات الدولة خفضت أسعار الأعلاف بنسبة تخطت 50%    أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دفن جرحى أحياء في المقابر الجماعية في مستشفى ناصر بخان يونس    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    بعد 15 عاما و4 مشاركات في كأس العالم.. موسليرا يعتزل دوليا    رائعة فودين ورأسية دي بروين.. مانشستر سيتي يسحق برايتون ويكثف الضغط على أرسنال    ملف يلا كورة.. تأهل يد الزمالك ووداع الأهلي.. قائمة الأحمر أمام مازيمبي.. وعقوبة رمضان صبحي    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    عاجل - الأرصاد تحذر من ظاهرة خطيرة تضرب البلاد.. سقوط أمطار تصل ل السيول في هذا الموعد    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    «كتل هوائية أوروبية تضرب البلاد».. «الأرصاد» تكشف مفاجأة في طقس الغد    استعد للتوقيت الصيفي.. طريقة تعديل الوقت في أجهزة الأندرويد والآيفون    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    ليلى أحمد زاهر: مسلسل أعلى نسبة مشاهدة نقطة تحوّل في بداية مشواري.. وتلقيت رسائل تهديد    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    بدرية طلبة عن سعادتها بزواج ابنتها: «قلبي بيحصله حاجات غريبه من الفرحة»    عروض فنية وموسيقى عربية في احتفالية قصور الثقافة بعيد تحرير سيناء (صور)    حفل افتتاح الإسكندرية للفيلم القصير يحتفي بالدورة العاشرة للفيلم القصير    نادية الجندي وفيفي عبده وسوسن بدر ضمن حضور حفل ذكرى تحرير سيناء    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    وزير الصناعة الإيطالي: نرحب بتقديم خبراتنا لمصر في تطوير الشركات المتوسطة والصغيرة    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    الأغذية العالمي: هناك حاجة لزيادة حجم المساعدات بغزة    غدًا.. قطع المياه عن نجع حمادي لمدة 12 ساعة    سفير تركيا بالقاهرة يهنئ مصر بذكرى تحرير سيناء    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة 26-4-2024 (نص كامل)    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    «القاهرة الإخبارية»: دخول 38 مصابا من غزة إلى معبر رفح لتلقي العلاج    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    هل تحتسب صلاة الجماعة لمن أدرك التشهد الأخير؟ اعرف آراء الفقهاء    الرئيس السيسي: خضنا حربا شرسة ضد الإرهاب وكفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة    التجهيزات النهائية لتشغيل 5 محطات جديدة في الخط الثالث للمترو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد الخميسي: لديَّ شك كبير في المثقفين المصريين!
نشر في بص وطل يوم 08 - 04 - 2010

أعدّها للنشر: عمرو حسن - محمد صلاح - سماح صادق - دعاء الشبيني

ظل أدبه جنيناً في رحم موهبته على مدار 25 عاماً، فتمخض وولد أسداً أو ولد "تاكسي" ذلك الكتاب الذي وصفه كثير من النقاد بأنه يعكس نبض الشارع المصري بكل آلامه وأفراحه وأحزانه.. إنه كاتب خرج من كنف أسرة تتنفس أدباً، فأورثوه قلماً قادراً على التعبير عن أوجاع الناس.
يُشرِّف موقع "بص وطل" أن يستضيف الكاتب خالد الخميسي، وهو كاتب غني عن التعريف ومنتج ومخرج من مواليد 1962 بمدينة القاهرة، حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1984، وماجستير في السياسة الخارجية من جامعة السوربون.. يكتب بشكل دوري في بعض الصحف.. وصدر كتابه الأول "تاكسي.. حواديت المشاوير" عام 2007، وحقق مبيعات قياسية فور صدوره وصدر منه 18 طبعة، وتمت ترجمته إلى 14 لغة منها الإنجليزية والإيطالية والفرنسية والألمانية والإسبانية والكرواتية والكورية والصينية والماليزية...
عندما يولد الأمل من رحم اليأس
أين اختبأ الخميسي من عام 84 (عام تخرجه) حتى صدور كتابه في 2007؟
أنا كتبت في الإهداء الخاص ب"تاكسي" للبسطاء مقابل العدم الذي سكن الكثيرين وأنا منهم، وكتبت الأهداء لأني شخصياً سكنني العدم منذ تخرجي وحتى 2007، والعدم الذي أصابني أنا وأبناء جيلي أسبابه كثيرة منها الشعور العميق بعدم جدوى الكتابة في دولة تسكنها حالة من الركود والجمود الفكري والسياسي والاقتصادي.. ما جدوى الكتابة في دولة الثقافة فيها محتقرة؟ في دولة كل النقاط التي توزّع على الثقافة من مكتبات لدور عرض سينمائية تغلق الواحدة تلو الأخرى؟ ما الأمل في دولة دور النشر الرئيسية فيها تخبو وتنطفئ؟ في دولة حكومتها تضغط على مصادرة كل ما هو ثقافي من ناحية، وتفتح الأبواب على مصراعيها لكل ما هو مالي واقتصادي.. لفتح أبواب فساد لم تغلق حتى الآن؟؟
العدم.. لأنني من جيل نشأ في أواخر السبعينيات في أواخر المرحلة الثانوية على لحظة تاريخية فيها تغير كبير في السياسات من سياسات الانفتاح الاقتصادي، وتعديل سياسات اقتصادية، وسياسات خارجية، وتعديلات جذرية في التوجهات السياسية العامة، واكبها خروج للمثقفين المصريين الواحد تلو الآخر للعالم بعضهم خرج للكويت والعراق ولبنان وأوروبا.. ولكي لا يكون الكلام نظريا سأتحدث عن عائلتي؛ لأنني أنتمي لعائلة من المثقفين المصريين.. والدي شاعر وكاتب وصحفي سافر العراق عام 1971.. أخوالي كلهم من الكتاب سافروا فرنسا وعملوا في الكتابة، بالإضافة إلى كل معارفنا وأصدقائنا الذين كانوا يزورونا بشكل يومي سافروا جميعهم، ومنهم أحمد عبد المعطي حجازي، وهو شاعر سافر فرنسا، وجلال أمين للكويت... وغيرهم من الأسماء.. فعند ظهورنا لم نجد أحداً يأخذ بأيدينا في الكتابة.. وكتاباتي الأولى في الجامعة أعتقد أنه لا أحد يهتم بها، كثير من أبناء جيلي بدأوا يكتبون الشعر والقصة القصيرة، لكن أغلبهم لم يكمل طريقه إن لم يكن كلهم.. كذلك الوجود الأمني في الجامعة وصل لشكل عالٍ جداً؛ ففي بداياتي في الجامعة عام 80 قررت الانضمام لأسرة اسمها "عبد الله النديم"، فوجئت باستدعاء من ضابط؛ ليخبرني بأني ممنوع من الانضمام لأي أسرة، وعندما سألت عن السبب -وكنت وقتها لم أتمّ 18 سنة- فأخبرني "هو كده".. هذا رسّب بداخلي سؤالاً: هنكتب ليه؟ ولمين؟ وما الهدف؟.. أعتقد أن هذه إجابة سريعة عن سؤال لماذا سكننا العدم.
دعنا نترك العدم ونتكلم في شرارة الأمل التي وُلِد منها كتاب "تاكسي"؟
حلم الكتابة كان يروادني منذ كنت في المدرسة، والعدم لم يقتل هذا الحلم، والظرف العام حوّل الكتابة لفعل حقيقي، وهو أن أكتب، إنما ما وراء الفعل الحقيقي هو وجود مشروعات كتابة دائمة.. وتشكّل تدريجياً في ذهني عبر السنوات فكرة الكتابة الأدبية المقترنة بما يحدث في المجتمع، ومحاولة تسجيل (الحياة اليومية) عن طريق نص أدبي، وهو مشروع بدأ يتشكل في ذهني بوضوح، وأنتم تعرفون أن الأحلام ليس لها سقف والأجنحة ليس لها طول.. فبالتالي كتبت على الورق 15 عملا أدبيا من أفكار عاشت بداخلي من عام 98 حتى 2007، والأفكار ما زالت بداخلي والروايات بدأت تتّضح في ذهني في 2005 مع السنوات، وساعد ذلك وجود حراك سياسي وثقافي واقتصادي مع الانتخابات التشريعية المصرية مع التعديلات الدستورية.. وهذا بالنسبة لي عكس عندي حالة "فوران عام" أثرت على رغبة الكتابة وجعلتها حقيقية.. وكنت أنوي البدء ب"سفينة نوح"، لكن بالصدفة البحتة بدأت في "تاكسي" ولدى الانتهاء منه كتبت "سفينة نوح"، وعندما انتهيت منها بدأت في مشروعي الثالث؛ لأن المشاريع موجودة بالأساس في داخلي.
في البداية حضرتك ذكرت أن العدم منعك من الكتابة فهل تغيّر الحال حالياً؟
في الواقع بعيداً عن الأفكار النظرية فإن عدداً كبيراً جداً من دور النشر المصرية فتحت أبوابها لأول مرة، وهي نفس الفترة التي وُلِد فيها مشروع "بص وطل".. وهو مناقض تماماً لما رأيته قبلها -مع مراعاة أني من مواليد وسط البلد- عندما رأيت بعيني المكتبات وهي تغلق الواحدة تلو الأخرى، حتى السينمات التي أعشقها معظمها تم إغلاقه، لكن اليوم لم أتصور أن أرى المكتبات تفتح الواحدة تلو الأخرى، كذلك دور العرض السينمائية وإن كان الإنتاج السينمائي محبطا وحزينا وكئيبا ومتردّيا ومخزيا، إلا أن وجود دور عرض سينمائية يعطي الإمكانية لوجود إنتاج سينمائي حقيقي؛ لأن "الدكّانة" موجودة، فواقعياً الحاصل اليوم يعكس حالة "فوران" ثقافي واضح وضوح الشمس بالأرقام.
الغريب أن الشيء الوحيد الذي أغلق ولم يُعَد افتتاحه من جديد هي المسارح التي تضاءل عددها لحوالي 25 مسرحاً، والسبب في ذلك في رأيي الشخصي أن الحكومة المصرية "التاريخية" تكنّ للثقافة "الاحتقار" العميق، وحالة واضحة من العداء، وبالتالي من المنطقي جدا إغلاق منافذ الثقافة بداعي أنها "رجس من عمل الشيطان"..
ف"جوبلز" المستشار الإعلامي لهتلر "رحمة الله عليه" قال: "عندما أسمع اسم مثقف أتحسس مسدسي".. هذه المشاعر "الفياضة" من السلطة تجاه الثقافة ليست مرتبطة بالسلطة الحالية، لكن بالرجوع للتاريخ والدول الأخرى والدول القمعية ستجد كراهية الثقافة أمر معروف وشائع.

معظم الأدباء لم يدرسوا الأدب
هل تتخيل الرواية الواقع أم إنها تخرج منه
في "سفينة نوح" سرد التفاصيل الدقيقة لأساليب الهجرة الشرعية.. فهل هذا من وحي خيالك، أم هذا من خلال مقابلتك لنماذج واقعية؟
في الحقيقة هذا السؤال من الأسئلة التي تثير ضيقي -وأنا آسف أن أقول هذا- وهذا لأنه يعكس سؤالا بديهيا عن العلاقة بين الواقع والخيال من جانب وبين الأدب من جانب آخر، فكيف نتخيل أن يخترع الإنسان شيئا من العدم، وهناك عالم -لا أتذكر اسمه الآن- قال إنه لا يمكن أن يتخيل الإنسان شيئا لم يره أو لم يسمع عنه.. مثلاً ستيفن سبيلبيرج مخرج فيلم "إي تي" أحضر مجموعة من الفنانين التشكيليين الأمريكان، وطلب منهم رسم كائن فضائي مختلف، واستمروا فترة طويلة وفي النهاية ظهر الكائن بعينين وأذنين مثل شكل الكائنات الفضائية التقليدية؛ فإمكانية تخيل شيء من لا شيء مستحيل؛ فنحن كائنات محدودة، ومحدوديتنا نتاج لشيء مما سمعناه أو كتبناه أو قرأناه..
فالكتابة الأدبية في النهاية مستوحاة من شيء واقعي، وأي شيء كُتب في الأعمال الأدبية عن التاريخ الإنساني هي من نتاج الواقع.. وفي النهاية أي شخص يتم الكتابة عنه هو شخص موجود بشكل ما, وبالتالي ما كتبته في "سفينة نوح" يحكي هماً مرتبطا بالواقع، لكن هؤلاء الشخوص لم أقابلهم أو أعرفهم، لكن هناك هم مرتبط بالتعبير عن الواقع المصري بأزماته.. وبالنسبة للتفاصيل وطرق الهجرة الشرعية فهي خرجت عن طريق، إما السمع أو الرؤية أو مقابلة من حاول الهجرة بطريقة غير شرعية، وكلها طرق حقيقية.
ما رأيك في أن هناك الناقد والأدبي الروسي "ميخائيل باختين" يقول إن الكتابة المثالية هي أن ينفصل الكاتب عن شخصيات الرواية، وينظر إليهم بحيادية تامة، ويجعلهم هم من يقرّرون مصائرهم.. وللصراحة أنا لم أقتنع بهذه المقولة؛ بمعنى كيف أنفصل عن شخصية نابعة من داخلي مثل أحد أولادي؟ فكيف أقطع "الحبل السرّي" بيني وبينهم؟
طبعاً اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وفي الحقيقة أنا أقرب لوجهة نظر "باختين"؛ لأن الكاتب عندما (يخترع) شخصية دائما ما يسعى أن تكون شخصياته مختلفة وخاصة ومتميزة، وأن يكون لها بناء نفسي واضح، وأن يسعى تدريجيا لأن يقترب نفسياً من هذه الشخصية حتى يعرفها تماماً.. وكل كاتب يرى في حياته شخوصاً في ألوان (قوس قزح)، ويكون الناتج أن الشخوص تكون بعدد لا نهاية له.. ثم الكاتب يقترب من شخصيته نفسياً، ويتعرف عليها، وفي اللحظة التي يتعرف فيها عليها، والوصول لمعرفة عميقة بهذه الشخصية يستقل عنها، وهذا طبعا قبل أن يبدأ أصلا في الكتابة.. وعندما يستقل عنها تبدأ الشخصية في رسم طريقها وحدودها وتوجهاتها.. وبالتالي فالرواية تذهب في طريق توجهات الشخصيات.
وحضرتك في مرحلة تسجيل الأفكار عما يحدث في المجتمع من حراك.. كيف اخترت فكرة تاكسي، والمحطات التي مررت بها بالتاكسي؟
أولا كان لديَّ رغبة في أن أتحدث عن الشارع القاهري من خلال أشخاص موجودين في الشارع، وبالتالي كان سائقو التاكسي هم أكثر الناس تواجداً في الشارع باستمرار، ومن بيئات مختلفة وثقافات مختلفة وفئات عمرية مختلفة.. ومثلما قال الدكتور عبد الوهاب المسيري في تعليقه على التاكسي بأنه مسرح متحرك ومفتوح ومكشوف، وبالتالي فإن الاختيار رأيته الأمثل والأنسب في الموضوع الذي أردت أن أتناوله، وهي الحواديت والهموم الخاصة برجل الشارع المصري.
وفي الحقيقة أودُّ أن أقول إنني لديَّ شك كبير في المثقفين المصريين وتوجهاتهم وقدراتهم وأفكارهم؛ لأن الدور الذي قاموا به في الثلاثين سنة الأخيرة كان سيئا وعليه علامات استفهام حقيقية، سواء إذا كانوا مثقفين فاعلين في الحقل السياسي أو مثقفين غير فاعلين في الحقل السياسي.. وفعلاً دورهم عليه علامات استفهام كبيرة.. والغريب أنه في كثير من الأحيان لم يكن لهم مصالح شخصية ولم يكونوا أصحاب "أجندات" خاصة، لذلك كنت مُصرّاً في كتابي أن يكون التركيز على شخوص ليس لها علاقة بالثقافة، وتعبّر بحق عن الشخصية المصرية؛ لأن كثيراً من المثقفين لديه حالة بلبلة لكونه يجيد اللغة الإنجليزية أو تعلّم بالخارج أو يقرأ كتبا إنجليزية أكثر من العربية، وكونه يكتب حروفاً عربية من اليسار لليمين... "لخبطة" كبيرة جداً، فكان لا بد من اختيار سائق التاكسي للتعبير عن الواقع المصري.

لهذا التحقت بكلية السياسة والاقتصاد

هل توجد علاقة فعلية ما بين دراسة الأدب والكتابة الأدبية؟
دراسة الأدب لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالكتابة الأدبية، دراسة الأدب تسمح للإنسان أن يصبح يصبح ناقداً، وعندما نستشهد بأدباء العالم لا يمكنني تذكر أن أحدهم درس الأدب، ولا الشعراء؛ ستجدون مثلا كليات الطب عندنا "مش بطالين"، أخرجوا لنا أعظم قصّاص قصة قصيرة في مصر في القرن العشرين.. لا أريد ذكر أسماء؛ لأن الحقيقة هم أنهم أكثر من اللازم، اذكري لي أي أديب تعرفينه سأقول لك درس إيه؟ لن تجديه دارساً للأدب، رغم أن الأدب فعلاً فضّلوه على العلم بس ده موضوع مختلف عما نتكلم فيه.
أنا الحقيقة نشأت في أسرة أدبية بمعنى الكلمة، لكن لا يوجد أي مبالغة أن أقول إننا كنا نقتات الأدب يوميًا.. فكان الأدب موجوداً بصفة يومية في منزلنا.. بيتنا كان مغطى تماما بالكتب و90% منها كان روايات، جدي مفيد الشوباشي وهو ناقد وكاتب رواية اسمها "الخيط الأبيض"، وكتب ديوان شعر أخذ أفضل ديوان شعر في الأربعينيات كان مهموماً بالأدب بشكل عميق للغاية، وبالتالي كانت الحوارات عن المدارس الأدبية والأساليب الأدبية واللغة عن فلان الفلاني هو الحوار السائد بيننا.
فأنا لم أكن أتخيل أني من الممكن أن أدرس الأدب، وطبعاً مع فترة المراهقة يكون لدى الإنسان قدر من "العنجهية" بسبب تفوقه، وبما أني كنت أكثر ثقافة من بين أقراني في فصلي، وكانوا يتحدثون عن الكرة أكثر مما يتكلمون عن الأدب، فكنت "فاهم نفسي إن أنا بافهم"، حتى أدركت أني في حاجة ل50 أو60 عاماً حتى أفهم، وفي الثانوية العامة اعتقدت أني مثقف للغاية، ولكن هذه الرؤية الغبية تلاشت عندما أدركت أن مشوار التعلم ما زال طويلا.


جمال الغيطاني كان صديقاً للأسرة
لماذا كلية السياسة والاقتصاد بالذات؟
كان لديَّ رغبة لفهم ما يحدث على المستوى السياسي ولم أندم على الإطلاق أنّي درست العلوم السياسية، ربما لو عاد بي الزمن لاخترت كلية الحقوق؛ لأنني أرى أنه من بين كليات العلوم الاجتماعية هي الأكثر قوة والأكثر ثقلا، إنما اختيار العلوم السياسية لم يكن خاطئاً.
متى شعرت بالرغبة في الكتابة؟
من البداية البعيدة منذ كنت في المدرسة، ولكن دائماً كان السؤال هاكتب إيه جديد؟ وكنت قد عملت محاولات لكن وجدت أنها كانت لا قيمة لها مقارنة بمستوى أهلي بالمنزل.
فوالدي عبد الرحمن الخميسي أول من قدّم يوسف أدريس، ونعرف آخرين كانوا بعدهم شباباً صغيراً مثل جمال الغيطاني -وقد كان صديقاً عزيزاً للعائلة، وكان بدأ الزيني بركات وحارة الزعفراني- وقتها كنت لم أبلغ من العمر 14 عاماً، فاتخذت قراري أن أكتب شيئاً به قدر من الاختلاف عما سبق، ولم أكن أرى أنه لديَّ مشروع حقيقي، وانتظرت حتى يصبح لديَّ هذا المشروع والتصوّر المختلف والمعبّر عن شيء جديد.
من الكلام اللي حضرتك بتقوله واضح إنك ناقد قاسي على نفسك، يعني سواء من رغبتك في عمل شيء جديد جدا أو تصورك للشخصيات في البداية وانتقالك بها للجانب الآخر، النقد الكثير الذي تعرّض له "تاكسي" والخارجي تحديداً ماذا يعني لك؟
أتمنى ألا يكون فيما سأقول أي قدر من العنجهية، لكن الواقع النقدي في مصر مثل أشياء كثيرة جداً واقع ضعيف، فالحركة النقدية المصرية شهدت فترات تألق توقفت منذ 25 عاماً بعد وفاة عمالقة مثل الدكتور مندور ودكتور الراعي وغيرهم، ولم يأتِ من بعدهم أجيال حقيقية في النقد، لو تحدثنا عن الحركة النقدية بشكل عام، فمن المنطقي أنه لا توجد حركة نقدية حقيقية تحدث؛ لأن الحراك الثقافي العام في مصر في فترة السبعينيات الثمانينيات والتسعينيات كان الإنتاج الثقافي العام فيها محدوداً، وعليه كان من الطبيعي أن تكون الحركة النقدية المواكبة لهذا الحراك محدودة.
هذه واحدة..
ثانياً الحراك الثقافي الذي حدث في 2005، 2006 نتج عنه عدد كبير من الشباب المحبّ للقراءة، فدائما ما يكون هناك طرق لتفريغ الضغط، قنوات صغيرة وحوارٍ، سفر للعراق أو السعودية او إيطاليا هذه الطرق بدأت تنغلق واحدة تلو الأخرى، إضافة إلى ذلك فسنة 98 في رأيي كانت بداية أزمة اقتصادية طاحنة بدأت من توشكا من ناحية، وإقراض البنوك المصرية للمستوردين بعد انهيار بورصات جنوب شرق آسيا، وانخفاض قيمة السلع تقريبا50%؛ فالمستوردون انتابتهم حالة سعار لشراء منتجات اشتروها بنسبة 50% أقل، البنوك أقرضت المستوردين، وأحضروا السلع من جنوب شرق آسيا، خزّنوها في المخازن.. حاولوا تصريفها.. كانت أكبر من إمكانيات تصريفها، وبالتالي أصبحت أموالاً مخزّنة داخل محلات أو مخازن، النقطة الثالثة هي سياسة الحكومة في الإقراض للمقاولات لتبني الساحل الشمالي وبعض المدن، فتحولت الأموال إلى عقارات راكدة، لا يوجد بها أي دورة اقتصادية ولا مالية، مما تسبب في أزمة اقتصادية طاحنة.
أبواب أوروبا التي كانت سهلة إلى حد ما بدأت تغلق بابا بعد الآخر، تردٍّ في الناحية الداخلية في التعليم وغيره، نتج عنه أن الشباب لم يبق عندهم أمل أن يجدوا أرضاً داخلية يتكئون عليها، لم يكن أمامهم سوى أن ينظروا حولهم ويبدأوا يتعلمون ويتثقفون ويقرأون، وهذا من ضمن أسباب الحراك الثقافي؛ يعني كل الحراك الفكري في القرن العشرين هما مش هاضمينه، الأبنية الروائية كذلك مش هاضمينها بشكل كامل، لما كتبت "تاكسي" على سبيل المثال كان مكتوباً في بنائه كبناء المقامة التي هي بناء نثري عربي، ولكن أنا أخذته وجرّدته تماماً، إنما هو نفس البناء هو هو بالضبط، لم يتناوله أحد بشكل عميق، لم يتناول أحد بشكل عميق العلاقة ما بين "تاكسي" وشكل المقامة، بأشكال المقامات في القرن ال19 والقرون السابقة، ما نحتاجه من دراسات عميقة في النقد غير موجود، لا في "تاكسي" ولا في غيره.. فبالتالي أنا مدرك أننا في دولة تعاني من أزمة ثقافية وسياسية.. أزمة مرتبطة بالنقد.. ونحن ما زال أمامنا جهد ضخم جداً.. أن نهضم ما تم إنتاجه على الأقل في القرن العشرين، لبدء خطوة جديدة بناء على ما هضمناه..
في الحلقة القادمة نتعرض للأصداء العالمية التي صاحبت كتاب تاكسي، وكيف قال عنه أحد النقاد الأرجنتينيين إنه شعر وكأنه يتحدث عن شوارع بيونيس أيرس، وليس شوارع القاهرة.. وحواديت تاكسي التي حُذِفت.. والطوفان الذي قارب على الانتهاء.. فانتظرونا
إضغط لمشاهدة الفيديو:
إضغط لمشاهدة الفيديو:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.