قد يظن من يقرأ هذا المقال بي من الظنون ما تتنوع وتتشعب من الأسوأ إلى الأسوأ جدا بدءا من الاتهامات بالأنانية للاتهام بأني أفرح لأذية الناس، ولعل أفضل هذه الظنون قد يكون أني عميلة حكومية عتيدة تريد أن تتخلص من الشعب المصري بعد أن فشلت كل إعلانات تنظيم الأسرة في تقليص عدده. لكن لا داعي لهذا فقد ظننت بنفسي هذا الظن بالفعل، وبدأت ألومها بشدة على تفكيرها هذا وفرْحتها بشيء يرى الجميع بلا استثناء أنه شر مطلق وأزمة ندعو الله تعالى أن تمر بسلام، لكني تراجعت في النهاية عن هذا اللوم وهذه الظنون السيئة بنفسي بعد أن تبين لي صدق منطقي وقوة حجتي وألمعية فكرتي و... و... و... كفاني تواضعا وندخل في الموضوع.
بدأت الحكاية مع الإشاعات التي تسربت عن إمكانية إلغاء الدراسة هذا العام بسبب إنفلونزا الخنازير أسوة بما حدث في بلاد أخرى عربية وغير عربية لا تصل كثافة المدارس فيها للربع -إن لم يكن أقل- من كثافة المدارس في بلدنا المحروسة، ونفس الحال بالنسبة للجامعات التي ستكون بها المقررات على سيديهات وإلغاء المحاضرات أو تقسيم الطلبة وإعطاء المحاضرات بطريقة الفيديو كونفرانس.
وسرعان ما تأكد خبر تقسيم المدارس على فترات للحد من الكثافة، وإغلاق أي مدرسة يظهر بها أكثر من ثلاث حالات مصابة بفيروس H1N1 الهمام ثم تطور الأمر للاكتفاء بإغلاق الفصل الذي يظهر به الفيروس ومازلنا في انتظار المزيد.
ولم يهمني الأمر كثيرا وقتها فقد أنهيت دراستي بسلام ولله الحمد، ولم أعتقد أني سأستفيد أو أتضرر من قريب أو بعيد من هذا القرار، لكني تساءلت من باب مصريتي ووطنيتي المطلقة وقتها عن مصير الطلبة والتعليم.. طيب وإزاي التلاميذ هيدخلوا الامتحان، وغيرها من أسئلة وجدتها ساذجة جدا ولا تمتّ لمصريتي بأدنى صلة.
فتلك المصرية كانت المفترض أن تعلّمني أن زمن الذهاب للمدارس والجامعات للتعليم قد انتهى تقريبا، فمن يذهب من الطلبة لهذه الأماكن ينقسمون لقسمين: إما يذهب للفسح وتغيير جو المنزل الكئيب ومقابلة الأصدقاء، أو النوع الثاني الذي قد يكون مهتما قليلا أو كثيرا بالتعليم يفهو يذهب للمدرسة للتظبيط مع المدرسين وتحديد الدروس الخصوصية الخاصة به ومع أي مدرس ستكون ومع أي طلبة سيأخذها، وقد يكون هناك نوع آخر يخاف من نسبة الغياب وإنت كنت أعتقد بانقراضه منذ زمن لا بأس به.
وعند اقتناعي بهذه الحقيقة الواضحة لكل ذي نظر وجدت في نفسي فرحة ليست عادية بقرار تأجيل الدراسة أو إلغائها، وبالتالي وجدت نفسي أفرح للسبب الأساسي الذي كان وراء هذه القرارات الجريئة ألا وهو إنفلونزا الخنازير.
إذ اكتشفت لها فجأة أكثر من فائدة ولم تقترن فقط بالرعب منها ومحاولة الاحتراس والحيرة بين ارتداء الكمامة أو تركها والقلق عند كل عطسة، إذ جاءت فائدتها بالنسبة للطلبة أنهم سيستريحون قليلا من عناء الذهاب اليومي للمدرسة أو الجامعة ومن يريد الفسح فعليه بالذهاب لأماكن أخرى أما تظبيط الدروس فهو سهل بالتليفون.
وكانت الفائدة الأعظم بالنسبة لي في ضمان فترة أخرى لا بأس بها أتمنى أن تطول من "روقان" المواصلات والطرق والتي تعني لأمثالي ممن ينزلون صباحا ويعودون آخر اليوم قرارا عظيما بالفعل؛ إذ إن الفارق بين آخر يوم في إجازة آخر العام وأول يوم في العام الدراسي هو فارق بين القطب الجنوبي وخط الاستواء فالطريق الذي يأخذ عشرين دقيقة يتمدد بقدرة قادر ليصل لساعة كاملة من الزمن إن لم يكن أكثر -هذا بالطبع إذا لم يكن هناك حوادث أو عربات معطلة على الطريق- وهو أمر نادر الحدوث في هذه الأيام السعيدة..
حقيقة لا أستطيع إخفاء سعادتي، قد أكون شريرة، قد أكون عميلة مدسوسة دون أن أدري، لكني أقولها بصوت عالٍ: ليس شرا لكنها.. إنفلونزا الخنازير.