أسماء مصطفى إذا كنت من مواليد الثمانينيات فأنت بلا شك اعتدت مشاهدة فوازير عمو فؤاد طوال شهر رمضان لمدة عشر سنوات في تمام ال3:30 عصرا على القناة الأولى بعد عودتك من المدرسة بنحو ساعتين، وقبل الإفطار بساعة تقريبا، فكانت بداية الفزورة هي إشارة لقرب موعد الإفطار، حيث كانت رمضانات شتوية لطيفة لا يتأخر موعد الإفطار فيها عن 5:30، وكان وجود عمو فؤاد بابتسامته الطيبة وصوته الذي لا يخلو من المرح يضفي دفئا خاصا للزمان. في شهر رمضان الماضي ظهرت علينا إحدى شركات المياه الغازية بإعلان تجاري حقق أعلى مشاهدات على موقع يوتيوب بمجرد عرضه، لكن الإعلان لم يجن فقط لقب الأعلى مشاهدة، لكنه جنى الكثير من الشهقات والدموع ورعشة القلوب المحببة للنفس والقشعريرة الخفيفة، والسبب في ذلك كله هو طلة عمو فؤاد المفاجئة.. كبرنا قليلا وفي فترة مراهقتنا نسينا عمو فؤاد، وكنا بطبيعة الحال نرى أفلام الأبيض والأسود مملة، لكننا أبدا لم نستطع منع الابتسامة من الارتسام على الوجوه لو صادفنا مشهد بالصدفة من أفلام فؤاد المهندس، الذي لم نعرف له اسما سوى "عمو فؤاد"، لكن بعد مرور فترة المراهقة وبدايات الشباب بدأت الأفلام القديمة ونجومها تستهوينا، البعض كان يشاهدها حبا فيها والبعض الآخر من باب الاطّلاع والثقافة، لكن كليهما اجتمعا على حب الرجل قصير القامة قليلا، ذي الشنب والنظارة الطبية، والبنطلون القصير، باختصار.. الرجل ذو الصفات التي لا تجعل منه "جان" أو مثار إعجاب الفتيات أو حتى نجم سينمائي في هذا الزمن، الحقيقة أن ولع الفتيات بفؤاد المهندس لم يكن أبدا يشبه ولعهن بأحمد رمزي أو عمر الشريف، ولم يكن إعجاب الشباب به كإعجابهم بفريد شوقي، لكن ظل عشق أبناء جيلنا بفؤاد المهندس غير قابل للتصنيف أو التشبيه. فنه وبساطة أسلوب تمثيله وسلاسته.. روحه ودفء ملامحه، كل هذه أسباب كافية جدا لعشق الأستاذ. كان فؤاد المهندس فنانا فريدا من نوعه، في البداية تألق كنجم مسرحي متمكن، وعلى الرغم من تقديمه لما يقرب من 70 فيلما سينمائيا لكن المسرح ظل معشوقه الأول، للدرجة التي جعلته يقدم مسرحية "إنها حقا عائلة محترمة" وهو مصاب بجلطة في القلب، وأكد الأطباء أنه شفي منها خلال عمله على المسرح! وبذكر المسرح كان فؤاد المهندس لا يخرج عن النص أبدا، ويكره من يفعل ذلك من زملائه، لأنه يرى أن النص مقدس وأن من حق الجمهور عليه الالتزام بالنص المكتوب، لكن جملة "تتجوزيني يا بسكويتة؟" لم تكن مكتوبة في نص العرض المسرحي الذي جمعه بشويكار، لكن المهندس قالها للجميلة شويكار أثناء استلقائهما معا على الأرض في نهاية أحد العروض، وكان هذا أغرب عرض زواج تخيلته شويكار، حيث قالت عن هذا الموقف : "لم أصدق نفسي، كنت أشعر باهتمام سابق من فؤاد ولكنني لم أتخيل أن يطلب يدي بهذه الطريقة"، لكنه الأستاذ.. فلم العجب؟! نتذكر أيضا أغنيات فؤاد المهندس التي نحفظ معظمها عن ظهر قلب، بالرغم من أن صوته لم يكن عذبا للدرجة التي تسمح له بغناء هذا الكم من الأغنيات خلال أعماله، كانت البداية في مسرحية "أنا فين وإنتي فين" بأغنية "رايح أجيب الديب من ديله" وبعدها توالت الأغنيات بالأعمال الفنية، وقال إنه قدّم العديد من الأغنيات للأطفال لأنه كان يحب الغناء منذ الصغر، حيث كان رئيسا لفرقة الأناشيد في مدرسته في المرحلة الابتدائية، وعموما فإن الغناء كان دائما موظفا داخل العمل الفني، لأنه ليس مطربا بمعنى الكلمة. من سبتمبر 1924 إلى سبتمبر 2006 قدّم الأستاذ جيلا من الكوميديين من الطراز الرفيع، وكان عادل إمام هو ابنه البكر، كما كان يحلو له دائما أن يطلق عليه، ولم يبخل المهندس على أي فنان صاعد بالمساعدة في المسرح أو السينما، لذلك استحق اللقب الذي يطلقه عليه الجميع "الأستاذ". اليوم هو الذكرى السابعة لرحيل فؤاد المهندس عن عمر يناهز 82 عاما، بعد رحلة طويلة في طريق الفن المحترم، كان فيها أحد أسباب البهجة والمتعة للكثير والكثير من الأجيال.