السبت المقبل.. بدء تسكين الطلاب بالمدن الجامعية ببنها    صورة - الرئيس الكازاخي يكرم مفتي الجمهورية ويمنحه وسام الشرف    مدبولي يتابع موقف المقرات التي تم إخلاؤها بعد الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة وجهود تعظيم الاستفادة منها    وزير الخارجية: معبر رفح سيظل مفتوحا من الجانب المصري على مدار الساعة    التعاون الإسلامي: اجتياح إسرائيل البري لغزة امتداد لجريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين    عاجل.. استمرار تدفق المساعدات عبر معبر رفح وسط تصعيد عسكري غير مسبوق في غزة    المقاولون العرب يتعادل مع فاركو    ختام فعاليات اليوم الأول لمهرجان الهجن غرب العريش بشمال سيناء    إيدي هاو: مواجهة برشلونة تاريخية.. وغياب يامال مؤسف    "بسبب إسرائيل".. إسبانيا تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026    نهر النيل شاهدًا على مأساويتين.. نهاية صادمة لعاطل وجزار في الجيزة    "الأرصاد": أمطار غزيرة على منطقة نجران    مصرع شخص والبحث عن آخرين في ترعة بسوهاج    الآثار تكشف حقيقة اختفاء قطع أثرية من المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية    موعد عرض الحلقة الأولى من مسلسل المؤسس عثمان 7 على قناة الفجر الجزائرية وترددها    احتجاجات واسعة في لندن ضد زيارة ترامب لبريطانيا    مدارس «القليوبية» تستعد لاستقبال مليون و373 ألف طالب    وزيرة التنمية المحلية تتابع جاهزية المحافظات لموسم الأمطار والسيول    إصابة شاب بإصابات خطيرة بعد أن صدمه قطار في أسوان    أيمن عبدالعزيز يعلن تمسكه بعدم العمل في الأهلي.. وسيد عبدالحفيظ يرد    محافظ بورسعيد يفتتح حضانة ومسجد ويتفقد مركز شباب مدينة سلام مصر    حقيقة اختفاء 5 قطع أثرية من المتحف اليوناني في الإسكندرية    "الصحة" تُكمل المرحلة السادسة من تدريب العاملين على أجهزة إزالة الرجفان القلبي    فوائد السمسم، ملعقة واحدة لأبنائك صباحا تضمن لهم صحة جيدة    إحالة شكاوى مرضى في وحدة طب الأسرة بأسوان للتحقيق    بعد نشر صورة مع جدها الفنان محمد رشدي.. من هي البلوجر فرح رشدي؟    مهرجان الجونة السينمائي يكشف عن برنامج مسابقة الأفلام القصيرة بالدورة الثامنة    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    حكم ما يسمى بزواج النفحة وهل يصح بشروطه المحددة؟.. الإفتاء توضح    مظاهرات في لندن ضد زيارة ترامب إلى بريطانيا    قناة السويس تشهد عبور السفينة السياحية العملاقة AROYA وعلى متنها 2300 سائح    80%ملكية أمريكية.. ملامح الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة والصين بشأن "تيك توك"    البنك المركزي: القطاع الخاص يستحوذ على 43.3% من قروض البنوك بنهاية النصف الأول من 2025    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    صفحة وزارة الأوقاف تحيى ذكرى ميلاد رائد التلاوة الشيخ محمود خليل الحصرى    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    المستشار الألماني يطالب مواطنيه بالصبر على الإصلاحات وتحملها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    معاش للمغتربين.. التأمينات تدعو المصريين فى الخارج للاشتراك    تحديث بيانات المستفيدين من منظومة دعم التموين.. التفاصيل    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    وزارة الصحة تطلق أول مسار تدريبى لمكافحة ناقلات الأمراض    الكشف على 1604 مواطنين فى القافلة الطبية المجانية بمركز بلقاس    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    وزير التعليم يبحث مع وفد الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك    القومي للمرأة يشارك في ندوة مناقشة التقرير الإقليمي "البحث عن العدالة    خطة الإنقاذ    التعليم تعلن تطبيق منهج "كونكت بلس" لرياض الأطفال والابتدائي    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية    "جمعية الخبراء" تقدم 6 مقترحات للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    موعد حفل الكرة الذهبية 2025 في فرنسا    رانيا فريد شوقي تستعيد ذكريات طفولتها مع فؤاد المهندس: «كان أيقونة البهجة وتوأم الروح»    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استدعاء الخيار شمشون
نشر في بص وطل يوم 09 - 09 - 2013


عبد الله السناوي
على دوي الانفجارات في شارع مصطفى النحاس، بدت مصر أمام تحديات خطيرة في طبيعتها الأمنية، ومربكة في تداعياتها السياسية، فما جرى نقلة نوعية في مستويات العنف منذ إطاحة الرئيس السابق محمد مرسي.. هذه المرة الحادث ينطبق توصيفه على التعريف الكلاسيكي للإرهاب، كما تعتمده الإنسانية المعاصرة في وثائقها الدولية والحقوقية، بينما في المرات السابقة استخدم المصطلح ذاته بشيء من المجاز السياسي لوصف حوادث دموية أسفرت عن سقوط ضحايا.
في محاولة اغتيال وزير الداخلية أطل الإرهاب على المشهد السياسي المحتقن، منذرا بمواجهات تطول وأزمات تمتد، ومحاولات اغتيال أخرى لشخصيات تنفيذية وعامة، لتقويض الدولة وقدرتها على توفير الأمن لمواطنيها، وبسط الاستقرار الضروري لحركة اقتصادها.
في التحول إلى الإرهاب حالة يأس من عودة محمد مرسي إلى السلطة، واتهامات معلقة برقبة الجماعة التي ينتسب إليها، بمسئوليتها عن حوادث الإرهاب التي أخذت تتصاعد عشوائيا، كمحاولة نسف قطار على السكك الحديدية الواصلة بين السويس والإسماعيلية، بوضع ثلاث دانات فوق قضبانها، أو إلقاء قنابل بدائية هنا وهناك، وفي اليأس استشعار أن اللعبة انتهت وأن الجماعة خرجت من السلطة إلى الأبد، لكنها تعاند في الاعتراف بأخطائها ومصالحة مجتمعها.
الحادث في توقيته ومناخه موصول بالمظاهر المسلحة التي تفشت في الشارع بعد إطاحة مرسي، وموصول بمواجهات سيناء التي دخلت مرحلة الحسم مع جماعات العنف المتمركزة في دروبها.
من اللافت أن الجماعة أدانت محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم، وفي اليوم التالي هتفت تجمعاتها تتوعده بمحاولة اغتيال أخرى، الهتافات تومئ إلى مشاعر أفلتت من قدرتها على رؤية المخاطر، والحادث تتبدى فيه قدرات تنظيمية احترافية تخطيطا وتنفيذا لا تتوافر للجماعة، لكن مسئوليتها رئيسية في توفير المناخ العام لعودة الإرهاب.
الاحتمال الأرجح أن تكون جماعات تكفيرية قد دبرت وخططت ونفذت حادث شارع مصطفى النحاس، وهدفها السياسي واضح ومحدد في إشغال الجيش والأمن عن متابعة حملات سيناء بإرباك خطوطها الخلفية في العاصمة، بينما لا يتوافر للجماعة هدف سياسي للضلوع في الحادث الإرهابي يتجاوز اعتبارات الانتقام وهدم المعبد على من فيه، فلم تعد عودتها للسلطة مطروحة في أي حساب، كأنها تستدعي في مواجهة مجتمعها "الخيار شمشون"، وهو مستقى من الشخصية التوراتية ومقولتها الشهيرة: "يا إلهي.. دعنى أموت وأنا أرى الفلسطينيين يموتون معي".
مصطلح "الخيار شمشون" يستخدمه المحللون العسكريون لافتراضية الردع بأسلحة نووية على تهديدات محتملة من دول مجاورة، وقد استخدمه الكاتب الأمريكى سيمور هيرش كعنوان لكتاب أصدره أوائل التسعينيات بالوثائق والصور، عن أسرار وخفايا المفاعل النووي الإسرائيلي.
استدعاء "الخيار شمشون" فيه انتحار اليائسين وفيه كراهية متبادلة ما بين الجماعة ومجتمعها، كأنها تهتف داعية أن تموت وترى شعبها يموت معها.
بالتداعيات الأمنية لحادث شارع مصطفى النحاس، فإن قيودا أكبر ستفرض وإجراءات أشد ستتخذ في مواجهة العنف والتحريض عليه والإرهاب وأصحابه.
الأغلب الآن تمديد العمل بقانون الطوارئ لفترة أخرى، وقد كانت المجموعة الأمنية التي تضم ممثلي الأجهزة السيادية وتتابع الموقف الميداني واحتمالاته تلح قبل محاولة الاغتيال على ضرورات تمديده لشهر آخر، اعتبارات الأمن سوف تتغلب على اعتبارات السياسة التي راهنت بالمقابل على إنهاء العمل بالطوارئ بأسرع وقت وعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها، أو ما يقارب الأحوال العادية بما يوفر ما هو مستطاع من أجواء اطمئنان للمُضي في خريطة الطريق إلى نهايتها خطوة بعد أخرى.
في استدعاء "الخيار شمشون" استدعاء مقابل لدخول قانون الطوارئ حيز التنفيذ، فقد حرصت السلطة الانتقالية لأسباب متداخلة ومعقدة، بعضها لها صلة بالتفاعلات الداخلية لتأكيد توجهها لتنفيذ خريطة طريق المستقبل بلا إقصاء لأحد غير الذي تثبت بحقه اتهامات الضلوع في العنف أو التحريض عليه، وبعضها الآخر لها صلة بقوى دولية تتابع وتضغط وتسأل عن حقيقة المداهمات والتوقيفات التي تجري بحق قيادات الجماعة وكوادرها الوسطى، تأكيدا أيضا أن الأمور تجري وفق القانون وأن الحملات الأمنية تجري بأذون مسبقة من النائب العام، وأنه لم يجر استخدام الطوارئ رغم إعلان حالتها.
معضلة الجماعة في لحظة فارقة بتاريخها أنها تجد نفسها أمام خيارات مغلقة وفرصها في الحركة محدودة وأوراقها راحت ورقة بعد أخرى ب"الخيار شمشون" الذي تندفع إليه تصرفاتها وأقصى ما تطلبه إرباك المشهد السياسي وعقاب المجتمع على مساندته لما يصفونه ب"الانقلاب على الشرعية"، رغم أن المجتمع هو صاحب الحق الأصيل في منح الشرعية وسحبها، أمام هذا الخيار بتجلياته العنيفة وتحالفاته المضمرة مع جماعات تكفيرية، فإن الخطر الذي يحيق بها يتجاوز حلها ومصادرة أموالها، إلى تصفيتها مجتمعيا وزيادة فجوات الكراهية معها واعتبارها "منظمة إرهابية".
لعنة الإرهاب تضرب الجماعة قبل أي طرف آخر، وتهددها بعزلة مجتمعية أكثر مما هي فيه، وتمنع عن منتسبيها أي مطالبات حقوقية، طبيعية ومشروعة، من أن يلتفت إليها أحد، والأخطر من ذلك كله أنها تهددها بوصمة "الإرهاب"، وهناك نزوع قوي لدى قطاعات كبيرة من الرأي العام، يتزايد يوما بعد آخر، إلى اعتبارها منظمة إرهابية، وهذه مسألة أخطر بما لا يقاس من حلها، وعواقبه وخيمة على أعضائها، الذين حرّضوا على العنف والذين لم يحرضوا، الذين وفروا غطاء سياسيا للإرهاب، والذين يتصورون أن لهم قضية عادلة ومظلومية جديدة.
فدمغ الجماعة بالإرهاب نوع من الإعدام المدني، فالمتهم بالانتماء إلى منظمة إرهابية يحرم قانونا وأمنا من حقوقه كمواطن ويفقد أهليته.. العقاب الجماعي بلا تحقيق يوفر ضمانات العدالة يفضي بتداعياته إلى إشاعة ثقافة العنف والإرهاب، لكنه من التداعيات المؤكدة ل"الخيار شمشون".. ومن تداعياته الأخرى بعد وقت آخر أن يدخل المجتمع في صدام مفتوح مع الجماعة، والصدام يصنع ثأره، والثأر يفضي إلى انتقامات لها صفة الأهلية هذه المرة.
في الخيار نفسه حالة انسداد شرايين سياسية تمنع مراجعة تجربتها في الحكم والأخطاء التي ارتكبتها ومصالحة مجتمعها وتوفيق أوضاعها القانونية على نحو يضمن فصلا بين ما هو دعوي وما هو سياسي، وحالة انسداد أخرى في فكرة المصالحة الوطنية والكلام عنها تجاوزته الأحداث والتصرفات، ودخل البلد كله في طرق مسدودة تستنفد طاقته لوقت قد يطول نسبيا، لكن اللعبة تقررت نتائجها، ولم يعد ممكنا العودة خطوة واحدة إلى ما قبل خريطة الطريق، لا تبدو السياسة كفئا والفجوات واضحة في مستويات الأداء العام، والتعثر ظاهر في الالتزام بوعود العدالة الاجتماعية، لكن ليس بوسع أحد أن يتصور عودة ما للجماعة في أي وقت منظور أو مصالحة ما انتفت مقوماتها، ولم يعد بوسع أحد تصديق ادعاءاتها بالسلمية.
استدعاء "الخيار شمشون" يقوّض احتمالات المراجعة الداخلية.. في البداية بدا لبعض شبابها، قبل فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، أن يوجهوا خطاب اعتذار للقوى الثورية على أخطاء ارتكبت، في محاولة للحصول على تأييدها في الموقف الصعب الذي كانت عليه، وافقت قيادة الجماعة لكنها لم تصدره، وكان ذلك ارتباكا جديدا في جماعة مرتبكة تفتقد قيادتها بصورة فادحة القدرة على التصرف السياسي، بدت الفكرة عملية للغاية وأقرب إلى المناورة من المراجعة، لكن أفلت توقيتها وتاهت في صخب الحوادث أصوات حاولت أن تحتذي الجماعة مسارا آخر يصحح ويصالح ويعتذر لمجتمعه.
وعادت الفكرة بصيغة أخرى في خلفيات المشهد السياسي في ظروف ما بعد موجتين أعقبتا على التوالي فض الاعتصامين، الموجة الأولى شهدت عنفا مخططا ضد أقسام شرطة ودور عبادة وعدالة ومبانٍ حكومية، والموجة الثانية تلت الأولى مباشرة بإعلان حالة الطوارئ وحملة مداهمات واسعة وتوقيفات لقيادات الجماعة وكوادرها الوسطى.
الفكرة تبناها هذه المرة عضو مكتب إرشادها الدكتور محمد علي بشر، داعيا إلى اعتذار للشعب المصري يقر بأن ما جرى في 30 يونيو إرادة شعبية توجهاتها تحترم، ومشروعيتها تقر، بينما التحفظ يظل على حاله بشأن تدخل الجيش في 3 يوليو، لكن مع إقرار فعلي بالأوضاع الجديدة، بغض النظر عن المشاركة في خريطة الطريق.
مالت أطروحات بشر للمسائل الحقوقية التي تخص الموقوفين، وهذه بطبيعة الحال لا خلاف عليها، وظلال من مطالب لم يعد لها محل من إعراب، بمقتضاها تهدئ الجماعة من تظاهراتها مقابل إفراجات عن بعض قياداتها.
"الخيار شمشون" يدفع الجماعة بحماقة تاريخية لا مثيل لها إلى انتحار، لا قومة لها بعده.
نُشر بجريدة الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.