منذ الأحد 21 فبراير 2010، والشارع الفلسطيني -يتبعه هذه المرة سريعاً الشارع العربي والإسلامي- يشتعل، ففي هذا اليوم أعلن "بنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء الإسرائيلي، ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى المواقع التراثية اليهودية، وقبل أن يبدأ العالم الإسلامي في استيعاب الخبر وفي قمة الاعتراضات القائمة عليه، أتبعت إسرائيل ضربتها السابقة بأخرى جديدة، عندما أعلنت يوم 8 مارس عن بناء حي استيطاني جديد يحوي 1600 مسكن بالقدسالشرقية، لم يكن هذا هو كل شيء، بل بدأت إسرائيل في الإعداد لافتتاح "كنيس الخراب"، متجاهلة كافة ردود الفعل الثائرة على هذا الخبر. وافتتح الكنيس بالفعل في الخامس عشر من مارس.. ونتيجة لكل هذا اشتعلت المواجهات في الأراضي الفلسطينية، بين الفلسطينين في القدس والضفة الغربية وبين قوات الاحتلال الإسرائيلي. ومع كل هذه الأحداث المتتالية، نجد أننا نلهث لنلاحق ما يحدث، بل ولنستوعبه.. ونجد أن أسئلة كثيرة تحاصرنا: فما هي الخطورة في ضم الموقعين الإسلاميين إلى التراث اليهودي؟ وهل يستحق خبر كبناء مستوطنات جديدة يتكرر يومياً في المعتاد كل هذه الثورة؟ وما هو "كنيس الخراب"؟ ولماذا كل هذه الثورة حوله؟ هذه الأسئلة يجب أن نجد لها إجابات محددة وشافية؛ حتى نستوعب الموقف الحادث الآن.
فتح المستوطن "باروخ جولدشتاين" النار على المصلين مسجد بن رباح = قبر راحيل. الحرم الإبراهيمي، مسجد يعرفه الجميع، فبه حدثت المذبحة الشهيرة حيث فتح المستوطن "باروخ جولدشتاين" النار على المصلين بالحرم عام 1994، فقتل منهم 29 مُصلياً، وقد يتساءل البعض لماذا تسعى إسرائيل لضم مسجد إسلامي إلى تراثها؟! والإجابة: هي أن إسرائيل ما زالت تفسر كافة الظواهر، وتتخذ قراراتها على الأرض تبعاً لرؤية دينية مستقاة من تفسيرات متطرفة للتوراة؛ فوفقاً للروايات التاريخية اليهودية، فإن موقع المسجد هو بالأساس موقع "مقابر الأنبياء" الذي قام الفرس بهدمه، وأنشأ المسلمون في موقعه الحرم الإبراهيمي عام 15 هجرية.. أما مسجد بلال بن رباح، فيزعم اليهود أنه موقع "قبر راحيل" زوجة نبي الله يعقوب، وأم يوسف عليه السلام. وهكذا وكنتيجة لهذه الاعتقادات التوراتية اتُّخذ القرار بضم الموقعين كمواقع للتراث اليهودي.. والأكثر مدعاة للقلق أن ما حدث لا يمكن فصله عن سياق الفكر الإسرائيلي عامة، فلم تكتفِ إسرائيل بذلك بل أعلنت أن هدفها هو ترميم 150 موقعاً تراثياً توراتياً، مما يوحي بإمكانية ضم مواقع إسلامية أخرى باعتبارها تابعة للتراث اليهودي. طريق الحج من القدسلمكة إسرائيلي! ولإسرائيل سوابق قديمة في هذا الأمر؛ كمحاولاتها عام 2000 التأثير على مركز التراث العالمي بإعلان بعض المواقع الإسلامية مثل (طريق الحج من القدس إلى مكة) كمواقع تراثية يهودية، ولقد وقفت مصر والمغرب ضد هذه المحاولة ووأدتها في بدايتها. القدسالشرقية مستوطنة إسرائيلية! وخلال زيارة "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي إلى إسرائيل ضمن زيارته لعدة دول في الشرق الأوسط، أعلنت إسرائيل عن بنائها حياً جديداً يضم 1600 مسكن، الأزمة الرئيسية في ذلك الحي الاستيطاني، أنه يقع بالقدسالشرقية؛ حيث المقدسات الإسلامية، وحيث العاصمة الفلسطينية كما نراها كعرب ومسلمين، وهو الأمر الذي يؤكد على المحاولات الإسرائيلية الدائمة باعتبار القدس الموحدة (الشرقيةوالغربية) كعاصمة لإسرائيل..
رُوعي به أن تكون قبته أعلى من المسجد الأقصى "كنيس الخراب".. هل يهدمون المسجد الأقصى؟! كنيس الخراب أو "الهيكل الصغير" وهو حسب المعتقد الإسرائيلي، المعبد الذي يبدأ يوم افتتاحه عودة هيكل سليمان، وفي الرواية الإسرائيلية فإن الكنيس قد تم إنشاؤه في القرن 18 في عهد الدولة العثمانية، ثم تم هدمه وتخريبه على يد العثمانيين بعدما توقف بناة الكنيس عن دفع الضرائب، ولهذا سُمّي بالخراب، ثم أعيد بناؤه مرة أخرى في القرن التاسع عشر، ولكن هدمته القوات الأردنية مرة أخرى في حرب 1948. وهنا تنبأ راهب يهودي بأنه يوم إعادة بناء وافتتاح هذا الكنيس مرة أخرى، سيكون يوم عودة الهيكل، وفي عام 2001 قررت الحكومة الإسرائيلية إعادة بناء الكنيس، وبدأ بناؤه بالفعل عام 2006، لينتهي البناء هذا العام.. "الخراب" على بُعد أمتار من الأقصى تم إقامة هذا الكنيس على بُعد أمتار قليلة من الحائط الغربي للمسجد الأقصى، وملاصق للمسجد العُمري، وقد تم تصميمه تبعاً لصورة قديمة للكنيس، ورُوعي به أن تكون قبته أعلى من المسجد الأقصى. بدء الاشتباكات وفي ضوء كل ما سبق، بدء الفلسطينيون في التجمهر والاعتراض على ما يحدث، فمنذ 25 فبراير في ذكرى مذبحة الحرم الإبراهيمي السادسة عشر، خرج الشباب الفلسطيني بالخليل ليتظاهر ويعترض على ضم الحرم للتراث اليهودي، ولكن تم مواجهة هذه التظاهرات بالعنف والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي.. واستمرت المناوشات الفلسطينية - الإسرائيلية بشكل فردي حتى إعلان بناء الحي الاستيطاني الجديد بالقدس، هنا انضم الشباب المقدسي في القدس إلى قائمة المتظاهرين، وقام "إيهود باراك" وزير الدفاع الإسرائيلي بتعزيز القوات الإسرائيلية في كافة أنحاء القدس لمنع المظاهرات والاشتباكات. تم هذا أيضاً في إطار الخوف من تداعيات الإعلان عن افتتاح كنيس الخراب في 15 مارس، كما تطورت الأمور، فتم منع الصلاة في المسجد الأقصى لكل من هم أقل من 50 عاماً، وفي 12 مارس أعلنت القوات الإسرائيلية الحصار على البلدة القديمة والمسجد الأقصى والضفة الغربية حتى انتهاء افتتاح كنيس الخراب، وكذلك لمنع انضمام عرب 1948 إلى الشباب المقدسي المعترض داخل أسوار القدس. تصعيد الأحداث ومع المواقف الإسرائيلية الحادة والعنيفة، وردود أفعال القوات الإسرائيلية على تظاهرات الشباب بالرصاص، بدأت الأحداث تتحول إلى العنف الصريح، فاقتحمت القوات الإسرائيلية البلدات الفلسطينية مُستخدمة القنابل الصوتية الحارقة والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين، وقد تصدى الفلسطينيون للجنود بالحجارة والزجاجات الفارغة، وتساقط العشرات منهم بين قتيل ومصاب. وقد تم افتتاح الكنيس الإثنين الماضي 15 مارس، وسط حالة من الصراع الشديد بين المتظاهرين والقوات الأمنية الإسرائيلية، وتصاعدت الاشتباكات الثلاثاء 16 مارس، فقد اشتبك مئات الفلسطينيين مع الجنود الإسرائيليين في القدس ورام الله والخليل والعديد من البلدات الفلسطينية، اعتراضاً على الأحداث السابقة. هل الانتفاضة الثالثة على الأبواب؟ مع هذا التصاعد الشديد والمتسارع مؤخراً للأحداث، فلقد تساءل العديد من المراقبين، حول ما إذا كانت هذه الأحداث هي تمهيد لاندلاع انتفاضة ثالثة، بل وقد أعلن الكثير من قادة الفصائل الفلسطينية المختلفة أن قيام انتفاضة ثالثة أمر ليس ببعيد، خاصة في ظل التطورات الأخيرة، والخطة الإسرائيلية النشطة لتهويد القدس، في الوقت نفسه الذي أعلنت به الشرطة الإسرائيلية أن قيام انتفاضة جديدة أمر بعيد، حيث يتوقعون إنهاء حالة التوتر الأحد القادم على الأكثر.. وبالفعل فقد رفعت القوات الإسرائيلية الحصار عن الضفة الغربية الأربعاء 17 مارس، وأعلنت إعادة فتح الحرم القدسي أمام المصلين دون تحديد للأعمار، وإن كانت قد أبقت قواتها بمدينة القدس في حالة تأهب حادة، في الوقت الذي لم تخفّ به حدة التظاهرات والاعتراضات الفلسطينية. والتساؤل الآن: مع كافة ما يحدث وفي ظل هذه الخطط الإسرائيلية النشطة، هل نحن على أعتاب انتفاضة ثالثة؟ سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة.