حزب الوفد يحيي ذكرى رحيل سعد زغلول ومصطفى النحاس (صور)    عمدة "هوداك" برومانيا يكرم طلاب جامعة سيناء الفائزين بالجائزة الذهبية في مهرجان الفلكلور الدولي    اتحاد المقاولين يطالب بوقف تصدير الأسمنت لإنقاذ القطاع من التعثر    الخارجية الجزائرية: المجاعة بقطاع غزة خيار سياسي ونتاج تخطيط وتدبير الكيان الصهيوني    نهائي السوبر السعودي، الأهلي والنصر يتعادلان 2-2 بالوقت الأصلي ويحتكمان لركلات الترجيح (صور)    بمشاركة فريق مصري.. تعرف على المشاركين في البطولة العربية للأندية لليد    محافظ سوهاج يتابع حادث غرق الطالبات ب شاطئ العجمى في الإسكندرية    نائب وزير السياحة وأمين المجلس الأعلى للآثار يتفقدان أعمال ترميم المواقع بالإسكندرية    بدون أنظمة ريجيم قاسية، 10 نصائح لإنقاص الوزن الزائد    الإتجار في السموم وحيازة خرطوش.. جنايات شبرا تقضي بسجن متهمين 6 سنوات    وزير الصحة الفلسطيني: فقدنا 1500 كادر طبي.. وأطباء غزة يعالجون المرضى وهم يعانون من الجوع والإرهاق    مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر ومطروح تتضمن التعاون العلمي والأكاديمي وتبادل الخبرات    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    "التنمية المحلية": انطلاق الأسبوع الثالث من الخطة التدريبية بسقارة غدًا -تفاصيل    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    رغم تبرئة ساحة ترامب جزئيا.. جارديان: تصريحات ماكسويل تفشل فى تهدئة مؤيديه    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحفريات الأثرية في البحرين تكشف كنوزاً حضارية
نشر في صوت البلد يوم 17 - 04 - 2018

يحتل تاريخ الشرق القديم مكانة متميزة في أبحاث المهتمين والمتخصصين في دراسة تاريخ سابق الأمم، والتي بالكشف عن آثارها وتتبع أخبارها من خلال النصوص الأدبية أمكن معرفة الكثير من أسرار شعوبها وتجليات حضارتها. وهذا ما حدث بالنسبة الى الحضارات التي سادت في مملكة البحرين قديماً وأبرزها حضارة دلمون. لقد تباينت آراء الباحثين المعاصرين حول موقع دلمون وأدوارها الحضارية في مجرى تاريخ الإنسانية، وأثمرت الجهود الميدانية المبذولة في كشف النقاب عن الكثير من معالم هذه الحضارة من مستوطناتٍ سكنية ومعابدٍ وتلالٍ، وتميزت بعض المعالم المنتمية الى هذه الحضارة مثل الأختام الدلمونية بأنها ذات سمة فنية مختلفة عن أختام الحضارات الأخرى.
ولم يكتف الدلمونيون في تواصلهم الحضاري مع الحضارات الأخرى بمجرد التلقي، بل أسهموا بدورهم في البناء الحضاري في المنطقة طيلة الفترة بين 2300 -500 ق.م، وسهّلوا انتقال المؤثرات الحضارية عبر سواحل الخليج العربي بفضل تعاملهم التجاري الواسع. وعلى رغم الأهمية الكبرى لحضارة دلمون، إلا أنها بالنسبة الى الباحث عبد العزيز صويلح - الذي قام بالعمل على تلك الدراسة وعنيت بإخراجها للمكتبة العربية وزارة الثقافة والتراث الوطني في البحرين - قد شكلّت مرحلة في سلم حضارة مملكة البحرين.
لقد أعاد المؤلف بناء تاريخ مملكة البحرين القديم مرحلة بمرحلة فسلّط الضوء على العديد من جوانب الشعوب التي استوطنت الأرض البحرينية بحكم موقعها الاستراتيجي وخصوصية مناخها ومائها. وعرّف كذلك بمختلف تنظيمات تلك الشعوب في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية. فاستحضر مختلف المعالم والمعثورات الأثرية التي تؤكد تنوع المظاهر الحضارية للبحرين. ودفعه اهتمامه بالتاريخ البحريني في شموليته ليجمع بين المنهجين التاريخي والأثري في تناغمٍ وانسجامٍ وعرَض عرضاً وافياً لمختلف البعثات الأثرية الأوروربية والأسيوية والعربية والوطنية من 1879 إلى 2000 م.
كشف النقاب عن آثار
بدأ الاهتمام بالتراث الحضاري للبحرين منذ القرن التاسع عشر على يد مجموعات من هواة الآثار التي توالت على أرضها سعياً للتعرف الى آثارها. وشكّل إسهامها المبكر دافعاً لبعثات التنقيب المدعومة من جمعيات ومؤسسات علمية ومتاحف على إجراء تنقيباتٍ أثرية فيها لكشف النقاب عن تلك الآثار؛ إذ قامت بأعمال تنقيب متفرقة شملت مناطق عدة من البحرين وشاركت في تلك التنقيبات بعثاتٍ أورو- آسيوية وأسترالية وعربية إضافة إلى فرق التنقيب الوطنية البحرينية ونشرت كل بعثة منها أنواعاً مختلفة من الدراسات الآولية حول العمل الميداني الذي قامت به تتضمن ما توصلت إليه من نتائج ولوائح بالآثار التي اكتشفتها والتحليلات والمعرفة التاريخية التي بنتها استناداً إلى المكتشفات التي استخرجتها معاول باحثيها سواء من مواقع الآثار أم من تلالها. وهذا الزخم في عمليات التنقيب والبحث الآثاري، أدى إلى نتائج عدد كبير من الدراسات العلمية في حقبة قصيرة من الزمن.
فمن حيث الموقع الجغرافي تحتل مملكة البحرين موقعاً وسطياً بالنسبة إلى العالم، اذ تقع في قلب الخليج العربي بمحاذاة الساحل الغربي وتتكون من أرخبيل يشتمل على ست وثلاثين جزيرة، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الجزر الصغيرة الحجم. وعلى سبيل المثل؛ تكوّن جزيرة المحرق الجزء الشمالي من مجموعة الجزر البحرينية وتتميز بسطحٍ منبسطٍ لا أثر للمرتفعات فيه. وجزيرة سترة بالقرب من ساحل جزيرة البحرين من جهة الشرق وسطحها منبسط رملي أما جزيرة أم النعسان ثاني أكبر الجزر فهي جزيرة رملية منبسطة. سُميت جزيرة البحرين – كبرى الجزر – خلال فترة الوجود الإغريقي في منطقة الشرق باسم تايلوس، أما جزيرة المحرق فقد سُميت باسم أرادوس ووردت تلك الأسماء في العديد من المصادر الكلاسيكية منذ عهد الإسكندر الأكبر.
وبعد القرن الرابع أو الخامس الميلادي أطلق العرب – قبل الإسلام – اسم أوال على جزر البحرين بدلاً من تايلوس وعاصر هذا الإسم العهد النبوي الشريف واستمر فترة تزيد على ثمانية قرون وفي القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادى) تغير اسم الجزيرة من أوال إلى البحرين.
لفتت المواقع الأثرية في البحرين أنظار مجموعة من المختصين بالبحث الأثري والعاملين في مجال التنقيب عن الآثار وبدا الإهتمام بهذا الأمر في عام 1879 م على أيدي مجموعة من المستكشفين من أبرزهم ديوراند. أ. ل الذي حلّ على البحرين في هذا العام وقام ببحث ميداني لمعظم مناطق جزر المملكة بُغية التعرف الى المواقع والمعالم الأثرية، وزار ديوراند موقع قلعة البحرين ووجدها محاطة بتلالٍ عالية من جميع الجوانب وتطل على البحر مباشرة. وبهذا عقد الأمل بأن هذه المجموعة من التلال قد تحوي شيئاً مهماً. وبعد عملية بحث ميداني أجراها حول التلال وفوقها اكتشف خبايا بعض المدافن ووجد قطعاً من الفحم كبيرة الحجم أفترض أنها تمثل بقايا جذوع نخيل والحُصر المستخدمة لسقف المدافن التي تحويها التلال.
واستمرت البعثات الأثرية في التواتر على أرض البحرين وصولاً إلى البعثة الدنماركية سنة 1953م. وهي تعد أول بعثة علمية منظمة. وعملت تحت إشراف متحف ماقبل التاريخ في جامعة آرهوس في الدنمارك واستمر عملها أكثر من سبعة عشر عاماً، سعت البعثة إلى التعرف الى مواقع العصور الحجرية في أراضي المملكة وذلك لمعرفة أقدم الفترات الزمنية التي مارس فيها الإنسان نشاطه على هذه الأرض وأيضاً إمكان العثور على تلال تحوي مستوطنات سكنية. واهتدت البعثة إلى أن زحف الرمال طمر مواقع عصور ما قبل التاريخ، كما استطاعت البعثة الاهتداء إلى قنوات المياه الجوفية التي كانت تقع في الأراضي التي تحاذي الساحل وتستخدم لأغراض الزراعة.
بعثات أثرية
تواصلت أعمال البعثات الأثرية في البحرين وكان من أبرزها أعمال البعثة البريطانية الأولى بين 1973 و1976م . وأجرت تلك البعثة أعمال مسح وتنقيب خلال تلك المواسم المتتالية، وتم تنفيذ العمل تحت رعاية لجنة دراسات الخليج العربي وهي هيئة أنشئت في لندن عام 1971م لتشجيع البحث الأثري في منطقة الخليج العربي. واهتمت البعثة البريطانية الأولى بالدراسة والتنقيب عن آثار العصور الحجرية والتعرف الى مواقع انتشارها في أرض البحرين. وبالفعل قامت تلك البعثة بالعمل في خمسة مواقع هي: المرخ وجنوسان وشمال قرية القرية وشمال شرق قرية عالي ومعبد دراز.
أما البعثة البريطانية الثانية فقد جاءت بين عامي 1990 و2000م برعاية معهد الآثار التابع للكلية الملكية في لندن، وتشكّلت إدارتها من ثلاثة من الباحثين المهتمين بآثار الشرق الأدنى القديم وهم: هاريت كروفورت التي كانت تعمل مشرفة في قسم الدراسات العليا الخاصة بقسم آثار الشرق الأدنى القديم في جامعة لندن، وروبرت كليك وجين مون. وبعد الزيارة الأولية التي قامت بها البعثة للمعالم والمواقع الأثرية في مملكة البحرين طالبت بإجراء تنقيب في مستوطنة (سار) حتى يتسنى لها إكمال التعرف من خلال اكتشافاتها على حقبة حضارة دلمون في أرض البحرين وحياة الناس وتكوينهم الاجتماعي ومستواهم المعيشي ونشاطهم الاقتصادي.
وساهمت الدولة الفرنسية أيضاً ببعثاتها الأثرية بدءاً من بعثة 1977م، وترجع أهميتها إلى أنها قامت باستكمال أعمال التنقيب التي قامت بها البعثة الدنماركية في موقع القلعة الإسلامية في قلعة البحرين ونجحت في الكشف عن معالم تلك القلعة واكتشاف بعض العملات القديمة. وعثرت على بعض الفخار الذي يعود إلى حضارة دلمون وآخر يعود إلى الفترة الهلنيستية ثم توالت البعثات بعد ذلك وصل عددها إلى أربع بعثات بين 1979 و1989م.
كما ساهمت البعثات الألمانية في إلقاء الضوء على حضارة البحرين وما تحويه من حفريات أثرية. وعملت البعثة الألمانية من 1992 إلى 1993. وشاركت تلك البعثة المنتدبة من جامعة غوتنغن في الأعمال التنقيبية في البحرين لموسمين متتاليين وكان موضوعها الأساسي دراسة تلال مدافن فترة تايلوس (300 ق.م – 200 ق.م)
من خلال عرض النتائج السابقة لما توصلت إليه بعض البعثات الإستكشافية بناءً على التنقيبات الأثرية التي تمت على أرض البحرين، فإن ذلك يعد فرصة للمهتمين بآثارها وحضارتها بشكلٍ خاص وآثار منطقة الخليج العربي عموماً للمساهمة في استنباط المزيد من المعلومات التي يشكل التوثيق الأثري فيها جزءاً مهماً، إضافة إلى ما تزخر به مخازن إدارة المتاحف من مقتنياتٍ مهمة تضيف إلى ما تقدمه الحركة الآثارية في البحرين إلى الثقافة العالمية.
يحتل تاريخ الشرق القديم مكانة متميزة في أبحاث المهتمين والمتخصصين في دراسة تاريخ سابق الأمم، والتي بالكشف عن آثارها وتتبع أخبارها من خلال النصوص الأدبية أمكن معرفة الكثير من أسرار شعوبها وتجليات حضارتها. وهذا ما حدث بالنسبة الى الحضارات التي سادت في مملكة البحرين قديماً وأبرزها حضارة دلمون. لقد تباينت آراء الباحثين المعاصرين حول موقع دلمون وأدوارها الحضارية في مجرى تاريخ الإنسانية، وأثمرت الجهود الميدانية المبذولة في كشف النقاب عن الكثير من معالم هذه الحضارة من مستوطناتٍ سكنية ومعابدٍ وتلالٍ، وتميزت بعض المعالم المنتمية الى هذه الحضارة مثل الأختام الدلمونية بأنها ذات سمة فنية مختلفة عن أختام الحضارات الأخرى.
ولم يكتف الدلمونيون في تواصلهم الحضاري مع الحضارات الأخرى بمجرد التلقي، بل أسهموا بدورهم في البناء الحضاري في المنطقة طيلة الفترة بين 2300 -500 ق.م، وسهّلوا انتقال المؤثرات الحضارية عبر سواحل الخليج العربي بفضل تعاملهم التجاري الواسع. وعلى رغم الأهمية الكبرى لحضارة دلمون، إلا أنها بالنسبة الى الباحث عبد العزيز صويلح - الذي قام بالعمل على تلك الدراسة وعنيت بإخراجها للمكتبة العربية وزارة الثقافة والتراث الوطني في البحرين - قد شكلّت مرحلة في سلم حضارة مملكة البحرين.
لقد أعاد المؤلف بناء تاريخ مملكة البحرين القديم مرحلة بمرحلة فسلّط الضوء على العديد من جوانب الشعوب التي استوطنت الأرض البحرينية بحكم موقعها الاستراتيجي وخصوصية مناخها ومائها. وعرّف كذلك بمختلف تنظيمات تلك الشعوب في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية. فاستحضر مختلف المعالم والمعثورات الأثرية التي تؤكد تنوع المظاهر الحضارية للبحرين. ودفعه اهتمامه بالتاريخ البحريني في شموليته ليجمع بين المنهجين التاريخي والأثري في تناغمٍ وانسجامٍ وعرَض عرضاً وافياً لمختلف البعثات الأثرية الأوروربية والأسيوية والعربية والوطنية من 1879 إلى 2000 م.
كشف النقاب عن آثار
بدأ الاهتمام بالتراث الحضاري للبحرين منذ القرن التاسع عشر على يد مجموعات من هواة الآثار التي توالت على أرضها سعياً للتعرف الى آثارها. وشكّل إسهامها المبكر دافعاً لبعثات التنقيب المدعومة من جمعيات ومؤسسات علمية ومتاحف على إجراء تنقيباتٍ أثرية فيها لكشف النقاب عن تلك الآثار؛ إذ قامت بأعمال تنقيب متفرقة شملت مناطق عدة من البحرين وشاركت في تلك التنقيبات بعثاتٍ أورو- آسيوية وأسترالية وعربية إضافة إلى فرق التنقيب الوطنية البحرينية ونشرت كل بعثة منها أنواعاً مختلفة من الدراسات الآولية حول العمل الميداني الذي قامت به تتضمن ما توصلت إليه من نتائج ولوائح بالآثار التي اكتشفتها والتحليلات والمعرفة التاريخية التي بنتها استناداً إلى المكتشفات التي استخرجتها معاول باحثيها سواء من مواقع الآثار أم من تلالها. وهذا الزخم في عمليات التنقيب والبحث الآثاري، أدى إلى نتائج عدد كبير من الدراسات العلمية في حقبة قصيرة من الزمن.
فمن حيث الموقع الجغرافي تحتل مملكة البحرين موقعاً وسطياً بالنسبة إلى العالم، اذ تقع في قلب الخليج العربي بمحاذاة الساحل الغربي وتتكون من أرخبيل يشتمل على ست وثلاثين جزيرة، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الجزر الصغيرة الحجم. وعلى سبيل المثل؛ تكوّن جزيرة المحرق الجزء الشمالي من مجموعة الجزر البحرينية وتتميز بسطحٍ منبسطٍ لا أثر للمرتفعات فيه. وجزيرة سترة بالقرب من ساحل جزيرة البحرين من جهة الشرق وسطحها منبسط رملي أما جزيرة أم النعسان ثاني أكبر الجزر فهي جزيرة رملية منبسطة. سُميت جزيرة البحرين – كبرى الجزر – خلال فترة الوجود الإغريقي في منطقة الشرق باسم تايلوس، أما جزيرة المحرق فقد سُميت باسم أرادوس ووردت تلك الأسماء في العديد من المصادر الكلاسيكية منذ عهد الإسكندر الأكبر.
وبعد القرن الرابع أو الخامس الميلادي أطلق العرب – قبل الإسلام – اسم أوال على جزر البحرين بدلاً من تايلوس وعاصر هذا الإسم العهد النبوي الشريف واستمر فترة تزيد على ثمانية قرون وفي القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادى) تغير اسم الجزيرة من أوال إلى البحرين.
لفتت المواقع الأثرية في البحرين أنظار مجموعة من المختصين بالبحث الأثري والعاملين في مجال التنقيب عن الآثار وبدا الإهتمام بهذا الأمر في عام 1879 م على أيدي مجموعة من المستكشفين من أبرزهم ديوراند. أ. ل الذي حلّ على البحرين في هذا العام وقام ببحث ميداني لمعظم مناطق جزر المملكة بُغية التعرف الى المواقع والمعالم الأثرية، وزار ديوراند موقع قلعة البحرين ووجدها محاطة بتلالٍ عالية من جميع الجوانب وتطل على البحر مباشرة. وبهذا عقد الأمل بأن هذه المجموعة من التلال قد تحوي شيئاً مهماً. وبعد عملية بحث ميداني أجراها حول التلال وفوقها اكتشف خبايا بعض المدافن ووجد قطعاً من الفحم كبيرة الحجم أفترض أنها تمثل بقايا جذوع نخيل والحُصر المستخدمة لسقف المدافن التي تحويها التلال.
واستمرت البعثات الأثرية في التواتر على أرض البحرين وصولاً إلى البعثة الدنماركية سنة 1953م. وهي تعد أول بعثة علمية منظمة. وعملت تحت إشراف متحف ماقبل التاريخ في جامعة آرهوس في الدنمارك واستمر عملها أكثر من سبعة عشر عاماً، سعت البعثة إلى التعرف الى مواقع العصور الحجرية في أراضي المملكة وذلك لمعرفة أقدم الفترات الزمنية التي مارس فيها الإنسان نشاطه على هذه الأرض وأيضاً إمكان العثور على تلال تحوي مستوطنات سكنية. واهتدت البعثة إلى أن زحف الرمال طمر مواقع عصور ما قبل التاريخ، كما استطاعت البعثة الاهتداء إلى قنوات المياه الجوفية التي كانت تقع في الأراضي التي تحاذي الساحل وتستخدم لأغراض الزراعة.
بعثات أثرية
تواصلت أعمال البعثات الأثرية في البحرين وكان من أبرزها أعمال البعثة البريطانية الأولى بين 1973 و1976م . وأجرت تلك البعثة أعمال مسح وتنقيب خلال تلك المواسم المتتالية، وتم تنفيذ العمل تحت رعاية لجنة دراسات الخليج العربي وهي هيئة أنشئت في لندن عام 1971م لتشجيع البحث الأثري في منطقة الخليج العربي. واهتمت البعثة البريطانية الأولى بالدراسة والتنقيب عن آثار العصور الحجرية والتعرف الى مواقع انتشارها في أرض البحرين. وبالفعل قامت تلك البعثة بالعمل في خمسة مواقع هي: المرخ وجنوسان وشمال قرية القرية وشمال شرق قرية عالي ومعبد دراز.
أما البعثة البريطانية الثانية فقد جاءت بين عامي 1990 و2000م برعاية معهد الآثار التابع للكلية الملكية في لندن، وتشكّلت إدارتها من ثلاثة من الباحثين المهتمين بآثار الشرق الأدنى القديم وهم: هاريت كروفورت التي كانت تعمل مشرفة في قسم الدراسات العليا الخاصة بقسم آثار الشرق الأدنى القديم في جامعة لندن، وروبرت كليك وجين مون. وبعد الزيارة الأولية التي قامت بها البعثة للمعالم والمواقع الأثرية في مملكة البحرين طالبت بإجراء تنقيب في مستوطنة (سار) حتى يتسنى لها إكمال التعرف من خلال اكتشافاتها على حقبة حضارة دلمون في أرض البحرين وحياة الناس وتكوينهم الاجتماعي ومستواهم المعيشي ونشاطهم الاقتصادي.
وساهمت الدولة الفرنسية أيضاً ببعثاتها الأثرية بدءاً من بعثة 1977م، وترجع أهميتها إلى أنها قامت باستكمال أعمال التنقيب التي قامت بها البعثة الدنماركية في موقع القلعة الإسلامية في قلعة البحرين ونجحت في الكشف عن معالم تلك القلعة واكتشاف بعض العملات القديمة. وعثرت على بعض الفخار الذي يعود إلى حضارة دلمون وآخر يعود إلى الفترة الهلنيستية ثم توالت البعثات بعد ذلك وصل عددها إلى أربع بعثات بين 1979 و1989م.
كما ساهمت البعثات الألمانية في إلقاء الضوء على حضارة البحرين وما تحويه من حفريات أثرية. وعملت البعثة الألمانية من 1992 إلى 1993. وشاركت تلك البعثة المنتدبة من جامعة غوتنغن في الأعمال التنقيبية في البحرين لموسمين متتاليين وكان موضوعها الأساسي دراسة تلال مدافن فترة تايلوس (300 ق.م – 200 ق.م)
من خلال عرض النتائج السابقة لما توصلت إليه بعض البعثات الإستكشافية بناءً على التنقيبات الأثرية التي تمت على أرض البحرين، فإن ذلك يعد فرصة للمهتمين بآثارها وحضارتها بشكلٍ خاص وآثار منطقة الخليج العربي عموماً للمساهمة في استنباط المزيد من المعلومات التي يشكل التوثيق الأثري فيها جزءاً مهماً، إضافة إلى ما تزخر به مخازن إدارة المتاحف من مقتنياتٍ مهمة تضيف إلى ما تقدمه الحركة الآثارية في البحرين إلى الثقافة العالمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.