وفاء عامر تنفي سفرها للخارج وتؤكد متابعتها للتحقيقات وثقتها في نزاهة القضاء    برلماني: المشاركة في انتخابات الشيوخ واجب وطني ورسالة لوحدة الصف    تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    بعد تأكيد الحكومة تجاوز الأزمة.. هل الأسعار في طريقها للانخفاض؟    الري: تنفيذ 87% من قناطر ديروط الجديدة.. وفتح بوابات قنطرة الإبراهيمية    في يوم حقلي بالبحيرة.. "الزراعة" تقدم هجن طماطم مصرية جديدة بإنتاجية عالية    عائلات المحتجزين الإسرائيليين تطالب حكومة نتنياهو بوقف «الجنون» في غزة    عبد المنعم سعيد عن منظمي الوقفات الاحتجاجية أمام سفارة مصر بتل أبيب: لا يستحقون عناء الرد    حكومة غزة: 73 شاحنة مساعدات دخلت القطاع يوم الجمعة ونهبت أغلبها    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    تفاؤل في لوس أنجلوس بإتمام صفقة سون    بدون ربيعة.. العين الإماراتي يهزم إلتشي الإسباني وديا    استقبال رسمي لبعثة التجديف بعد التألق في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مهدد بالحبس.. القصة الكاملة لاتهام أشرف حكيمي بالاغتصاب خلال889 يوما    وزير الشباب والرياضة يفتتح ملعبًا بمركز شباب المعمورة - صور    انفاتينو يقضي إجازته في العلمين.. ومدبولي يهاتفه    إصابة 5 أشخاص إثر حادث انقلاب سيارة ميكروباص في الشرقية    تراجع منخفض الهند «عملاق الصيف».. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأسبوع الجاري    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالشرقية    حكم بعدم دستورية قرار وزاري بإنهاء عقود الوكالة التجارية لمجاوزته حدود القانون    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. قرار من التعليم العالي بشأن تقليل الاغتراب    حفل أسطوري .. عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين    نادية مصطفى تنعي محمود علي سليمان: رحل صاحب السيرة الطيبة والخلق الرفيع    ريستارت يصعد للمركز الرابع في شباك التذاكر.. والمشروع X يتراجع للمركز الخامس    رئيس جامعة بنها يصدر قرارات وتكليفات جديدة في وحدات ومراكز الجامعة    من الطور إلى نويبع.. عروض فنية ومواهب طفولية تضيء جنوب سيناء (صور)    لا تتسرع في الرد والتوقيع.. حظ برج الجوزاء في أغسطس 2025    أفضل أدعية جلب الرزق وقضاء الديون وفقًا للكتاب والسنة    ما حكم الدعاء داخل الصلاة بقضاء حاجة دنيوية وهل تبطل الصلاة بذلك؟.. الإفتاء تجيب    صلاة الأوابين.. الأزهر للفتوى يوضح أهم أحكام صلاة الضحى    الصحة: فحص 18.4 مليون مواطن ضمن مبادرة الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    الصحة تُطلق منصة تفاعلية رقمية بمستشفيات أمانة المراكز الطبية المتخصصة    ولادة طفل من جنين مجمد منذ 30 عاما|القصة الكاملة    3 مستشفيات تعليمية تحصد جوائز التميز من المنظمة العالمية للسكتة الدماغية    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    «الخارجية الفلسطينية» تحذر من دعوات تحريضية لاقتحام واسع للمسجد الأقصى غدا    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    تعرف على أسعار اللحوم اليوم السبت 2 أغسطس 2025    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    «خدوا بالكم منه».. إعلان عودة معلول ل الصفاقسي يهز مشاعر جماهير الأهلي    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب الخليج الثانية دفعت الرواية باتجاه الغرائبية
نشر في صوت البلد يوم 28 - 02 - 2018

نحن العرب اعتدنا اعتماد الأزمات مؤشرا فى التحقيب والتأريخ لأدبنا، فالأزمات والنكبات عندنا تكون دائما فاصلة بين مرحلتين مثل سقوط بغداد، الإستعمار، نكبة فلسطين، نكسة 1967، وسيرا على تلك العادة يصطلح الأكاديمي الكبير الداديسى على تسمية الروايات العربية الصادرة بعد حرب الخليج والسقوط الثاني لبغداد في 2003، بالروايات المعاصرة.
وفي كتابه "مسارات الرواية العربية" ( مؤسسة الرحاب بيروت ) يلحظ الناقد أن روايات تلك المرحلة اتخذت أشكالا فيها من التعقيد والخصوصية ما يساير واقعا معقدا يعيش أزمة قيم، بعدما سادت قيم الفردانية والنفعية ، وأضحى لكل روائي قضاياه ولكل قطر عربى قضاياه فكان طبيعيا أن تنكمش القضايا القومية، وهذا ما يفسر التحول الذى طرأ على اختيار أبطال الرواية العربية المعاصرة، فالروائي استعاض بالأنا عن البطل الوطني الذى ساد في روايات حقبتي الخمسينيات والستينيات، فالبطل حاليا يمثل حواف المجتمع (الموظف والمقهور)، فالروائي المعاصر بغوصه فى الذات تحول الى ما يشبه الباحث الأنثروبولوجى، وانفتح على مختلف الأشكال التعبيرية محطما الحدود بين الأجناس الأدبية، ناهلا من الأساطير والرموز الإنسانية، لذلك تميزت بعض نماذج الرواية المعاصرة بعمق الرؤية وطرح الأسئلة الكبرى بلغة شاعرية، منفتحين على السينما والتشكيل والفلسفة والتاريخ والسياسة، فغدت الرواية قاطرة الكتابة الابداعية العربية إذ أصبحت أكثر أشكال التعبير قدرة على تصوير تشظي الذات والمجتمع العربيين في هذه الفترة.. كما وجد الروائي العربي نفسه يجمع بين الفنان والروائي والمؤرخ، فلن يستطيع أداء مهمته دون تصوير تفاصيل تناقضات شخصياته، وإماطة اللثام عن الجروح الغائرة فى الجسد العربي.
هكذا يقصد المؤلف نوعا من الكتابة يرتبط ببدايات الألفية الثالثة ويمتد لحوالى عقد ونصف. وقد وصفها بالمعاصرة وليس الجديدة أو الحديثة أو الحداثية لأن مثل تلك التصنيفات تنطوى على نوع من اطلاق الاحكام، وهو لا يريد ذلك، فاختار مصطلح " المعاصرة" باعتباره مفهوما محايدا يرتبط بالزمن ليس غير، كما اختار مفهوم مسار وليس اتجاه أو تيار لأن هذين المفهومين يتطلبان شروطا منها التراكم الكمى وتوافر خصائص معينه تميز بين اتجاه و آخر، والرواية المعاصرة لم تسجن نفسها فى نمط واحد وانما حاول بعض كتابها الافادة من أدب الرحلة كشكل تراثى، وبعضهم خاض غمار رواية الخيال العلمى، ومنهم من عاد للتاريخ، كما تنوعت التيمات بين مقاربة موضوعات كالنضال الوطنى والصراع مع السلطة ورواية السجن ، ومنهم من قارب موضوعات مستحدثة كالتطرف الدينى إضافة الى قضايا المرأة والجنس، وقد حاول الكتاب تلمس المسارات مطلا على القضايا التى عالجتها دون التوغل فى التنظير، مواصلا ما بدأه في كتابيه " تحليل الخطاب السردي والمسرحي" و " أزمة الجنس في الرواية العربية بنون النسوة".
الرواية النسائية وحرب الخليج
اهتم الكتاب برصد التفاعلات بين الرواية العربيّة المعاصرة في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية والمجتمع الذي أنتجها, تلك الحرب التي زلزلت الأرض تحت أقدام الإنسان العربي, ورمت بالرواية في بركة واقع آسن, فتفرقت بها السبل وتعددت المسارات، ويلحظ الكاتب أن الأعمال الروائية التي تفاعلت مع هذا الحدث غطت معظم الأقطار العربية وخلقت تراكما كميا يستحق أن يتناوله الكاتب في كتاب مستقل، ولأن ذلك ليس الهدف من الكتاب الذي نحن بصدده، فقد اكتفى الناقد بتسجيل الملاحظة منطلقا منها في أول فصول كتابه كحدث مؤطر للمرحلة قاصرا اهتمامه على عشر روايات ينتمي أصحابها إلى الدول الأكثر تأثرا بالحدث وهي: العراق، الكويت، السعودية.
ونظرا لأن الكويتيين كانوا الأكثر معاناة ، والنساء الأكثر رهافة فقد حاول في دراسته إبراز رصد الكاتبة الكويتية لتفاعلات الحرب، ومنهن ميس خالد العثمان، وهي إن كانت قد أشارت للقضية في معظم مؤلفاتها فإنها جعلت تيمة (العراق/ الكويت) الموضع الأساس لروايتين: "عقيدة رقص" وتدور أحداثها في عراق ما بعد حرب الخليج الأولى حيث البطلة تعاني من الاضطهاد ومن كثرة الحروب في بلادها ، فلم تجد من مخرج سوى الهرب جنوبا نحو الكويت، والثانية "ثؤلول" وتدور أحداثها في الكويت حيث تعاني طفلة من الاغتصاب الذي تعرضت له من طرف جنود الغزو العراقي للكويت، فلم تقدم رواية تسجيلية أو تاريخية، وإنما خلعت على المأساة بعدا فنيا جماليا، من خلال بطلة أصابتها شظايا الأزمة فسقطت من ضمن الضحايا، لتجد نفسها مع عمق أزمتها ضحية عصية على التصنيف.. يقول الكاتب "وما ثؤلول إلا نموذج للرواية بنون النسوة في الكويت التي حاولت رصد بعد تجليات أزمة الغزو العراقي للكويت، وما ترتب عنه من مآسي مست الأفراد، الأسر، الدول مما جعلها تتربع على عرش أكبر أزمة عرفها العالم المعاصر".
الخيال العلمي
على الرغم من حداثة الخيال العلمي، فقد تمكن من خلق تراكم كمي كبير، واستطاع أن يفرض نفسه على النماذج الأدبية، بعدما أصبح له، من جهة، كتاب كبار في أوربا وأمريكا والاتحاد السوفيتي (سابقاً) واليابان، ومن جهة أخرى جمهور متعطش في كل بقاع العالم للمغامرة، بعد أن استفاد من الثورة الرقمية، والتطور العلمي، التكنولوجي والسينمائي، لكن "كتاب هذا النوع الأدبي لا زالوا على رؤوس الأصابع عربيا ، بل من القراء العرب من يعتقد بأنه لا وجود لمثل هذه الكتابات عندنا وأن كتابة الخيال العلمي صناعة غربية لم يستوردها العرب بعد"، ويتوقف الكتاب عند رواية "الذين كانوا" لنبيل فاروق مبينا خصائص الخيال العلمي فيها، وهي رواية تحكي عن عوالم غريبة، وأبطال لهم قدرات خارقة، وأحداث تدور في أكوان وأبعاد مكانية تتيح للبطل إمكانية السفر بينها في نص يجمع بين الثقافة العلمية (جهاز مفاهيمي، علاقات علمية، تفاعل) والثقافة الأدبية الجامعة بين اللغة والخيال.
الواقعية الغرائبية
يربط عنوان هذا الفصل بين شيئين متناقضين هما " الواقعية" و "الغرائبية" يناقش في إطار الربط روايتي " فرانكشتاين في بغداد" للعراقي أحمد سعداوي، و"ضريح أبي" للمصري طارق إمام، حيث يرصد للغرائبية تجليات كثيرة في الروايتين رغم معالجتهما لقضايا واقعية، تتمثل في ما يعيشه العالم العربي من تشظ، واقتتال يعسر فيه معرفة من يقتل من، واقع قد لا نخرج منه إلا بخلق شخصية غرائبية نحن مقتنعون أنها لن تزيد واقعنا إلا اقتتالا.
وبحسب الكتاب "فالغرائبية لم تكن في الروايتين بل في الواقع، والروايتان جاءتا كتصوير حرفي لهذا الواقع الذي نعيشه ،والذي إذا أحوج ما يكون لنبي جديد يغسل الدين والسياسة والأخلاق ، ويحمي الإنسان العربي من طموحه الجامح في الانتقام من الذات ، أنساه أن هناك ربا يدبر . ووحد كل المتناقضات في منظاره فلم يعد يميز الحلم واليقظة، بين الغيبي والحقيقي الواقعي، مابين الموت والحياة، فانعكس ذلك على الإبداع فكانت هذه العوالم الروائية تبعث على الخروج من أسر التقنيات التقليدية، وتفتح نوعا آخر من الجماليات المجاوزة، تدفع بالتجديد إلى أقصى حدوده ، وبالإبداع إلى أبعد نهاياته، رافضة النمطية عسى التمرد على المعتاد يكسر طقوس رتابة الواقع الفكري والثقافي".
خدمة ( وكالة الصحافة العربية )
نحن العرب اعتدنا اعتماد الأزمات مؤشرا فى التحقيب والتأريخ لأدبنا، فالأزمات والنكبات عندنا تكون دائما فاصلة بين مرحلتين مثل سقوط بغداد، الإستعمار، نكبة فلسطين، نكسة 1967، وسيرا على تلك العادة يصطلح الأكاديمي الكبير الداديسى على تسمية الروايات العربية الصادرة بعد حرب الخليج والسقوط الثاني لبغداد في 2003، بالروايات المعاصرة.
وفي كتابه "مسارات الرواية العربية" ( مؤسسة الرحاب بيروت ) يلحظ الناقد أن روايات تلك المرحلة اتخذت أشكالا فيها من التعقيد والخصوصية ما يساير واقعا معقدا يعيش أزمة قيم، بعدما سادت قيم الفردانية والنفعية ، وأضحى لكل روائي قضاياه ولكل قطر عربى قضاياه فكان طبيعيا أن تنكمش القضايا القومية، وهذا ما يفسر التحول الذى طرأ على اختيار أبطال الرواية العربية المعاصرة، فالروائي استعاض بالأنا عن البطل الوطني الذى ساد في روايات حقبتي الخمسينيات والستينيات، فالبطل حاليا يمثل حواف المجتمع (الموظف والمقهور)، فالروائي المعاصر بغوصه فى الذات تحول الى ما يشبه الباحث الأنثروبولوجى، وانفتح على مختلف الأشكال التعبيرية محطما الحدود بين الأجناس الأدبية، ناهلا من الأساطير والرموز الإنسانية، لذلك تميزت بعض نماذج الرواية المعاصرة بعمق الرؤية وطرح الأسئلة الكبرى بلغة شاعرية، منفتحين على السينما والتشكيل والفلسفة والتاريخ والسياسة، فغدت الرواية قاطرة الكتابة الابداعية العربية إذ أصبحت أكثر أشكال التعبير قدرة على تصوير تشظي الذات والمجتمع العربيين في هذه الفترة.. كما وجد الروائي العربي نفسه يجمع بين الفنان والروائي والمؤرخ، فلن يستطيع أداء مهمته دون تصوير تفاصيل تناقضات شخصياته، وإماطة اللثام عن الجروح الغائرة فى الجسد العربي.
هكذا يقصد المؤلف نوعا من الكتابة يرتبط ببدايات الألفية الثالثة ويمتد لحوالى عقد ونصف. وقد وصفها بالمعاصرة وليس الجديدة أو الحديثة أو الحداثية لأن مثل تلك التصنيفات تنطوى على نوع من اطلاق الاحكام، وهو لا يريد ذلك، فاختار مصطلح " المعاصرة" باعتباره مفهوما محايدا يرتبط بالزمن ليس غير، كما اختار مفهوم مسار وليس اتجاه أو تيار لأن هذين المفهومين يتطلبان شروطا منها التراكم الكمى وتوافر خصائص معينه تميز بين اتجاه و آخر، والرواية المعاصرة لم تسجن نفسها فى نمط واحد وانما حاول بعض كتابها الافادة من أدب الرحلة كشكل تراثى، وبعضهم خاض غمار رواية الخيال العلمى، ومنهم من عاد للتاريخ، كما تنوعت التيمات بين مقاربة موضوعات كالنضال الوطنى والصراع مع السلطة ورواية السجن ، ومنهم من قارب موضوعات مستحدثة كالتطرف الدينى إضافة الى قضايا المرأة والجنس، وقد حاول الكتاب تلمس المسارات مطلا على القضايا التى عالجتها دون التوغل فى التنظير، مواصلا ما بدأه في كتابيه " تحليل الخطاب السردي والمسرحي" و " أزمة الجنس في الرواية العربية بنون النسوة".
الرواية النسائية وحرب الخليج
اهتم الكتاب برصد التفاعلات بين الرواية العربيّة المعاصرة في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية والمجتمع الذي أنتجها, تلك الحرب التي زلزلت الأرض تحت أقدام الإنسان العربي, ورمت بالرواية في بركة واقع آسن, فتفرقت بها السبل وتعددت المسارات، ويلحظ الكاتب أن الأعمال الروائية التي تفاعلت مع هذا الحدث غطت معظم الأقطار العربية وخلقت تراكما كميا يستحق أن يتناوله الكاتب في كتاب مستقل، ولأن ذلك ليس الهدف من الكتاب الذي نحن بصدده، فقد اكتفى الناقد بتسجيل الملاحظة منطلقا منها في أول فصول كتابه كحدث مؤطر للمرحلة قاصرا اهتمامه على عشر روايات ينتمي أصحابها إلى الدول الأكثر تأثرا بالحدث وهي: العراق، الكويت، السعودية.
ونظرا لأن الكويتيين كانوا الأكثر معاناة ، والنساء الأكثر رهافة فقد حاول في دراسته إبراز رصد الكاتبة الكويتية لتفاعلات الحرب، ومنهن ميس خالد العثمان، وهي إن كانت قد أشارت للقضية في معظم مؤلفاتها فإنها جعلت تيمة (العراق/ الكويت) الموضع الأساس لروايتين: "عقيدة رقص" وتدور أحداثها في عراق ما بعد حرب الخليج الأولى حيث البطلة تعاني من الاضطهاد ومن كثرة الحروب في بلادها ، فلم تجد من مخرج سوى الهرب جنوبا نحو الكويت، والثانية "ثؤلول" وتدور أحداثها في الكويت حيث تعاني طفلة من الاغتصاب الذي تعرضت له من طرف جنود الغزو العراقي للكويت، فلم تقدم رواية تسجيلية أو تاريخية، وإنما خلعت على المأساة بعدا فنيا جماليا، من خلال بطلة أصابتها شظايا الأزمة فسقطت من ضمن الضحايا، لتجد نفسها مع عمق أزمتها ضحية عصية على التصنيف.. يقول الكاتب "وما ثؤلول إلا نموذج للرواية بنون النسوة في الكويت التي حاولت رصد بعد تجليات أزمة الغزو العراقي للكويت، وما ترتب عنه من مآسي مست الأفراد، الأسر، الدول مما جعلها تتربع على عرش أكبر أزمة عرفها العالم المعاصر".
الخيال العلمي
على الرغم من حداثة الخيال العلمي، فقد تمكن من خلق تراكم كمي كبير، واستطاع أن يفرض نفسه على النماذج الأدبية، بعدما أصبح له، من جهة، كتاب كبار في أوربا وأمريكا والاتحاد السوفيتي (سابقاً) واليابان، ومن جهة أخرى جمهور متعطش في كل بقاع العالم للمغامرة، بعد أن استفاد من الثورة الرقمية، والتطور العلمي، التكنولوجي والسينمائي، لكن "كتاب هذا النوع الأدبي لا زالوا على رؤوس الأصابع عربيا ، بل من القراء العرب من يعتقد بأنه لا وجود لمثل هذه الكتابات عندنا وأن كتابة الخيال العلمي صناعة غربية لم يستوردها العرب بعد"، ويتوقف الكتاب عند رواية "الذين كانوا" لنبيل فاروق مبينا خصائص الخيال العلمي فيها، وهي رواية تحكي عن عوالم غريبة، وأبطال لهم قدرات خارقة، وأحداث تدور في أكوان وأبعاد مكانية تتيح للبطل إمكانية السفر بينها في نص يجمع بين الثقافة العلمية (جهاز مفاهيمي، علاقات علمية، تفاعل) والثقافة الأدبية الجامعة بين اللغة والخيال.
الواقعية الغرائبية
يربط عنوان هذا الفصل بين شيئين متناقضين هما " الواقعية" و "الغرائبية" يناقش في إطار الربط روايتي " فرانكشتاين في بغداد" للعراقي أحمد سعداوي، و"ضريح أبي" للمصري طارق إمام، حيث يرصد للغرائبية تجليات كثيرة في الروايتين رغم معالجتهما لقضايا واقعية، تتمثل في ما يعيشه العالم العربي من تشظ، واقتتال يعسر فيه معرفة من يقتل من، واقع قد لا نخرج منه إلا بخلق شخصية غرائبية نحن مقتنعون أنها لن تزيد واقعنا إلا اقتتالا.
وبحسب الكتاب "فالغرائبية لم تكن في الروايتين بل في الواقع، والروايتان جاءتا كتصوير حرفي لهذا الواقع الذي نعيشه ،والذي إذا أحوج ما يكون لنبي جديد يغسل الدين والسياسة والأخلاق ، ويحمي الإنسان العربي من طموحه الجامح في الانتقام من الذات ، أنساه أن هناك ربا يدبر . ووحد كل المتناقضات في منظاره فلم يعد يميز الحلم واليقظة، بين الغيبي والحقيقي الواقعي، مابين الموت والحياة، فانعكس ذلك على الإبداع فكانت هذه العوالم الروائية تبعث على الخروج من أسر التقنيات التقليدية، وتفتح نوعا آخر من الجماليات المجاوزة، تدفع بالتجديد إلى أقصى حدوده ، وبالإبداع إلى أبعد نهاياته، رافضة النمطية عسى التمرد على المعتاد يكسر طقوس رتابة الواقع الفكري والثقافي".
خدمة ( وكالة الصحافة العربية )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.