روسيا توافق على ضمانات أمنية لأوكرانيا وتطالب بالحصول على مثلها    انقسام داخل إسرائيل حول جدوى "الصفقة الجزئية"    أسعار الفراخ اليوم الإثنين 18-8-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    مطاردة الواحات المميتة.. الداخلية والإعلام يضعان الجناة في قبضة العدالة    وصول القطار الخامس للأشقاء السودانيين إلى محطة السد العالى بأسوان..صور وفيديو    ليلة فى حب ياسين التهامى.. الجمهور يتفاعل مع الشعر الصوفى وقصائد المديح النبوى والابتهالات في الدورة 33 لمهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. والموسيقار عمرو سليم يعزف أجمل موسيقى أغنيات نجوم الزمن الجميل.. صور    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    متحدث الصحة عن خطف الأطفال وسرقة أعضائهم: "مجرد أساطير بلا أساس علمي"    الرئيس اللبناني: واشنطن طرحت تعاونًا اقتصاديًا بين لبنان وسوريا    أمير هشام: غضب في الزمالك بعد التعادل أمام المقاولون    موعد فتح باب التقديم لوظائف وزارة الإسكان 2025    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    «تحالف الراغبين»: مستعدون لإرسال قوات ردع إلى أوكرانيا بعد وقف القتال    بين السَّماء والأرض.. زائر ليلي يُروّع أهل تبسة الجزائرية على التوالي بين 2024 و2025    الأمم المتحدة: نصف مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال لقائه نظيره الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    أمير هشام: الأهلي سيقوم بتحويل قيمة جلب حكام اجانب إلى الجبلاية    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    أتلتيكو مدريد يسقط أمام إسبانيول بثنائية في الدوري الإسباني    بحضور وزير قطاع الأعمال.. تخرج دفعة جديدة ب «الدراسات العليا في الإدارة»    البنك المصري الخليجي يتصدر المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة بداية الأسبوع    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    مصرع سيدة في حادث سير على الطريق الدولي بالشيخ زويد    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    السكك الحديدية تعلن تشغيل 49 رحلة يوميا على هذا الخط    سامح حسين يعلن وفاة الطفل حمزة ابن شقيقه عن عمر يناهز ال 4 سنوات    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    "بفستان جريء".. نادين الراسي تخطف الأنظار من أحدث جلسة تصوير    إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة (تفاصيل)    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    انطلاق المؤتمر الدولي السادس ل«تكنولوجيا الأغشية وتطبيقاتها» بالغردقة    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    طارق مجدي حكما للإسماعيلي والاتحاد وبسيوني للمصري وبيراميدز    الخارجية الأمريكية: لن نتعاون مع أى جماعات لها صلات أو تعاطف مع حماس    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    «الصيف يُلملم أوراقه».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض جوى قادم    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    انطلاق دورة تدريبية لمديري المدارس بالإسماعيلية    4 أبراج «مرهقون في التعامل»: صارمون ينتظرون من الآخرين مقابل ويبحثون عن الكمال    حماية المستهلك: نلمس استجابة سريعة من معظم التجار تجاه مبادرة خفض الأسعار    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    وائل القباني عن انتقاده ل الزمالك: «ماليش أغراض شخصية»    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    4 ملايين خدمة صحية مجانية لأهالى الإسكندرية ضمن حملة 100 يوم صحة    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتبة البريطانية بيشنسموبرلي جابت المشرق ودوّنت خواطرها
نشر في صوت البلد يوم 31 - 01 - 2018

"خواطر امرأة غربية في المشرق" (جرّوس برس ناشرون) للكاتبة بيشنسموبرلي، الذي قام بترجمته مروان سعد الدين عبارة عن خواطر امرأة أمضت جزءاً كبيراً من حياتها مع زوجها في المشرق كما يقول العنوان بدقة متناهية. نحن إذاً أمام تدوينات أدبية لمذكرات امرأة غربية في المشرق.
الديبلوماسي البريطاني جون موبرلي وطبيبة الأطفال خريجة جامعة «سان جورج» في لندن بدآ معاً عام 1959 تجوالاً في مشرقنا من قطر، في الخليج العربي الذي كان يشهد بدايات اكتشاف النفط، مروراً بلبنان، الأردن، العراق، بلتستان (في باكستان) ثم فلسطين. كانت للكاتبة ذكريات في كل محطة دونتها في هذا الكتاب.
بعد أيامٍ على خطوبتها أبلغها جون أنه عُيِّن ديبلوماسياً بمنصب وكيل سياسي في قطر. كانت حينها لا تعرف حتى اسم الدولة. ومن هنا بدأت الحكاية. فانطلاقاً من كونها زوجة ديبلوماسي بريطاني رفيع المستوى في قطر، خصوصاً أنّها– أي قطر– لم تكن مستقرّة سياسياً في تلك المرحلة، وأبرمت بريطانيا معها معاهدة لحمايتها والإشراف على سياستها الخارجية، تسنت لها فرصة رؤية ما يجري من وراء الكواليس. وتالياً استطاعت أن تدوّن تلك المشاهدات التي تتأرجح بين المذكرات والخواطر.
في تلك الفترة، وُجِدت جالية كبيرة من عمال الخدمة الهنود، والمهنيين وعمال النفط العرب في الوقت الذي شغل فيه البريطانيون المراكز القيادية. وكان جون، الوكيل السياسي حينها، والمندوب السامي في البحرين لهما وحدهما الحق في إصدار القرارات والبتّ في كل الأمور، بالتالي فإن الكاتبة تعكس في ما تقول أجواء صناعة القرار وقتذاك.
ولعل أبرز ما لفت السيدة موبرلي هو طبيعة علاقات النساء بأزواجهن، فالرجل، على رغم كونه الآمر الناهي، بيد أن النساء الأربع، اللواتي يجيزهن له الشرع، لعبن دوراً بارزاً في التأثير في القرارات التي قد يتّخذها الزوج. فالمرأة الأولى يجب أن تكون حُكماً هي ابنة العم، وتبقى الزوجة الثانية هي المفضّلة لأن الزوج عاش معها قصة حب قبل الارتباط، ناهيك عن الثالثة والرابعة إن وُجِدن. وعادة ما تكون الرابعة صغيرة السن ويستطيع التخلي عنها متى شاء وإعادتها إلى أبويها مع جواهر وأموال تمكّنها من الزواج من جديد، أما حضانة الأولاد فتُمنَح للأب. هذا وتتوقف بيشنس عند بيع الرقيق والعبودية السائدَين وقتذاك، واللذين ألغيا قبل عشرة أيام على وصولها وجون.
كانت من بين المهام التي أسنِدت إلى جون ترسيم الحدود مع أبو ظبي، وهذا ما جعله واحداً من أكثر الرجال نفوذاً في الدوحة. أما في لبنان فشغل جون منصباً مختلفاً حيث تولّى إدارة مدرسة مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية MECAS، وهي مدرسة اللغة العربية للأجانب التي تخرّج منها في صغره. وراحت تُعرَف بمدرسة الجواسيس وقتذاك.
تتوقف الكاتبة مليّاً في هذا الفصل عند جمال الطبيعة في لبنان سفحاً وجبلاً وبحراً، فهي تقول عن بيروت إنها عاصمة مثيرة للاهتمام في الشرق الأوسط (ص38). ثم تنتقل بيشنس للحديث عن مجريات الوضع في لبنان آنذاك. إذ كانت القرى المحيطة بشملان، حيث يقع مقر المدرسة، من طوائف مختلفة تتربّص بعضها ببعض شرّاً. وفي ذلك الوقت عُثِر على زوجين بريطانيين قتيلين في حديقة منزلهما، ويُقال إن الإسرائيليين كانوا وراء تلك الحادثة المروعة سعياً منهم إلى تأجيج نيران الوضع.
ولعل مشاهدات بيشنس في لبنان جاءت غير دقيقة أحياناً لأنها لم تكن في موقع زوجة الديبلوماسي، بالتالي كانت تستند إلى ما تراه أو يترامى إلى مسامعها. أما في الأردن فتولى جون منصب سفير، وقد نُقِل إليه إثر اندلاع الحرب الأهلية في لبنان. تتوقّف بيشنس عند المجتمع الأردني وعاداته وطبيعة علاقته بالأجانب. فهم حذرون جدّاً في التعامل معهم، بالتالي لم تكن زيجات البريطانيات من رجال أردنيين ناجحة واستمرت نظراً لإصرارهن على ذلك وحسب.
ومن الأحداث التي طُبِعت في ذاكرتها أن الملك حسين وقتها تعرَّض لمحاولة اغتيال ولم يثأر ممن كانوا وراءها، لا بل عيّنهم في مناصب رفيعة. ونتيجة ذلك، أصبحوا من أكثر المخلصين له.
ولعل أبرز ما لفت السيدة موبرلي في الأردن هو وجود ذاك الكمّ الهائل من الآثار المتوغّلة في التاريخ والتي تشكّل معالم حضارية مهمة حتى يومنا هذا.
أما في العراق فكان لوجود صدام حسين في سدّة الرئاسة، والسياسة الصارمة التي اتّبعها، تأثير كبير على طبيعة الحياة، بحيث بات يُنظَر إلى كل أجنبي على أنه جاسوس، وكل من يتعامل معه من السكان المحليين يُعتبَر خائناً. وغالباً ما كان خدامهم والعاملون لديهم جواسيس عليهم. «بدا أن رجلاً بريطانياً واحداً نعرفه يقيم علاقة ودية مع محافظ بغداد، ويستطيع زيارته ورؤيته بنحو غير رسمي في المساء في منزله متى شاء. لكن القصة انتهت بحبس البريطاني في سجن أبو غريب ثماني سنوات وشنق المحافظ ونائبه (امرأة)» (ص75).
وقد كان المجتمع العراقي وقتذاك، كما هو معلوم، يعاني من ظلم صدام، إلا أنّ الكاتبة تتوقف عند ملاحظة تراها مهمة وهي إنصافه للمرأة وإعطاؤها حقوقها في شكل شبه تام.
هذا وتحدثت السيدة موبرلي عن غنى العراق بالآثار، فالمتحف العراقي هو أحد أهم المتاحف عالمياً. ولعل أبرز المآسي التي ألمت بالعراق خلال غزوه هي سماح الأميركيين بسرقة آثاره التي لا تُقدَّر بثمن، دائماً بحسب بيشنس.
ولكن على رغم تعاطف الكاتبة الكبير مع هذه الشعوب ومع أحقية القضية الفلسطينية كما سنرى لاحقاً، إلا أنها تتحدّث أحياناً بلغة المستعمر، إذ قالت على لسان أحد البنغلادشيين: «مشكلة بلادنا أن البريطانيين لم يستعمروها» (ص78).
وبصحبة أصدقائهم كانت لهم وقفة سريعة في بلتستان (باكستان)، فقد ذهبوا إلى هناك لزيارة ابنهم الذي عمل فيها. وألقت الكاتبة الضوء في هذا الفصل على الفقر المدقع الذي تعاني منه غالبية السكان. ولا تُعتبَر رحلتهم بالمهمة السهلة حيث مشوا في طرق وعرة أثناء تجوالهم وتعرضوا لانزلاقات أرضية خطيرة.
أمّا الفصل المتعلِّق بفلسطين، فيبدو الأكثر أهمية في هذا الكتاب. حيث يلقي الضوء على معاناة هذا الشعب الذي سُلِب أرضه، وعلى ظلم ووحشية الإسرائيليين اللذين لم يسبق لهما مثيل في التاريخ. وكان الشعب الفلسطيني يعي تماماً أن البريطانيين هم من تسببوا بذلك. «كنا نذهب ونزور مدارس يضع معلّمون فيها خرائط لفلسطين تظهر ما قد حدث للبلاد، ويعبّرون بحدّة عن معاداتهم للبريطانيين بسبب السويس والغزو الإسرائيلي لفلسطين الذي شعروا أن وعد بلفور مسؤول عنه» (ص101). وعلى رغم ذلك تتحلّى غالبية الشعب الفلسطيني بالطيبة ولا يسيئون معاملة البريطانيين عامة. «كان ذلك تعاطفاً رائعاً من النوع الذي يغمرك الفلسطينيون به حين لا تتوقعه إطلاقاً» (ص102).
ولا مجال لذكر كل الحوادث المرّوعة التي يتعرض لها الفلسطينيون على أيدي الإسرائيليين والتي تناولتها السيدة موبرلي في هذا الكتاب. ربما أبرزها أن 55 امرأة على الأقل أرغمن على إنجاب أطفالهن وهن منتظرات على أحد المعابر. وقد توفي من الولادات 23 طفلاً كحدٍّ أدنى، وآخرون كانوا بحالة صحية خطرة فلاقوا مصرعهم أيضاً نتيجة تأخيرهم في العبور إلى المستشفى.
تتوقف الكاتبة عند الجدار العنصري الفاصل مليّاً. ولا غرابة في كلّ هذا التضامن مع أحقية القضية الفلسطينية، فقد ذُكِر في توطئة الكتاب أن جون وبيشنسموبرلي مسؤولان عن «إنشاء أول وحدة عناية مركزة في غزة وتدريب فريقها، وهما عضوان مؤسسان للمعونة الطبية للفلسطينيين، المعروفة اختصاراً ب MAP، وأي عائدات من هذا الكتاب ستذهب إلى تلك المؤسسة الخيرية».
هذا ويبدو جليّاً أن الهدف من كتابة هذا المؤلَّف معنوي وإنساني أكثر منه أدبي. إذ يعاني من التفكك في الأسلوب وغياب عناصر التشويق والترجمة الحرفية ليغدو عبارة عن خواطر وتدوينات وحسب.
"خواطر امرأة غربية في المشرق" (جرّوس برس ناشرون) للكاتبة بيشنسموبرلي، الذي قام بترجمته مروان سعد الدين عبارة عن خواطر امرأة أمضت جزءاً كبيراً من حياتها مع زوجها في المشرق كما يقول العنوان بدقة متناهية. نحن إذاً أمام تدوينات أدبية لمذكرات امرأة غربية في المشرق.
الديبلوماسي البريطاني جون موبرلي وطبيبة الأطفال خريجة جامعة «سان جورج» في لندن بدآ معاً عام 1959 تجوالاً في مشرقنا من قطر، في الخليج العربي الذي كان يشهد بدايات اكتشاف النفط، مروراً بلبنان، الأردن، العراق، بلتستان (في باكستان) ثم فلسطين. كانت للكاتبة ذكريات في كل محطة دونتها في هذا الكتاب.
بعد أيامٍ على خطوبتها أبلغها جون أنه عُيِّن ديبلوماسياً بمنصب وكيل سياسي في قطر. كانت حينها لا تعرف حتى اسم الدولة. ومن هنا بدأت الحكاية. فانطلاقاً من كونها زوجة ديبلوماسي بريطاني رفيع المستوى في قطر، خصوصاً أنّها– أي قطر– لم تكن مستقرّة سياسياً في تلك المرحلة، وأبرمت بريطانيا معها معاهدة لحمايتها والإشراف على سياستها الخارجية، تسنت لها فرصة رؤية ما يجري من وراء الكواليس. وتالياً استطاعت أن تدوّن تلك المشاهدات التي تتأرجح بين المذكرات والخواطر.
في تلك الفترة، وُجِدت جالية كبيرة من عمال الخدمة الهنود، والمهنيين وعمال النفط العرب في الوقت الذي شغل فيه البريطانيون المراكز القيادية. وكان جون، الوكيل السياسي حينها، والمندوب السامي في البحرين لهما وحدهما الحق في إصدار القرارات والبتّ في كل الأمور، بالتالي فإن الكاتبة تعكس في ما تقول أجواء صناعة القرار وقتذاك.
ولعل أبرز ما لفت السيدة موبرلي هو طبيعة علاقات النساء بأزواجهن، فالرجل، على رغم كونه الآمر الناهي، بيد أن النساء الأربع، اللواتي يجيزهن له الشرع، لعبن دوراً بارزاً في التأثير في القرارات التي قد يتّخذها الزوج. فالمرأة الأولى يجب أن تكون حُكماً هي ابنة العم، وتبقى الزوجة الثانية هي المفضّلة لأن الزوج عاش معها قصة حب قبل الارتباط، ناهيك عن الثالثة والرابعة إن وُجِدن. وعادة ما تكون الرابعة صغيرة السن ويستطيع التخلي عنها متى شاء وإعادتها إلى أبويها مع جواهر وأموال تمكّنها من الزواج من جديد، أما حضانة الأولاد فتُمنَح للأب. هذا وتتوقف بيشنس عند بيع الرقيق والعبودية السائدَين وقتذاك، واللذين ألغيا قبل عشرة أيام على وصولها وجون.
كانت من بين المهام التي أسنِدت إلى جون ترسيم الحدود مع أبو ظبي، وهذا ما جعله واحداً من أكثر الرجال نفوذاً في الدوحة. أما في لبنان فشغل جون منصباً مختلفاً حيث تولّى إدارة مدرسة مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية MECAS، وهي مدرسة اللغة العربية للأجانب التي تخرّج منها في صغره. وراحت تُعرَف بمدرسة الجواسيس وقتذاك.
تتوقف الكاتبة مليّاً في هذا الفصل عند جمال الطبيعة في لبنان سفحاً وجبلاً وبحراً، فهي تقول عن بيروت إنها عاصمة مثيرة للاهتمام في الشرق الأوسط (ص38). ثم تنتقل بيشنس للحديث عن مجريات الوضع في لبنان آنذاك. إذ كانت القرى المحيطة بشملان، حيث يقع مقر المدرسة، من طوائف مختلفة تتربّص بعضها ببعض شرّاً. وفي ذلك الوقت عُثِر على زوجين بريطانيين قتيلين في حديقة منزلهما، ويُقال إن الإسرائيليين كانوا وراء تلك الحادثة المروعة سعياً منهم إلى تأجيج نيران الوضع.
ولعل مشاهدات بيشنس في لبنان جاءت غير دقيقة أحياناً لأنها لم تكن في موقع زوجة الديبلوماسي، بالتالي كانت تستند إلى ما تراه أو يترامى إلى مسامعها. أما في الأردن فتولى جون منصب سفير، وقد نُقِل إليه إثر اندلاع الحرب الأهلية في لبنان. تتوقّف بيشنس عند المجتمع الأردني وعاداته وطبيعة علاقته بالأجانب. فهم حذرون جدّاً في التعامل معهم، بالتالي لم تكن زيجات البريطانيات من رجال أردنيين ناجحة واستمرت نظراً لإصرارهن على ذلك وحسب.
ومن الأحداث التي طُبِعت في ذاكرتها أن الملك حسين وقتها تعرَّض لمحاولة اغتيال ولم يثأر ممن كانوا وراءها، لا بل عيّنهم في مناصب رفيعة. ونتيجة ذلك، أصبحوا من أكثر المخلصين له.
ولعل أبرز ما لفت السيدة موبرلي في الأردن هو وجود ذاك الكمّ الهائل من الآثار المتوغّلة في التاريخ والتي تشكّل معالم حضارية مهمة حتى يومنا هذا.
أما في العراق فكان لوجود صدام حسين في سدّة الرئاسة، والسياسة الصارمة التي اتّبعها، تأثير كبير على طبيعة الحياة، بحيث بات يُنظَر إلى كل أجنبي على أنه جاسوس، وكل من يتعامل معه من السكان المحليين يُعتبَر خائناً. وغالباً ما كان خدامهم والعاملون لديهم جواسيس عليهم. «بدا أن رجلاً بريطانياً واحداً نعرفه يقيم علاقة ودية مع محافظ بغداد، ويستطيع زيارته ورؤيته بنحو غير رسمي في المساء في منزله متى شاء. لكن القصة انتهت بحبس البريطاني في سجن أبو غريب ثماني سنوات وشنق المحافظ ونائبه (امرأة)» (ص75).
وقد كان المجتمع العراقي وقتذاك، كما هو معلوم، يعاني من ظلم صدام، إلا أنّ الكاتبة تتوقف عند ملاحظة تراها مهمة وهي إنصافه للمرأة وإعطاؤها حقوقها في شكل شبه تام.
هذا وتحدثت السيدة موبرلي عن غنى العراق بالآثار، فالمتحف العراقي هو أحد أهم المتاحف عالمياً. ولعل أبرز المآسي التي ألمت بالعراق خلال غزوه هي سماح الأميركيين بسرقة آثاره التي لا تُقدَّر بثمن، دائماً بحسب بيشنس.
ولكن على رغم تعاطف الكاتبة الكبير مع هذه الشعوب ومع أحقية القضية الفلسطينية كما سنرى لاحقاً، إلا أنها تتحدّث أحياناً بلغة المستعمر، إذ قالت على لسان أحد البنغلادشيين: «مشكلة بلادنا أن البريطانيين لم يستعمروها» (ص78).
وبصحبة أصدقائهم كانت لهم وقفة سريعة في بلتستان (باكستان)، فقد ذهبوا إلى هناك لزيارة ابنهم الذي عمل فيها. وألقت الكاتبة الضوء في هذا الفصل على الفقر المدقع الذي تعاني منه غالبية السكان. ولا تُعتبَر رحلتهم بالمهمة السهلة حيث مشوا في طرق وعرة أثناء تجوالهم وتعرضوا لانزلاقات أرضية خطيرة.
أمّا الفصل المتعلِّق بفلسطين، فيبدو الأكثر أهمية في هذا الكتاب. حيث يلقي الضوء على معاناة هذا الشعب الذي سُلِب أرضه، وعلى ظلم ووحشية الإسرائيليين اللذين لم يسبق لهما مثيل في التاريخ. وكان الشعب الفلسطيني يعي تماماً أن البريطانيين هم من تسببوا بذلك. «كنا نذهب ونزور مدارس يضع معلّمون فيها خرائط لفلسطين تظهر ما قد حدث للبلاد، ويعبّرون بحدّة عن معاداتهم للبريطانيين بسبب السويس والغزو الإسرائيلي لفلسطين الذي شعروا أن وعد بلفور مسؤول عنه» (ص101). وعلى رغم ذلك تتحلّى غالبية الشعب الفلسطيني بالطيبة ولا يسيئون معاملة البريطانيين عامة. «كان ذلك تعاطفاً رائعاً من النوع الذي يغمرك الفلسطينيون به حين لا تتوقعه إطلاقاً» (ص102).
ولا مجال لذكر كل الحوادث المرّوعة التي يتعرض لها الفلسطينيون على أيدي الإسرائيليين والتي تناولتها السيدة موبرلي في هذا الكتاب. ربما أبرزها أن 55 امرأة على الأقل أرغمن على إنجاب أطفالهن وهن منتظرات على أحد المعابر. وقد توفي من الولادات 23 طفلاً كحدٍّ أدنى، وآخرون كانوا بحالة صحية خطرة فلاقوا مصرعهم أيضاً نتيجة تأخيرهم في العبور إلى المستشفى.
تتوقف الكاتبة عند الجدار العنصري الفاصل مليّاً. ولا غرابة في كلّ هذا التضامن مع أحقية القضية الفلسطينية، فقد ذُكِر في توطئة الكتاب أن جون وبيشنسموبرلي مسؤولان عن «إنشاء أول وحدة عناية مركزة في غزة وتدريب فريقها، وهما عضوان مؤسسان للمعونة الطبية للفلسطينيين، المعروفة اختصاراً ب MAP، وأي عائدات من هذا الكتاب ستذهب إلى تلك المؤسسة الخيرية».
هذا ويبدو جليّاً أن الهدف من كتابة هذا المؤلَّف معنوي وإنساني أكثر منه أدبي. إذ يعاني من التفكك في الأسلوب وغياب عناصر التشويق والترجمة الحرفية ليغدو عبارة عن خواطر وتدوينات وحسب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.