محافظ سوهاج يتابع انطلاق البرنامج التدريبي "المرأة تقود"    قرار جمهوري بترقية عدد من مستشاري هيئة قضايا الدولة    هام وعاجل من التعليم قبل بدء الدراسة: توجيهات للمديريات    مصر تبحث مع «تويوتا» مستجدات تطوير محطة الرورو بميناء غرب بورسعيد    نزع ملكية أراضي وعقارات لإنشاء محور دار السلام على النيل    إحالة المخالفين للتحقيق..محافظ سوهاج يوجه بسرعة صرف الأسمدة ببرديس    السيسي يؤكد حرص مصر على مواصلة التنسيق والتعاون المشترك مع البحرين    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    إسرائيل تقرر سحب تأشيرات الإقامة لممثلي أستراليا لدى السلطة الفلسطينية    إندبندنت: احتجاجات تل أبيب الأكبر والأعنف للمطالبة بوقف الحرب على غزة.. صور    تفاصيل ختام دورة تطوير مدربات ناشئات كرة القدم بالتعاون بين الاتحادين المصري والنرويجي    ضبط 7 أطنان دواجن ولحوم مجهولة المصدر بالشرقية    حبس تشكيل عصابي تقوده ربة منزل بتهمة سرقة الدراجات النارية في النزهة    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    أحمد الفيشاوي يبدأ تصوير سفاح التجمع    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    تعرف على إيرادات فيلم "أحمد وأحمد"    الصحة: إصدار 907 موافقات لعمليات زراعة أعضاء في 2025    طريقة عمل الكريب، أكلة سريعة ومناسبة لأجواء الصيف    رئيس "الجبهة الوطنية": الفرص متساوية في الترشح لانتخابات "النواب".. والشفافية تحكم الاختيار    "ما السبب؟".. رد حاسم من لجنة الحكام على طلب الأهلي بإيقاف معروف    "كان بيطفي النار".. إصابة شاب في حريق شقة سكنية بسوهاج (صور)    القومي للاتصالات يفتح باب التقديم في برنامج "سفراء الذكاء الاصطناعي"    بعثة يد الزمالك تطير إلى رومانيا لخوض معسكر الإعداد للموسم الجديد    أرباح "أموك" للزيوت المعدنية ترتفع طفيفا إلى 1.55 مليار جنيه في 6 أشهر    الفنانة مي عز الدين تخطف الأنظار فى أحدث ظهور من إجازتها الصيفية    المفتي يوضح حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود    ماذا نعرف عن طارق فايد رئيس المصرف المتحد الجديد؟    "عين شمس" ضمن أفضل 700 جامعة عالميا وفق تصنيف شنغهاي 2025    مقترح برلماني لتعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    نشأت الديهي يكشف مخططات «إخوان الخارج» لاستهداف مصر    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    «الصحة» تكشف عن 10 نصائح ذهبية للوقاية من الإجهاد الحراري    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    قوة إسرائيلية تفجر منزلا فى ميس الجبل جنوب لبنان    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    رضا عبد العال: خوان ألفينا "هينَسي" الزملكاوية زيزو    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المجلة الأدبية الجديدة» الفرنسية.. تعلن «موت الأدب»
نشر في صوت البلد يوم 04 - 01 - 2018

تغلق «المجلة الأدبية» الفرنسية المعروفة عالمياً باسم «ماغازين ليتيرير» صفحاتها بعد أكثر من نصف قرن من حضور مشرق وساحر كانت خلاله واحدة من أهم المجلات الأدبية في فرنسا والعالم. لم يتبدل اسمها تماماً في الصيغة الجديدة التي شاءتها الأسرة المالكة وبعضها من رجال الأعمال، فهي أصبحت «المجلة الأدبية الجديدة» (لو نوفو ماغازين ليتيرير) وكان ممكناً نزع الاسم الأول كله نظراً إلى الشرخ الكبير الذي أحدثه «التغيير»، هذا في هوية المجلة أو كيانها الفريد. وعبر التغيير الذي طرأ على الاسم انتقلت المجلة من كونها مجلة أدبية فرنسية وعالمية إلى مجلة فكرية سياسية، ذات نهج اشتراكي، ولكن من غير أن تتخلى عن بضع صفحات من النقد الأدبي والنصوص الإبداعية.
ليست المجلة العريقة في شؤون الأدب وقضاياه الشاملة هي التي لم تتمكن من مواجهة ما يسمى الآن في فرنسا «انقلاب اليسار»، بل هي الشركة التي تملكها وقعت في إغراء العناوين الكبيرة و «الكليشيات» التي ترين اليوم على الحياة الثقافية اليومية في فرنسا ولم ينج منها الإعلام ذاته. ولا تبدو افتتاحية رئيس التحرير الجديد رافاييل غلوكسمان (38 عاما) مقنعة جداً، مع أنها تحمل طابع البيان السياسي الذي لا يبشر كثيراً بمجلة جديدة مقدار تبشيره بفكر أو تيار فكري جديد. وبدا أحد المقالات المنشورة في العدد الأول عن الديموقراطية الاشتراكية أقرب إلى المانيفستو السياسي أو الانتخابي «المبرمج».
قراء «المجلة الادبية» الذين كانوا ينتظرونها شهراً تلو شهر، ويحتفظون بالكثير من أعدادها التي تعد مراجع في الادب والنقد وقضايا العلوم الإنسانية ومنها الفلسفة والانتروبولوجيا والسوسيولوجيا، سيجدون أنفسهم غرباء كل الغربة عن مجلتهم في صيغتها الجديدة، ولن يجدوا سوى بضع مقالات في النقد الأدبي على خلاف المجلة الأولى التي كانت ترصد حركة النشر الأدبي الفرنسي والعالمي وتقدم أهم الكتب الصادرة حديثاً في كل الحقول وبخاصة الرواية. إنها مجلة أخرى، مجلة استحالت «أخرى»، متخلية عن ماضيها الذي دام نحو إحدى وخمسين سنة (صدر العدد العدد الأول عام 1966 وحمل العدد الاخير الرقم 585- تشرين الثاني / نوفمبر 2017 ودار ملفه الرئيس حول الفيلسوف سبينوزا) و «خائنة» قراءها وكتّابها والذاكرة الادبية العظيمة. والمستهجن أن المقدمة التي كتبها رئيس التحرير الجديد لم تتطرق إلى تاريخ المجلة الاولى ولم يوجه العدد الجديد أي لفتة أو تحية إليها ولم يقف أمام ماضيها وكأنها لم توجد، ولا وجد الأثر الكبير الذي تركته في الحياة الادبية الفرنسية والفرنكوفونية والعالمية وحتى العربية.
صحافة الأفكار
هل تتمكن المجلة الجديدة أن تفرض نفسها بين المجلات الكثيرة التي تنتمي إلى ما يسمى في فرنسا اليوم «صحافة الأفكار» وبعضها شديد العرقة ومتجذر في ميدان الفكر الشامل والفكر السياسي والسوسيولوجيا؟ هل يمكنها فعلاً أن تزاحم مجلات شهرية وفصلية متفردة في نهجها وطروحاتها ورؤاها المستقبلية وتملك شرائح من القراء الأوفياء؟ هل يمكن «المجلة الأدبية الجديدة» أن تنافس مجلات مترسخة في ميدان الفكر مثل: «ديبا» و «اسبري» و «اتيود» و «كومونتير» و «لي تان مودرن» التي أسسها جان بول سارتر و «لا ريفو دو دو موند»... وحتى مجلة «فلسفة» و «لو موند ديبلوماتيك» وملحق «أفكار» الأسبوعي الصادر عن صحيفة «لوموند»، ناهيك بالصفحات الفكرية التي تفيض بها المجلات الفرنسية الأسبوعية؟
تملك المجلة إمكانات مادية وفيرة وانطلق رأسمالها الجديد من مليون يورو وصاحب الحصة الكبرى في الأسهم (ستون في المئة) كلود بريدريال صاحب خبرة راسخة في عالم الصحافة ومعه رجلا أعمال من الاقوياء في هذه الساحة. والهدف المنشود الآن هو الوصول إلى رقم طباعي يبلغ الخمسة وثلاثين ألفاً، عطفاً على فتح أبواب المجلة على الانترنت أو الأونلاين. وقد انطلق رئيس التحرير الجديد من روح التحدي الفكري الراهن الذي تعرفه فرنسا، متحدثاً عن «اليسار خارج الجدران» أو الفكر اليساري الحر والعام وغير المنضوي حزبياً أو جبهوياً، على رغم نزعته الاشتراكية وميله إلى رواد الفكر الاشتراكي. ويقول إن المجلة ستكون «غير موالية» وساحة مفتوحة أمام الأفكار والجماعة والسجالات الأيديولوجية. ويرى أن المجلة هذه تلبي رغبة الكثيرين الذين طالما شعروا بحاجة إلى تأسيس «منزل» لهم، أولئك الذين يؤمنون ب «المجتمع المفتوح» والذين يرون «أن التقدم ليس فكرة ميتة». ويقول إن القراء لديهم «طلب للمعنى وللتفسير»، والرهان إنما هو على «ذكاء القارئ الذي يرغب في أن يعامل كقارئ بالغ».
لا يخلو مثل هذا الكلام من الفوقية طبعاً، وكأنه كلام تبشيري وطوباوي، وقد ذيله غلوكسمان بجملة أقرب إلى الكليشيه: «الإجماع يعني الموت»، مؤكداً الطابع السجالي والاختلافي للمجلة واحتواءها الأصوات التقدمية المعترضة والرافضة لأحوال الانحطاط والمستجيبة لما تشهده الساحة الفرنسية من فوران سياسي وفكري. وتطبيقاً لرؤية المجلة دار ملف العدد الأول حول «الطوباويات الجديدة» وفيه مقال بعنوان «الصحوة الكبرى» للكاتب هيرفيه اوبرون وتحقيق شارك فيه رداً على سؤال: «أي عالم تحلمون به؟»: بيار دوكروزيه، فردريك بيغبيدير، دومنيك ميدا، وسلافوك جيجيك وسواهم. أما حوار العدد فأجراه غلوكمسان مع المفكر الكبير إدغار موران الذي بات نجم الصحافة الفرنسية أخيراً. ودار ملف آخر حول الفيلسوف الفرنسي «لا بويسي» الذي عاش في القرن السادس عشر وكان من أبرز مؤسسي الفلسفة السياسية في فرنسا. واستهل الملف بمقال رئيس المفكر الإشكالي ميشال انوفري.
وحفاظاً على إرثها الأدبي تنشر المجلة نصاً سردياً للروائية المغربية- الفرنسية ليلى سليماني التي فازت بجائزة غونكور العام الماضي عن رواية «أغنية هادئة» والتي عينها الرئيس الفرنسي ممثلة شخصية له في مؤسسة الفرنكوفونية العالمية. ولم تكن استعانة المجلة في عددها الأول، ببعض «النجوم» المركبة أو المفبركة ومنها ليلى سليماني التي تعد كاتبة عادية وغير متمرسة في الأدب والثقافة والتي لا تجاري أسماء فرنكوفونية كبيرة ومنها مثلاً بوعلام صنصال. أما أجمل مقال يستوقف القارئ فهو الذي حملته الصفحة الأخيرة وفيه تقرأ الكاتبة دلفين مينوي رواية جورج أورويل «1984» في ضوء المأساة التي عاشتها الموصل العراقية تحت الاحتلال الداعشي.
زمن «المجلة الأدبية»
من يقرأ «المجلة الادبية الجديدة» يأخذه الحنين للتو إلى زمن «المجلة الأدبية» و «يترحم» عليها وعلى كتابها وعلى ملفاتها العظيمة وحواراتها ومقالاتها النقدية التي كانت ترافق باب حركة النشر العالمية وكذلك الترجمات التي كانت تقدمها. كانت هذه المجلة مرجعاً مهماً للأدب العالمي وليس الفرنسي فقط، الحديث والمعاصر، وقد عمدت إلى إعادة قراءة التراث العالمي، أسماء وقضايا. واللافت أنها من المجلات الشهرية النادرة التي نجحت في الجمع بين المهنية الصحافية المتجلية في الطابع الخبري والتوثيقي وبين النقد الأدبي الرصين والعلمي. وأعدادها في معظم الأحيان كانت مراجع تحفظ مثل الكتب وأكثر.
ترى هل تبنت «المجلة الأدبية الجديدة» نظرية الناقد الفرنسي تودوروف القائلة ب «موت الأدب»، فسارعت إلى إعلان موته؟ ترى ألم يعلم القائمون على المجلة أن إعلان تودوروف لم يكن إلا مزحة سمجة من المزحات التي تحملها إلينا حيناً تلو آخر، موجة ما بعد الحداثة؟
لن يموت الأدب ولن تموت «المجلة الادبية» التي رافقتنا بل رافقناها أعواماً طويلة وكانت مجلة القراء والكتاب في فرنسا والعالم.
أسماء المجلات بالفرنسية: gazine litteraire / le debat/ esprit/ commentaire /revue de deux mondes /les temps modernes . idees le nouveau magazine litteraire/ le ma
تغلق «المجلة الأدبية» الفرنسية المعروفة عالمياً باسم «ماغازين ليتيرير» صفحاتها بعد أكثر من نصف قرن من حضور مشرق وساحر كانت خلاله واحدة من أهم المجلات الأدبية في فرنسا والعالم. لم يتبدل اسمها تماماً في الصيغة الجديدة التي شاءتها الأسرة المالكة وبعضها من رجال الأعمال، فهي أصبحت «المجلة الأدبية الجديدة» (لو نوفو ماغازين ليتيرير) وكان ممكناً نزع الاسم الأول كله نظراً إلى الشرخ الكبير الذي أحدثه «التغيير»، هذا في هوية المجلة أو كيانها الفريد. وعبر التغيير الذي طرأ على الاسم انتقلت المجلة من كونها مجلة أدبية فرنسية وعالمية إلى مجلة فكرية سياسية، ذات نهج اشتراكي، ولكن من غير أن تتخلى عن بضع صفحات من النقد الأدبي والنصوص الإبداعية.
ليست المجلة العريقة في شؤون الأدب وقضاياه الشاملة هي التي لم تتمكن من مواجهة ما يسمى الآن في فرنسا «انقلاب اليسار»، بل هي الشركة التي تملكها وقعت في إغراء العناوين الكبيرة و «الكليشيات» التي ترين اليوم على الحياة الثقافية اليومية في فرنسا ولم ينج منها الإعلام ذاته. ولا تبدو افتتاحية رئيس التحرير الجديد رافاييل غلوكسمان (38 عاما) مقنعة جداً، مع أنها تحمل طابع البيان السياسي الذي لا يبشر كثيراً بمجلة جديدة مقدار تبشيره بفكر أو تيار فكري جديد. وبدا أحد المقالات المنشورة في العدد الأول عن الديموقراطية الاشتراكية أقرب إلى المانيفستو السياسي أو الانتخابي «المبرمج».
قراء «المجلة الادبية» الذين كانوا ينتظرونها شهراً تلو شهر، ويحتفظون بالكثير من أعدادها التي تعد مراجع في الادب والنقد وقضايا العلوم الإنسانية ومنها الفلسفة والانتروبولوجيا والسوسيولوجيا، سيجدون أنفسهم غرباء كل الغربة عن مجلتهم في صيغتها الجديدة، ولن يجدوا سوى بضع مقالات في النقد الأدبي على خلاف المجلة الأولى التي كانت ترصد حركة النشر الأدبي الفرنسي والعالمي وتقدم أهم الكتب الصادرة حديثاً في كل الحقول وبخاصة الرواية. إنها مجلة أخرى، مجلة استحالت «أخرى»، متخلية عن ماضيها الذي دام نحو إحدى وخمسين سنة (صدر العدد العدد الأول عام 1966 وحمل العدد الاخير الرقم 585- تشرين الثاني / نوفمبر 2017 ودار ملفه الرئيس حول الفيلسوف سبينوزا) و «خائنة» قراءها وكتّابها والذاكرة الادبية العظيمة. والمستهجن أن المقدمة التي كتبها رئيس التحرير الجديد لم تتطرق إلى تاريخ المجلة الاولى ولم يوجه العدد الجديد أي لفتة أو تحية إليها ولم يقف أمام ماضيها وكأنها لم توجد، ولا وجد الأثر الكبير الذي تركته في الحياة الادبية الفرنسية والفرنكوفونية والعالمية وحتى العربية.
صحافة الأفكار
هل تتمكن المجلة الجديدة أن تفرض نفسها بين المجلات الكثيرة التي تنتمي إلى ما يسمى في فرنسا اليوم «صحافة الأفكار» وبعضها شديد العرقة ومتجذر في ميدان الفكر الشامل والفكر السياسي والسوسيولوجيا؟ هل يمكنها فعلاً أن تزاحم مجلات شهرية وفصلية متفردة في نهجها وطروحاتها ورؤاها المستقبلية وتملك شرائح من القراء الأوفياء؟ هل يمكن «المجلة الأدبية الجديدة» أن تنافس مجلات مترسخة في ميدان الفكر مثل: «ديبا» و «اسبري» و «اتيود» و «كومونتير» و «لي تان مودرن» التي أسسها جان بول سارتر و «لا ريفو دو دو موند»... وحتى مجلة «فلسفة» و «لو موند ديبلوماتيك» وملحق «أفكار» الأسبوعي الصادر عن صحيفة «لوموند»، ناهيك بالصفحات الفكرية التي تفيض بها المجلات الفرنسية الأسبوعية؟
تملك المجلة إمكانات مادية وفيرة وانطلق رأسمالها الجديد من مليون يورو وصاحب الحصة الكبرى في الأسهم (ستون في المئة) كلود بريدريال صاحب خبرة راسخة في عالم الصحافة ومعه رجلا أعمال من الاقوياء في هذه الساحة. والهدف المنشود الآن هو الوصول إلى رقم طباعي يبلغ الخمسة وثلاثين ألفاً، عطفاً على فتح أبواب المجلة على الانترنت أو الأونلاين. وقد انطلق رئيس التحرير الجديد من روح التحدي الفكري الراهن الذي تعرفه فرنسا، متحدثاً عن «اليسار خارج الجدران» أو الفكر اليساري الحر والعام وغير المنضوي حزبياً أو جبهوياً، على رغم نزعته الاشتراكية وميله إلى رواد الفكر الاشتراكي. ويقول إن المجلة ستكون «غير موالية» وساحة مفتوحة أمام الأفكار والجماعة والسجالات الأيديولوجية. ويرى أن المجلة هذه تلبي رغبة الكثيرين الذين طالما شعروا بحاجة إلى تأسيس «منزل» لهم، أولئك الذين يؤمنون ب «المجتمع المفتوح» والذين يرون «أن التقدم ليس فكرة ميتة». ويقول إن القراء لديهم «طلب للمعنى وللتفسير»، والرهان إنما هو على «ذكاء القارئ الذي يرغب في أن يعامل كقارئ بالغ».
لا يخلو مثل هذا الكلام من الفوقية طبعاً، وكأنه كلام تبشيري وطوباوي، وقد ذيله غلوكسمان بجملة أقرب إلى الكليشيه: «الإجماع يعني الموت»، مؤكداً الطابع السجالي والاختلافي للمجلة واحتواءها الأصوات التقدمية المعترضة والرافضة لأحوال الانحطاط والمستجيبة لما تشهده الساحة الفرنسية من فوران سياسي وفكري. وتطبيقاً لرؤية المجلة دار ملف العدد الأول حول «الطوباويات الجديدة» وفيه مقال بعنوان «الصحوة الكبرى» للكاتب هيرفيه اوبرون وتحقيق شارك فيه رداً على سؤال: «أي عالم تحلمون به؟»: بيار دوكروزيه، فردريك بيغبيدير، دومنيك ميدا، وسلافوك جيجيك وسواهم. أما حوار العدد فأجراه غلوكمسان مع المفكر الكبير إدغار موران الذي بات نجم الصحافة الفرنسية أخيراً. ودار ملف آخر حول الفيلسوف الفرنسي «لا بويسي» الذي عاش في القرن السادس عشر وكان من أبرز مؤسسي الفلسفة السياسية في فرنسا. واستهل الملف بمقال رئيس المفكر الإشكالي ميشال انوفري.
وحفاظاً على إرثها الأدبي تنشر المجلة نصاً سردياً للروائية المغربية- الفرنسية ليلى سليماني التي فازت بجائزة غونكور العام الماضي عن رواية «أغنية هادئة» والتي عينها الرئيس الفرنسي ممثلة شخصية له في مؤسسة الفرنكوفونية العالمية. ولم تكن استعانة المجلة في عددها الأول، ببعض «النجوم» المركبة أو المفبركة ومنها ليلى سليماني التي تعد كاتبة عادية وغير متمرسة في الأدب والثقافة والتي لا تجاري أسماء فرنكوفونية كبيرة ومنها مثلاً بوعلام صنصال. أما أجمل مقال يستوقف القارئ فهو الذي حملته الصفحة الأخيرة وفيه تقرأ الكاتبة دلفين مينوي رواية جورج أورويل «1984» في ضوء المأساة التي عاشتها الموصل العراقية تحت الاحتلال الداعشي.
زمن «المجلة الأدبية»
من يقرأ «المجلة الادبية الجديدة» يأخذه الحنين للتو إلى زمن «المجلة الأدبية» و «يترحم» عليها وعلى كتابها وعلى ملفاتها العظيمة وحواراتها ومقالاتها النقدية التي كانت ترافق باب حركة النشر العالمية وكذلك الترجمات التي كانت تقدمها. كانت هذه المجلة مرجعاً مهماً للأدب العالمي وليس الفرنسي فقط، الحديث والمعاصر، وقد عمدت إلى إعادة قراءة التراث العالمي، أسماء وقضايا. واللافت أنها من المجلات الشهرية النادرة التي نجحت في الجمع بين المهنية الصحافية المتجلية في الطابع الخبري والتوثيقي وبين النقد الأدبي الرصين والعلمي. وأعدادها في معظم الأحيان كانت مراجع تحفظ مثل الكتب وأكثر.
ترى هل تبنت «المجلة الأدبية الجديدة» نظرية الناقد الفرنسي تودوروف القائلة ب «موت الأدب»، فسارعت إلى إعلان موته؟ ترى ألم يعلم القائمون على المجلة أن إعلان تودوروف لم يكن إلا مزحة سمجة من المزحات التي تحملها إلينا حيناً تلو آخر، موجة ما بعد الحداثة؟
لن يموت الأدب ولن تموت «المجلة الادبية» التي رافقتنا بل رافقناها أعواماً طويلة وكانت مجلة القراء والكتاب في فرنسا والعالم.
أسماء المجلات بالفرنسية: gazine litteraire / le debat/ esprit/ commentaire /revue de deux mondes /les temps modernes . idees le nouveau magazine litteraire/ le ma


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.