ترامب: لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم    الدولار ب49.64 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 3-6-2025    مديرية الطب البيطري بالوادي الجديد تطرح لحومًا بلدية ب280 جنيها للكيلو    صرف 11 مليون جنيه منحة ل 7359 عامل في الوادي الجديد    زلزال بقوة 6.2 ريختر يضرب الحدود التركية.. والمصريون يشعرون به للمرة الثالثة في شهر    زلزال بقوة 6.6 على مقياس ريختر يضرب جزيرة رودس اليونانية    الحوثيون يقصفون دولة الاحتلال.. مستوطنون في الملاجئ وتعليق الطيران    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب منطقة الحدود بين جزر دوديكانيز وتركيا    لقطات من حفل زفاف سيد نيمار لاعب الزمالك    مروان عطية: لم نعرف بقرار الإدارة قبل مباراة الزمالك بساعة ونصف.. وألعب مصابا    قرارات عاجلة من وزير التعليم قبل بدء العام الدراسي الجديد 2026 (تفاصيل)    تعليم الوادي الجديد: 1400 طالب مستفيد يوميًا من المراجعات بالمساجد    تامر حسني يرد على إمكانية عمل ديو مع عمرو دياب (فيديو)    دعاء الزلزال.. «الإفتاء» تنصح المواطنين بترديد هذه الأدعية في أوقات الكرب    زلزال قوي يضرب القاهرة الكبرى وبعض المحافظات    طقس معتدل والعظمى في القاهرة 31.. حالة الطقس اليوم    الكشف عن حكام نهائي كأس مصر بين الزمالك وبيراميدز    الجارديان: استهداف المدارس المستخدمة كملاجئ في غزة "جزء من استراتيجية قصف متعمدة"    ترامب: لن نسمح بأي تخصيب لليورانيوم في إيران    بيل جيتس يُعلن استثمار 200 مليار دولار في الصحة والتعليم بأفريقيا خلال 20 عامًا    وسط تحذيرات صهيونية من دخولها . اعتقالات تطال مهجّري شمال سيناء المقيمين بالإسماعيلية بعد توقيف 4 من العريش    أحفاد نوال الدجوي يبدأون مفاوضات الصلح وتسوية خلافات الميراث والدعاوى القضائية    مواعيد مباريات مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية 2025    مروان عطية: جوميز طلب انضمامي للفتح السعودي.. وهذا قراري    محامي نوال الدجوي يكشف وصية سرية من نجلتها الراحلة منى    أهم الأعمال المستحبة في العشر الأواخر من ذي الحجة    «أنا مش مغيب!».. تعليق مثير من هاني سعيد على احتفالات بيراميدز بعد مواجهة سيراميكا    مجلس الاتحاد السكندري يرفض استقالة مصيلحي    ارتفاع كبير ب840 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بالصاغة (محليًا وعالميًا)    لاند روفر ديفندر 2026 تحصل على أضواء مُحسّنة وشاشة أكبر    مصدر أمني يكشف ملابسات فيديو لمركبات تسير في الحارة المخصصة للأتوبيس الترددي    البيت الأبيض يعلن استعداد ترامب للقاء بوتين وزيلينسكي    رسميًا بالزيادة الجديدة.. موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025 وحقيقة تبكيرها قبل العيد    سقوط «نملة» بحوزته سلاح آلي وكمية من المخدرات بأسوان    التعليم: زيادة أفراد الأمن وعناصر إدارية على أبواب لجان الثانوية العامة لمنع الغش    عاشور يهنئ فلوريان أشرف لفوزها بجائزة أفضل دكتوراه في الصيدلة من جامعات باريس    أحمد السقا يوجه رسالة تهنئة ل ابنته بمناسبة تخرجها    بسبب لحن أغنية.. بلاغ من ملحن شهير ضد حسين الجسمي    رحمة محسن: اشتغلت على عربية شاي وقهوة وأنا وأحمد العوضي وشنا حلو على بعض    "أوقاف سوهاج" تطلق حملة توعوية لتقويم السلوكيات السلبية المصاحبة للأعياد    مستقبل وطن بالأقصر يُنظم معرض «أنتِ عظيمة» لدعم الحرف اليدوية والصناعة المحلية    بمشاركة 500 صيدلي.. محافظ قنا يشهد افتتاح مؤتمر صيادلة جنوب الصعيد الأول    1400 طالب يوميًا يستفيدون من دروس التقوية في مساجد الوادي الجديد    قرار من رئيس جامعة القاهرة بشأن الحالة الإنشائية للأبنية التعليمية    طريقة عمل شاورما اللحم، أكلة لذيذة وسريعة التحضير    أخبار 24 ساعة.. برنامج جديد لرد أعباء الصادرات بقيمة 45 مليار جنيه في الموازنة    أسطورة ميلان: الأهلي سيصنع الفارق بالمونديال.. وما فعله صلاح خارقًا    الكشف عن تمثال أسمهان بدار الأوبرا بحضور سلاف فواخرجي    حين يتعطر البيت.. شاهد تطيب الكعبة في مشاهد روحانية    سعد الهلالي: كل الأضحية حق للمضحي.. ولا يوجد مذهب ينص على توزيعها 3 أثلاث    تزوج فنانة شهيرة ويخشى الإنجاب.. 18 معلومة عن طارق صبري بعد ارتباط اسمه ب مها الصغير    4 أبراج «بيعرفوا ياخدوا قرار»: قادة بالفطرة يوزّعون الثقة والدعم لمن حولهم    وزارة الإنتاج الحربي تنظم ندوات توعوية للعاملين بالشركات    القومي للبحوث يقدم نصائح مهمة لكيفية تناول لحوم العيد بشكل صحي    رئيس الشيوخ يهنئ الرئيس والشعب المصري بحلول عيد الأضحى المبارك    الرئيس السيسى يستقبل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم «حادثة النيل هيلتون» للمصري طارق صالح
نشر في صوت البلد يوم 19 - 10 - 2017

في فيلمه «حادثة النيل هيلتون»، الذي عُرض ضمن مهرجان لندن السينمائي (4 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول) يقدم المخرج المصري السويدي طارق صالح صورة بالغة القتامة لدولة ضرب العفن والفساد والتفسخ الأخلاقي أجهزتها الأمنية، لا سيما الشرطة وأمن الدولة، وذلك على أعتاب الربيع العربي وأحداث الثورة المصرية في يناير/كانون الثاني 2011.
يستقي صالح أحداث فيلمه من وقائع حقيقية لمقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم على يد ضابط في أمن الدولة المصري في دبي عام 2008 بإيعاز وتكليف من رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، المقرب من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ونجله وحاشيته. نقل صالح أحداث الفيلم من عام 2008 إلى بدايات 2011، قبل أيامٍ من بدء الثورة وأحداث ميدان التحرير، وجعل مسرح جريمة القتل غرفة في فندق النيل هيلتون وسط القاهرة بدلا من شقة تميم في دبي. في غرفة في فندق النيل هيلتون في القاهرة تسمع عاملة نظافة من جنوب السودان شذرات من شجار بين امرأة ورجل، يخرج الرجل الذي يبدو ثلاثينيا أنيقا، ليتبعه بعد فترة قصيرة رجل آخر وصوت رصاص مكتوم. لا يسعى الفيلم، على غرار أفلام الجريمة والأفلام البوليسية، للكشف عن الجاني، ولكنه يستخدم الجريمة كمدخل للنفاذ إلى داخل الجهاز الأمني المصري والكشف عن الفساد الذي يعم أرجاءه واجهزته المختلفة. ارتشاء، ظلم، بطش، الضرب عرض الحائط بالعدل والإنسانية، غض الطرف عن الاتجار في المخدرات والاتجار في الجنس والابتزاز مقابل المشاركة في المكاسب. هذه هي صورة جهاز الشرطة المصري كما يصوره الفيلم، الذي كتب له السيناريو طارق صالح.
نقطة ضعف
يتولى التحقيق في قضية القتل ضابط الشرطة النقيب نور الدين (الممثل الللبناني فارس فارس في أداء متميز). يتضح أن القتيلة هي مطربة شابة جميلة تُدعى لالينا. نور الدين لا يقل فسادا عن غيره من رجال الشرطة فهو يتقبل الرشى ويقبض الإتاوات التي جُمعت قسرا، ويغض الطرف عن الدعارة والمخدرات ويراهما من صور الفساد، طالما سيحصل على مقابل. في غرفة لالينا وبتفتيش متعلقاتها يعثر على كم كبير من النقود، التي يدسها في جيبه الخاص، ولكنه يعثر أيضا على إيصال لمحل تصوير لتسلم صور فوتوغرافية.
علّ نقطة الضعف الرئيسية في الفيلم هي معرفة السبب وراء بحث نور الدين عن الحقيقة في هذه القضية تحديدا. لا يقدم الفيلم أي مؤشرات على أنه نزيه أو أنه يسعى وراء الحق والحقيقة. هو، كغيره من رجال الشرطة في الفيلم، يغوص في أوحال الفساد بدون اكتراث كبير. ولكننا ربما نلمح ملامح طفيفة من الخير في شخصيته، فهو يحنو على والده المسن ويتقبل كلامه المؤلم عن فساده وفساد الشرطة، ونلمح بعض الأسى على وجهه حين يتأمل صورة زوجته الراحلة التي توفيت في حادث.
أيا كان دافع نور الدين، سواء كان رغبة في الخلاص أو تأثرا بجمال اغتيل وقُتل، أو رغبة للتخلص من شعور دفين بالدنس، فإننا نجده يندفع صوب التوصل إلى قاتل لالينا، في رحلة بحث نعلم مسبقا إنه ليس قادرا على خوضها بمفرده. نعلم أنه سيذهب ضحية لسعيه وراء الحقيقة، في جريمة تطال أطرافها أصحاب نفوذ واسع وفي جهاز أمني فاسد ينحني كل الانحناء أمام المال والنفوذ. ربما ما يقوم به نور الدين هو محالة للانتحار أو للخلاص الممنهج من حياة قبيحة مليئة بالدرن، ولكنه جعل من انتحاره أو خلاصه رحلة للبحث عن الحقيقة في هذه الجريمة. حين يتسلم نور الدين الصور التي وضعت لالينا إيصالها في حقيبتها، يكتشف أنها مجموعة لقطات لها في أوضاع حميمية مع رجل أعمال شاب واسع النفوذ، وعضو برلماني يتمتع بالحصانة، هو حاتم شفيق (أحمد سليم)، وأن قوادا هو من التقط الصور، فهو يجتذب الأثرياء وذوي النفوذ إلى ملهاه الأنيق، ثم يختلي رجال الأعمال بالفتيات الحسناوات والمغنيات الجميلات في سهرات خاصة يصورها ليبتزهم مقابل النقود. تقود رحلة نور الدين للبحث عن الحقيقة إلى أن الشرطة وأمن الدولة على علم بشبكة الدعارة والابتزاز تلك، ولكن الجهازين يغضان الطرف للاقتسام مع المبتزين.
ترهل سردي
يتفرع الفيلم ويتشعب أحيانا فيصاب ببعض الترهل السردي، ولعل أبرز تلك التفرعات التي يأخذنا فيها الفيلم هي قصة سلوى، اللاجئة السودانية الجنوبية، التي شاهدت الجاني وشاهدت رجل الأعمال يوم مقتل لالينا. تسرح إدارة الفندق سلوى، التي تعد الشاهد الوحيد على الحادث، وتقدم الرشى لرجال الشرطة حتى لا يقتفوا أثرها. ولكن نور الدين يصر على العثور عليها في رحلة تأخذه إلى منطقة عشوائية يعيش فيها اللاجئون من جنوب السودان مكتظين في ظروف معيشية مزرية، ظروف تضطر بعضهم لعالم الإجرام. نرى في هذا الجزء ترهلا وتشرذما لسرد الفيلم، ولكن يمكن القول إن صالح كان يسعى لإظهار ظلم منظومة الحكم ومنظومة المجتمع في مصر للاجئ الغريب. وهناك أيضا أجواء الملهى الذي تؤمه صفوة المجتمع وأثرياؤه وأثرياء العرب، حيث تُعقد السهرات ويدور الشراب وتشدو المغنيات الحسناوات. وهناك أيضا عالم القصور الفارهة التي يقيم فيها شفيق وأترابه ونوادي الغولف التي يمارسون فيها رياضتهم التي لا يقدر على كلفتها إلا الصفوة.
وهناك قصة نور الدين الموزع بين أبيه الذي يجد في عمله في الشرطة سرقة بمسمى آخر وعمه رجل الشرطة صاحب الرتبة الكبيرة المتمرس في فساد الأجهزة الأمنية، الذي لا يشعر بأي ذنب أو غضاضة في ما تقترفه من سرقة وتعذيب وتنكيل. يتلقى العم الرشوة ويذهب ليحج حتى يعود نقيا كما ولدته أمه، هكذا يظن. كلها تفرعات في طرق جانبية لا تخدم كثيرا الخط السردي الرئيسي وهو تعقب قاتل لالينا، ولكن علّ صالح يهدف بها إلى رسم أشمل صورة ممكنة للفساد في مصر ولحياة مترفيها وحياة مهمشيها على أعتاب بركان الغضب وثورة 25 يناير/كانون الثاني.
بحث عن القاتل
خطوط كثيرة لا يحسمها الفيلم ولا يقدم إجابة شافية فيها، ويبقى على رأسها فهم شخصية نور الدين ونوازعه. يستمر نور الدين في تلقي الرشوة وفي تقديم الرشوة حتى يحصل على معلومات عمن قتل لالينا وعمن قتل مطربة تونسية شابة أخرى تعرف عليها في رحلته للبحث عن القاتل وأُعجب بها وأقام معها علاقة قصيرة. ولكنه رغم نواقصه ورشوته، يوفر الحماية للفتاة السودانية التي شاهدت القاتل وينأى بنفسه في نهاية المطاف عن عمه الذي كان أكبر سند له في جهاز الشرطة، والذي كان السبب في ترقيه السريع. خيوط لا يلمها الفيلم جيدا في لحمته وشخصية رئيسية ملتبسة لا نعرف نوازعها، لكن ربما يسعى صالح للقول إنه حتى يزول الالتباس في المواقف وحتى تتضح الصورة وحتى تغسل البلاد درنها فإنها في حاجة إلى ثورة وإلى غضب شعبي. تبدأ أحداث الفيلم يوم 15 يناير 2011 وتنتهي يوم 25 يناير وسط الغضب والجموع التي خرجت للميدان لتعرب عن وقوفها في وجه الفساد والظلم. ينجح الفيلم رغم نواقصه في الاحتفاظ باهتمامنا وبرغبتنا لنور الدين في النجاة، رغم معرفتنا أنه في رحلة صعبة خطرة أمام قوى لا يمكنه التصدي لها.
يختار صالح لفيلمه نهاية فيها من السخرية الكثير، وفيها من استشراف المستقبل الكثير. يقود العم الفاسد، الذي كان يرتدي ملابس مدنية وليس زي الشرطة، نور الدين إلى وسط الجموع في يوم 25 يناير ليصرخ أن نور الدين شرطي يحاول البطش به. تنهال الحشود على نور الدين ضربا وركلا، بينما يفر العم الفاسد. رغم فورة الغضب وقوته، يبقى المواطنون الغاضبون يجهلون الحقيقة بأكملها، ويتمكن الطغاة والفسدة من استغلال اندفاع الجمهور وحماسه للنجاة بأنفسهم!
في فيلمه «حادثة النيل هيلتون»، الذي عُرض ضمن مهرجان لندن السينمائي (4 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول) يقدم المخرج المصري السويدي طارق صالح صورة بالغة القتامة لدولة ضرب العفن والفساد والتفسخ الأخلاقي أجهزتها الأمنية، لا سيما الشرطة وأمن الدولة، وذلك على أعتاب الربيع العربي وأحداث الثورة المصرية في يناير/كانون الثاني 2011.
يستقي صالح أحداث فيلمه من وقائع حقيقية لمقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم على يد ضابط في أمن الدولة المصري في دبي عام 2008 بإيعاز وتكليف من رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، المقرب من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ونجله وحاشيته. نقل صالح أحداث الفيلم من عام 2008 إلى بدايات 2011، قبل أيامٍ من بدء الثورة وأحداث ميدان التحرير، وجعل مسرح جريمة القتل غرفة في فندق النيل هيلتون وسط القاهرة بدلا من شقة تميم في دبي. في غرفة في فندق النيل هيلتون في القاهرة تسمع عاملة نظافة من جنوب السودان شذرات من شجار بين امرأة ورجل، يخرج الرجل الذي يبدو ثلاثينيا أنيقا، ليتبعه بعد فترة قصيرة رجل آخر وصوت رصاص مكتوم. لا يسعى الفيلم، على غرار أفلام الجريمة والأفلام البوليسية، للكشف عن الجاني، ولكنه يستخدم الجريمة كمدخل للنفاذ إلى داخل الجهاز الأمني المصري والكشف عن الفساد الذي يعم أرجاءه واجهزته المختلفة. ارتشاء، ظلم، بطش، الضرب عرض الحائط بالعدل والإنسانية، غض الطرف عن الاتجار في المخدرات والاتجار في الجنس والابتزاز مقابل المشاركة في المكاسب. هذه هي صورة جهاز الشرطة المصري كما يصوره الفيلم، الذي كتب له السيناريو طارق صالح.
نقطة ضعف
يتولى التحقيق في قضية القتل ضابط الشرطة النقيب نور الدين (الممثل الللبناني فارس فارس في أداء متميز). يتضح أن القتيلة هي مطربة شابة جميلة تُدعى لالينا. نور الدين لا يقل فسادا عن غيره من رجال الشرطة فهو يتقبل الرشى ويقبض الإتاوات التي جُمعت قسرا، ويغض الطرف عن الدعارة والمخدرات ويراهما من صور الفساد، طالما سيحصل على مقابل. في غرفة لالينا وبتفتيش متعلقاتها يعثر على كم كبير من النقود، التي يدسها في جيبه الخاص، ولكنه يعثر أيضا على إيصال لمحل تصوير لتسلم صور فوتوغرافية.
علّ نقطة الضعف الرئيسية في الفيلم هي معرفة السبب وراء بحث نور الدين عن الحقيقة في هذه القضية تحديدا. لا يقدم الفيلم أي مؤشرات على أنه نزيه أو أنه يسعى وراء الحق والحقيقة. هو، كغيره من رجال الشرطة في الفيلم، يغوص في أوحال الفساد بدون اكتراث كبير. ولكننا ربما نلمح ملامح طفيفة من الخير في شخصيته، فهو يحنو على والده المسن ويتقبل كلامه المؤلم عن فساده وفساد الشرطة، ونلمح بعض الأسى على وجهه حين يتأمل صورة زوجته الراحلة التي توفيت في حادث.
أيا كان دافع نور الدين، سواء كان رغبة في الخلاص أو تأثرا بجمال اغتيل وقُتل، أو رغبة للتخلص من شعور دفين بالدنس، فإننا نجده يندفع صوب التوصل إلى قاتل لالينا، في رحلة بحث نعلم مسبقا إنه ليس قادرا على خوضها بمفرده. نعلم أنه سيذهب ضحية لسعيه وراء الحقيقة، في جريمة تطال أطرافها أصحاب نفوذ واسع وفي جهاز أمني فاسد ينحني كل الانحناء أمام المال والنفوذ. ربما ما يقوم به نور الدين هو محالة للانتحار أو للخلاص الممنهج من حياة قبيحة مليئة بالدرن، ولكنه جعل من انتحاره أو خلاصه رحلة للبحث عن الحقيقة في هذه الجريمة. حين يتسلم نور الدين الصور التي وضعت لالينا إيصالها في حقيبتها، يكتشف أنها مجموعة لقطات لها في أوضاع حميمية مع رجل أعمال شاب واسع النفوذ، وعضو برلماني يتمتع بالحصانة، هو حاتم شفيق (أحمد سليم)، وأن قوادا هو من التقط الصور، فهو يجتذب الأثرياء وذوي النفوذ إلى ملهاه الأنيق، ثم يختلي رجال الأعمال بالفتيات الحسناوات والمغنيات الجميلات في سهرات خاصة يصورها ليبتزهم مقابل النقود. تقود رحلة نور الدين للبحث عن الحقيقة إلى أن الشرطة وأمن الدولة على علم بشبكة الدعارة والابتزاز تلك، ولكن الجهازين يغضان الطرف للاقتسام مع المبتزين.
ترهل سردي
يتفرع الفيلم ويتشعب أحيانا فيصاب ببعض الترهل السردي، ولعل أبرز تلك التفرعات التي يأخذنا فيها الفيلم هي قصة سلوى، اللاجئة السودانية الجنوبية، التي شاهدت الجاني وشاهدت رجل الأعمال يوم مقتل لالينا. تسرح إدارة الفندق سلوى، التي تعد الشاهد الوحيد على الحادث، وتقدم الرشى لرجال الشرطة حتى لا يقتفوا أثرها. ولكن نور الدين يصر على العثور عليها في رحلة تأخذه إلى منطقة عشوائية يعيش فيها اللاجئون من جنوب السودان مكتظين في ظروف معيشية مزرية، ظروف تضطر بعضهم لعالم الإجرام. نرى في هذا الجزء ترهلا وتشرذما لسرد الفيلم، ولكن يمكن القول إن صالح كان يسعى لإظهار ظلم منظومة الحكم ومنظومة المجتمع في مصر للاجئ الغريب. وهناك أيضا أجواء الملهى الذي تؤمه صفوة المجتمع وأثرياؤه وأثرياء العرب، حيث تُعقد السهرات ويدور الشراب وتشدو المغنيات الحسناوات. وهناك أيضا عالم القصور الفارهة التي يقيم فيها شفيق وأترابه ونوادي الغولف التي يمارسون فيها رياضتهم التي لا يقدر على كلفتها إلا الصفوة.
وهناك قصة نور الدين الموزع بين أبيه الذي يجد في عمله في الشرطة سرقة بمسمى آخر وعمه رجل الشرطة صاحب الرتبة الكبيرة المتمرس في فساد الأجهزة الأمنية، الذي لا يشعر بأي ذنب أو غضاضة في ما تقترفه من سرقة وتعذيب وتنكيل. يتلقى العم الرشوة ويذهب ليحج حتى يعود نقيا كما ولدته أمه، هكذا يظن. كلها تفرعات في طرق جانبية لا تخدم كثيرا الخط السردي الرئيسي وهو تعقب قاتل لالينا، ولكن علّ صالح يهدف بها إلى رسم أشمل صورة ممكنة للفساد في مصر ولحياة مترفيها وحياة مهمشيها على أعتاب بركان الغضب وثورة 25 يناير/كانون الثاني.
بحث عن القاتل
خطوط كثيرة لا يحسمها الفيلم ولا يقدم إجابة شافية فيها، ويبقى على رأسها فهم شخصية نور الدين ونوازعه. يستمر نور الدين في تلقي الرشوة وفي تقديم الرشوة حتى يحصل على معلومات عمن قتل لالينا وعمن قتل مطربة تونسية شابة أخرى تعرف عليها في رحلته للبحث عن القاتل وأُعجب بها وأقام معها علاقة قصيرة. ولكنه رغم نواقصه ورشوته، يوفر الحماية للفتاة السودانية التي شاهدت القاتل وينأى بنفسه في نهاية المطاف عن عمه الذي كان أكبر سند له في جهاز الشرطة، والذي كان السبب في ترقيه السريع. خيوط لا يلمها الفيلم جيدا في لحمته وشخصية رئيسية ملتبسة لا نعرف نوازعها، لكن ربما يسعى صالح للقول إنه حتى يزول الالتباس في المواقف وحتى تتضح الصورة وحتى تغسل البلاد درنها فإنها في حاجة إلى ثورة وإلى غضب شعبي. تبدأ أحداث الفيلم يوم 15 يناير 2011 وتنتهي يوم 25 يناير وسط الغضب والجموع التي خرجت للميدان لتعرب عن وقوفها في وجه الفساد والظلم. ينجح الفيلم رغم نواقصه في الاحتفاظ باهتمامنا وبرغبتنا لنور الدين في النجاة، رغم معرفتنا أنه في رحلة صعبة خطرة أمام قوى لا يمكنه التصدي لها.
يختار صالح لفيلمه نهاية فيها من السخرية الكثير، وفيها من استشراف المستقبل الكثير. يقود العم الفاسد، الذي كان يرتدي ملابس مدنية وليس زي الشرطة، نور الدين إلى وسط الجموع في يوم 25 يناير ليصرخ أن نور الدين شرطي يحاول البطش به. تنهال الحشود على نور الدين ضربا وركلا، بينما يفر العم الفاسد. رغم فورة الغضب وقوته، يبقى المواطنون الغاضبون يجهلون الحقيقة بأكملها، ويتمكن الطغاة والفسدة من استغلال اندفاع الجمهور وحماسه للنجاة بأنفسهم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.