التعليم العالي: دعم البحوث التطبيقية لتعزيز الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات    القمح.. والحملة القومية لمواجهة التحديات    وزيرة البيئة تبحث خطة تطوير مركز التميز للتغيرات المناخية والتنمية المستدامة    مواعيد طرح شقق سكنية جديدة في 6 أكتوبر بالتقسيط.. اعرف سعر كراسة الشروط    وزير الهجرة اليوناني: العمالة المصرية تعد الأكفأ والأنسب وأولوية لسوقنا    تعليق مفاجئ من أبو تريكة على وفاة الكابتن محمد صبري    يوم كروي عالمي: مباريات اليوم مفتوحة من أوروبا إلى أميركا وتجارب ودّية مثيرة    بعد رحيله المفاجئ.. تنطفئ آخر صفحات حكاية محمد صبري التي لم يمهلها القدر للاكتمال    ضبط 4 أشخاص لقيامهم باستدراج صاحب شركة وسرقته بالمقطم    قصة إفلاس تحولت لقصة نجاح كبير.. تفاصيل يكشفها المخرج محمد عبدالعزيز لأول مرة    وزير الصحة: لدينا خرائط دقيقة للتحديات الصحية ونتخذ الإجراءات المناسبة للتغلب عليها    الداخلية تكشف حقيقة فيديو مزاعم الاستيلاء على أموال خلال ضبط متهم بالشرقية    رئيس كوريا الجنوبية يزور مصر والإمارات الأسبوع المقبل    حلقة نقاشية حول سينما أفلام النوع ضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما    العثور على جثمان غريق داخل ترعة مياه فى جنوب الأقصر    الحماية المدنية الجزائرية: اندلاع 22 حريقا في عدة ولايات واستمرار عمليات الإخماد    باحث إسرائيلي: بنيامين نتنياهو يتعرض ل "دهس ملكي" على يد ترامب    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    رحيل زيزو المجاني يدفع الزمالك للتحرك لحماية نجومه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سابق بالخيرات باذن الله ?!    حصن يومك.. أذكار الصباح والمساء ترفع الطمأنينة وتزيد البركة    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    الأهلي يسعى للحفاظ على لقبه أمام سموحة في نهائي السوبر المصري لليد بالإمارات..اليوم    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    خطا بورسعيد والصعيد الأعلى في تأخر قطارات السكة الحديد    الولايات المتحدة توافق على أول صفقة أسلحة لتايوان منذ عودة ترامب إلى الحكم    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    مباحثات مع وفد البنك الدولي في مختلف مجالات البترول والتعدين    مهرجان القاهرة السينمائي، حلقة نقاشية حول سينما أفلام النوع الليلة    استمرار رفع درجة الطوارئ لمواجهة أمطار نوة المكنسة بالإسكندرية    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    الثلاثاء.. إعلان نتائج المرحلة الأولى وبدء الدعاية الامنخابية لجولة الإعادة    الصحة: فحص أكثر من نصف مليون طفل للكشف عن الأمراض الوراثية    الرئيس التنفيذى للمجلس الصحى: الإعلان قريبا عن أول دبلومة لطب الأسرة    طريقة عمل المكرونة بالسي فود والكريمة بمذاق أحلى من الجاهزة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    خالد الغندور: اجتماع منتظر في الزمالك لحل أزمة مستحقات جوميز ويانيك فيريرا    حجر رشيد.. رمز الهوية المصرية المسلوب في المتحف البريطاني    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    طوارئ بالبحيرة لمواجهة سوء حالة الطقس وسقوط الأمطار الغزيرة.. فيديو وصور    الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تشارك في احتفالية يوم الوثيقة العربية بجامعة الدول العربية    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    نانسي عجرم تكشف كيف بدأ والدها دعم موهبتها الفنية منذ الطفولة    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    السيطرة على حريق شب في مخزن للمساعدات الإنسانية جنوب العريش    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    «الصحة»: التطعيم ضد الإنفلونزا يمنع الإصابة بنسبة تزيد على 70%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم «حادثة النيل هيلتون» للمصري طارق صالح
نشر في صوت البلد يوم 19 - 10 - 2017

في فيلمه «حادثة النيل هيلتون»، الذي عُرض ضمن مهرجان لندن السينمائي (4 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول) يقدم المخرج المصري السويدي طارق صالح صورة بالغة القتامة لدولة ضرب العفن والفساد والتفسخ الأخلاقي أجهزتها الأمنية، لا سيما الشرطة وأمن الدولة، وذلك على أعتاب الربيع العربي وأحداث الثورة المصرية في يناير/كانون الثاني 2011.
يستقي صالح أحداث فيلمه من وقائع حقيقية لمقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم على يد ضابط في أمن الدولة المصري في دبي عام 2008 بإيعاز وتكليف من رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، المقرب من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ونجله وحاشيته. نقل صالح أحداث الفيلم من عام 2008 إلى بدايات 2011، قبل أيامٍ من بدء الثورة وأحداث ميدان التحرير، وجعل مسرح جريمة القتل غرفة في فندق النيل هيلتون وسط القاهرة بدلا من شقة تميم في دبي. في غرفة في فندق النيل هيلتون في القاهرة تسمع عاملة نظافة من جنوب السودان شذرات من شجار بين امرأة ورجل، يخرج الرجل الذي يبدو ثلاثينيا أنيقا، ليتبعه بعد فترة قصيرة رجل آخر وصوت رصاص مكتوم. لا يسعى الفيلم، على غرار أفلام الجريمة والأفلام البوليسية، للكشف عن الجاني، ولكنه يستخدم الجريمة كمدخل للنفاذ إلى داخل الجهاز الأمني المصري والكشف عن الفساد الذي يعم أرجاءه واجهزته المختلفة. ارتشاء، ظلم، بطش، الضرب عرض الحائط بالعدل والإنسانية، غض الطرف عن الاتجار في المخدرات والاتجار في الجنس والابتزاز مقابل المشاركة في المكاسب. هذه هي صورة جهاز الشرطة المصري كما يصوره الفيلم، الذي كتب له السيناريو طارق صالح.
نقطة ضعف
يتولى التحقيق في قضية القتل ضابط الشرطة النقيب نور الدين (الممثل الللبناني فارس فارس في أداء متميز). يتضح أن القتيلة هي مطربة شابة جميلة تُدعى لالينا. نور الدين لا يقل فسادا عن غيره من رجال الشرطة فهو يتقبل الرشى ويقبض الإتاوات التي جُمعت قسرا، ويغض الطرف عن الدعارة والمخدرات ويراهما من صور الفساد، طالما سيحصل على مقابل. في غرفة لالينا وبتفتيش متعلقاتها يعثر على كم كبير من النقود، التي يدسها في جيبه الخاص، ولكنه يعثر أيضا على إيصال لمحل تصوير لتسلم صور فوتوغرافية.
علّ نقطة الضعف الرئيسية في الفيلم هي معرفة السبب وراء بحث نور الدين عن الحقيقة في هذه القضية تحديدا. لا يقدم الفيلم أي مؤشرات على أنه نزيه أو أنه يسعى وراء الحق والحقيقة. هو، كغيره من رجال الشرطة في الفيلم، يغوص في أوحال الفساد بدون اكتراث كبير. ولكننا ربما نلمح ملامح طفيفة من الخير في شخصيته، فهو يحنو على والده المسن ويتقبل كلامه المؤلم عن فساده وفساد الشرطة، ونلمح بعض الأسى على وجهه حين يتأمل صورة زوجته الراحلة التي توفيت في حادث.
أيا كان دافع نور الدين، سواء كان رغبة في الخلاص أو تأثرا بجمال اغتيل وقُتل، أو رغبة للتخلص من شعور دفين بالدنس، فإننا نجده يندفع صوب التوصل إلى قاتل لالينا، في رحلة بحث نعلم مسبقا إنه ليس قادرا على خوضها بمفرده. نعلم أنه سيذهب ضحية لسعيه وراء الحقيقة، في جريمة تطال أطرافها أصحاب نفوذ واسع وفي جهاز أمني فاسد ينحني كل الانحناء أمام المال والنفوذ. ربما ما يقوم به نور الدين هو محالة للانتحار أو للخلاص الممنهج من حياة قبيحة مليئة بالدرن، ولكنه جعل من انتحاره أو خلاصه رحلة للبحث عن الحقيقة في هذه الجريمة. حين يتسلم نور الدين الصور التي وضعت لالينا إيصالها في حقيبتها، يكتشف أنها مجموعة لقطات لها في أوضاع حميمية مع رجل أعمال شاب واسع النفوذ، وعضو برلماني يتمتع بالحصانة، هو حاتم شفيق (أحمد سليم)، وأن قوادا هو من التقط الصور، فهو يجتذب الأثرياء وذوي النفوذ إلى ملهاه الأنيق، ثم يختلي رجال الأعمال بالفتيات الحسناوات والمغنيات الجميلات في سهرات خاصة يصورها ليبتزهم مقابل النقود. تقود رحلة نور الدين للبحث عن الحقيقة إلى أن الشرطة وأمن الدولة على علم بشبكة الدعارة والابتزاز تلك، ولكن الجهازين يغضان الطرف للاقتسام مع المبتزين.
ترهل سردي
يتفرع الفيلم ويتشعب أحيانا فيصاب ببعض الترهل السردي، ولعل أبرز تلك التفرعات التي يأخذنا فيها الفيلم هي قصة سلوى، اللاجئة السودانية الجنوبية، التي شاهدت الجاني وشاهدت رجل الأعمال يوم مقتل لالينا. تسرح إدارة الفندق سلوى، التي تعد الشاهد الوحيد على الحادث، وتقدم الرشى لرجال الشرطة حتى لا يقتفوا أثرها. ولكن نور الدين يصر على العثور عليها في رحلة تأخذه إلى منطقة عشوائية يعيش فيها اللاجئون من جنوب السودان مكتظين في ظروف معيشية مزرية، ظروف تضطر بعضهم لعالم الإجرام. نرى في هذا الجزء ترهلا وتشرذما لسرد الفيلم، ولكن يمكن القول إن صالح كان يسعى لإظهار ظلم منظومة الحكم ومنظومة المجتمع في مصر للاجئ الغريب. وهناك أيضا أجواء الملهى الذي تؤمه صفوة المجتمع وأثرياؤه وأثرياء العرب، حيث تُعقد السهرات ويدور الشراب وتشدو المغنيات الحسناوات. وهناك أيضا عالم القصور الفارهة التي يقيم فيها شفيق وأترابه ونوادي الغولف التي يمارسون فيها رياضتهم التي لا يقدر على كلفتها إلا الصفوة.
وهناك قصة نور الدين الموزع بين أبيه الذي يجد في عمله في الشرطة سرقة بمسمى آخر وعمه رجل الشرطة صاحب الرتبة الكبيرة المتمرس في فساد الأجهزة الأمنية، الذي لا يشعر بأي ذنب أو غضاضة في ما تقترفه من سرقة وتعذيب وتنكيل. يتلقى العم الرشوة ويذهب ليحج حتى يعود نقيا كما ولدته أمه، هكذا يظن. كلها تفرعات في طرق جانبية لا تخدم كثيرا الخط السردي الرئيسي وهو تعقب قاتل لالينا، ولكن علّ صالح يهدف بها إلى رسم أشمل صورة ممكنة للفساد في مصر ولحياة مترفيها وحياة مهمشيها على أعتاب بركان الغضب وثورة 25 يناير/كانون الثاني.
بحث عن القاتل
خطوط كثيرة لا يحسمها الفيلم ولا يقدم إجابة شافية فيها، ويبقى على رأسها فهم شخصية نور الدين ونوازعه. يستمر نور الدين في تلقي الرشوة وفي تقديم الرشوة حتى يحصل على معلومات عمن قتل لالينا وعمن قتل مطربة تونسية شابة أخرى تعرف عليها في رحلته للبحث عن القاتل وأُعجب بها وأقام معها علاقة قصيرة. ولكنه رغم نواقصه ورشوته، يوفر الحماية للفتاة السودانية التي شاهدت القاتل وينأى بنفسه في نهاية المطاف عن عمه الذي كان أكبر سند له في جهاز الشرطة، والذي كان السبب في ترقيه السريع. خيوط لا يلمها الفيلم جيدا في لحمته وشخصية رئيسية ملتبسة لا نعرف نوازعها، لكن ربما يسعى صالح للقول إنه حتى يزول الالتباس في المواقف وحتى تتضح الصورة وحتى تغسل البلاد درنها فإنها في حاجة إلى ثورة وإلى غضب شعبي. تبدأ أحداث الفيلم يوم 15 يناير 2011 وتنتهي يوم 25 يناير وسط الغضب والجموع التي خرجت للميدان لتعرب عن وقوفها في وجه الفساد والظلم. ينجح الفيلم رغم نواقصه في الاحتفاظ باهتمامنا وبرغبتنا لنور الدين في النجاة، رغم معرفتنا أنه في رحلة صعبة خطرة أمام قوى لا يمكنه التصدي لها.
يختار صالح لفيلمه نهاية فيها من السخرية الكثير، وفيها من استشراف المستقبل الكثير. يقود العم الفاسد، الذي كان يرتدي ملابس مدنية وليس زي الشرطة، نور الدين إلى وسط الجموع في يوم 25 يناير ليصرخ أن نور الدين شرطي يحاول البطش به. تنهال الحشود على نور الدين ضربا وركلا، بينما يفر العم الفاسد. رغم فورة الغضب وقوته، يبقى المواطنون الغاضبون يجهلون الحقيقة بأكملها، ويتمكن الطغاة والفسدة من استغلال اندفاع الجمهور وحماسه للنجاة بأنفسهم!
في فيلمه «حادثة النيل هيلتون»، الذي عُرض ضمن مهرجان لندن السينمائي (4 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول) يقدم المخرج المصري السويدي طارق صالح صورة بالغة القتامة لدولة ضرب العفن والفساد والتفسخ الأخلاقي أجهزتها الأمنية، لا سيما الشرطة وأمن الدولة، وذلك على أعتاب الربيع العربي وأحداث الثورة المصرية في يناير/كانون الثاني 2011.
يستقي صالح أحداث فيلمه من وقائع حقيقية لمقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم على يد ضابط في أمن الدولة المصري في دبي عام 2008 بإيعاز وتكليف من رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، المقرب من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ونجله وحاشيته. نقل صالح أحداث الفيلم من عام 2008 إلى بدايات 2011، قبل أيامٍ من بدء الثورة وأحداث ميدان التحرير، وجعل مسرح جريمة القتل غرفة في فندق النيل هيلتون وسط القاهرة بدلا من شقة تميم في دبي. في غرفة في فندق النيل هيلتون في القاهرة تسمع عاملة نظافة من جنوب السودان شذرات من شجار بين امرأة ورجل، يخرج الرجل الذي يبدو ثلاثينيا أنيقا، ليتبعه بعد فترة قصيرة رجل آخر وصوت رصاص مكتوم. لا يسعى الفيلم، على غرار أفلام الجريمة والأفلام البوليسية، للكشف عن الجاني، ولكنه يستخدم الجريمة كمدخل للنفاذ إلى داخل الجهاز الأمني المصري والكشف عن الفساد الذي يعم أرجاءه واجهزته المختلفة. ارتشاء، ظلم، بطش، الضرب عرض الحائط بالعدل والإنسانية، غض الطرف عن الاتجار في المخدرات والاتجار في الجنس والابتزاز مقابل المشاركة في المكاسب. هذه هي صورة جهاز الشرطة المصري كما يصوره الفيلم، الذي كتب له السيناريو طارق صالح.
نقطة ضعف
يتولى التحقيق في قضية القتل ضابط الشرطة النقيب نور الدين (الممثل الللبناني فارس فارس في أداء متميز). يتضح أن القتيلة هي مطربة شابة جميلة تُدعى لالينا. نور الدين لا يقل فسادا عن غيره من رجال الشرطة فهو يتقبل الرشى ويقبض الإتاوات التي جُمعت قسرا، ويغض الطرف عن الدعارة والمخدرات ويراهما من صور الفساد، طالما سيحصل على مقابل. في غرفة لالينا وبتفتيش متعلقاتها يعثر على كم كبير من النقود، التي يدسها في جيبه الخاص، ولكنه يعثر أيضا على إيصال لمحل تصوير لتسلم صور فوتوغرافية.
علّ نقطة الضعف الرئيسية في الفيلم هي معرفة السبب وراء بحث نور الدين عن الحقيقة في هذه القضية تحديدا. لا يقدم الفيلم أي مؤشرات على أنه نزيه أو أنه يسعى وراء الحق والحقيقة. هو، كغيره من رجال الشرطة في الفيلم، يغوص في أوحال الفساد بدون اكتراث كبير. ولكننا ربما نلمح ملامح طفيفة من الخير في شخصيته، فهو يحنو على والده المسن ويتقبل كلامه المؤلم عن فساده وفساد الشرطة، ونلمح بعض الأسى على وجهه حين يتأمل صورة زوجته الراحلة التي توفيت في حادث.
أيا كان دافع نور الدين، سواء كان رغبة في الخلاص أو تأثرا بجمال اغتيل وقُتل، أو رغبة للتخلص من شعور دفين بالدنس، فإننا نجده يندفع صوب التوصل إلى قاتل لالينا، في رحلة بحث نعلم مسبقا إنه ليس قادرا على خوضها بمفرده. نعلم أنه سيذهب ضحية لسعيه وراء الحقيقة، في جريمة تطال أطرافها أصحاب نفوذ واسع وفي جهاز أمني فاسد ينحني كل الانحناء أمام المال والنفوذ. ربما ما يقوم به نور الدين هو محالة للانتحار أو للخلاص الممنهج من حياة قبيحة مليئة بالدرن، ولكنه جعل من انتحاره أو خلاصه رحلة للبحث عن الحقيقة في هذه الجريمة. حين يتسلم نور الدين الصور التي وضعت لالينا إيصالها في حقيبتها، يكتشف أنها مجموعة لقطات لها في أوضاع حميمية مع رجل أعمال شاب واسع النفوذ، وعضو برلماني يتمتع بالحصانة، هو حاتم شفيق (أحمد سليم)، وأن قوادا هو من التقط الصور، فهو يجتذب الأثرياء وذوي النفوذ إلى ملهاه الأنيق، ثم يختلي رجال الأعمال بالفتيات الحسناوات والمغنيات الجميلات في سهرات خاصة يصورها ليبتزهم مقابل النقود. تقود رحلة نور الدين للبحث عن الحقيقة إلى أن الشرطة وأمن الدولة على علم بشبكة الدعارة والابتزاز تلك، ولكن الجهازين يغضان الطرف للاقتسام مع المبتزين.
ترهل سردي
يتفرع الفيلم ويتشعب أحيانا فيصاب ببعض الترهل السردي، ولعل أبرز تلك التفرعات التي يأخذنا فيها الفيلم هي قصة سلوى، اللاجئة السودانية الجنوبية، التي شاهدت الجاني وشاهدت رجل الأعمال يوم مقتل لالينا. تسرح إدارة الفندق سلوى، التي تعد الشاهد الوحيد على الحادث، وتقدم الرشى لرجال الشرطة حتى لا يقتفوا أثرها. ولكن نور الدين يصر على العثور عليها في رحلة تأخذه إلى منطقة عشوائية يعيش فيها اللاجئون من جنوب السودان مكتظين في ظروف معيشية مزرية، ظروف تضطر بعضهم لعالم الإجرام. نرى في هذا الجزء ترهلا وتشرذما لسرد الفيلم، ولكن يمكن القول إن صالح كان يسعى لإظهار ظلم منظومة الحكم ومنظومة المجتمع في مصر للاجئ الغريب. وهناك أيضا أجواء الملهى الذي تؤمه صفوة المجتمع وأثرياؤه وأثرياء العرب، حيث تُعقد السهرات ويدور الشراب وتشدو المغنيات الحسناوات. وهناك أيضا عالم القصور الفارهة التي يقيم فيها شفيق وأترابه ونوادي الغولف التي يمارسون فيها رياضتهم التي لا يقدر على كلفتها إلا الصفوة.
وهناك قصة نور الدين الموزع بين أبيه الذي يجد في عمله في الشرطة سرقة بمسمى آخر وعمه رجل الشرطة صاحب الرتبة الكبيرة المتمرس في فساد الأجهزة الأمنية، الذي لا يشعر بأي ذنب أو غضاضة في ما تقترفه من سرقة وتعذيب وتنكيل. يتلقى العم الرشوة ويذهب ليحج حتى يعود نقيا كما ولدته أمه، هكذا يظن. كلها تفرعات في طرق جانبية لا تخدم كثيرا الخط السردي الرئيسي وهو تعقب قاتل لالينا، ولكن علّ صالح يهدف بها إلى رسم أشمل صورة ممكنة للفساد في مصر ولحياة مترفيها وحياة مهمشيها على أعتاب بركان الغضب وثورة 25 يناير/كانون الثاني.
بحث عن القاتل
خطوط كثيرة لا يحسمها الفيلم ولا يقدم إجابة شافية فيها، ويبقى على رأسها فهم شخصية نور الدين ونوازعه. يستمر نور الدين في تلقي الرشوة وفي تقديم الرشوة حتى يحصل على معلومات عمن قتل لالينا وعمن قتل مطربة تونسية شابة أخرى تعرف عليها في رحلته للبحث عن القاتل وأُعجب بها وأقام معها علاقة قصيرة. ولكنه رغم نواقصه ورشوته، يوفر الحماية للفتاة السودانية التي شاهدت القاتل وينأى بنفسه في نهاية المطاف عن عمه الذي كان أكبر سند له في جهاز الشرطة، والذي كان السبب في ترقيه السريع. خيوط لا يلمها الفيلم جيدا في لحمته وشخصية رئيسية ملتبسة لا نعرف نوازعها، لكن ربما يسعى صالح للقول إنه حتى يزول الالتباس في المواقف وحتى تتضح الصورة وحتى تغسل البلاد درنها فإنها في حاجة إلى ثورة وإلى غضب شعبي. تبدأ أحداث الفيلم يوم 15 يناير 2011 وتنتهي يوم 25 يناير وسط الغضب والجموع التي خرجت للميدان لتعرب عن وقوفها في وجه الفساد والظلم. ينجح الفيلم رغم نواقصه في الاحتفاظ باهتمامنا وبرغبتنا لنور الدين في النجاة، رغم معرفتنا أنه في رحلة صعبة خطرة أمام قوى لا يمكنه التصدي لها.
يختار صالح لفيلمه نهاية فيها من السخرية الكثير، وفيها من استشراف المستقبل الكثير. يقود العم الفاسد، الذي كان يرتدي ملابس مدنية وليس زي الشرطة، نور الدين إلى وسط الجموع في يوم 25 يناير ليصرخ أن نور الدين شرطي يحاول البطش به. تنهال الحشود على نور الدين ضربا وركلا، بينما يفر العم الفاسد. رغم فورة الغضب وقوته، يبقى المواطنون الغاضبون يجهلون الحقيقة بأكملها، ويتمكن الطغاة والفسدة من استغلال اندفاع الجمهور وحماسه للنجاة بأنفسهم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.