تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 23 أغسطس 2025    مواعيد مباريات اليوم السبت 23 أغسطس والقنوات الناقلة    استشهاد 12 فلسطينيًا جراء قصف للاحتلال استهدف خيام نازحين شمال غرب خان يونس    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 23 أغسطس 2025    هل يحق لمكتسبي الجنسية المصرية مباشرة الحقوق السياسية؟ القانون يجيب    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 23 أغسطس 2025    مهاجر التيك توك «الأفغاني» يقدم نصائح لقتل الزوجات وتجنب العقوبة    القاهرة تسجل 40 مجددا والصعيد يعود إلى "الجحيم"، درجات الحرارة اليوم السبت في مصر    ثوانٍ فارقة أنقذت شابًا من دهس القطار.. وعامل مزلقان السادات يروي التفاصيل    قطع المياه 6 ساعات ببعض مناطق الجيزة لتحويل خط رئيسي    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    ضبط 50 محلًا بدون ترخيص وتنفيذ 40 حكمًا قضائيًا بحملة أمنية بالفيوم    لمحبي الآكلات الجديدة.. حضري «الفاصوليا البيضاء» على الطريقة التونسية (الخطوات والمكونات)    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    جامعة أسوان تهنئ البروفيسور مجدي يعقوب لتكريمه من جمعية القلب الأمريكية    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    «ميستحقوش يلعبوا في الزمالك».. إكرامي يفتح النار على ألفينا وشيكو بانزا    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    بطريقة درامية، دوناروما يودع جماهير باريس سان جيرمان (فيديو وصور)    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    حدث بالفن| أول تعليق من شيرين عبد الوهاب بعد أنباء عودتها ل حسام حبيب وفنان يرفض مصافحة معجبة ونجوم الفن في سهرة صيفية خاصة    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت تحول المعلومات إلى منجم ذهب
نشر في صوت البلد يوم 09 - 10 - 2017

تكفي إطلالة سريعة على القيمة السوقية لخمس شركات أميركية، تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، لأن يشعر المرء بالدهشة، إذ بلغت قيمة هذه الشركات، وهي فيسبوك وأمازون وأبل ومايكروسوفت وألفابيت (الشركة التي تمتلك غوغل)، مجتمعة نحو ثلاثة تريليون دولار، وهذا يعني أنها من أنجح الشركات وأكثرها قيمة في تاريخ البشرية. وعلاوة على هذه القيمة السوقية الهائلة، فإن الزيادة المستمرة في استثمارات هذه الشركات تعني أنها على الطريق للمزيد من النمو والتوسع.
توظيف المعلومات يحقق أرباحا
أنفقت على سبيل المثال شركات مايكروسوفت وأمازون وغوغل في عام 2016 مبلغ 32 مليار دولار على التوسعات الرأسمالية، والتي تشمل شراء أصول جديدة وشراء مؤسسات أخرى، وذلك بزيادة تبلغ نحو 22 بالمئة عن العام السابق حسب ما أوردت صحيفة وول ستريت الأميركية.
وما يلفت النظر حقا في نجاح هذه الشركات ونموها الهائل والمستمر أنها لا تعمل في أي مجال تقليدي من المجالات الاقتصادية التي حققت، ولا تزال تحقق، لمن يعمل فيها أرباحا واسعة، مثل صناعة النفط والغاز أو صناعة البنوك أو الاستثمار في العقارات، بل تمكنت هذه الشركات من خلق خدمات وسلع جديدة، كلها تقوم بشكل أو بآخر على المعلومات وكيفية الاستفادة منها، وسيطرت على أسواق المعلومات، وحولتها إلى منجم ذهب.
وعلى سبيل المثال يمكن للمستخدم من خلال محرك البحث غوغل أن يعرف ما يريده من معلومات عن سلعة بعينها، ويمكنه أن يشارك معارفه وأصدقاءه ما عرفه عن هذه السلعة من خلال صفحته على فيسبوك، ثم يشتريها إن أراد من خلال موقع شركة أمازون، ثم ينقل كل ما حدث عبر الآيفون الذي تنتجه شركة أبل.
ولم تكن كل هذه الخدمات، التي تقدمها شركات غوغل وفيسبوك وأمازون وأبل للمستخدمين، موجودة أصلا منذ سنوات قلائل، ولكنها أصبحت الآن جزءا أساسيا من حياة الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم، خاصة الفئات الأصغر عمرا، بحيث لا يمكن لهؤلاء تخيل الحياة الآن دون وجود الهاتف المحمول، أو دون استخدام تطبيقات برامج مايكروسوفت، أو دون الدخول إلى صفحاتهم على فيسبوك.
ولعل اللافت أيضا في قصة نجاح هذه الشركات أنها تقوم على تقديم خدمة “مجانية”، كما يبدو للوهلة الأولى، لمستخدميها. فمن يستفيد من محرك البحث غوغل، أو صفحات الفيسبوك، أو يقوم بالشراء من خلال موقع أمازون لا يدفع شيئا مقابل هذه الخدمات، ولكن في حقيقة الأمر يقدم مستخدمو هذه الخدمات سيلا هائلا من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها وتحويلها إلى أرباح واسعة.
واستخدمت هذه الشركات في البداية ما لديها من معلومات لتقديم قاعدة بيانات عن مستخدميها. وعلى سبيل المثال استطاعت شركات تكنولوجيا المعلومات أن تقدم لشركات إنتاج الأغذية أو الملابس أو السيارات أو غيرها، معلومات عن تفضيلات المستخدمين وميولهم حسب العمر والجنس والمنطقة وغير ذلك.
وتطور الأمر بعد ذلك مع اتساع شركات تكنولوجيا المعلومات، وأصبحت تستفيد مما لديها من قاعدة معلومات هائلة عن الملايين من الأشخاص في جذب المعلنين إليها. ويمكن لأي شخص مثلا أن يذهب لشركة فيسبوك ويطلب الإعلان عن سلعة معينة بحيث يصل الإعلان إلى مدن بعينها وإلى فئة عمرية محددة وفي توقيت محدد.
وباستطاعته أيضا التوسع في حجم الجمهور الذي يمكن أن يصل إليه الإعلان عبر صفحات فيسبوك حسب ما لديه من ميزانية، إذ لا يصل كل إعلان إلى كل مستخدمي فيسبوك، بل إلى قطاع منهم، حسب المكان والتوقيت والعمر وغير ذلك من المؤشرات التي يتم الاتفاق عليها مع المعلن. بل أصبح من الشائع الآن أن يتم البحث عن فندق مثلا في بلد ما، ثم يفاجَأ من قام بالبحث بتدفق الإعلانات عليه عن الفنادق في هذا البلد لأن قواعد البيانات أوضحت أنه مهتم بذلك.
وواصلت شركات تكنولوجيا المعلومات تطورها لما هو أبعد من ذلك، وهو استخدام قواعد البيانات الهائلة التي تمتلكها في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل تحليل الشخصية أو اقتراح خدمات معينة، وهو مجال جديد نسبيا، ويمكن أن يتطور بشكل لا يدرك أهميته الكثيرون في الوقت الراهن، لكن شركات تكنولوجيا المعلومات أدركت أهميته منذ وقت مبكر وبدأت في الاستفادة مما فيه من تطورات يمكن بدورها أن تدر أرباحا إضافية لهذه الشركات.
ونتيجة ضخامة ما لدى هذه الشركات من معلومات، ومن قدرة على توظيفها، أصبحت في وضع شبه احتكاري في السوق الأميركية. والحصيلة أن تقريبا كل النمو في عائدات الإعلانات عبر الإنترنت في السوق الأميركية في عام 2016 كان من نصيب شركتي فيسبوك وغوغل، وذلك حسب الأرقام التي أوردتها مجلة الأيكونوميست البريطانية. أما شركة أمازون، فتم من خلال موقعها تقريبا شراء نصف المعروض عبر الإنترنت في السوق الأميركية في نفس العام، وهو إنجاز هائل بالنظر إلى ضخامة الاقتصاد الأميركي، الذي يمثل أكبر اقتصاد في العالم، وضخامة المعاملات في السوق الأميركية.
تحديات سياسية
غير أن الوضع شبه الاحتكاري الذي تتمتع به خمس شركات أميركية عملاقة تمكنت، بصورة أو بأخرى، من الهيمنة على سوق تكنولوجيا المعلومات وأصبحت تحظى بقدرات مالية هائلة، يجعل من الصعب منافستها، مما يثير مشكلات كثيرة لدى قوى اقتصادية أخرى ترفض هذه الهيمنة الأميركية، ومنها الاتحاد الأوروبي والصين.
ويتم حاليا الإعداد لقانون في ألمانيا يتيح لهيئة مكافحة الاحتكار التدخل لرفض سياسات شركة فيسبوك التي يمكن أن تخل بقواعد المنافسة العادلة. ومؤخرا بدأت هذه الهيئة التحقيق في سياسة الخصوصية التي تتبعها شركة فيسبوك لبحث ما إذا كانت تستخدم من قبل فيسبوك لإحكام سيطرتها عل سوق المعلومات ومنع أي منافسة حقيقية معها.
وسبق للاتحاد الأوروبي أن دخل في صراع طويل مع مايكروسوفت بسبب مشابه، وهو احتكار السوق بحيث لا تكون هناك قدرة لأي شركة أخرى على منافسة برامج مايكروسوفت بشكل عادل. وفي الصين يتم أيضا التجهيز لقانون يجبر الشركات العاملة في الصين على تخزين ما لديها من معلومات في قواعد بيانات داخل الصين. وكل هذه القوانين تعكس بوضوح رفض الاتحاد الأوروبي والصين الخضوع للهيمنة الأميركية على سوق تكنولوجيا المعلومات، ومحاولة البحث عن مخرج للتخلص من هذه الهيمنة.
وقود للنمو
هناك مشكلة أخرى سياسية داخل الولايات المتحدة نفسها، وهي المخاوف من استخدام شركات تكنولوجيا المعلومات، وما لديها من إمكانيات مالية وتكنولوجية، لصالح حزب أو مرشح بعينه، فعلى سبيل المثال لو أن المستخدم يتخيل أن شركة فيسبوك أو غوغل أعلنت أنها تدعم مرشحا معينا للكونغرس أو البيت الأبيض، وساندته بكل ما لديها من إمكانيات، فهل ستكون هذه منافسة سياسية عادلة؟ هل ستكون عملية التصويت والانتخاب نزيهة؟
بل لو تخيل المستخدم ترشح رئيس شركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، للرئاسة، واستخدم إمكانيات شركته العملاقة لدعم وصوله إلى البيت الأبيض، فهل سيكون السباق الرئاسي عادلا؟ هو بلا شك سؤال محير يدفع الكثير من الكتاب والباحثين في الولايات المتحدة إلى المطالبة بتنظيم عمل هذه الشركات لضمان الحد من قوتها السياسية والاقتصادية، بل ويطالب البعض بتقسيم كل شركة عملاقة منها لعدة شركات أصغر لضمان منافسة أفضل.
لكن في النهاية يبقى واقع الحال أن شركات تكنولوجيا المعلومات نجحت في أن تجعل المعلومات وقودا للنمو، ومصدرا هائلا للأرباح بشكل يشبه إلى حد كبير الدور الذي قام به النفط في حقب سابقة. ونجحت في تعزيز الهيمنة الأميركية على قطاع اقتصادي هائل، وعلى تفاصيل حياة الملايين من البشر. ويبقى الفارق الأساسي بين النفط والمعلومات أن النفط يمكن أن ينضب، لكن المعلومات تتزايد باستمرار، وتتسع معها المكاسب المالية والسياسية لمن يسيطر عليها.
....
كاتب مصري
تكفي إطلالة سريعة على القيمة السوقية لخمس شركات أميركية، تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، لأن يشعر المرء بالدهشة، إذ بلغت قيمة هذه الشركات، وهي فيسبوك وأمازون وأبل ومايكروسوفت وألفابيت (الشركة التي تمتلك غوغل)، مجتمعة نحو ثلاثة تريليون دولار، وهذا يعني أنها من أنجح الشركات وأكثرها قيمة في تاريخ البشرية. وعلاوة على هذه القيمة السوقية الهائلة، فإن الزيادة المستمرة في استثمارات هذه الشركات تعني أنها على الطريق للمزيد من النمو والتوسع.
توظيف المعلومات يحقق أرباحا
أنفقت على سبيل المثال شركات مايكروسوفت وأمازون وغوغل في عام 2016 مبلغ 32 مليار دولار على التوسعات الرأسمالية، والتي تشمل شراء أصول جديدة وشراء مؤسسات أخرى، وذلك بزيادة تبلغ نحو 22 بالمئة عن العام السابق حسب ما أوردت صحيفة وول ستريت الأميركية.
وما يلفت النظر حقا في نجاح هذه الشركات ونموها الهائل والمستمر أنها لا تعمل في أي مجال تقليدي من المجالات الاقتصادية التي حققت، ولا تزال تحقق، لمن يعمل فيها أرباحا واسعة، مثل صناعة النفط والغاز أو صناعة البنوك أو الاستثمار في العقارات، بل تمكنت هذه الشركات من خلق خدمات وسلع جديدة، كلها تقوم بشكل أو بآخر على المعلومات وكيفية الاستفادة منها، وسيطرت على أسواق المعلومات، وحولتها إلى منجم ذهب.
وعلى سبيل المثال يمكن للمستخدم من خلال محرك البحث غوغل أن يعرف ما يريده من معلومات عن سلعة بعينها، ويمكنه أن يشارك معارفه وأصدقاءه ما عرفه عن هذه السلعة من خلال صفحته على فيسبوك، ثم يشتريها إن أراد من خلال موقع شركة أمازون، ثم ينقل كل ما حدث عبر الآيفون الذي تنتجه شركة أبل.
ولم تكن كل هذه الخدمات، التي تقدمها شركات غوغل وفيسبوك وأمازون وأبل للمستخدمين، موجودة أصلا منذ سنوات قلائل، ولكنها أصبحت الآن جزءا أساسيا من حياة الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم، خاصة الفئات الأصغر عمرا، بحيث لا يمكن لهؤلاء تخيل الحياة الآن دون وجود الهاتف المحمول، أو دون استخدام تطبيقات برامج مايكروسوفت، أو دون الدخول إلى صفحاتهم على فيسبوك.
ولعل اللافت أيضا في قصة نجاح هذه الشركات أنها تقوم على تقديم خدمة “مجانية”، كما يبدو للوهلة الأولى، لمستخدميها. فمن يستفيد من محرك البحث غوغل، أو صفحات الفيسبوك، أو يقوم بالشراء من خلال موقع أمازون لا يدفع شيئا مقابل هذه الخدمات، ولكن في حقيقة الأمر يقدم مستخدمو هذه الخدمات سيلا هائلا من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها وتحويلها إلى أرباح واسعة.
واستخدمت هذه الشركات في البداية ما لديها من معلومات لتقديم قاعدة بيانات عن مستخدميها. وعلى سبيل المثال استطاعت شركات تكنولوجيا المعلومات أن تقدم لشركات إنتاج الأغذية أو الملابس أو السيارات أو غيرها، معلومات عن تفضيلات المستخدمين وميولهم حسب العمر والجنس والمنطقة وغير ذلك.
وتطور الأمر بعد ذلك مع اتساع شركات تكنولوجيا المعلومات، وأصبحت تستفيد مما لديها من قاعدة معلومات هائلة عن الملايين من الأشخاص في جذب المعلنين إليها. ويمكن لأي شخص مثلا أن يذهب لشركة فيسبوك ويطلب الإعلان عن سلعة معينة بحيث يصل الإعلان إلى مدن بعينها وإلى فئة عمرية محددة وفي توقيت محدد.
وباستطاعته أيضا التوسع في حجم الجمهور الذي يمكن أن يصل إليه الإعلان عبر صفحات فيسبوك حسب ما لديه من ميزانية، إذ لا يصل كل إعلان إلى كل مستخدمي فيسبوك، بل إلى قطاع منهم، حسب المكان والتوقيت والعمر وغير ذلك من المؤشرات التي يتم الاتفاق عليها مع المعلن. بل أصبح من الشائع الآن أن يتم البحث عن فندق مثلا في بلد ما، ثم يفاجَأ من قام بالبحث بتدفق الإعلانات عليه عن الفنادق في هذا البلد لأن قواعد البيانات أوضحت أنه مهتم بذلك.
وواصلت شركات تكنولوجيا المعلومات تطورها لما هو أبعد من ذلك، وهو استخدام قواعد البيانات الهائلة التي تمتلكها في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل تحليل الشخصية أو اقتراح خدمات معينة، وهو مجال جديد نسبيا، ويمكن أن يتطور بشكل لا يدرك أهميته الكثيرون في الوقت الراهن، لكن شركات تكنولوجيا المعلومات أدركت أهميته منذ وقت مبكر وبدأت في الاستفادة مما فيه من تطورات يمكن بدورها أن تدر أرباحا إضافية لهذه الشركات.
ونتيجة ضخامة ما لدى هذه الشركات من معلومات، ومن قدرة على توظيفها، أصبحت في وضع شبه احتكاري في السوق الأميركية. والحصيلة أن تقريبا كل النمو في عائدات الإعلانات عبر الإنترنت في السوق الأميركية في عام 2016 كان من نصيب شركتي فيسبوك وغوغل، وذلك حسب الأرقام التي أوردتها مجلة الأيكونوميست البريطانية. أما شركة أمازون، فتم من خلال موقعها تقريبا شراء نصف المعروض عبر الإنترنت في السوق الأميركية في نفس العام، وهو إنجاز هائل بالنظر إلى ضخامة الاقتصاد الأميركي، الذي يمثل أكبر اقتصاد في العالم، وضخامة المعاملات في السوق الأميركية.
تحديات سياسية
غير أن الوضع شبه الاحتكاري الذي تتمتع به خمس شركات أميركية عملاقة تمكنت، بصورة أو بأخرى، من الهيمنة على سوق تكنولوجيا المعلومات وأصبحت تحظى بقدرات مالية هائلة، يجعل من الصعب منافستها، مما يثير مشكلات كثيرة لدى قوى اقتصادية أخرى ترفض هذه الهيمنة الأميركية، ومنها الاتحاد الأوروبي والصين.
ويتم حاليا الإعداد لقانون في ألمانيا يتيح لهيئة مكافحة الاحتكار التدخل لرفض سياسات شركة فيسبوك التي يمكن أن تخل بقواعد المنافسة العادلة. ومؤخرا بدأت هذه الهيئة التحقيق في سياسة الخصوصية التي تتبعها شركة فيسبوك لبحث ما إذا كانت تستخدم من قبل فيسبوك لإحكام سيطرتها عل سوق المعلومات ومنع أي منافسة حقيقية معها.
وسبق للاتحاد الأوروبي أن دخل في صراع طويل مع مايكروسوفت بسبب مشابه، وهو احتكار السوق بحيث لا تكون هناك قدرة لأي شركة أخرى على منافسة برامج مايكروسوفت بشكل عادل. وفي الصين يتم أيضا التجهيز لقانون يجبر الشركات العاملة في الصين على تخزين ما لديها من معلومات في قواعد بيانات داخل الصين. وكل هذه القوانين تعكس بوضوح رفض الاتحاد الأوروبي والصين الخضوع للهيمنة الأميركية على سوق تكنولوجيا المعلومات، ومحاولة البحث عن مخرج للتخلص من هذه الهيمنة.
وقود للنمو
هناك مشكلة أخرى سياسية داخل الولايات المتحدة نفسها، وهي المخاوف من استخدام شركات تكنولوجيا المعلومات، وما لديها من إمكانيات مالية وتكنولوجية، لصالح حزب أو مرشح بعينه، فعلى سبيل المثال لو أن المستخدم يتخيل أن شركة فيسبوك أو غوغل أعلنت أنها تدعم مرشحا معينا للكونغرس أو البيت الأبيض، وساندته بكل ما لديها من إمكانيات، فهل ستكون هذه منافسة سياسية عادلة؟ هل ستكون عملية التصويت والانتخاب نزيهة؟
بل لو تخيل المستخدم ترشح رئيس شركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، للرئاسة، واستخدم إمكانيات شركته العملاقة لدعم وصوله إلى البيت الأبيض، فهل سيكون السباق الرئاسي عادلا؟ هو بلا شك سؤال محير يدفع الكثير من الكتاب والباحثين في الولايات المتحدة إلى المطالبة بتنظيم عمل هذه الشركات لضمان الحد من قوتها السياسية والاقتصادية، بل ويطالب البعض بتقسيم كل شركة عملاقة منها لعدة شركات أصغر لضمان منافسة أفضل.
لكن في النهاية يبقى واقع الحال أن شركات تكنولوجيا المعلومات نجحت في أن تجعل المعلومات وقودا للنمو، ومصدرا هائلا للأرباح بشكل يشبه إلى حد كبير الدور الذي قام به النفط في حقب سابقة. ونجحت في تعزيز الهيمنة الأميركية على قطاع اقتصادي هائل، وعلى تفاصيل حياة الملايين من البشر. ويبقى الفارق الأساسي بين النفط والمعلومات أن النفط يمكن أن ينضب، لكن المعلومات تتزايد باستمرار، وتتسع معها المكاسب المالية والسياسية لمن يسيطر عليها.
....
كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.