محافظ المنوفية يقدم التهنئة لمدير أمن المنوفية الجديد.. صور    أوقاف شمال سيناء تشارك في ندوة توعوية بعنوان: "معًا بالوعي نحميها"    ميناء دمياط يعلن وصول سفينة القمح الكندية الضخمة    بتخفيضات 30%.. محافظ كفر الشيخ يتفقد سوق «اليوم الواحد» بمطوبس    محافظ المنيا: تخصيص أراضٍ لإنشاء 20 مدرسة جديدة بمختلف المراكز    «مدبولي» يلتقي رئيس شركة «شل العالمية لأنشطة الغاز المتكاملة» (تفاصيل)    إنفوجراف| كلمة الرئيس السيسي حول الأوضاع في غزة    في إطار التحالف الوطني للعمل الأهلي.. «مصر الخير» تستعد لإطلاق قافلة مساعدات غذائية وطبية إلى غزة    إسرائيل هيوم: تقديرات إسرائيلية بأن احتلال غزة بات قريبا    «القاهرة الإخبارية»: غزة تحت نيران القصف.. والمجاعة تحصد أرواح الأطفال    لا مزيد من المجانية| ترامب يفرض على أوروبا معادلة «الحماية مقابل الدفع»    لافروف: سنواصل تنفيذ العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا وسنمنع انضمام كييف للحلف    ماستانتونو يستعد للانضمام لمران ريال مدريد    مران خفيف للاعبي المصري غير المشاركين أمام الترجي.. وتأهيل واستشفاء للمجموعة الأساسية    تراوري ينضم لمعسكر الإسماعيلي اليوم في برج العرب    بعد ضم فيليكس.. لاعب جديد من تشيلسي على أعتاب النصر السعودي    نائب رئيس اتحاد الجوجيتسو ورئيس لجنة الMMA يشهدان بطولة العالم للفنون القتالية المختلطة بالإمارات    زد يعلن انتقال محمد إسماعيل للزمالك    تحرير 119 ألف مخالفة مرورية وإيجابية عينة المخدرات ل 266 سائقًا    اندلاع حريق فى أحد المطاعم بمنطقة المنتزه شرق الإسكندرية    بالأسماء والمجموع.. أوائل الثانوية العامة علمي رياضة في جنوب سيناء    مصرع شخص صدمته سيارة تقودها طفلة وشقيقتها بإمبابة    بعد وفاة مدير أمن الوادي الجديد قبل تسلمه عمله.. نقل جثمان شرطي توفي متأثرا بالإصابة في الحادث    بيروت توّدع زياد الرحباني.. فيروز أمام الوداع الأخير لابنها | فيديو وصور    رئيس حزب الاتحاد: كلمة الرئيس السيسى أكدت أن مصر لم ولن تتأخر عن دعم فلسطين    الأعلى للإعلام: حفظ شكوى نقابة المهن الموسيقية ضد طارق الشناوي وخالد أبو بكر ومفيدة شيحة وسهير جودة    هدى المفتي تكشف: شائعة «البخت» أزعجتني نفسيًا.. ولم أتلقَ عرض زواج حتى الآن    وحدة السكتة الدماغية بمجمع الإسماعيلية الطبي تحصل على اعتماد «WSO»    ضعف المياه بشرق وغرب بسوهاج غدا لأعمال الاحلال والتجديد بالمحطة السطحية    فريق جراحة الأورام بالسنبلاوين ينجح فى استئصال كيس ضخم من حوض مريضة    السيسي: قطاع غزة يحتاج من 600 إلى 700 شاحنة مساعدات في الإيام العادية    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم فردوس عبد الحميد بدورته ال 41    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة تظلمات مسابقة ألف إمام وخطيب    لمواجهة الكثافة الطلابية.. فصل تعليمي مبتكر لرياض الأطفال بالمنوفية (صور)    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    وزير الأوقاف: وثِّقوا علاقتكم بأهل الصدق فى المعاملة مع الله    الفنان محمد رياض يودع السودانيين فى محطة مصر قبل عودتهم للسودان    ديمقراطية العصابة..انتخابات مجلس شيوخ السيسي المقاعد موزعة قبل التصويت وأحزاب المعارضة تشارك فى التمثيلية    وزير الصحة: مصر الأولى عالميا في الحصول على التصنيف الذهبي بالقضاء على فيروس سي    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    فرقة الآلات الشعبية وكورال السويس يتألقان في رابع أيام "صيف السويس"    إسرائيل تقرر تجميد خطة "المدينة الإنسانية" في رفح    السّم في العسل.. أمين الفتوى يحذر من "تطبيقات المواعدة" ولو بهدف الحصول على زواج    حكم استمرار الورثة في دفع ثمن شقة بالتقسيط بعد وفاة صاحبها.. المفتي يوضح    مدبولي يستعرض استجابات منظومة الشكاوى الحكومية لعدد من الحالات بقطاعات مختلفة    محافظ المنيا: إزالة 744 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة    الزمالك يدرس التعاقد مع صفقة رومانية.. وعائق وحيد يمنع حسمها    «الصحة» تحذر من الإجهاد الحراري وضربات الشمس وتوجه نصائح وقائية    إطلاق حملة لتعقيم وتطعيم الكلاب الضالة بمدينة العاشر من رمضان (صور)    أمين الفتوى: الصلاة بالبنطلون أو "الفانلة الداخلية" صحيحة بشرط ستر العورة    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    توفير السيولة وخلق كوادر شابة مفتاح نهوض شركات المقاولات التابعة للقابضة للتشييد    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيبي السائق.. أحد أكثر أفلام العام شعبية ونجاحا.
نشر في صوت البلد يوم 01 - 08 - 2017

من بين اللقطات الأولى من فيلم "بيبي السائقBaby Driver " لمخرجه البريطاني إدغار رايت، هناك لقطة قريبة لعجلة سيارة، ثم لقطة تالية قريبة لجهاز أيبود في يد بطل الفيلم وهو يختار الموسيقى التي سيستمع إليها قبل أن نرى وجهه في اللقطة التالية والسماعتان في أذنيه وهو يتطلع في قلق من شباك السيارة.
يغادر السيارة ثلاثة أشخاص: رجلان وفتاة، هم اللصوص الثلاثة الذين يتجهون صوب مبنى البنك الذي سيسطون عليه على الجانب الآخر من الشارع، بينما ترتفع الموسيقى لتحول بين بطلنا وبين متابعة ما يجري.
وعندما تتعقد عملية السطو إلى حد ما كما يلاحظ السائق الشاب من مكانه، يرفع صوت الموسيقى أكثر إلى أن تطغى تماما على الصورة ويردد في لقطات “قريبة” بينما تقترب الكاميرا في زووم تدريجيا من وجهه، الكلمات التي يرددها مذيع حفل على الشريط الذي يستمع إليه “شكرا أيها السيدات والسادة.. الآن استطيع أن أقول لكم أخرجوا.. أخرجوا..”، وكأنه يخاطب اللصوص الثلاثة الذين يرفعون بنادقهم قبل أن يهربوا بالمال المسروق.
يبدو “بيبي” كما لو كان يرغب في الهرب من هذا الواقع، يستعيض عنه بالموسقى، وبعد أن يركب اللصوص الثلاثة ويقود هو السيارة بسرعة كبيرة ترتفع الموسيقى أكثر وتتسيّد مشهد المطاردة الشرسة التي تعقب ذلك وتستمر لمدة ثلاث دقائق ثم تنزل عناوين الفيلم، هذه المجموعة من اللقطات القصيرة تحدد نوعية الشخصية التي سيكشف لنا الفيلم بعد قليل عن معالمها.
مفتاح الفيلم
التحليل النفسي هو أساس فيلم “بيبي السائق”، فليس من الممكن فهم شخصية بطله الشاب بيبي ودوافعه سوى من خلال العودة إلى مبادئ علم النفس، حسب فرويد.
لقد فقد والديه في حادث سيارة مروع بينما كان يجلس في المقعد الخلفي وهو طفل في السابعة، (نشاهد المشهد أكثر من مرة في الفيلم في لحظات استعادة- فلاش باك).
كانت أمه مغنية، وكان يعجب كثيرا بصوتها وما زال يحتفظ بأغانيها.. هذه الخلفية (الأوديبية) لطفل كانت أمه تمثل بالنسبة له نموذج المرأة الكاملة بصوتها وشكلها ومرحها ورقتها وشخصيتها، جعلت موتها المفاجئ بمثابة صدمة كبيرة لم يتمكن من تجاوزها بعد على الصعيد النفسي، أما على الصعيد الجسدي فمنذ الحادث أصبح يعاني من طنين في أذنه اليمنى يتغلب عليه بوضع السماعة في أذنه والاستماع للموسيقى الصاخبة لعلها تقاوم تلك التدفقات المستمرة في طبلة الأذن.
يستمع بيبي للموسيقى من خلال جهاز الأيبود الذي يمتلك منه الكثير، يختزن عليها مجموعات متنوعة من الأغاني، وقد أصبح أيضا يقوم بتوليف موسيقاه الخاصة على خلفية أصوات وعبارات محددة يقوم بتسجيلها ويعيد استخدامها في سياق موسيقي.
يقيم بيبي مع أبيه بالتبني، وهو رجل أسود أصم تولى تربيته بعد وفاة والديه، يتخاطب معه عن طريق الموسيقى والغناء والرقص والإشارات، وحادث السيارة الذي أدى إلى فقدانه أمه وهي تقود السيارة دفع بيبي أيضا، إلى إجادة القيادة بدرجة كبيرة.
والآن يتعين عليه أن يوظف موهبته في القيادة لخدمة “دوك” (كيفن سبايسي)، وهو زعيم عصابة والعقل المخطط لعمليات السرقة والسطو المسلح.
يجعل المخرج-المؤلف إدغار رايت شخصية دوك شبيهة بعض الشيء بشخصية “جو كابوت” زعيم العصابة في فيلم تارانتينو “كلاب المخزن” (1992)، كما يستلهم تفاصيل أخرى صغيرة من فيلم تارانتينو الشهير “خيال رخيص” Pulp Fiction.
بيبي مضطر للعمل مع دوك وفاء لدين قديم عليه بعد أن سرق سيارته الفاخرة في الماضي، تنجح العملية الأولى، وتواجه العملية الثانية بعض المتاعب لكن بيبي ينجح في إنقاذ اللصوص، ويتصور أنه قد أوفى بالدين كما وعده دوك، لكنه يفاجأ بدوك يطالبه بالاشتراك في عملية يقول إنها ستكون “الأخيرة” وهي عملية سرقة أذون صرف من مكتب بريد في أتلانتا، حيث تدور أحداث الفيلم.
ويرضخ بيبي الذي يتطلع الآن إلى التفرغ لحبيبته “ديبي” (ليلي جيمس) التي وقع في غرامها والتي تعمل في خدمة الزبائن في مطعم على الطريق، والأهم أنها تشاركه حبه للموسيقى والغناء وتحلم معه أن يركبا سيارة فخمة (لا يملكان ثمنها) ويقطعان الطرق في عموم أميركا، يستمعان إلى الموسيقى.
طابع الفيلم
الفيلم مزيج من أفلام الجريمة والإثارة والتشويق والرومانسية والموسيقى، وفيه جرعة كبيرة من العنف، كما لا تغيب الموسيقى وكل أنواع الأغاني (البوب والروك والديسكو والبلوز) عن شريط الصوت لحظة واحدة، فهي الأساس العضوي الذي يقوم عليه بناء الفيلم، ومن دون الأغاني والموسيقى تفقد الصورة ملامحها الأساسية.
يستخدم رايت قطعات المونتاج في الصورة على إيقاعات الموسيقى، ويجعل البطل الشاب لا يمكنه قيادة السيارة سوى بعد تشغيل شريط يعجبه ويرضي مزاجه ويكفل له الإثارة المطلوبة، خاصة في مشاهد المطاردة التي يمتلئ بها الفيلم على نحو غير مسبوق منذ “بوليت” (1969)، وبما يتجاوز كثيرا فيلم “درايف” (2011).
لكن الإفراط في تصوير المطاردات وما ينتج من مواقف شبه مستحيلة خاصة في المشاهد النهائية من الفيلم، يقلل من تأثير هذه المشاهد، ويجعلها تقترب من مشاهد الكارتون، أي تفقد واقعيتها وقدرتها على الإقناع، دون أن تفقد سحرها وجاذبيتها بالطبع، ورغم تعقد الموقف في العملية الأخيرة التي يشارك فيها بيبي مع العصابة، وما تنتهي إليه من اضطراب ووقوع بيبي في أيدي الشرطة إلاّ أن الفيلم ينتهي نهاية سعيدة أقرب إلى النهايات الخيالية في الأفلام الرومانسية الكلاسيكية.
رومانسية الأحلام المشتركة
يبدو الوجه الطفولي للممثل أنسيل إلغورت الذي يقوم بدور بيبي مناسبا تماما للدور، بالإضافة إلى ما يتصف به من برود وهدوء أعصاب وقدرة على ضبط الانفعالات بملامحه الاسكندنافية (ينتمي إلى أب روسي وأم نرويجية(.
يتمتع أنسيل إلغورت وليلي جيمس التي تقوم بدور فتاة المطعم، بانسجام هارموني، ووجهين يمتلئان بالتألق والرغبة في معانقة الحياة والانطلاق المجنون للنهل منها، إن ديبي هي التعويض المباشر عن أمه، ولا شك أن هذه الصورة الرومانسية البسيطة تلقى صدى كبيرا لدى جمهور الشباب الذي يتوجه إليه الفيلم في المقام الأول، لقد عثر بيبي في ديبي على الأم البديلة بعد أن كان قد عثر على الأب البديل، أما باقي أفراد العصابة فيغلب عليهم الطابع النمطي.
عنوان الفيلم مأخوذ من اسم أغنية تتردد في نهاية الفيلم أثناء نزول العناوين النهائية، وعلى شريط الصوت في الفيلم نحو ثلاثين أغنية.
يستخدم المخرج حركة الكاميرا بكثرة خاصة الحركة الدائرية حول الشخصيات مع الموسيقى الصاخبة كما في مشهد المواجهة بين أفراد العصابة وجماعة من تجار الأسلحة الذين يتضح أنهم من الشرطة، وهو مشهد شديد العنف.
وفي المشهد الأول بعد نجاح العملية الأولى ومع نزول عناوين الفيلم الأساسية على الشاشة، تهبط الكاميرا من أعلى مبنى إلى بيبي وهو يخرج من الباب ثم يضع النظارات السوداء على عينيه والسماعتين في أذنيه، يسير على الرصيف وهو يتمايل ويهتز مع نغمات الأغنية والكاميرا تتابعه من أمام، ثم يعبر الشارع وهو يتمايل ويشير بيده للسيارات لكي تعبر، ثم يواصل سيره المترنح على الرصيف المقابل.. هناك فتاة ترقص على الرصيف، يقفز في الهواء يقلد بحركة يديه صوت آلة البوق النحاسية التي يرتفع صوتها، يعبر بسرعة من تحت عمود خشبي يحمله رجلان، الكاميرا في أثره، تهبط حينا لتصور قدميه ثم ترتفع مجددا لنراه وهو يدلف من باب محل، حيث تدلف الكاميرا معه إلى الداخل.
يتوقف أمام شاب أسود جالس، يسأله الشاب عن اسمه.. لقد جاء بيبي لالتقاط أربع كؤوس من القهوة كان قد طلبها قبل أن يأتي لرفاقه اللصوص، يستغرب الشاب اسم بيبي..
الكاميرا تدور حولهما على إيقاعات الموسيقى، ثم يلتفت والساقي ينادي اسمه ثم يناوله الكؤوس الأربع في حامل صغير، يخرج من المحل وهو ما زال يتمايل على صوت الموسيقى، يعبر الرصيف إلى الرصيف المقابل، يلتفت خلفه، ثم يواصل السير، يكاد أحد راكبي الدراجات يصطدم به، ثم يعبر الشارع ويواصل السير والكاميرا تتبعه من ظهره، على الرصيف يقف رجل أسود ينفخ في بوق، يتوقف صاحبنا ويلتفت ويتطلع من تحت نظارته السوداء ليتأكد من أن أحدا لا يتبعه قبل أن يدلف من باب المبنى الذي خرج منه في بداية المشهد.
هذا المشهد مصور في لقطة واحدة تستغرق نحو ثلاث دقائق دون أي قطع، والمقصود أن يرسخ هذا المشهد علاقة بيبي وولعه بالموسيقى واستغنائه عن الواقع بالعيش في الغناء، ورغم أنه يقود سيارة اللصوص لكنه مختلف عنهم، وهو لا يحصل مقابل عمله الشاق كما سنرى بعد ذلك، سوى على ربطة صغيرة من الدولارات، أما في المكتب، فهو الولد الذي يحضر القهوة!
تصميم المشاهد والحركة على مستوى رفيع بالطبع، والتآلف بين الموسيقى والصور والإيقاع يخلق جوا خاصا “خياليا”.. فنحن في النهاية أمام فيلم أميركي من أفلام المتعة والإثارة، يبرز فيه الحوار العبثي، ودور المؤثرات البصرية والعدد الهائل (95) من الممثلين البدلاء، ولا شك أنه سيصبح أحد أكثر أفلام العام شعبية ونجاحا.
...
ناقد سينمائي مصري
من بين اللقطات الأولى من فيلم "بيبي السائقBaby Driver " لمخرجه البريطاني إدغار رايت، هناك لقطة قريبة لعجلة سيارة، ثم لقطة تالية قريبة لجهاز أيبود في يد بطل الفيلم وهو يختار الموسيقى التي سيستمع إليها قبل أن نرى وجهه في اللقطة التالية والسماعتان في أذنيه وهو يتطلع في قلق من شباك السيارة.
يغادر السيارة ثلاثة أشخاص: رجلان وفتاة، هم اللصوص الثلاثة الذين يتجهون صوب مبنى البنك الذي سيسطون عليه على الجانب الآخر من الشارع، بينما ترتفع الموسيقى لتحول بين بطلنا وبين متابعة ما يجري.
وعندما تتعقد عملية السطو إلى حد ما كما يلاحظ السائق الشاب من مكانه، يرفع صوت الموسيقى أكثر إلى أن تطغى تماما على الصورة ويردد في لقطات “قريبة” بينما تقترب الكاميرا في زووم تدريجيا من وجهه، الكلمات التي يرددها مذيع حفل على الشريط الذي يستمع إليه “شكرا أيها السيدات والسادة.. الآن استطيع أن أقول لكم أخرجوا.. أخرجوا..”، وكأنه يخاطب اللصوص الثلاثة الذين يرفعون بنادقهم قبل أن يهربوا بالمال المسروق.
يبدو “بيبي” كما لو كان يرغب في الهرب من هذا الواقع، يستعيض عنه بالموسقى، وبعد أن يركب اللصوص الثلاثة ويقود هو السيارة بسرعة كبيرة ترتفع الموسيقى أكثر وتتسيّد مشهد المطاردة الشرسة التي تعقب ذلك وتستمر لمدة ثلاث دقائق ثم تنزل عناوين الفيلم، هذه المجموعة من اللقطات القصيرة تحدد نوعية الشخصية التي سيكشف لنا الفيلم بعد قليل عن معالمها.
مفتاح الفيلم
التحليل النفسي هو أساس فيلم “بيبي السائق”، فليس من الممكن فهم شخصية بطله الشاب بيبي ودوافعه سوى من خلال العودة إلى مبادئ علم النفس، حسب فرويد.
لقد فقد والديه في حادث سيارة مروع بينما كان يجلس في المقعد الخلفي وهو طفل في السابعة، (نشاهد المشهد أكثر من مرة في الفيلم في لحظات استعادة- فلاش باك).
كانت أمه مغنية، وكان يعجب كثيرا بصوتها وما زال يحتفظ بأغانيها.. هذه الخلفية (الأوديبية) لطفل كانت أمه تمثل بالنسبة له نموذج المرأة الكاملة بصوتها وشكلها ومرحها ورقتها وشخصيتها، جعلت موتها المفاجئ بمثابة صدمة كبيرة لم يتمكن من تجاوزها بعد على الصعيد النفسي، أما على الصعيد الجسدي فمنذ الحادث أصبح يعاني من طنين في أذنه اليمنى يتغلب عليه بوضع السماعة في أذنه والاستماع للموسيقى الصاخبة لعلها تقاوم تلك التدفقات المستمرة في طبلة الأذن.
يستمع بيبي للموسيقى من خلال جهاز الأيبود الذي يمتلك منه الكثير، يختزن عليها مجموعات متنوعة من الأغاني، وقد أصبح أيضا يقوم بتوليف موسيقاه الخاصة على خلفية أصوات وعبارات محددة يقوم بتسجيلها ويعيد استخدامها في سياق موسيقي.
يقيم بيبي مع أبيه بالتبني، وهو رجل أسود أصم تولى تربيته بعد وفاة والديه، يتخاطب معه عن طريق الموسيقى والغناء والرقص والإشارات، وحادث السيارة الذي أدى إلى فقدانه أمه وهي تقود السيارة دفع بيبي أيضا، إلى إجادة القيادة بدرجة كبيرة.
والآن يتعين عليه أن يوظف موهبته في القيادة لخدمة “دوك” (كيفن سبايسي)، وهو زعيم عصابة والعقل المخطط لعمليات السرقة والسطو المسلح.
يجعل المخرج-المؤلف إدغار رايت شخصية دوك شبيهة بعض الشيء بشخصية “جو كابوت” زعيم العصابة في فيلم تارانتينو “كلاب المخزن” (1992)، كما يستلهم تفاصيل أخرى صغيرة من فيلم تارانتينو الشهير “خيال رخيص” Pulp Fiction.
بيبي مضطر للعمل مع دوك وفاء لدين قديم عليه بعد أن سرق سيارته الفاخرة في الماضي، تنجح العملية الأولى، وتواجه العملية الثانية بعض المتاعب لكن بيبي ينجح في إنقاذ اللصوص، ويتصور أنه قد أوفى بالدين كما وعده دوك، لكنه يفاجأ بدوك يطالبه بالاشتراك في عملية يقول إنها ستكون “الأخيرة” وهي عملية سرقة أذون صرف من مكتب بريد في أتلانتا، حيث تدور أحداث الفيلم.
ويرضخ بيبي الذي يتطلع الآن إلى التفرغ لحبيبته “ديبي” (ليلي جيمس) التي وقع في غرامها والتي تعمل في خدمة الزبائن في مطعم على الطريق، والأهم أنها تشاركه حبه للموسيقى والغناء وتحلم معه أن يركبا سيارة فخمة (لا يملكان ثمنها) ويقطعان الطرق في عموم أميركا، يستمعان إلى الموسيقى.
طابع الفيلم
الفيلم مزيج من أفلام الجريمة والإثارة والتشويق والرومانسية والموسيقى، وفيه جرعة كبيرة من العنف، كما لا تغيب الموسيقى وكل أنواع الأغاني (البوب والروك والديسكو والبلوز) عن شريط الصوت لحظة واحدة، فهي الأساس العضوي الذي يقوم عليه بناء الفيلم، ومن دون الأغاني والموسيقى تفقد الصورة ملامحها الأساسية.
يستخدم رايت قطعات المونتاج في الصورة على إيقاعات الموسيقى، ويجعل البطل الشاب لا يمكنه قيادة السيارة سوى بعد تشغيل شريط يعجبه ويرضي مزاجه ويكفل له الإثارة المطلوبة، خاصة في مشاهد المطاردة التي يمتلئ بها الفيلم على نحو غير مسبوق منذ “بوليت” (1969)، وبما يتجاوز كثيرا فيلم “درايف” (2011).
لكن الإفراط في تصوير المطاردات وما ينتج من مواقف شبه مستحيلة خاصة في المشاهد النهائية من الفيلم، يقلل من تأثير هذه المشاهد، ويجعلها تقترب من مشاهد الكارتون، أي تفقد واقعيتها وقدرتها على الإقناع، دون أن تفقد سحرها وجاذبيتها بالطبع، ورغم تعقد الموقف في العملية الأخيرة التي يشارك فيها بيبي مع العصابة، وما تنتهي إليه من اضطراب ووقوع بيبي في أيدي الشرطة إلاّ أن الفيلم ينتهي نهاية سعيدة أقرب إلى النهايات الخيالية في الأفلام الرومانسية الكلاسيكية.
رومانسية الأحلام المشتركة
يبدو الوجه الطفولي للممثل أنسيل إلغورت الذي يقوم بدور بيبي مناسبا تماما للدور، بالإضافة إلى ما يتصف به من برود وهدوء أعصاب وقدرة على ضبط الانفعالات بملامحه الاسكندنافية (ينتمي إلى أب روسي وأم نرويجية(.
يتمتع أنسيل إلغورت وليلي جيمس التي تقوم بدور فتاة المطعم، بانسجام هارموني، ووجهين يمتلئان بالتألق والرغبة في معانقة الحياة والانطلاق المجنون للنهل منها، إن ديبي هي التعويض المباشر عن أمه، ولا شك أن هذه الصورة الرومانسية البسيطة تلقى صدى كبيرا لدى جمهور الشباب الذي يتوجه إليه الفيلم في المقام الأول، لقد عثر بيبي في ديبي على الأم البديلة بعد أن كان قد عثر على الأب البديل، أما باقي أفراد العصابة فيغلب عليهم الطابع النمطي.
عنوان الفيلم مأخوذ من اسم أغنية تتردد في نهاية الفيلم أثناء نزول العناوين النهائية، وعلى شريط الصوت في الفيلم نحو ثلاثين أغنية.
يستخدم المخرج حركة الكاميرا بكثرة خاصة الحركة الدائرية حول الشخصيات مع الموسيقى الصاخبة كما في مشهد المواجهة بين أفراد العصابة وجماعة من تجار الأسلحة الذين يتضح أنهم من الشرطة، وهو مشهد شديد العنف.
وفي المشهد الأول بعد نجاح العملية الأولى ومع نزول عناوين الفيلم الأساسية على الشاشة، تهبط الكاميرا من أعلى مبنى إلى بيبي وهو يخرج من الباب ثم يضع النظارات السوداء على عينيه والسماعتين في أذنيه، يسير على الرصيف وهو يتمايل ويهتز مع نغمات الأغنية والكاميرا تتابعه من أمام، ثم يعبر الشارع وهو يتمايل ويشير بيده للسيارات لكي تعبر، ثم يواصل سيره المترنح على الرصيف المقابل.. هناك فتاة ترقص على الرصيف، يقفز في الهواء يقلد بحركة يديه صوت آلة البوق النحاسية التي يرتفع صوتها، يعبر بسرعة من تحت عمود خشبي يحمله رجلان، الكاميرا في أثره، تهبط حينا لتصور قدميه ثم ترتفع مجددا لنراه وهو يدلف من باب محل، حيث تدلف الكاميرا معه إلى الداخل.
يتوقف أمام شاب أسود جالس، يسأله الشاب عن اسمه.. لقد جاء بيبي لالتقاط أربع كؤوس من القهوة كان قد طلبها قبل أن يأتي لرفاقه اللصوص، يستغرب الشاب اسم بيبي..
الكاميرا تدور حولهما على إيقاعات الموسيقى، ثم يلتفت والساقي ينادي اسمه ثم يناوله الكؤوس الأربع في حامل صغير، يخرج من المحل وهو ما زال يتمايل على صوت الموسيقى، يعبر الرصيف إلى الرصيف المقابل، يلتفت خلفه، ثم يواصل السير، يكاد أحد راكبي الدراجات يصطدم به، ثم يعبر الشارع ويواصل السير والكاميرا تتبعه من ظهره، على الرصيف يقف رجل أسود ينفخ في بوق، يتوقف صاحبنا ويلتفت ويتطلع من تحت نظارته السوداء ليتأكد من أن أحدا لا يتبعه قبل أن يدلف من باب المبنى الذي خرج منه في بداية المشهد.
هذا المشهد مصور في لقطة واحدة تستغرق نحو ثلاث دقائق دون أي قطع، والمقصود أن يرسخ هذا المشهد علاقة بيبي وولعه بالموسيقى واستغنائه عن الواقع بالعيش في الغناء، ورغم أنه يقود سيارة اللصوص لكنه مختلف عنهم، وهو لا يحصل مقابل عمله الشاق كما سنرى بعد ذلك، سوى على ربطة صغيرة من الدولارات، أما في المكتب، فهو الولد الذي يحضر القهوة!
تصميم المشاهد والحركة على مستوى رفيع بالطبع، والتآلف بين الموسيقى والصور والإيقاع يخلق جوا خاصا “خياليا”.. فنحن في النهاية أمام فيلم أميركي من أفلام المتعة والإثارة، يبرز فيه الحوار العبثي، ودور المؤثرات البصرية والعدد الهائل (95) من الممثلين البدلاء، ولا شك أنه سيصبح أحد أكثر أفلام العام شعبية ونجاحا.
...
ناقد سينمائي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.