5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يخاف فرجينيا وولف ؟
نشر في صوت البلد يوم 28 - 05 - 2017

يعرض مسرح هارولد بينتر اللندني مسرحية “من يخاف فرجينيا وولف؟” للكاتب الأميركي إدوارد آلبي حتى السابع والعشرين من شهر مايو. كانت المسرحية قد فازت بجائزتي توني وحلقة النقاد بنيويورك عام 1962، ثم نالت جائزة بوليتسر إلا أن الجائزة تم سحبها لما تناولته المسرحية من مواضيع مثيرة للجدل ولغة محظورة وقتذاك.
لا تقل مسرحيات آلبي شأناً عن أعمال أرثر ميلر وتينيسي وليامز. كان فكره الدرامي قد برز على خريطة المشهد الأميركي في خمسينات القرن العشرين حين ناقشت مسرحياته صراعاً محتداً ومعاناة اجتماعية وخيبة أمل ميزت تلك المرحلة من تاريخ المجتمع الأميركي، مرحلة هيأت لصخب الستينات السياسي ومطحنتها الاجتماعية.
ألاعيب سامة
في ساعات الصباح المبكرة بحرم إحدى الكليات الأميركية تدعو مارثا بروفيسورَ علم الوراثة الجديد وحرمه -نيك وهاني- لاحتساء الخمر في بيتها بالرغم من امتعاض جورج زوجها الكهل. تستهل المسرحية بهتافها السكير وهي تدلف إلى بيتها في الثانية صباحاً “يا يسوع المسيح. يا لها من مزبلة!” بعدها تسود المضيفة البهجة وتنهال علينا ضحكاتها كالمطر. يسيل النبيذ في الحلوق لتجتذب ألاعيبها السامة الزوجين الأصغر سناً.
نيك وهاني أحمقان يتفجر قلباهما بطموح الحلم الأميركي، حلم يتقلب أرقاً، لا يهدأ، وألَقه لا يلبث أن يخبو مع كل حجر عثرة. الثنائي متسلقان اجتماعيان من الدرجة الأولى يسعيان إلى استغلال بعض العلاقات الأكاديمية.
عجرفة الشباب اليافع تلوثهما، وكذا سذاجة منقطعة النظير. وجورج لا يسب نيك حين يذْكر بلسان لا مبال أن نيك يؤمن بيوطوبيا موحشة مترعة بأطفال أنابيب مثاليين. نيك على الجانب الآخر يزدريه ازدراء العالِم لمؤرخ مثل جورج!
نرى الزوجة الصغيرة يسودها الارتباك في أغلب مشاهد المسرحية، وهي الأخرى محل احتقار زوجها. لا نفقه إن كانت مهذبة حقاً أم بلهاء! ولغبائهما، تمسح مارثا بهما خشبة المسرح في خلال ثلاث ساعات هي مدة العرض ثم تُحجِّرهما أحياء كما تُحجِّر الميدوسا ضحاياها في الميثولوجيا الإغريقية.
تلاعب المنتقمين
تقارع مارثا جورج الإهانة مقابل الإهانة، ويتلاعبان بالزوجين الشابين تلاعب المنتقمين.يتسارع الأدرينالين بين المشهد والآخر أو بالأحرى بين العراك والتالي. لا ينقطع الجدل اللاذع أو بصقات السباب. وهذه الأفكوهة المترعة بالحقد والضغينة تضم مشهدين يعيبهما إحساسٌ بأنها كوميديا رخيصة لا تعدم الخشونة.
مارثا مثالٌ للتكلف المتأنق. لا تبدو كإليزابيث تايلور في النسخة الهوليوودية، بدينة الجسد مشعثة الشعر. فاتها ريعان الشباب بيد أنها لم تقع في بركة الكهولة بعد. أمَّا جورج فكان يوماً نجماً، وتاريخ حبهما يشْهد عندما تنتحب مارثا “لا بد من عقابه لارتكابه خطأ شنيعاً جارحاً مهيناً بحبه لي”. ولكنه اليوم مترهل، عنين الجسد والقلب.
والزوجة التي تسلك طريق الخيانة “واقعة في شرك الأبله، تحْمل في قلبها شيئاً اسمه الأمل”. وفي دوامة نهمها الوحشي للجنس والحياة، دوامة كما الجرح الممزق، لا تتوانى عن فعل أي شيء لشد انتباه زوجها. تتلذذ بإهانته، تستفزه عمداً بتصويب إصبع محتقر إليه، ترقص رقصاً خليعاً مع غريب على خشبة المسرح.
من يخاف الوهم
استلهم آلبي عنوان المسرحية من أغنية “من يخاف الذئب الضخم الشرير؟” بفيلم الرسوم المتحركة “السيمفونية الهزلية”. واختلفت التفسيرات حول صلة المسرحية بالكاتبة البريطانية فيرجينيا وولف. شأنها شأن وولف، مارثا بلا أطفال تزدحم في ذهنها أفكار انتحارية.
سمة وولف الراديكالية والألمعية غير المعهودة غير أنك لن تخشاها. أمَّا إميلدا ستانتون في دور مارثا فقد نجحت في إيقاع الرعب في قلوبنا، كذلك لم تخف علينا هشاشتها واحتقارها لذاتها. ننبهر بأداء متدفق الحيوية لامرأة قوية لا تهاب الرجال وإن كانت في توق دائم إليهم.
والأرجح أن العنوان يعني “مَن يخاف الحياة بدون وهم؟”، تعترف مارثا أنها تخاف الحياة بلا وهم، ولكن جورج يغتال أحلامها وهي تشطح بعيداً عن الواقع المبرح ألماً. وبينما ننصت إلى مونولوج من السخط الطافح سكراً من طرف مارثا، يتكشف لنا أن جورج هو الآخر يبطن مكراً خبيثاً يكاد يتقرب من المؤامرة. رجل فاشل أكْرَش بظهر منحنٍ، لا يترك كأس الخمر عن عادة أو إحباط. وعلى كتفيه حمل هذا العرض في دور فذ.
تشريح بلا رحمة
إن هذه المسرحية دراسة مفصلة لديناميكية الكوارث الزوجية القبيحة. وفي تسليطها ضوءاً مشعاً على أركان خفية من العلاقات الزوجية والأبوة وماهية الصداقة، عدَّها النقاد “تشريحاً بلا رحمة لحياة الطبقة الاجتماعية الوسطى في أميركا”. ما الذي تريده تلك الطبقة بكل عنفها اللفظي وحيلها المضطربة واصطناعها للسعادة؟
لا قديسين ولا مخابيل في هذه الدراما. تُردد صدى اعتراف الشاعر البريطاني ديلان توماس أنه يدري، مثله مثل مارثا، كل شهوة وكل نكتة من نكات المراحيض، بإمكانهما استقلال الحافلات وعدّ الفكة وعبور الطرق والنطق بجمل حقيقية. “بيد أن براءتنا عميقة عمقاً متناهياً، وسرّنا المشين هو أننا لا نفقه شيئاً على الإطلاق، أمَّا سرّنا الباطني المروّع فهو أننا لا نكترث لهذا الجهل”.
تطهير اجتماعي
لقد أحيا المخرج جيمز ماكدونالد نسخة تطهيرية من أعظم مسرحيات آلبي. لا لكثافة ما تتمتع به من واقعية سيكولوجية تساقطت عنها الأقنعة أو لما تصبّه من نقد اجتماعي على طبقة بأكملها، ولكن لأن كل خطوة فيها تتسم بالحدة واليقظة، بل والسعار الشديد، كل إيماءة بلا استثناء. لا أحد مسترخٍ ولا جملة متراخية، وأخيراً تتوج الليلة ذروةٌ من المصارحة الزوجية المدمرة.
أهذا ما يراه آلبي في مؤسسة الزواج الحديث؟ مباراة ملاكمة أو نوبة من الكشف الموجع؟ المؤكد أن حِدِّة السكين تلك لا يعوزها حس من السخرية المريرة والكوميديا السوداء. إنه العداء الزوجي المذكِّر بعداء الحرب الباردة! وعلى الأسرة الأميركية نبذ أوهامها ومجابهة الحقيقة على مرارتها.
نسخة سياسية تطهيرية
تتخلل المسرحية مضامين سياسية تلقي بظلالها على حالة أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، حالة جمعت بين بحبوحة العيش وعقم الهدف. نرى الزوج يرمي جسماً متثاقلاً على كرسي يواجه الحائط ليطالع كتاب “انهيار الغرب” للفيلسوف الألماني أوزولد سبينجلر.
ويلاحظ الناقد المسرحي مايكل بيلنجتون في صحيفة “ذا جارديان” أن المسرحية ليست مجرد مثال لتأثر آلبي بالكاتب السويدي يوهان أوغست ستيرنبرغ، وإنما تحليل لحالة الاتحاد الأميركي نفسه. جورج هو الرئيس الأميركي الراحل جورج واشنطن، ومارثا هي زوجته. يعمل زوج الستينات في كلية يشير اسمها إلى الإمبراطورية الرومانية: نيو كارثيدج، وهي بلدة غزاها الرومان بعد معركة شديدة الوطأة في أيبريا، مما يوحي بالدمار المُبَيَّت.
وهناك مشهد محوري يشير إليه بيلنجتون حين يصرح عالم الإنسانيات جورج إلى عالم الوراثة نيك بأن الأميركيين يحتسون الخمر بشراهة “أحسبنا سنفْرط أيضاً في الخمر… لو بقينا على قيد الحياة”. كتب آلبي هذه السطور عام 1962 والحرب الباردة تهدد السلام الاجتماعي في أميركا، وتبدو الآن وفقاً لتحليل بيلنجتون شديدة الصلة بالواقع الأميركي تحت حكم ترامب.
....
كاتبة من مصر
يعرض مسرح هارولد بينتر اللندني مسرحية “من يخاف فرجينيا وولف؟” للكاتب الأميركي إدوارد آلبي حتى السابع والعشرين من شهر مايو. كانت المسرحية قد فازت بجائزتي توني وحلقة النقاد بنيويورك عام 1962، ثم نالت جائزة بوليتسر إلا أن الجائزة تم سحبها لما تناولته المسرحية من مواضيع مثيرة للجدل ولغة محظورة وقتذاك.
لا تقل مسرحيات آلبي شأناً عن أعمال أرثر ميلر وتينيسي وليامز. كان فكره الدرامي قد برز على خريطة المشهد الأميركي في خمسينات القرن العشرين حين ناقشت مسرحياته صراعاً محتداً ومعاناة اجتماعية وخيبة أمل ميزت تلك المرحلة من تاريخ المجتمع الأميركي، مرحلة هيأت لصخب الستينات السياسي ومطحنتها الاجتماعية.
ألاعيب سامة
في ساعات الصباح المبكرة بحرم إحدى الكليات الأميركية تدعو مارثا بروفيسورَ علم الوراثة الجديد وحرمه -نيك وهاني- لاحتساء الخمر في بيتها بالرغم من امتعاض جورج زوجها الكهل. تستهل المسرحية بهتافها السكير وهي تدلف إلى بيتها في الثانية صباحاً “يا يسوع المسيح. يا لها من مزبلة!” بعدها تسود المضيفة البهجة وتنهال علينا ضحكاتها كالمطر. يسيل النبيذ في الحلوق لتجتذب ألاعيبها السامة الزوجين الأصغر سناً.
نيك وهاني أحمقان يتفجر قلباهما بطموح الحلم الأميركي، حلم يتقلب أرقاً، لا يهدأ، وألَقه لا يلبث أن يخبو مع كل حجر عثرة. الثنائي متسلقان اجتماعيان من الدرجة الأولى يسعيان إلى استغلال بعض العلاقات الأكاديمية.
عجرفة الشباب اليافع تلوثهما، وكذا سذاجة منقطعة النظير. وجورج لا يسب نيك حين يذْكر بلسان لا مبال أن نيك يؤمن بيوطوبيا موحشة مترعة بأطفال أنابيب مثاليين. نيك على الجانب الآخر يزدريه ازدراء العالِم لمؤرخ مثل جورج!
نرى الزوجة الصغيرة يسودها الارتباك في أغلب مشاهد المسرحية، وهي الأخرى محل احتقار زوجها. لا نفقه إن كانت مهذبة حقاً أم بلهاء! ولغبائهما، تمسح مارثا بهما خشبة المسرح في خلال ثلاث ساعات هي مدة العرض ثم تُحجِّرهما أحياء كما تُحجِّر الميدوسا ضحاياها في الميثولوجيا الإغريقية.
تلاعب المنتقمين
تقارع مارثا جورج الإهانة مقابل الإهانة، ويتلاعبان بالزوجين الشابين تلاعب المنتقمين.يتسارع الأدرينالين بين المشهد والآخر أو بالأحرى بين العراك والتالي. لا ينقطع الجدل اللاذع أو بصقات السباب. وهذه الأفكوهة المترعة بالحقد والضغينة تضم مشهدين يعيبهما إحساسٌ بأنها كوميديا رخيصة لا تعدم الخشونة.
مارثا مثالٌ للتكلف المتأنق. لا تبدو كإليزابيث تايلور في النسخة الهوليوودية، بدينة الجسد مشعثة الشعر. فاتها ريعان الشباب بيد أنها لم تقع في بركة الكهولة بعد. أمَّا جورج فكان يوماً نجماً، وتاريخ حبهما يشْهد عندما تنتحب مارثا “لا بد من عقابه لارتكابه خطأ شنيعاً جارحاً مهيناً بحبه لي”. ولكنه اليوم مترهل، عنين الجسد والقلب.
والزوجة التي تسلك طريق الخيانة “واقعة في شرك الأبله، تحْمل في قلبها شيئاً اسمه الأمل”. وفي دوامة نهمها الوحشي للجنس والحياة، دوامة كما الجرح الممزق، لا تتوانى عن فعل أي شيء لشد انتباه زوجها. تتلذذ بإهانته، تستفزه عمداً بتصويب إصبع محتقر إليه، ترقص رقصاً خليعاً مع غريب على خشبة المسرح.
من يخاف الوهم
استلهم آلبي عنوان المسرحية من أغنية “من يخاف الذئب الضخم الشرير؟” بفيلم الرسوم المتحركة “السيمفونية الهزلية”. واختلفت التفسيرات حول صلة المسرحية بالكاتبة البريطانية فيرجينيا وولف. شأنها شأن وولف، مارثا بلا أطفال تزدحم في ذهنها أفكار انتحارية.
سمة وولف الراديكالية والألمعية غير المعهودة غير أنك لن تخشاها. أمَّا إميلدا ستانتون في دور مارثا فقد نجحت في إيقاع الرعب في قلوبنا، كذلك لم تخف علينا هشاشتها واحتقارها لذاتها. ننبهر بأداء متدفق الحيوية لامرأة قوية لا تهاب الرجال وإن كانت في توق دائم إليهم.
والأرجح أن العنوان يعني “مَن يخاف الحياة بدون وهم؟”، تعترف مارثا أنها تخاف الحياة بلا وهم، ولكن جورج يغتال أحلامها وهي تشطح بعيداً عن الواقع المبرح ألماً. وبينما ننصت إلى مونولوج من السخط الطافح سكراً من طرف مارثا، يتكشف لنا أن جورج هو الآخر يبطن مكراً خبيثاً يكاد يتقرب من المؤامرة. رجل فاشل أكْرَش بظهر منحنٍ، لا يترك كأس الخمر عن عادة أو إحباط. وعلى كتفيه حمل هذا العرض في دور فذ.
تشريح بلا رحمة
إن هذه المسرحية دراسة مفصلة لديناميكية الكوارث الزوجية القبيحة. وفي تسليطها ضوءاً مشعاً على أركان خفية من العلاقات الزوجية والأبوة وماهية الصداقة، عدَّها النقاد “تشريحاً بلا رحمة لحياة الطبقة الاجتماعية الوسطى في أميركا”. ما الذي تريده تلك الطبقة بكل عنفها اللفظي وحيلها المضطربة واصطناعها للسعادة؟
لا قديسين ولا مخابيل في هذه الدراما. تُردد صدى اعتراف الشاعر البريطاني ديلان توماس أنه يدري، مثله مثل مارثا، كل شهوة وكل نكتة من نكات المراحيض، بإمكانهما استقلال الحافلات وعدّ الفكة وعبور الطرق والنطق بجمل حقيقية. “بيد أن براءتنا عميقة عمقاً متناهياً، وسرّنا المشين هو أننا لا نفقه شيئاً على الإطلاق، أمَّا سرّنا الباطني المروّع فهو أننا لا نكترث لهذا الجهل”.
تطهير اجتماعي
لقد أحيا المخرج جيمز ماكدونالد نسخة تطهيرية من أعظم مسرحيات آلبي. لا لكثافة ما تتمتع به من واقعية سيكولوجية تساقطت عنها الأقنعة أو لما تصبّه من نقد اجتماعي على طبقة بأكملها، ولكن لأن كل خطوة فيها تتسم بالحدة واليقظة، بل والسعار الشديد، كل إيماءة بلا استثناء. لا أحد مسترخٍ ولا جملة متراخية، وأخيراً تتوج الليلة ذروةٌ من المصارحة الزوجية المدمرة.
أهذا ما يراه آلبي في مؤسسة الزواج الحديث؟ مباراة ملاكمة أو نوبة من الكشف الموجع؟ المؤكد أن حِدِّة السكين تلك لا يعوزها حس من السخرية المريرة والكوميديا السوداء. إنه العداء الزوجي المذكِّر بعداء الحرب الباردة! وعلى الأسرة الأميركية نبذ أوهامها ومجابهة الحقيقة على مرارتها.
نسخة سياسية تطهيرية
تتخلل المسرحية مضامين سياسية تلقي بظلالها على حالة أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، حالة جمعت بين بحبوحة العيش وعقم الهدف. نرى الزوج يرمي جسماً متثاقلاً على كرسي يواجه الحائط ليطالع كتاب “انهيار الغرب” للفيلسوف الألماني أوزولد سبينجلر.
ويلاحظ الناقد المسرحي مايكل بيلنجتون في صحيفة “ذا جارديان” أن المسرحية ليست مجرد مثال لتأثر آلبي بالكاتب السويدي يوهان أوغست ستيرنبرغ، وإنما تحليل لحالة الاتحاد الأميركي نفسه. جورج هو الرئيس الأميركي الراحل جورج واشنطن، ومارثا هي زوجته. يعمل زوج الستينات في كلية يشير اسمها إلى الإمبراطورية الرومانية: نيو كارثيدج، وهي بلدة غزاها الرومان بعد معركة شديدة الوطأة في أيبريا، مما يوحي بالدمار المُبَيَّت.
وهناك مشهد محوري يشير إليه بيلنجتون حين يصرح عالم الإنسانيات جورج إلى عالم الوراثة نيك بأن الأميركيين يحتسون الخمر بشراهة “أحسبنا سنفْرط أيضاً في الخمر… لو بقينا على قيد الحياة”. كتب آلبي هذه السطور عام 1962 والحرب الباردة تهدد السلام الاجتماعي في أميركا، وتبدو الآن وفقاً لتحليل بيلنجتون شديدة الصلة بالواقع الأميركي تحت حكم ترامب.
....
كاتبة من مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.