تنسيق الجامعات 2025، قائمة بالمعاهد الهندسية الخاصة المعتمدة من التعليم العالي    صالون تنسيقية شباب الأحزاب يناقش أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بمجلس الشيوخ    أوبك تستعرض بيانات إنتاج النفط الخام لشهري مايو ويونيو 2025 وسط متابعة تطورات السوق    جامعة قناة السويس تتسلم شهادتي الأيزو 21001:2018    أبو مازن: مبادرة الرئيس السيسي تأتي استكمالا لدور مصر التاريخي والمهم لدعم القضية الفلسطينية    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    السيسي يوجه بتوفير الرعاية الصحية والطبية الفورية للكابتن حسن شحاتة    وفاء عامر: لديّ يقين في العدالة المصرية    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    سميرة صدقي: عبلة كامل أفضل فنانة قدمت دور المرأة الشعبية    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    "صحة الشرقية تدين الاعتداء على طبيب بمستشفى أبو حماد    طريقة عمل الكريم كراميل، تحلية صيفية مميزة    علاج الحموضة بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    الداخلية: لا توجد تجمعات بالمحافظات والإخوان وراء هذه الشائعات    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    توقعات: دوري ملتهب وحار جدًا!    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    وزارة الصحة: حصول مصر على التصنيف الذهبي للقضاء على فيروس سي نجاح ل100 مليون صحة    السباحة الأمريكية وولش تظفر بسباق 100 متر فراشة    السفارة الأمريكية: كتائب حزب الله تقف وراء اقتحام مبنى حكومي ببغداد    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    12 راحلا عن الأهلي في الانتقالات الصيفية    التحقيق في مصرع شخصين في حادث دهس تريلا بدائرى البساتين    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    منال عوض تجتمع بالرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم وإدارة المخلفات    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    مستوطنون إسرائيليون يحرقون مركبتين فلسطينيتين وسط الضفة    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    أسعار الأسماك اليوم الإثنين 28 يوليو في سوق العبور للجملة    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    السيطرة على حريق بشقة سكنية في البلينا وإصابة 3 بحالات اختناق    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ذهب" الوهم الأميركي ينتصر على الشاشة
نشر في صوت البلد يوم 17 - 05 - 2017

من أجل الاستعداد للقيام بالدور الرئيسي في فيلم "ذهب"Gold الذي يتناول قصة تعتمد بشكل اجتهادي، على أحداث حقيقية، قام الممثل الأميركي ماتيو ماكونوي (49 سنة) بزيادة وزنه بحيث أصبحت له “كرش” منتفخة، وقص شعره ليجعل له صلعة واضحة في مقدمة رأسه، كما بدت أسنانه فظة مصفرة.
ويقوم في الفيلم بدور رجل يعاني من التوتر الشديد، ينتقل من الإحباط إلى النشوة التي تقترب من الهستيريا، ولا يكف عن التدخين وتناول الخمر.
وحاول ماكونوي في هذا الفيلم أن يقدم كل ما في جعبته، خاصة وأنه يظهر ويتحرك ويتحدث دون انقطاع في جميع مشاهد الفيلم، لكنه مع ذلك بدا وكأنه يعاني من أجل أن يضفي على الشخصية التي يؤديها ما لم يبرزه السيناريو أصلا، فقد أراد أن يجعل المغامر الحالم الأحمق “كيني ويلس” كيانا إنسانيا من لحم ودم.
وكان من الطبيعي أن يفشل في محاولته، ليس لأنه لا يجيد فن التقمص، بل لكون الشخصية كما رسمها السيناريو الذي اشترك في كتابته باتريك ماسيت وجون زينمان، شخصية سطحية، هشة، تفتقد بشكلٍ واضحٍ الأبعادَ الإنسانية العميقة التي يمكن أن تجعل المشاهد يتعاطف معها ومع مشكلتها. ولكن ما هي مشكلة هذا الرجل، وما الذي يريده وكيف تسير الأمور معه، وإلى ماذا تنتهي؟
النظرة الأولية للفيلم خلال نصفه الأول على الأقل، توحي بأننا أمام قصة صعود وسقوط رجل طموح، قصة محورها التشبث اليائس بالحلم الأميركي الزائل، أي محاولة تحقيق النجاح بالمفهوم التجاري السائد، والقفز من وهدة الإفلاس، لاعتلاء صفوف كبار الأثرياء، هذه الشخصية قد تحمل ملامح تشبه -من الخارج على الأقل- شخصية بطل فيلم “ذئب وول ستريت”، لكن شتان بين بناء الشخصية في كلا الفيلمين.
عنوان مضلل
فيلم “ذهب” (اختيار اسم الفيلم جانبه التوفيق كثيرا) من إخراج ستيفن كاغان، ليس عن “البحث عن الذهب”، فمشاهد التنقيب عن الذهب في المنجم الذي عثر عليه بطلنا كيني في إحدى جزر إندونيسيا، محدودة للغاية بل وهامشية، حيث لا يقع شيء لافت للأنظار بعد البداية القوية، أما الموضوع فهو عن ذلك الحلم بالصعود رغم غياب الأدوات، ودون بذل أي جهد حقيقي، اعتمادا على ضربة حظ، والإصرار على التشبث بالوهم.
يتدهور الحال بكيني ويلس بعد إفلاس الشركة التي ورثها عن أبيه مع الأزمة الاقتصادية التي ضربت الأسواق في ثمانينات القرن الماضي، مما جعله يفقد منزله ويذهب إلى العيش مع صديقته ساقية الحانة التي يقضي فيها الكثير من وقته رفقة أصدقائه.
وينحدر ويلس من أسرة تعمل في مجال التعدين والمناجم، وهو متمسك باستعادة الأمجاد الزائلة لجده ووالده، لكنه لا يملك المعرفة أو الوسيلة أو المال، إنه يمتلك فقط ذلك “الحلم” الغامض الذي جعله يرى أثناء نومه بقعة ساحرة في جزيرة إندونيسية توحي بوجود منجم للذهب على إحدى ضفتي نهر عظيم، وعلى الفور يتجه إلى هناك وينجح في إثارة اهتمام صديقه القديم “مايك” من أيام المدرسة، الذي يعمل في مناجم النحاس، ويقنعه بالتعاون معه في “البحث عن الذهب”.
المشاهد التي تدور في إندونيسيا المفترضة (جرى التصوير الفعلي في تايلاند) قد تكون أفضل مشاهد الفيلم من ناحية التصوير وتجسيد المشاق التي يتحملها العمال المحليون، كغياب مياه الشرب النقية، ومعاناة الأطفال من الأمراض، وحياة الفاقة والتهميش في أكواخ بدائية.
وبعد أن ينجح كيني في تدبير مبلغ بالتطوع من بعض أصدقاء الحانة في بلدته الأميركية، سرعان ما يتبخر المبلغ، مما يدفع العمال إلى الرحيل وبالتالي يتعطل العمل في المنجم، ويسقط كيني مصابا بالملاريا ويلزم الفراش لعدة أسابيع، لكنه ينهض ويستجيب لاقتراح مايك بتوفير نظام لتنقية مياه الشرب للعمال مقابل عودتهم إلى العمل، ويضحي بآخر ما لديه من مال في بطاقتي السحب الفوري.
وينتقل الفيلم أولا بشكل غير واضح بل ويبدو اعتباطيا، بين موقع العمل في الجزيرة الإندونيسية، وبين كيني الذي أصبح يدير الأمور من بلدته الأميركية، وسرعان ما يصبح الحدث كله منحصرا في الأرض الأميركية بعد أن تتكفل “إشاعة” العثور على الذهب، بإثارة عمالقة شركات “وول ستريت”، فتنهال العروض على كيني، بعد أن ارتفعت أسهم الشركة إلى أرقام فلكية، ويجد نفسه وقد أصبح مليونيرا من لا شيء، يركب سيارة فخمة، ويقيم في جناح في فندق “والدوف أستوريا” الراقي بنيويورك.
هذا الثراء سرعان ما يتهاوى كونه يقوم على مجرد تكهنات وليس على أساس ملموس، خاصة بعد أن تقتحم قوة عسكرية تابعة لنظام الجنرال سوهارتو منطقة المنجم وتستولي عليه، ثم يتضح أنه لا وجود للذهب وأن مايك كذب على كيني عندما زعم أنهم عثروا عليه هناك.
ويفضح الفيلم الوهم الزائف الذي يقوم عليه وول ستريت، ويكشف الصراع بين الشركات وكيف يمكن أن تفلس ببساطة وتتبخر أموال المساهمين البسطاء، وكلها أشياء سبق تناولها في أفلام أخرى بشكل أفضل كثيرا.
أما في ما يخص العلاقة بين كيني ومايك، فقد بدت غير مدروسة جيدا، فمايك يختفي من الفيلم لمدة طويلة بعد أن يتركه كيني في إندونيسيا، إلى أن نفاجأ باستيلاء قوات سوهارتو على المنجم، ومصادرة كل ما فيه، فتنهار الشركة ويعود كيني نادما مستغفرا إلى صديقته كاي التي يراد لنا أن نفهم أنها رفضت الاستمرار معه بسبب انسياقه الأعمى وراء أوهام الصعود، لكنه يجدها وقد أقامت علاقة أخرى مع رجل غيره.
كما أن العلاقة بين كيني وصديقته كاي هي أيضا علاقة ملتبسة غير مدروسة في السيناريو، فكاي التي ترحب وتُقبل على حياة الثراء، وتبدو منبهرة عندما يستقبلها كيني في جناحه الفخم في فندق “والدورف أستوريا”، تهجره حقا، ولكن حسب ما نرى في الفيلم، ليس بدافع رفض هذا العالم الزائف، بل بدافع الغيرة.
وهناك أيضا تصوير لإصرار كيني على النهوض من كبوته وذهابه مع مايك إلى إندونيسيا، حيث يعقدان صفقة مع الابن الأصغر لسوهارتو بحيث يصبح شريكا لهم ويحصل على أكبر نسبة من المال، ولكن الابن المدلل للدكتاتور يشترط أن يصمد كيني أمام نمر من مجموعة الحيوانات المفترسة التي يحتفظ بها داخل أسوار حديقة خاصة، وهو ما ينجح فيه كيني في مشهد يراد من ورائه أولا تصوير طفولية وعبث ابن سوهارتو المجنون، وفي الوقت نفسه التأكيد على استعداد كيني للمقامرة ولو على حياته نفسها من أجل تحقيق هدفه.
كيني هو الذي يروي من البداية أحداث الفيلم بصوته ومن وجهة نظره، لكننا نكتشف قرب النهاية أنه يخضع لاستجواب أمام ضباط وكالة المباحث الفيدرالية بعد أن يكون الغطاء قد انكشف عن الوهم، ويكون صديقه مايك قد اختفى ومعه 164 مليون دولار حصل عليها بشكل غير شرعي.
نهاية غير منطقية
مسار الفيلم حتى ما قبل النهاية يوحي بأن كيني قد سقط ضحية خديعة كبرى، وأصبح يتعين عليه أن يدفع الثمن وحده، لكن ما يحدث بعد ذلك يسقط الفيلم تماما ويجعله يفقد أي استقامة درامية، ناهيك عن القدرة على الإقناع.
وأجد نفسي مضطرا هنا إلى الكشف عن نهاية الفيلم، لكي أوضح كيف يمكن أن ينتهي فيلم ما نهاية تدمر كل ما سبقها، وما كان من الممكن أن يجعل أي مشاهد يلتمس الأعذار للأخطاء السابقة كلها ويقبل أن ينتهي هذا البطل المحكوم عليه -في الدراما- بالهزيمة، أي anti-hero، هذه النهاية.
كان من الممكن قبول أن ينتهي كيني في قبضة العدالة، كونه ذلك المقامر التعس الذي بنى طموحه على وهم كبير، مدفوعا بجشع رجل لا يتمتع بأي نوع من الاستنارة الأخلاقية، لولا أن الفيلم يفاجئنا أولا عندما يجعل الضابط المحقق يتعاطف مع قصته ويقتنع بأنه كان مجرد ضحية لصديق خان عهد الصداقة يتركه ويهرب بالمال، فيطلق الضابط سراحه.
ونفاجأ مرة ثانية بعودة كيني إلى صديقته كاي التي تستقبله بكل بساطة في منزلها الذي اعتاد على العيش معها فيه وكأن شيئا لم يحدث، وتسلمه رزمة من الرسائل التي وصلت باسمه، ثم تأتي المفاجأة الثالثة عندما يجد داخل رسالة من مايك، عقد الشراكة الذي سبق أن كتبه لمايك على منديل ورقي وفيه بند واحد فقط هو اقتسام الأرباح مناصفة، ومع هذا العقد الهزلي شيك بمبلغ 82 مليون دولار هي نصيبه من “السرقة”.
ينتهي الفيلم هذه النهاية السعيدة المخالفة للمنطق، بل والمتناقضة مع المسار الكلي للفيلم، فهل أراد صناع الفيلم مكافأة شخص هو في الحقيقة نموذج واضح من البداية ل”الميديوكر” عديم الموهبة؟
نتيجة تخبط السيناريو وهشاشته وسطحية شخصياته، يفشل المخرج في تحقيق عمل يعتمد على الصورة فيأتي فيلمه مليئا بالحوار الذي لا يتوقف لحظة واحدة، ويمتلئ بالثرثرة ويعاني من تداخل الأصوات.
وإذا كان أداء ماتيو ماكونوي يسير في اتجاه أحادي طوال الوقت، لا تبدو شخصية مايك منسجمة أصلا مع نسيج الفيلم، فالمخرج يضفي عليه نوعا من البرودة والافتعال، ولا ينجح أداء الممثل الفنزويلي إدغار راميرز، في إكسابها الحيوية المطلوبة أو الطابع الإنساني، فيبقى مايك مجرد شخصية هامشية، ولعل ذلك هو المطلوب حتى يتمتع ماكونوي وحده بالسيطرة على الشاشة، ولكن دون أي تأثير حقيقي!
من أجل الاستعداد للقيام بالدور الرئيسي في فيلم "ذهب"Gold الذي يتناول قصة تعتمد بشكل اجتهادي، على أحداث حقيقية، قام الممثل الأميركي ماتيو ماكونوي (49 سنة) بزيادة وزنه بحيث أصبحت له “كرش” منتفخة، وقص شعره ليجعل له صلعة واضحة في مقدمة رأسه، كما بدت أسنانه فظة مصفرة.
ويقوم في الفيلم بدور رجل يعاني من التوتر الشديد، ينتقل من الإحباط إلى النشوة التي تقترب من الهستيريا، ولا يكف عن التدخين وتناول الخمر.
وحاول ماكونوي في هذا الفيلم أن يقدم كل ما في جعبته، خاصة وأنه يظهر ويتحرك ويتحدث دون انقطاع في جميع مشاهد الفيلم، لكنه مع ذلك بدا وكأنه يعاني من أجل أن يضفي على الشخصية التي يؤديها ما لم يبرزه السيناريو أصلا، فقد أراد أن يجعل المغامر الحالم الأحمق “كيني ويلس” كيانا إنسانيا من لحم ودم.
وكان من الطبيعي أن يفشل في محاولته، ليس لأنه لا يجيد فن التقمص، بل لكون الشخصية كما رسمها السيناريو الذي اشترك في كتابته باتريك ماسيت وجون زينمان، شخصية سطحية، هشة، تفتقد بشكلٍ واضحٍ الأبعادَ الإنسانية العميقة التي يمكن أن تجعل المشاهد يتعاطف معها ومع مشكلتها. ولكن ما هي مشكلة هذا الرجل، وما الذي يريده وكيف تسير الأمور معه، وإلى ماذا تنتهي؟
النظرة الأولية للفيلم خلال نصفه الأول على الأقل، توحي بأننا أمام قصة صعود وسقوط رجل طموح، قصة محورها التشبث اليائس بالحلم الأميركي الزائل، أي محاولة تحقيق النجاح بالمفهوم التجاري السائد، والقفز من وهدة الإفلاس، لاعتلاء صفوف كبار الأثرياء، هذه الشخصية قد تحمل ملامح تشبه -من الخارج على الأقل- شخصية بطل فيلم “ذئب وول ستريت”، لكن شتان بين بناء الشخصية في كلا الفيلمين.
عنوان مضلل
فيلم “ذهب” (اختيار اسم الفيلم جانبه التوفيق كثيرا) من إخراج ستيفن كاغان، ليس عن “البحث عن الذهب”، فمشاهد التنقيب عن الذهب في المنجم الذي عثر عليه بطلنا كيني في إحدى جزر إندونيسيا، محدودة للغاية بل وهامشية، حيث لا يقع شيء لافت للأنظار بعد البداية القوية، أما الموضوع فهو عن ذلك الحلم بالصعود رغم غياب الأدوات، ودون بذل أي جهد حقيقي، اعتمادا على ضربة حظ، والإصرار على التشبث بالوهم.
يتدهور الحال بكيني ويلس بعد إفلاس الشركة التي ورثها عن أبيه مع الأزمة الاقتصادية التي ضربت الأسواق في ثمانينات القرن الماضي، مما جعله يفقد منزله ويذهب إلى العيش مع صديقته ساقية الحانة التي يقضي فيها الكثير من وقته رفقة أصدقائه.
وينحدر ويلس من أسرة تعمل في مجال التعدين والمناجم، وهو متمسك باستعادة الأمجاد الزائلة لجده ووالده، لكنه لا يملك المعرفة أو الوسيلة أو المال، إنه يمتلك فقط ذلك “الحلم” الغامض الذي جعله يرى أثناء نومه بقعة ساحرة في جزيرة إندونيسية توحي بوجود منجم للذهب على إحدى ضفتي نهر عظيم، وعلى الفور يتجه إلى هناك وينجح في إثارة اهتمام صديقه القديم “مايك” من أيام المدرسة، الذي يعمل في مناجم النحاس، ويقنعه بالتعاون معه في “البحث عن الذهب”.
المشاهد التي تدور في إندونيسيا المفترضة (جرى التصوير الفعلي في تايلاند) قد تكون أفضل مشاهد الفيلم من ناحية التصوير وتجسيد المشاق التي يتحملها العمال المحليون، كغياب مياه الشرب النقية، ومعاناة الأطفال من الأمراض، وحياة الفاقة والتهميش في أكواخ بدائية.
وبعد أن ينجح كيني في تدبير مبلغ بالتطوع من بعض أصدقاء الحانة في بلدته الأميركية، سرعان ما يتبخر المبلغ، مما يدفع العمال إلى الرحيل وبالتالي يتعطل العمل في المنجم، ويسقط كيني مصابا بالملاريا ويلزم الفراش لعدة أسابيع، لكنه ينهض ويستجيب لاقتراح مايك بتوفير نظام لتنقية مياه الشرب للعمال مقابل عودتهم إلى العمل، ويضحي بآخر ما لديه من مال في بطاقتي السحب الفوري.
وينتقل الفيلم أولا بشكل غير واضح بل ويبدو اعتباطيا، بين موقع العمل في الجزيرة الإندونيسية، وبين كيني الذي أصبح يدير الأمور من بلدته الأميركية، وسرعان ما يصبح الحدث كله منحصرا في الأرض الأميركية بعد أن تتكفل “إشاعة” العثور على الذهب، بإثارة عمالقة شركات “وول ستريت”، فتنهال العروض على كيني، بعد أن ارتفعت أسهم الشركة إلى أرقام فلكية، ويجد نفسه وقد أصبح مليونيرا من لا شيء، يركب سيارة فخمة، ويقيم في جناح في فندق “والدوف أستوريا” الراقي بنيويورك.
هذا الثراء سرعان ما يتهاوى كونه يقوم على مجرد تكهنات وليس على أساس ملموس، خاصة بعد أن تقتحم قوة عسكرية تابعة لنظام الجنرال سوهارتو منطقة المنجم وتستولي عليه، ثم يتضح أنه لا وجود للذهب وأن مايك كذب على كيني عندما زعم أنهم عثروا عليه هناك.
ويفضح الفيلم الوهم الزائف الذي يقوم عليه وول ستريت، ويكشف الصراع بين الشركات وكيف يمكن أن تفلس ببساطة وتتبخر أموال المساهمين البسطاء، وكلها أشياء سبق تناولها في أفلام أخرى بشكل أفضل كثيرا.
أما في ما يخص العلاقة بين كيني ومايك، فقد بدت غير مدروسة جيدا، فمايك يختفي من الفيلم لمدة طويلة بعد أن يتركه كيني في إندونيسيا، إلى أن نفاجأ باستيلاء قوات سوهارتو على المنجم، ومصادرة كل ما فيه، فتنهار الشركة ويعود كيني نادما مستغفرا إلى صديقته كاي التي يراد لنا أن نفهم أنها رفضت الاستمرار معه بسبب انسياقه الأعمى وراء أوهام الصعود، لكنه يجدها وقد أقامت علاقة أخرى مع رجل غيره.
كما أن العلاقة بين كيني وصديقته كاي هي أيضا علاقة ملتبسة غير مدروسة في السيناريو، فكاي التي ترحب وتُقبل على حياة الثراء، وتبدو منبهرة عندما يستقبلها كيني في جناحه الفخم في فندق “والدورف أستوريا”، تهجره حقا، ولكن حسب ما نرى في الفيلم، ليس بدافع رفض هذا العالم الزائف، بل بدافع الغيرة.
وهناك أيضا تصوير لإصرار كيني على النهوض من كبوته وذهابه مع مايك إلى إندونيسيا، حيث يعقدان صفقة مع الابن الأصغر لسوهارتو بحيث يصبح شريكا لهم ويحصل على أكبر نسبة من المال، ولكن الابن المدلل للدكتاتور يشترط أن يصمد كيني أمام نمر من مجموعة الحيوانات المفترسة التي يحتفظ بها داخل أسوار حديقة خاصة، وهو ما ينجح فيه كيني في مشهد يراد من ورائه أولا تصوير طفولية وعبث ابن سوهارتو المجنون، وفي الوقت نفسه التأكيد على استعداد كيني للمقامرة ولو على حياته نفسها من أجل تحقيق هدفه.
كيني هو الذي يروي من البداية أحداث الفيلم بصوته ومن وجهة نظره، لكننا نكتشف قرب النهاية أنه يخضع لاستجواب أمام ضباط وكالة المباحث الفيدرالية بعد أن يكون الغطاء قد انكشف عن الوهم، ويكون صديقه مايك قد اختفى ومعه 164 مليون دولار حصل عليها بشكل غير شرعي.
نهاية غير منطقية
مسار الفيلم حتى ما قبل النهاية يوحي بأن كيني قد سقط ضحية خديعة كبرى، وأصبح يتعين عليه أن يدفع الثمن وحده، لكن ما يحدث بعد ذلك يسقط الفيلم تماما ويجعله يفقد أي استقامة درامية، ناهيك عن القدرة على الإقناع.
وأجد نفسي مضطرا هنا إلى الكشف عن نهاية الفيلم، لكي أوضح كيف يمكن أن ينتهي فيلم ما نهاية تدمر كل ما سبقها، وما كان من الممكن أن يجعل أي مشاهد يلتمس الأعذار للأخطاء السابقة كلها ويقبل أن ينتهي هذا البطل المحكوم عليه -في الدراما- بالهزيمة، أي anti-hero، هذه النهاية.
كان من الممكن قبول أن ينتهي كيني في قبضة العدالة، كونه ذلك المقامر التعس الذي بنى طموحه على وهم كبير، مدفوعا بجشع رجل لا يتمتع بأي نوع من الاستنارة الأخلاقية، لولا أن الفيلم يفاجئنا أولا عندما يجعل الضابط المحقق يتعاطف مع قصته ويقتنع بأنه كان مجرد ضحية لصديق خان عهد الصداقة يتركه ويهرب بالمال، فيطلق الضابط سراحه.
ونفاجأ مرة ثانية بعودة كيني إلى صديقته كاي التي تستقبله بكل بساطة في منزلها الذي اعتاد على العيش معها فيه وكأن شيئا لم يحدث، وتسلمه رزمة من الرسائل التي وصلت باسمه، ثم تأتي المفاجأة الثالثة عندما يجد داخل رسالة من مايك، عقد الشراكة الذي سبق أن كتبه لمايك على منديل ورقي وفيه بند واحد فقط هو اقتسام الأرباح مناصفة، ومع هذا العقد الهزلي شيك بمبلغ 82 مليون دولار هي نصيبه من “السرقة”.
ينتهي الفيلم هذه النهاية السعيدة المخالفة للمنطق، بل والمتناقضة مع المسار الكلي للفيلم، فهل أراد صناع الفيلم مكافأة شخص هو في الحقيقة نموذج واضح من البداية ل”الميديوكر” عديم الموهبة؟
نتيجة تخبط السيناريو وهشاشته وسطحية شخصياته، يفشل المخرج في تحقيق عمل يعتمد على الصورة فيأتي فيلمه مليئا بالحوار الذي لا يتوقف لحظة واحدة، ويمتلئ بالثرثرة ويعاني من تداخل الأصوات.
وإذا كان أداء ماتيو ماكونوي يسير في اتجاه أحادي طوال الوقت، لا تبدو شخصية مايك منسجمة أصلا مع نسيج الفيلم، فالمخرج يضفي عليه نوعا من البرودة والافتعال، ولا ينجح أداء الممثل الفنزويلي إدغار راميرز، في إكسابها الحيوية المطلوبة أو الطابع الإنساني، فيبقى مايك مجرد شخصية هامشية، ولعل ذلك هو المطلوب حتى يتمتع ماكونوي وحده بالسيطرة على الشاشة، ولكن دون أي تأثير حقيقي!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.