جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تحتفل بتخرج الدفعة 22 من كلية العلاج الطبيعي بحضور قيادات الجامعة (صور)    حركة مؤشر الذهب عالميا بعد تثبيت الفيدرالي لأسعار الفائدة    بتكلفة تتجاوز 90 مليون جنيه.. متابعة أعمال تطوير وصيانة المدارس ضمن برنامج «المدارس الآمنة»    رسميًا.. صرف معاشات شهر أغسطس 2025 بالزيادة الجديدة خلال ساعات    75 شهيدا في غزة بنيران جيش الاحتلال منذ فجر اليوم    البرلمان العربي: تعزيز مشاركة المرأة والشباب في العمل البرلماني ضرورة حتمية    حماس ترفض الدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار قبل تحسين الوضع الإنساني في غزة    إدارة ترامب تطالب حكومات محلية بإعادة مساعدات مالية لمكافحة كورونا    نجم الأهلي يتلقى عرضين من السعودية وفرنسا    جيسوس يصدم جواو فيليكس بعد مشاركته الأولى مع النصر.. تصريحات مثيرة    استعدادا للموسم الجديد.. الأهلي يواجه بتروجت والحدود وديًا الأحد المقبل    ضبط 333 كيلو أسماك مملحة غير صالحة للاستهلاك ب كفر الشيخ (صور)    محافظ قنا يستقبل مدير الأمن الجديد ويؤكد دعم التعاون لتحقيق الأمن والاستقرار    طاحونة أبو شاهين في رشيد، معلم أثري يروي حكايات طحن الحبوب في زمن الدواب (فيديو وصور)    بعد ساعات من طرحه.. عمرو دياب وابنته جانا يكتسحان التريند بكليب «خطفوني» (تفاصيل)    مثالي لكنه ينتقد نفسه.. صفات القوة والضعف لدى برج العذراء    طريقة عمل المهلبية بالشيكولاتة، حلوى باردة تسعد صغارك فى الصيف    رئيس مجلس الوزراء يشهد إطلاق وزارة الأوقاف مبادرة «صحح مفاهيمك»    وزارة العمل تبدأ اختبارات المرشحين للعمل في الأردن.. بالصور    وزير الثقافة وأحمد بدير ومحمد محمود يحضرون عزاء شقيق خالد جلال.. صور    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    الشيخ خالد الجندي: الرسول الكريم ضرب أعظم الأمثلة في تبسيط الدين على الناس    نتنياهو: أسقطنا المساعدات على غزة وحماس تسرقها من المدنيين    انطلاق المؤتمر الجماهيري لحزب الجبهة الوطنية بسوهاج لدعم المرشح أحمد العادلي    بواقع 59 رحلة يوميًا.. سكك حديد مصر تُعلن تفاصيل تشغيل قطارات "القاهرة – الإسماعيلية – بورسعيد"    الكونغ فو يحصد 12 ميدالية ويتوج بالكأس العام بدورة الألعاب الأفريقية للمدارس    تحليل مخدرات والتحفظ على السيارة في مصرع شابين بكورنيش المعادي    تأجيل دعوى عفاف شعيب ضد المخرج محمد سامي بتهمة السب والقذف    البيت الفني للمسرح ينعى الفنان لطفي لبيب    ناجلسمان: تير شتيجن سيظل الحارس الأول للمنتخب الألماني    فيديو.. ساموزين يطرح أغنية باب وخبط ويعود للإخراج بعد 15 عاما من الغياب    تايلاند وكمبوديا تؤكدان مجددا التزامهما بوقف إطلاق النار بعد اجتماع بوساطة الصين    مصر تواجه تونس في ختام الاستعدادات لبطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    رئيس جامعة المنيا يحفّز الأطقم الطبية قبيل زيارة لجان اعتماد مستشفيي الكبد والرمد الجامعيين    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    ترامب: الهند ستدفع تعريفة جمركية بنسبة 25% اعتبارًا من أول أغسطس    حركة فتح: إعلان نيويورك إنجاز دبلوماسى كبير وانتصار للحق الفلسطينى    الليلة.. دنيا سمير غانم تحتفل بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    هبوط أرضي مفاجئ في المنوفية يكشف كسرًا بخط الصرف الصحي -صور    نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    لماذا ينصح الأطباء بشرب ماء بذور اليقطين صباحًا؟    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    ختام موسم توريد القمح في محافظة البحيرة بزيادة 29.5% عن العام الماضي    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    البورصة المصرية تطلق مؤشر جديد للأسهم منخفضة التقلبات السعرية "EGX35-LV"    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    إعلام كندي: الحكومة تدرس الاعتراف بدولة فلسطين    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب العربى بين الأبعاد المحلية والعالمية
نشر في صوت البلد يوم 10 - 04 - 2017

فى البداية لم يكن الأدب وليد ظروف عامة ومتسعة فى أرجاء العالم كله، بل بدأ بسيطا، على هيئة الكتابة على الجدران فى المعابد، ثم تطور إلى مايشبه المدونات والابتهالات، وكان يعبّر عن الروح الجماعية التى تتسم بها القبيلة أو العائلة أو أبناء الديانة الواحدة ، والمكان الذى يتسم بصفات مشتركة، وبعد ذلك أخذ يأخذ أشكالا فردية خاصة، فعرفنا الشعر والأقصوصة عند الفراعنة على سبيل المثال، وقد أنجز لنا عالم المصريات سليم حسن مجلدين كبيرين، استطاع فيهما أن يجمع قدرا كبيرا من الشعر والأقصوصة والحواريات المسرحية، والابتهالات الدينية التى كانت تتلى أثناء دفن الموتى.
وما ينطبق على المصريين القدماء ، ينطبق على كل الشعوب والحضارات القديمة، وكانت تلك النصوص القديمة تعبّر عن حالات خاصة جدا تتعرض لها تلك الشعوب والأقوام والقبائل، وما يجعل من تلك القصائد والقصص نصوصا راقية، هو الخروج من تلك الحالات المحلية والقبائلية والعائلية الخاصة، إلى التعبير عن الانسان عموما فى أى زمان ومكان، وهكذا تستطيع تلك النصوص أن تخترق تلك الأسوار الخاصة، لكى تجوب الدنيا والأزمنة كلها، معبرة عن ذلك الجوهر الذى يجمع البشرية جمعاء.
وجدير بالذكر أن المراحل الأدبية العربية منذ ذلك العصر الجاهلى، مرورا بالعصور العربية والإسلامية التالية، العباسية والأموية وما تعاقب بعدها من عصور، كان الإنسان العربي قادرا على التعبير عن ذاته الفردية الإنسانية أولا، ثم التعبير عنها بما حملت من ملامح محليّة أو إقليمية ثانيا، تلك الملامح الخاصة التى تعمل فى بعض الأحيان على تقويض الذات، وحبسها فى صفات خاصة وضيّقة، لكن الشاعر فى بحثه المستمر والدؤوب عن حلول حاسمة، لأسئلة انسانية عامة، أسئلة لا تنبع من الواقع المحلى أو الإقليمى الضيّق، فالحب مثلا رغم التقاليد القومية التى تعطيه شكلا وملامح خاصة، بظل واحدا ، ويظل جوهره فاعلا فى الانسان أينما كان، ووقتما عاش، فالشاعر "كثير" عزة، لا يبتعد كثيرا عن ؟ إبراهيم ناجى وعلى محمود طه والهمشرى فى العصر الحديث، وكل الشعراء الذى كتبوا واستفاضوا فى وصف الحرب وويلاتها متشابهون، ولكن المفردات والصور والمشاهد وأبطالها هى التى تتغير وتتبدل، جوهر الانسان واحد ، وشعوره يكاد يكون متشابها،رغم أن القوميات تتغير وتتعد، ولكن الانسان يظل واحدا، والتعبير عن المعنى يتغير لغة ومعنى ، فلا فرق _فى الحرب مثلا_ بين الجندى الذى كان يحارب منذ عصور بعيدة، والجندى الذى يعيش العصر الحديث.
ولو تأملنا غالبية النصوص القديمة التى استطاعت أن تبقى ، سنلاحظ أنها تجاوزت الأطر الخاصة التى انبثقت عنها ، لنجد أنها عبّرت عن المكنون الانسانى العام والدفين والأشمل والأعم من تلك الوقائع العابرة، غربة الانسان فى الصحراء ، ومواجهة المجهول الذى يتجلى بأشكال مفاجئة أو متواترة، إحساس الانسان بالاحتياج العام للدفئ الجماعى، كل هذه مشاعر انسانية عامة، ولدت فى إطارات اجتماعية أو سياسية خاصة، واستطاع الشاعر أو الناثر التعبير عنها بأشكال وصور مختلفة، ولو تأملنا الشاعر الجاهلى الذى كان يبد أ قصيدته بالغزل أو البكاء على الأطلال، دون أن تكون هناك مناسبات خاصة تستدعى ذلك، سنلاحظ أن تلك البدايات تعبر عن مكنونات عامة تكمن فى هؤلاء الشعراء، وأصبحت تلك البدايات تعمل كتقنيات لاستدعاء الحب والرفقة والدفء المفقود.
وهذه التقنيات لم تفقد معناها لأزمنة طويلة فى الأدب العربى، وظلّت قائمة وفاعلة فى العصور المتتالية القديمة، ولكنها فقدت معناها فى العصور الحديثة، منذ انبثاق الآلة التى تعددت أشكالها ووظائفها ، مثل الطائرة والقطار والميكرسكوب وغيره، وأصبح الشاعر لا يتحدث عن الناقة والمكان المهجور، وراح يعبّر عن الظواهر بشكل مباشر، وكان الشاعر محمود سامى البارودى واسطة العقد بين العصور القديمة والحديثة، ونستطيع أن نلاحظ تزاوج القديم والحديث فى سبيكة واحدة، ولكننا لن نعدم وجود الشعور الانسانى العام فى مواجهة الألم والغربة والتشريد والغبن ، تلك المعانى التى وجد البارودى نفسه فيها بعد انكسار الثورة العرابية، ولكنها حالات تواجه أى كائن انسانى على وجه الأرض.
وما نلاحظه عند البارودى ، سنجده عند شعراء مصريين وعرب آخرين، ولكن بدرجات وأشكال مختلفة، ومنهم حافظ ابراهيم وأحمد شوقى وجميل صدقى الزهاوى ومعروف الرصافى وخليل مطران وغيرهم، حتى أن بدأت محاولات كتابة الرواية تظهر على أيدى أدباء عرب ومصريين كثيرين، وكان أبرزهم محمد حسين هيكل، والذى كتب روايته الأشهر "زينب"، ورغم أنه كان يحاول إخفاء اسمه وكنيته فى البداية، ووقع ب"مصرى فلاح"، إلا أنه عندما صدرت الرواية فى كتاب، وبعد أن انتشرت واشتهرت ووجدت حفاوة كبيرة من المتابعين والقراء، وتجاوزت الأسوار المصرية إلى الأقطار العربية، لما توفر فيها من مبدأ الاعتزاز بالوطن فى عمومه ، أى كان ذلك الوطن هو مصر أو سوريا أو فلسطين وغيره من الأقطار، غيّر هيكل التوقيع ليصبح باسمه الصريح والكامل، وكان ذلك انتصارا للأدب الانسانى العام، وكسر لفكرة الأدب المحلى.
صدور رواية "زينب" فى العقد الثانى من القرن العشرين، دفع الكتّاب العرب والمصريين لخوض تجارب السرد عموما، فكتب ميخائل نعيمة قصته "العاقر"، ثم كان كتاب "النبى" لجبران خليل جبران إحدى الأيقونات الانسانية فى العالم أجمع، ثم كتب محمد تيمور قصته "فى القطار" عام 1917، وبعدها انطلق كتاب كثيرون فى ممارسة فن السرد القصصى والروائى، حتى وصلنا إلى عام 1933 لتصدر رواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم، ورغم أن أحداث الرواية تدور فى القاهرة، والأحداث تتجوهر وتتركز حول ثورة 1919، إلا أن شخصية "محسن" بطل الرواية، يعبّر بدقة وتوسع عن الانسان عموما الذى يتوق إلى ثورة ما، ثورة على التقاليد وعلى السلوك الاجتماعى السائد، وكذلك على السلطات السياسية بشكل شامل، وهذا ماشجّع المترجمين فى نقل تلك الرواية إلى لغاتهم، وخاصة اللغة الفرنسية.
وجاء بعد توفيق الحكيم نجيب محفوظ، رغم أن بينهما كانت هناك كتابات لابراهيم عبد القادر المازنى ومحمود كامل المحامى ومحمود طاهر لاشين وغيرهم، إلا أن نجيب محفوظ حسم مسألة حضور الفن الروائى بقوة، وكتب رواياته التاريخية الأولى مثل "عبث الأقدار وكفاح طيبة ورادوبيس"، إلا أنه انفلت سريعا من ذلك الإطار التاريخى والمحلى، ليكتب رواياته الاجتماعية "القاهرة الجديدة والسراب وخان الخليلى وزقاق المدق وبداية ونهاية"، ليدّق أبواب الأدب الانسانى والعالم ، ورغم أن رواياته تتناول هموما انسانية ووقائع اجتماعية حدث فى مصر، إلا أننا نستطيع أن نجد لها نظائر فى العالم كله، فشخصية "محجوب عبد الدائم" الانتهازية فى "القاهرة الجديدة"، هى شخصية متكررة فى العالم وفى التاريخ، والفيصل هنا هو قدرة نجيب محفوظ على التعبير عن تلك الشخصية بعبقرية الفنان الفريدة.
وسوف نجد أن الأمر يتكرر عند كتاب من طراز الطيب صالح السودانى فى رائعته "موسم الهجرة إلى الشمال"، وكذلك فى "الحىّ اللاتينى" عند اللبنانى سهيل ادريس، وعند غسان كنفان فى أيقونته "رجال فى الشمس"، كلهم استطاعوا أن يتجاوزا الصفات المحليّة الضيقة، إلى المساحة الانسانية الواسعة، وذلك يعود إلى إتقانهم المفرط فى امتلاك قدرات فائقة فى الكتابة والإبداع.
فى البداية لم يكن الأدب وليد ظروف عامة ومتسعة فى أرجاء العالم كله، بل بدأ بسيطا، على هيئة الكتابة على الجدران فى المعابد، ثم تطور إلى مايشبه المدونات والابتهالات، وكان يعبّر عن الروح الجماعية التى تتسم بها القبيلة أو العائلة أو أبناء الديانة الواحدة ، والمكان الذى يتسم بصفات مشتركة، وبعد ذلك أخذ يأخذ أشكالا فردية خاصة، فعرفنا الشعر والأقصوصة عند الفراعنة على سبيل المثال، وقد أنجز لنا عالم المصريات سليم حسن مجلدين كبيرين، استطاع فيهما أن يجمع قدرا كبيرا من الشعر والأقصوصة والحواريات المسرحية، والابتهالات الدينية التى كانت تتلى أثناء دفن الموتى.
وما ينطبق على المصريين القدماء ، ينطبق على كل الشعوب والحضارات القديمة، وكانت تلك النصوص القديمة تعبّر عن حالات خاصة جدا تتعرض لها تلك الشعوب والأقوام والقبائل، وما يجعل من تلك القصائد والقصص نصوصا راقية، هو الخروج من تلك الحالات المحلية والقبائلية والعائلية الخاصة، إلى التعبير عن الانسان عموما فى أى زمان ومكان، وهكذا تستطيع تلك النصوص أن تخترق تلك الأسوار الخاصة، لكى تجوب الدنيا والأزمنة كلها، معبرة عن ذلك الجوهر الذى يجمع البشرية جمعاء.
وجدير بالذكر أن المراحل الأدبية العربية منذ ذلك العصر الجاهلى، مرورا بالعصور العربية والإسلامية التالية، العباسية والأموية وما تعاقب بعدها من عصور، كان الإنسان العربي قادرا على التعبير عن ذاته الفردية الإنسانية أولا، ثم التعبير عنها بما حملت من ملامح محليّة أو إقليمية ثانيا، تلك الملامح الخاصة التى تعمل فى بعض الأحيان على تقويض الذات، وحبسها فى صفات خاصة وضيّقة، لكن الشاعر فى بحثه المستمر والدؤوب عن حلول حاسمة، لأسئلة انسانية عامة، أسئلة لا تنبع من الواقع المحلى أو الإقليمى الضيّق، فالحب مثلا رغم التقاليد القومية التى تعطيه شكلا وملامح خاصة، بظل واحدا ، ويظل جوهره فاعلا فى الانسان أينما كان، ووقتما عاش، فالشاعر "كثير" عزة، لا يبتعد كثيرا عن ؟ إبراهيم ناجى وعلى محمود طه والهمشرى فى العصر الحديث، وكل الشعراء الذى كتبوا واستفاضوا فى وصف الحرب وويلاتها متشابهون، ولكن المفردات والصور والمشاهد وأبطالها هى التى تتغير وتتبدل، جوهر الانسان واحد ، وشعوره يكاد يكون متشابها،رغم أن القوميات تتغير وتتعد، ولكن الانسان يظل واحدا، والتعبير عن المعنى يتغير لغة ومعنى ، فلا فرق _فى الحرب مثلا_ بين الجندى الذى كان يحارب منذ عصور بعيدة، والجندى الذى يعيش العصر الحديث.
ولو تأملنا غالبية النصوص القديمة التى استطاعت أن تبقى ، سنلاحظ أنها تجاوزت الأطر الخاصة التى انبثقت عنها ، لنجد أنها عبّرت عن المكنون الانسانى العام والدفين والأشمل والأعم من تلك الوقائع العابرة، غربة الانسان فى الصحراء ، ومواجهة المجهول الذى يتجلى بأشكال مفاجئة أو متواترة، إحساس الانسان بالاحتياج العام للدفئ الجماعى، كل هذه مشاعر انسانية عامة، ولدت فى إطارات اجتماعية أو سياسية خاصة، واستطاع الشاعر أو الناثر التعبير عنها بأشكال وصور مختلفة، ولو تأملنا الشاعر الجاهلى الذى كان يبد أ قصيدته بالغزل أو البكاء على الأطلال، دون أن تكون هناك مناسبات خاصة تستدعى ذلك، سنلاحظ أن تلك البدايات تعبر عن مكنونات عامة تكمن فى هؤلاء الشعراء، وأصبحت تلك البدايات تعمل كتقنيات لاستدعاء الحب والرفقة والدفء المفقود.
وهذه التقنيات لم تفقد معناها لأزمنة طويلة فى الأدب العربى، وظلّت قائمة وفاعلة فى العصور المتتالية القديمة، ولكنها فقدت معناها فى العصور الحديثة، منذ انبثاق الآلة التى تعددت أشكالها ووظائفها ، مثل الطائرة والقطار والميكرسكوب وغيره، وأصبح الشاعر لا يتحدث عن الناقة والمكان المهجور، وراح يعبّر عن الظواهر بشكل مباشر، وكان الشاعر محمود سامى البارودى واسطة العقد بين العصور القديمة والحديثة، ونستطيع أن نلاحظ تزاوج القديم والحديث فى سبيكة واحدة، ولكننا لن نعدم وجود الشعور الانسانى العام فى مواجهة الألم والغربة والتشريد والغبن ، تلك المعانى التى وجد البارودى نفسه فيها بعد انكسار الثورة العرابية، ولكنها حالات تواجه أى كائن انسانى على وجه الأرض.
وما نلاحظه عند البارودى ، سنجده عند شعراء مصريين وعرب آخرين، ولكن بدرجات وأشكال مختلفة، ومنهم حافظ ابراهيم وأحمد شوقى وجميل صدقى الزهاوى ومعروف الرصافى وخليل مطران وغيرهم، حتى أن بدأت محاولات كتابة الرواية تظهر على أيدى أدباء عرب ومصريين كثيرين، وكان أبرزهم محمد حسين هيكل، والذى كتب روايته الأشهر "زينب"، ورغم أنه كان يحاول إخفاء اسمه وكنيته فى البداية، ووقع ب"مصرى فلاح"، إلا أنه عندما صدرت الرواية فى كتاب، وبعد أن انتشرت واشتهرت ووجدت حفاوة كبيرة من المتابعين والقراء، وتجاوزت الأسوار المصرية إلى الأقطار العربية، لما توفر فيها من مبدأ الاعتزاز بالوطن فى عمومه ، أى كان ذلك الوطن هو مصر أو سوريا أو فلسطين وغيره من الأقطار، غيّر هيكل التوقيع ليصبح باسمه الصريح والكامل، وكان ذلك انتصارا للأدب الانسانى العام، وكسر لفكرة الأدب المحلى.
صدور رواية "زينب" فى العقد الثانى من القرن العشرين، دفع الكتّاب العرب والمصريين لخوض تجارب السرد عموما، فكتب ميخائل نعيمة قصته "العاقر"، ثم كان كتاب "النبى" لجبران خليل جبران إحدى الأيقونات الانسانية فى العالم أجمع، ثم كتب محمد تيمور قصته "فى القطار" عام 1917، وبعدها انطلق كتاب كثيرون فى ممارسة فن السرد القصصى والروائى، حتى وصلنا إلى عام 1933 لتصدر رواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم، ورغم أن أحداث الرواية تدور فى القاهرة، والأحداث تتجوهر وتتركز حول ثورة 1919، إلا أن شخصية "محسن" بطل الرواية، يعبّر بدقة وتوسع عن الانسان عموما الذى يتوق إلى ثورة ما، ثورة على التقاليد وعلى السلوك الاجتماعى السائد، وكذلك على السلطات السياسية بشكل شامل، وهذا ماشجّع المترجمين فى نقل تلك الرواية إلى لغاتهم، وخاصة اللغة الفرنسية.
وجاء بعد توفيق الحكيم نجيب محفوظ، رغم أن بينهما كانت هناك كتابات لابراهيم عبد القادر المازنى ومحمود كامل المحامى ومحمود طاهر لاشين وغيرهم، إلا أن نجيب محفوظ حسم مسألة حضور الفن الروائى بقوة، وكتب رواياته التاريخية الأولى مثل "عبث الأقدار وكفاح طيبة ورادوبيس"، إلا أنه انفلت سريعا من ذلك الإطار التاريخى والمحلى، ليكتب رواياته الاجتماعية "القاهرة الجديدة والسراب وخان الخليلى وزقاق المدق وبداية ونهاية"، ليدّق أبواب الأدب الانسانى والعالم ، ورغم أن رواياته تتناول هموما انسانية ووقائع اجتماعية حدث فى مصر، إلا أننا نستطيع أن نجد لها نظائر فى العالم كله، فشخصية "محجوب عبد الدائم" الانتهازية فى "القاهرة الجديدة"، هى شخصية متكررة فى العالم وفى التاريخ، والفيصل هنا هو قدرة نجيب محفوظ على التعبير عن تلك الشخصية بعبقرية الفنان الفريدة.
وسوف نجد أن الأمر يتكرر عند كتاب من طراز الطيب صالح السودانى فى رائعته "موسم الهجرة إلى الشمال"، وكذلك فى "الحىّ اللاتينى" عند اللبنانى سهيل ادريس، وعند غسان كنفان فى أيقونته "رجال فى الشمس"، كلهم استطاعوا أن يتجاوزا الصفات المحليّة الضيقة، إلى المساحة الانسانية الواسعة، وذلك يعود إلى إتقانهم المفرط فى امتلاك قدرات فائقة فى الكتابة والإبداع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.