اليوم.. "الصحفيين" تستضيف نواب لمناقشة تعديل المادة 12 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام    الشيوخ يناقش ملفات البيئة والضريبة العقارية والتأمين الصحي غدا    محافظ كفرالشيخ يعلن رفع درجة الاستعداد بأجهزة المحافظة لمواجهة التغيرات المناخية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 31 مايو 2025    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 31 مايو 2025    أسعار الخضار والفواكه اليوم السبت 31 مايو 2025 فى المنوفية    البعثة المصرية للحج السياحي تقدّم خدمات طبية للحجاج في منفذ حالة عمار قبل دخول الأراضي المقدسة    قانون الأيجار القديم| صراع المستأجرين والملاك.. على السوشيال ميديا    أزمة على الطريق.. كفاءة بطاريات السيارات الكهربائية تثير الجدل بين المستهلكين    أحدث التطورات الميدانية في اليوم 75 من استئناف حرب غزة    شهيدان وعشرات الجرحى برصاص الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    الأمم المتحدة: الحاجة للمساعدات الإنسانية بقطاع غزة وصلت مستويات غير مسبوقة    استشهاد لبناني في اعتداء إسرائيلي على بلدة "دير الزهراني" جنوب البلاد    بعد معلول.. لاعب جديد يقترب من مغادرة الأهلي (خاص)    موقف منسي.. تشكيل الزمالك المتوقع أمام فاركو في الدوري المصري    رابطة الأندية تُعلن نظام الدوري الجديد وموعد نهايته    «الخطيب هيرقصك».. تعليق مثير من عضو مجلس الأهلي بشأن ملف الصفقات    نهائي دوري أبطال أوروبا، موعد مباراة باريس سان جيرمان والإنتر والقناة الناقلة    بعد تأجيلها ساعة بسبب سوء الطقس.. انتظام امتحانات الشهادة الإعدادية في محافظة البحيرة    انتشال جثمان طالب من ترعة الإبراهيمية بالمنيا بعد 3 أيام من غرقه    رئيس بعثة الحج: تعاون وتنسيق تام مع كافة الجهات المنظمة من أجل خدمة الحجاج    رئيس "أزهر الأقصر" يتفقد معهد الفتيات لمتابعة امتحانات الثانوية الأزهرية    تعويض الطلاب عن تأخر توزيع أوراق امتحان اللغة العربية بعدد من لجان كفر الشيخ    إلهام شاهين تظهر بشخصيتها الحقيقية ضمن أحداث فيلم "ريستارت"    الاحتلال يدمر منازل 14 عائلة فى جباليا شمال قطاع غزة    كريم عبدالعزيز يحقق إيرادات ضخمة من المشروع X أمس    مستشفى قنا عن ولادة مريضة الإيدز: العملية تمت باحترافية وبعيدا عن المرضى    رئيس «الرعاية الصحية» يلتقي رئيس الاتحاد العربي لإدارة الطوارئ والأزمات لبحث سبل التعاون    وزير الصحة يتوجه لمحافظتي البحيرة ومطروح لتفقد عددا من المنشآت الصحية    رغم تعديل الطرق الصوفية لموعده...انطلاق الاحتفالات الشعبية بمولد «الشاذلي» والليلة الختامية يوم «عرفة»    أخصائية نفسية: طلاب الثانوية العامة قد يلجأون للانتحار بسبب الضغط النفسي    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2025 بالشرقية وخطوات الاستعلام برقم الجلوس (الموعد و الرابط)    بسبب الطقس السيء.. سقوط لوحات إعلانية وتضرر المطاعم وغرق شوارع الإسكندرية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة مدربة أسود سيرك طنطا في واقعة النمر    نيبينزيا: روسيا لن تمنح أوكرانيا فرصة إعادة التسلح تحت غطاء وقف إطلاق نار مؤقت    النيابة تستعجل تحريات واقعة مقتل شاب في الإسكندرية    جدل بين أولياء الأمور حول «البوكليت التعليمى»    ترامب يعلن عزمه مضاعفة تعرفة واردات الصلب إلى 50%    وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نمنح الحصانة لأحد وسنرد على أي تهديد    «تنسيق الجامعات 2025»: 12 جامعة أهلية جديدة تنتظر قبول الدفعة الأولى    أحمد حلمي ومنى زكي وعمرو يوسف وكندة علوش في زفاف أمينة خليل.. صور جديدة    «متقوليش هاردلك».. عمرو أديب يوجه رسائل خاصة ل أحمد شوبير    حلم أشرف يودّع جمهوره بالحلقة 11.. قصة حب وأسرار تُفجر التريند التركي    أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. ردده الآن للزوج والأبناء وللمتوفي ولزيادة الرزق    «سأصنع التاريخ في باريس».. تصريحات مثيرة من إنريكي قبل نهائي دوري الأبطال    ثروت سويلم: رابطة الأندية أخطأت في موعد مباراة الأهلي والزمالك    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    رئيس «النحّالين العرب»: قطاع تربية النحل يتعرض لهجمات «شرسة» سنويًا لتشويه المنتج المحلى    لا تتركها برا الثلاجة.. استشاري تغذية يحذر من مخاطر إعادة تجميد اللحوم    موعد أذان فجر السبت 4 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    «قنا» تتجاوز المستهدف من توريد القمح عن الموسم السابق ب 227990 طنًا    تغييرات مفاجئة تعكر صفو توازنك.. حظ برج الدلو اليوم 31 مايو    لا تضيع فضلها.. أهم 7 أعمال خلال العشرة الأوائل من ذي الحجة    الجماع بين الزوجين في العشر الأوائل من ذي الحجة .. هل يجوز؟ الإفتاء تحسم الجدل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: سنعلن تفاصيل اتفاق غزة اليوم أو غدا.. إحباط هجوم إرهابى فى روسيا.. وصول مليون و330 ألف حاج للسعودية.. سقوط قتلى فى فيضانات تضرب نيجيريا    وزير التعليم يبحث مع «جوجل» تعزيز دمج التكنولوجيا في تطوير المنظومة التعليمية    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصص تونسية تسخر بغرائبية من المثقفين والسياسيين
نشر في صوت البلد يوم 06 - 03 - 2017

بعد مجموعته القصصية “حكايات نيئة” التي تحصّلت على جائزة الشارقة للإبداع الأدبي (2016)، يفتتح الشاعر والقاص التّونسي وليد أحمد الفرشيشي هذه السنة الجديدة بإصدار قصصي آخر عنوانه "الرّجل الذي… وقصص أخرى". وقد تضمّن كتابه اثنتي عشرة قصة تعددت مضامينها وحكاياتها من عدة جهات واشتركت في ما بينها من جهات أخرى لعل أهمها الخصائص الفنية العامة التي تشكل وحدة ما تنقد على نحو لاذع عالمنا الراهن اجتماعيّا وسياسيا وثقافيا.
معظم القصص استندت في هيكلها العام إلى حبكة مضمَرةٍ، تقوم على حدث مركزي. ويضطر أن ينبئنا السارد بهذا الحدث منذ البداية، كمن يرمي سلاحه قبل أن تبدأ المعركة، متحديا خصمه/ القارئ: إن ذلك ليس سببا كي لا أربح النزال. ورهانه في ذلك على سارد طليق اللسان كما لو أنه أفلت للتو من حكايات ألف ليلة وليلة أو كأنه شهرزاد أخرى أكثر اقترابا من زمننا ومفارقاته العجيبة.
إنه سارد مراوغ يعرف كيف يتقلب في كل الجهات دون أن يوقف التّقدم، ساخر ومشاكس وصياد عجائب. وحتى إن كشفتَ سره، فإنه سيعلمك بأنه قد صمم ذلك منذ البداية. نعم، ففي أكثر من قصة يحدثك أنه يسرد قصة وأن هؤلاء العالقين في مواقف غرائبية هم شخصيات قصصية. في قصة “الغيبوبة” يقول “كان رأيا مجدّفا من الموسيقي العجوز. ولكن لا أحد كان سيقول عكس ذلك في خلدون أو على الأقل لا أحد كان سيجازف بمعارضة رضا الشمك، ولا حتّى أنا الذي أروي هذه القصّة الغريبة”.
لكن ذلك لا يكفي كي لا ترمي بنفسك في نهر الحكاية وتصدّق ما يحدث هنا أو ما يقوله “الرّجل الذي” يسرد الغرائب على مسمعك بثقة مستفزة.
إن المسافة بين المؤلف والسارد تبدو شفافة. فهو مثل خالقه يلقي بجمل تأملية تقتضي قراءات ومناخات تعود إلى الشاعر والكاتب أو الصحافي اللصيق بأحداث السياسة وقراءاتها. بل ويحدثنا السارد عن أشخاص/ شخصيات من الوسط الثقافي التّونسي. يسمّيهم أصدقائي وهم كذلك بالنسبة إلى المؤلف. ويدرج أقوالهم وأفعالهم ضمن سياقات متسقة تماما وطبائعهم وكتاباتهم وتصوراتهم. مثال ذلك الموسيقي رضا الشمك المذكور سلفا والكاتب الروائي، الذي يحضر بهذه الصّفة في قصة الغيبوبة، المدعو كمال الزغباني.
في قصص قليلة تتغير نبرة السارد وتذهب مذهبا آخر هو أقرب إلى الشعري. وأبرز مثال على ذلك قصة “رؤيا سمعان القيرواني الرجل الذي حمل الصليب”. فالكاتب هنا يستخدم شخصية/ قناعا ليحدثنا عن خبر أنشدهُ الملايين من الناس عبر التاريخ في صحف الإنجيل. إنه خبر حمْلِ سمعان الصليب خلف المسيح والرؤيا التي بلّغها له ابن الإنسان وسيد السبت. ففيم يعيد الفرشيشي كتابة هذه الحكاية المقدسة المألوفة؟ وأي إضافة تصلنا نحن قرّاءه إذ نقرأ ما انطوت عليه الصّحف الأولى؟
ثمت مفارقة يبنيها الكاتب هذه المرة فنيا وضمنيا بدل أن يلتقطها بصيغها في متنه الحكائي. وهي مفارقة الكتابة بلغة إنجيلية قديمة ومحكمة والإشارة فيها ومن خلالها كناية وتلميح إلى مشكلات الحاضر وعلله.
وتجدر الإشارة إلى أن الكتابة بلغة مقدسة يرتبك القارئ في تمييزها عن النصّ المقدس الذي يتلوه المؤمنون مثّلت رهانا ومغامرة لذيذة لدى كتّاب مركزيين في العصر الحديث من بينهم نيتشه، وساراماغو، وكازنتازاكي، وجبران خليل جبران، وأنسي الحاج، ونورمان ميلر صاحب كتاب “إنجيل الابن” والقائل في هذا السياق “أنا واحد من بين خمسين أو مئة كاتب في العالم يمكنهم أن يعيدوا كتابة العهد الجديد”.
وليد الفرشيشي مثل سارده المألوف يشاكسُ ويغامر ويتحدى. لكن السّارد في هذه القصة هو سمعان. ومنذ العنوان نعرف مرة أخرى الحدث الذي ستمتد القصة في حكايته ووصفه ونقل الحوارات المتعلقة به.
وهنا تحديدا يستغرقُ الكاتبُ في خلق صياغته الشعرية التي تتّحد ورؤيته الفكرية لحروب العالم وسيلان دم الإنسان في مجاري الأرض، معتمدا على خطاب حافّ يشير إلى عالمنا المعاصر. ولكن، متى خلا تاريخ الإنسان من الدّم والقتل حتّى نقول مثل هذا الكلام؟
العجائبية الساخرة
إنّ قصص المجموعة على اختلاف المناخات التي تشهدها أحداثها تجتمع على نزوعٍ إلى ما هو غرائبي ومفارقي يُعرض على نحو ساخر.فمن رئيس الدّولة الذي يدخل إلى مكتبه ليطلب ألاّ يدخل عليه أحد. فتمرّ أيّام وأشهر وسنوات والرّئيس في مكتبه. (ويسمّي سارد القصّة ذلك “غيبة السّيّد الرّئيس” فيما يذكّرنا بمصطلح غيبة الوليّ في مقالة الشّيعة) إلى شخصية قصصية يكتشف كاتبها أنها قد علّقت بصرها بالسقف وكذلك زوجها دون قدرة على الحركة أو تغيير الموضع. والساردُ في ذلك عليم بأنه مؤلف القصة لكنه متابع مكتشف لما يحدث ويسألنا المتابعة معه.
وهناك في الكتاب مثل هذه الحكايات الغريبة وأكثر تركزت في كل مرة على رجل ذي خاصية أو سمة فريدة صادمة وغير مألوفة. ولعل ذلك ما يفسر عنوان الكتاب. فبالإضافة إلى القصّة التي حملت عنوان الكتاب، فإن بقية القصص تتعلّق بالرّجل الذي حمل صليب المسيح أو الرّجل الذي لم يستطع أن يغادر سريره أو يحرك بصره من سقف الغرفة أو الرجل الذي…
تلك السمات المخصوصة مثّلت العمود الفقري للحكي الذي يذهب به الفرشيشي إلى السخرية من كلّ إنسان: المثقفين والسياسيين ومشاهدي المسلسلات التركية وحتى من نفسه على نحو ما. إنّه كاتب مرحٌ وساخر. وسخريته تقيم في المفارقات التي يصنعها ضمن حبكة قصصه.
إنه يذكرنا بكلمة أوسكار وايلد تلك التي يقول فيها “إنّ المفارقة حقيقةٌ تقف على رأسها حتى تستقدم الانتباه إليها”. أمّا سؤالنا المتعلّق بمدى نجاحه في تحقيق هذا المأرب فإن لقارئ ما أن يجيب عليه.
بعد مجموعته القصصية “حكايات نيئة” التي تحصّلت على جائزة الشارقة للإبداع الأدبي (2016)، يفتتح الشاعر والقاص التّونسي وليد أحمد الفرشيشي هذه السنة الجديدة بإصدار قصصي آخر عنوانه "الرّجل الذي… وقصص أخرى". وقد تضمّن كتابه اثنتي عشرة قصة تعددت مضامينها وحكاياتها من عدة جهات واشتركت في ما بينها من جهات أخرى لعل أهمها الخصائص الفنية العامة التي تشكل وحدة ما تنقد على نحو لاذع عالمنا الراهن اجتماعيّا وسياسيا وثقافيا.
معظم القصص استندت في هيكلها العام إلى حبكة مضمَرةٍ، تقوم على حدث مركزي. ويضطر أن ينبئنا السارد بهذا الحدث منذ البداية، كمن يرمي سلاحه قبل أن تبدأ المعركة، متحديا خصمه/ القارئ: إن ذلك ليس سببا كي لا أربح النزال. ورهانه في ذلك على سارد طليق اللسان كما لو أنه أفلت للتو من حكايات ألف ليلة وليلة أو كأنه شهرزاد أخرى أكثر اقترابا من زمننا ومفارقاته العجيبة.
إنه سارد مراوغ يعرف كيف يتقلب في كل الجهات دون أن يوقف التّقدم، ساخر ومشاكس وصياد عجائب. وحتى إن كشفتَ سره، فإنه سيعلمك بأنه قد صمم ذلك منذ البداية. نعم، ففي أكثر من قصة يحدثك أنه يسرد قصة وأن هؤلاء العالقين في مواقف غرائبية هم شخصيات قصصية. في قصة “الغيبوبة” يقول “كان رأيا مجدّفا من الموسيقي العجوز. ولكن لا أحد كان سيقول عكس ذلك في خلدون أو على الأقل لا أحد كان سيجازف بمعارضة رضا الشمك، ولا حتّى أنا الذي أروي هذه القصّة الغريبة”.
لكن ذلك لا يكفي كي لا ترمي بنفسك في نهر الحكاية وتصدّق ما يحدث هنا أو ما يقوله “الرّجل الذي” يسرد الغرائب على مسمعك بثقة مستفزة.
إن المسافة بين المؤلف والسارد تبدو شفافة. فهو مثل خالقه يلقي بجمل تأملية تقتضي قراءات ومناخات تعود إلى الشاعر والكاتب أو الصحافي اللصيق بأحداث السياسة وقراءاتها. بل ويحدثنا السارد عن أشخاص/ شخصيات من الوسط الثقافي التّونسي. يسمّيهم أصدقائي وهم كذلك بالنسبة إلى المؤلف. ويدرج أقوالهم وأفعالهم ضمن سياقات متسقة تماما وطبائعهم وكتاباتهم وتصوراتهم. مثال ذلك الموسيقي رضا الشمك المذكور سلفا والكاتب الروائي، الذي يحضر بهذه الصّفة في قصة الغيبوبة، المدعو كمال الزغباني.
في قصص قليلة تتغير نبرة السارد وتذهب مذهبا آخر هو أقرب إلى الشعري. وأبرز مثال على ذلك قصة “رؤيا سمعان القيرواني الرجل الذي حمل الصليب”. فالكاتب هنا يستخدم شخصية/ قناعا ليحدثنا عن خبر أنشدهُ الملايين من الناس عبر التاريخ في صحف الإنجيل. إنه خبر حمْلِ سمعان الصليب خلف المسيح والرؤيا التي بلّغها له ابن الإنسان وسيد السبت. ففيم يعيد الفرشيشي كتابة هذه الحكاية المقدسة المألوفة؟ وأي إضافة تصلنا نحن قرّاءه إذ نقرأ ما انطوت عليه الصّحف الأولى؟
ثمت مفارقة يبنيها الكاتب هذه المرة فنيا وضمنيا بدل أن يلتقطها بصيغها في متنه الحكائي. وهي مفارقة الكتابة بلغة إنجيلية قديمة ومحكمة والإشارة فيها ومن خلالها كناية وتلميح إلى مشكلات الحاضر وعلله.
وتجدر الإشارة إلى أن الكتابة بلغة مقدسة يرتبك القارئ في تمييزها عن النصّ المقدس الذي يتلوه المؤمنون مثّلت رهانا ومغامرة لذيذة لدى كتّاب مركزيين في العصر الحديث من بينهم نيتشه، وساراماغو، وكازنتازاكي، وجبران خليل جبران، وأنسي الحاج، ونورمان ميلر صاحب كتاب “إنجيل الابن” والقائل في هذا السياق “أنا واحد من بين خمسين أو مئة كاتب في العالم يمكنهم أن يعيدوا كتابة العهد الجديد”.
وليد الفرشيشي مثل سارده المألوف يشاكسُ ويغامر ويتحدى. لكن السّارد في هذه القصة هو سمعان. ومنذ العنوان نعرف مرة أخرى الحدث الذي ستمتد القصة في حكايته ووصفه ونقل الحوارات المتعلقة به.
وهنا تحديدا يستغرقُ الكاتبُ في خلق صياغته الشعرية التي تتّحد ورؤيته الفكرية لحروب العالم وسيلان دم الإنسان في مجاري الأرض، معتمدا على خطاب حافّ يشير إلى عالمنا المعاصر. ولكن، متى خلا تاريخ الإنسان من الدّم والقتل حتّى نقول مثل هذا الكلام؟
العجائبية الساخرة
إنّ قصص المجموعة على اختلاف المناخات التي تشهدها أحداثها تجتمع على نزوعٍ إلى ما هو غرائبي ومفارقي يُعرض على نحو ساخر.فمن رئيس الدّولة الذي يدخل إلى مكتبه ليطلب ألاّ يدخل عليه أحد. فتمرّ أيّام وأشهر وسنوات والرّئيس في مكتبه. (ويسمّي سارد القصّة ذلك “غيبة السّيّد الرّئيس” فيما يذكّرنا بمصطلح غيبة الوليّ في مقالة الشّيعة) إلى شخصية قصصية يكتشف كاتبها أنها قد علّقت بصرها بالسقف وكذلك زوجها دون قدرة على الحركة أو تغيير الموضع. والساردُ في ذلك عليم بأنه مؤلف القصة لكنه متابع مكتشف لما يحدث ويسألنا المتابعة معه.
وهناك في الكتاب مثل هذه الحكايات الغريبة وأكثر تركزت في كل مرة على رجل ذي خاصية أو سمة فريدة صادمة وغير مألوفة. ولعل ذلك ما يفسر عنوان الكتاب. فبالإضافة إلى القصّة التي حملت عنوان الكتاب، فإن بقية القصص تتعلّق بالرّجل الذي حمل صليب المسيح أو الرّجل الذي لم يستطع أن يغادر سريره أو يحرك بصره من سقف الغرفة أو الرجل الذي…
تلك السمات المخصوصة مثّلت العمود الفقري للحكي الذي يذهب به الفرشيشي إلى السخرية من كلّ إنسان: المثقفين والسياسيين ومشاهدي المسلسلات التركية وحتى من نفسه على نحو ما. إنّه كاتب مرحٌ وساخر. وسخريته تقيم في المفارقات التي يصنعها ضمن حبكة قصصه.
إنه يذكرنا بكلمة أوسكار وايلد تلك التي يقول فيها “إنّ المفارقة حقيقةٌ تقف على رأسها حتى تستقدم الانتباه إليها”. أمّا سؤالنا المتعلّق بمدى نجاحه في تحقيق هذا المأرب فإن لقارئ ما أن يجيب عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.