إدجار مويو رئيسًا للدورة 112 لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    حزب الوعي يطالب بإنشاء مرصد لمراقبة مبادئ حقوق الإنسان    توريد أكثر من 300 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    تخصيص قطع أراضي لصالح مسار القطار الديزل وحرمه بمحافظة مطروح    بعد وقوع الهزة الأرضية اليوم.. هل دخلت مصر حزام الزلازل؟ معهد البحوث الفلكية يُجيب    تشيلسي يعلن ضم صفقة جديدة    مهاجم بيراميدز: إبراهيم عادل أفضل من زيزو وإمام عاشور    المشدد 5 سنوات لعامل لاتجاره في المخدرات بالعبور    محافظ البنك المركزي الياباني: لن نتجه نحو رفع أسعار الفائدة في الوقت الحالي    وزير الداخلية يهنئ رئيس الوزراء وشيخ الأزهر بمناسبة عيد الأضحى    الرئيس اللبنانى خلال لقائه عراقجى: لبنان يتطلع لتعزيز العلاقات مع ايران    خلافات بشأن ملف الهجرة تسقط الائتلاف الحاكم في هولندا    تورنتو ستار الكندية: تحقيق بشأن جنود إسرائيليين بتهم جرائم حرب في غزة    Alpha وAirbus يدمجان الذكاء المسير في قلب العمليات الجوية العسكرية    خالد عيش: أوضاع العمال في مناطق النزاع تتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا    فيفي عبده تنعي الفنانة سميحة أيوب    وزير المالية: 50% من مستحقات الشركات في برنامج دعم الصادرات سيتم تسويتها من الضرائب أو الكهرباء    «التحدي الأكبر».. لاعب بورتو البرتغالي يتغنى ب الأهلي قبل مونديال الأندية    الاتحاد السكندري: عبدالعاطي استقال على «الفيسبوك».. والمغادرة غير مقبولة    تشيلسي يفشل في الإبقاء على سانشو    محافظ الفيوم: بدء تطبيق المحاور المرورية الجديدة أول أيام العيد    ارتفاع تدريجى في درجات الحرارة.. «الأرصاد» تعلن حالة الطقس اليوم وغدًا بالإسكندرية (تفاصيل)    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو قيام شخص بالتعدى على ابنته بالجيزة    الخارجية: يجب الالتزام بالقوانين المنظمة للسفر والهجرة والإقامة بكل دول العالم    قطاع المسرح ينعى الفنانة سميحة أيوب: اليوم تنكس رايات الإبداع ألما ووفاء    بعد نفي شائعة زواجها.. مها الصغير تستعيد ذكرياتها مع والدها: «كل يوم ببقى محتاجة ليك أكتر»    التعليم تطلق الحفل الختامي للدورة التاسعة لمسابقة "تحدي القراءة العربى"    رئيس الهيئة الدولية للمسرح ينعى وفاة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    تطهير وتعقيم ونظافة الأماكن المعدة لصلاة عيد الأضحي المبارك بالقاهرة    حكم صيام يوم التروية.. أدعية مستحبة في اليوم الثامن من ذي الحجة    «ذبح وتهنئة وفُسح».. طقوس المصريين للاحتفال ب«عيد الأضحى»    فريق طبى بمستشفى جامعة قناة السويس ينقذ حياة مريض بالقلب    السبكي: الشراكة المصرية الألمانية في الصحة نموذج للتحول الرقمي والتميّز الطبي    رسالة دكتوراه تناقش تقييم جدوى تقنية الحقن الأسمنتي كعلاج فعال لكسور هشاشة العظام    محافظ القليوبية يوجه باستمرار صرف الألبان خلال عطلة عيد الأضحى    "الزراعة": التفتيش على 289 منشأة بيطرية خلال مايو واتخاذ الإجراءات ضد 64    "يونيسف" تطالب بفتح تحقيق دولى بعد عدوان إسرائيل على طالبى المساعدات فى غزة    المشاط تبحث مع الاتحاد الأوروبي إتمام المرحلة الثانية من آلية مساندة الاقتصاد الكلى    جامعة القاهرة تدعم الرياضة المصرية بتعاون وثيق مع الاتحاد المصري لألعاب القوى    المركز القومي للمسرح ناعيا سميحة أيوب: أفنت عمرها في تشكيل ملامح تاريخ الفن    مهرجان إيزيس الدولي ينعى سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    موعد ومكان جنازة الفنانة سميحة أيوب    مدير الإغاثة الطبية بغزة: مراكز توزيع المساعدات في القطاع مصائد لاستهداف المواطنين    «أمن المنافذ»: ضبط 2628 مخالفة مرورية وتنفيذ 162 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    ضبط أصحاب شركة المقاولات المتورطة في التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    قبل نهائي الكأس.. أرقام الحكم محمود بسيوني مع الزمالك وبيراميدز هذا الموسم؟    سويلم يتابع ترتيبات "أسبوع القاهرة الثامن للمياه"    وزارة السياحة والآثار تستضيف وفدًا صحفيًا من المكسيك في زيارة تعريفية للمقصد السياحي المصري    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ رئيس الجمهورية وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى    سكاي: برونو فيرنانديز لا يريد الانتقال إلى الدوري السعودي هذا الصيف    هيئة الأرصاد: أجواء ربيعية ممتعة اليوم والعظمى بالقاهرة الكبرى 31 درجة    من الصفائح التكتونية إلى الكوارث.. كيف تحدث الزلازل ؟    مستشار الرئيس للشئون الصحية: مصر تشهد معدلات مرتفعة في استهلاك الأدوية    الحج 2025 .. ماذا يقال عند نية الإحرام ؟    قرار عاجل من التعليم بشأن المدارس الرسمية الدولية lPS (مستند)    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025    إيذاء للناس ومخالفة لأخلاق الإسلام.. دار الإفتاء توضح حكم ذبح الأضاحي في الشوارع    «هاجي في يوم وهقتله».. يورتشيتش يمازح مصطفى فتحي بسبب عصبية الشيبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حنان بيروتي: القصة القصيرة أسيرة جزيرة شبه مهجورة
نشر في صوت البلد يوم 22 - 01 - 2017

بعد ثماني مجموعات قصصية للقاصة الأردنية حنان بيروتي، استطاعت من خلالها أن ترسخ اسمها في فضاء القصة القصيرة بالأردن والعالم العربي، والتي نذكر منها “الإشارة حمراء دائما”، و”لعينيك تأوي عصافير روحي”، و”تفاصيل صغيرة”، و”فرح مشروخ”، و”لأنك حبري وبوحي”، لا تزال بيروتي على إخلاصها لذلك الفن الذي يهجره كتابه إلى “الرواية” في زمن يمثل الاحتفاء بالرواية وكتابها سمة أساسية من سماته الثقافية.
نسأل بيروتي عن مدى تفكيرها في كتابة الرواية مستقبلا فتقول القاصة “أفكر في كتابة الرواية لكن ليس لأنه زمنها، فالكتابة ليست تماشيا مع الدّارج بل محاولة لترجمة ما يعتمل في الداخل الضاج بالكثير من المسجون والمقيد والمجروح والنازف. لكني لا أتسرّع إنجازها، ولا أسعى إليها حتى أحس بأنها تتمرد علي، وأعتبر كتابتها تحديا ومغامرة في زمن زاخر بالأحداث، ومتخم بالتغيرات، والكتابة فيه وعنه بمنأى عن الانفعالية والحروف غير الناضجة وغير المتروية حلم كبير، وأراني طفلة أقرع بابا كبيرا ربما ألجه وربما يسرقني سحر الحلم دون تحققه”.
وتلفت بيروتي إلى أن الفن القصصي لا يموت لأنه فن الحياة، وهو متجدد وقادر على التأقلم والبقاء، وتراجع القصة الراهن ليس نتيجة لهيمنة السرد الروائي فكلاهما فن سردي من الرحم والنسق الإبداعي ذاته، ولهذه الهيمنة أسبابها المشروعة، ولكل فن جماليته وتفرده، وهيمنة فن لا تعني بالضرورة إلغاء الآخر أو نسف مشروعية وجوده، ولكنها قد تعني أنّ ثمة تقليصا مؤقتا في الحضور تبعا لظروف العصر اللاهث خلف الومضة المدهشة التي تشبه الوجبة السريعة أو الساعي لاستراحة في ظل خميلة نص روائي ممتد يحتضن قلقه وارتجافه، والمبتعد نوعا ما عن القصة القصيرة الواقعة في مساحة وسط شبه مهجورة.
وتوضح بيروتي أنها تنظر إلى كلّ قصة باعتبارها كائنا متفردا ومشروعا إبداعيا قائما بذاته، فلا يمكن الحكم على جودة النص القصصي من خلال الاكتفاء برصد استيفائه العناصر التقليدية من عدمه، لأنّ الفن القصصي ليس في جمع العناصر، وليس ثمة نموذج أو وصفة جاهزة للكتابة القصصية المتميزة، ولكنه في القدرة على القص والسرد بالاستعانة بعفوية بهذه العناصر، وتطويعها للكتابة بمقدار ما تفرضه القصة المنتجة والمتفردة بصفتها حالة إبداعية قائمة بذاتها.
وترى ضيفتنا أن الابتعاد عن عناصر القصة والافتقار لبعضها يجعلان النص القصصي أعرج ومنقوصا، ويفقده بنيته الفنية، لكن المعادلة الإبداعية تتفاوت من جيل إلى آخر ومن كاتب إلى آخر حتى لدى الكاتب نفسه من نص إلى آخر، ولا ترتبط باسم أو بتجربة مهما قصرت أو طالت، ففن القصة القصيرة مطواع يحتمل التجريب بشرط عدم إفلات خيوط الحبكة القصصية أو تمزق الثوب الفني للقصة، فالمتلقي ذكي ويستطيع التمييز.
كتبت بيروتي في فن القصة القصيرة جدا، وتقول عنها “أنظر إلى ما كتبته في القصة القصيرة جدا باعتباره تجربة لما تتضح معالمها، وأرى بعين الناقد بأنها تتفاوت في مستواها بين نص وآخر، وبعضها وقع في فخ الومضة أو الخاطرة، لأنّ اختزال قصة وتكثيفها دون ضياع ملامحها فن صعب ويحتاج إلى دربة، ولا تتأتى عناصر دهشته دائما، أرى أنّ هذا الفن لما يزل في طور التجريب إذ يستسهله الكثيرون، وتختلط بعض النصوص التي تُدرج، في ظل فوضى المسميات، تحت باب القصة القصيرة جدا بالخاطرة أو بالومضة التي تحمل الدهشة والمفارقة”.
وتتابع “أرى أنّ القصة القصيرة جدا لم تؤسس لنفسها إلى الآن البناء الفني المرجو، ولما تكتمل صورتها الفنية وشروط وجودها رغم زخم المنتج وتفاوته، ليست ثمة معايير نقدية واضحة للحكم على سيل النصوص المحتوية على جواهر وحجارة”.
الجمالية والأنوثة
عن دور الكتابة والمهام التي عليها أن تضطلع بها، تشير بيروتي إلى أن الكاتب ليس مصلحا اجتماعيا ولا هو حارس للقيم أو معزز للوعي بطريقة مباشرة، والكتابة التي وجدت لتضطلع بمثل هذه الأدوار بطريقة قصدية هي كتابة آنية مهما شاعت، وخاوية كالطبل مهما علا ضجيجها، وثقيلة على نفس المتلقي، ففي رأيها الإبداع الحقيقي لا يسعى للقول لكنه يُسمع من يحسن الإصغاء إلى الرسائل المخبوءة المتوالدة بعفوية بين السطور. الكتابة إعادة صياغة للحياة ومحاولة لجعلها أكثر إنسانية وأقدر على الاحتمال، الوجود ضيق وخانق، والروح خاوية دون تأثيثها بجمالية الفن وبما هو مدهش ونابض.
تتحدث بيروتي عن شعرية اللغة في أعمالها القصصية قائلة “اللغة نسيج العمل الأدبي، والكاتب لا يتقصد أن يكتب باللغة الشعرية أو يرسم الصور البيانية ولكنها تأتي مع الدفقة الشعورية التي يعيشها ويعبر عنها، وثمة معادلة فنية في كف المبدع للموازنة بين جمالية اللغة وتحقق الشكل الفني وبنائه المحكم. ثمة العديد من الأعمال السردية المتميزة التي يكون بطلها اللغة الحاضنة للرؤى وللأفكار، وأعترف بأني عانيت من طغيان اللغة في نصوصي السردية الأولى، لكني درّبت قلمي على الموازنة بين اللغة الشعرية والعناصر الفنية، وعلى امتلاك الجرأة على تشذيب النص القصصي مما يمكن اعتباره فائضا عن حاجته الفنية حتى وإنْ كان مبتكرا أو مدهشا”.
تواجه المرأة المبدعة العديد من الاتهامات النقدية بأنها غير قادرة على الخروج من قوقعة واقعها الأنثوي أو الكتابة في غير معاناتها الشخصية، وهنا تقول بيروتي “لا تعنيني الاتهامات النقدية المعممة لأنها غير دقيقة، كتابتي ليست كذلك وهذا ليس دفاعا لأنّ الكتابة من قوقعة الأنوثة ليست تهمة، الإبداع فعل إنساني بصرف النظر عن جنس من يقوم به، المعيار هو الجودة والتميز وهذا بديهي. ليس دقيقا تعميم أنّ المرأة الكاتبة تعبر من قوقعة الواقع الأنثوي أو لا تكتب في غير معاناتها الشخصية، قد لا تنسلخ عن معاناتها لكنها تحلق في سماء أرحب، الكاتبة الحقيقية تكتب بحساسية الأنثى الفائقة وقدرتها على التقاط التفاصيل الصغيرة، وتوظّف معاناتها، لكن لا تحبس إبداعها بين قضبان هذه المعاناة التي مهما اتسعت تضيق، والمعاناة ليست مقتصرة على المرأة لأنّها قدر الإنسان سواء أكان رجلا أم أنثى وإنْ اختلفت الصور والأشكال ودرجة العمق والسطوة”.
تبيّن بيروتي أن لديها هواجس لا يمكن تحديدها بحيث أنها تحس بأنّ العمر يهرب ويهرب معه الكثير منها، تحس بأنّ الألم هو ما يحرّك قلمها، ووسط هذا الجنون والانسلاخ الإنساني الذي نعيشه تشعر بدهشة حقيقية من تعدد الجراح وتكاثر الطعنات والوخزات، فما نكتبه ضئيل وصغير، لكنه الشرفة المتاحة لتنفس الحلم بالأجمل.
لافتة إلى أنها تتمنى أن تسمح لها الكتابة بأن تلوذ بظل الحرف من هجير الوجود، وأن تشرع لها فسحة لترسم بحروفها الصغيرة، الكتابة ملاذ وحياة موازية لا تنتظر منها إلا أن تتركها على شرفة البوح تواصل غناء مجروحا.
وتشير بيروتي إلى أنها ليست لها طقوس معينة للكتابة وهو ما تعتبره ترفا في ظل تعدد مسؤولياتها، قائلة “ثمة تقمص حالات وجدانية تتوالد في داخلي لحظة الكتابة وهو أمر طبيعي، أن تكون كاتبا يعني أن تنسلخ عن ذاتك أحيانا لتتسلل ولتعيش داخل الشخصية التي تكتبها أو تكتب عنها، أن تكونها في لحظة الإبداع”.
بعد ثماني مجموعات قصصية للقاصة الأردنية حنان بيروتي، استطاعت من خلالها أن ترسخ اسمها في فضاء القصة القصيرة بالأردن والعالم العربي، والتي نذكر منها “الإشارة حمراء دائما”، و”لعينيك تأوي عصافير روحي”، و”تفاصيل صغيرة”، و”فرح مشروخ”، و”لأنك حبري وبوحي”، لا تزال بيروتي على إخلاصها لذلك الفن الذي يهجره كتابه إلى “الرواية” في زمن يمثل الاحتفاء بالرواية وكتابها سمة أساسية من سماته الثقافية.
نسأل بيروتي عن مدى تفكيرها في كتابة الرواية مستقبلا فتقول القاصة “أفكر في كتابة الرواية لكن ليس لأنه زمنها، فالكتابة ليست تماشيا مع الدّارج بل محاولة لترجمة ما يعتمل في الداخل الضاج بالكثير من المسجون والمقيد والمجروح والنازف. لكني لا أتسرّع إنجازها، ولا أسعى إليها حتى أحس بأنها تتمرد علي، وأعتبر كتابتها تحديا ومغامرة في زمن زاخر بالأحداث، ومتخم بالتغيرات، والكتابة فيه وعنه بمنأى عن الانفعالية والحروف غير الناضجة وغير المتروية حلم كبير، وأراني طفلة أقرع بابا كبيرا ربما ألجه وربما يسرقني سحر الحلم دون تحققه”.
وتلفت بيروتي إلى أن الفن القصصي لا يموت لأنه فن الحياة، وهو متجدد وقادر على التأقلم والبقاء، وتراجع القصة الراهن ليس نتيجة لهيمنة السرد الروائي فكلاهما فن سردي من الرحم والنسق الإبداعي ذاته، ولهذه الهيمنة أسبابها المشروعة، ولكل فن جماليته وتفرده، وهيمنة فن لا تعني بالضرورة إلغاء الآخر أو نسف مشروعية وجوده، ولكنها قد تعني أنّ ثمة تقليصا مؤقتا في الحضور تبعا لظروف العصر اللاهث خلف الومضة المدهشة التي تشبه الوجبة السريعة أو الساعي لاستراحة في ظل خميلة نص روائي ممتد يحتضن قلقه وارتجافه، والمبتعد نوعا ما عن القصة القصيرة الواقعة في مساحة وسط شبه مهجورة.
وتوضح بيروتي أنها تنظر إلى كلّ قصة باعتبارها كائنا متفردا ومشروعا إبداعيا قائما بذاته، فلا يمكن الحكم على جودة النص القصصي من خلال الاكتفاء برصد استيفائه العناصر التقليدية من عدمه، لأنّ الفن القصصي ليس في جمع العناصر، وليس ثمة نموذج أو وصفة جاهزة للكتابة القصصية المتميزة، ولكنه في القدرة على القص والسرد بالاستعانة بعفوية بهذه العناصر، وتطويعها للكتابة بمقدار ما تفرضه القصة المنتجة والمتفردة بصفتها حالة إبداعية قائمة بذاتها.
وترى ضيفتنا أن الابتعاد عن عناصر القصة والافتقار لبعضها يجعلان النص القصصي أعرج ومنقوصا، ويفقده بنيته الفنية، لكن المعادلة الإبداعية تتفاوت من جيل إلى آخر ومن كاتب إلى آخر حتى لدى الكاتب نفسه من نص إلى آخر، ولا ترتبط باسم أو بتجربة مهما قصرت أو طالت، ففن القصة القصيرة مطواع يحتمل التجريب بشرط عدم إفلات خيوط الحبكة القصصية أو تمزق الثوب الفني للقصة، فالمتلقي ذكي ويستطيع التمييز.
كتبت بيروتي في فن القصة القصيرة جدا، وتقول عنها “أنظر إلى ما كتبته في القصة القصيرة جدا باعتباره تجربة لما تتضح معالمها، وأرى بعين الناقد بأنها تتفاوت في مستواها بين نص وآخر، وبعضها وقع في فخ الومضة أو الخاطرة، لأنّ اختزال قصة وتكثيفها دون ضياع ملامحها فن صعب ويحتاج إلى دربة، ولا تتأتى عناصر دهشته دائما، أرى أنّ هذا الفن لما يزل في طور التجريب إذ يستسهله الكثيرون، وتختلط بعض النصوص التي تُدرج، في ظل فوضى المسميات، تحت باب القصة القصيرة جدا بالخاطرة أو بالومضة التي تحمل الدهشة والمفارقة”.
وتتابع “أرى أنّ القصة القصيرة جدا لم تؤسس لنفسها إلى الآن البناء الفني المرجو، ولما تكتمل صورتها الفنية وشروط وجودها رغم زخم المنتج وتفاوته، ليست ثمة معايير نقدية واضحة للحكم على سيل النصوص المحتوية على جواهر وحجارة”.
الجمالية والأنوثة
عن دور الكتابة والمهام التي عليها أن تضطلع بها، تشير بيروتي إلى أن الكاتب ليس مصلحا اجتماعيا ولا هو حارس للقيم أو معزز للوعي بطريقة مباشرة، والكتابة التي وجدت لتضطلع بمثل هذه الأدوار بطريقة قصدية هي كتابة آنية مهما شاعت، وخاوية كالطبل مهما علا ضجيجها، وثقيلة على نفس المتلقي، ففي رأيها الإبداع الحقيقي لا يسعى للقول لكنه يُسمع من يحسن الإصغاء إلى الرسائل المخبوءة المتوالدة بعفوية بين السطور. الكتابة إعادة صياغة للحياة ومحاولة لجعلها أكثر إنسانية وأقدر على الاحتمال، الوجود ضيق وخانق، والروح خاوية دون تأثيثها بجمالية الفن وبما هو مدهش ونابض.
تتحدث بيروتي عن شعرية اللغة في أعمالها القصصية قائلة “اللغة نسيج العمل الأدبي، والكاتب لا يتقصد أن يكتب باللغة الشعرية أو يرسم الصور البيانية ولكنها تأتي مع الدفقة الشعورية التي يعيشها ويعبر عنها، وثمة معادلة فنية في كف المبدع للموازنة بين جمالية اللغة وتحقق الشكل الفني وبنائه المحكم. ثمة العديد من الأعمال السردية المتميزة التي يكون بطلها اللغة الحاضنة للرؤى وللأفكار، وأعترف بأني عانيت من طغيان اللغة في نصوصي السردية الأولى، لكني درّبت قلمي على الموازنة بين اللغة الشعرية والعناصر الفنية، وعلى امتلاك الجرأة على تشذيب النص القصصي مما يمكن اعتباره فائضا عن حاجته الفنية حتى وإنْ كان مبتكرا أو مدهشا”.
تواجه المرأة المبدعة العديد من الاتهامات النقدية بأنها غير قادرة على الخروج من قوقعة واقعها الأنثوي أو الكتابة في غير معاناتها الشخصية، وهنا تقول بيروتي “لا تعنيني الاتهامات النقدية المعممة لأنها غير دقيقة، كتابتي ليست كذلك وهذا ليس دفاعا لأنّ الكتابة من قوقعة الأنوثة ليست تهمة، الإبداع فعل إنساني بصرف النظر عن جنس من يقوم به، المعيار هو الجودة والتميز وهذا بديهي. ليس دقيقا تعميم أنّ المرأة الكاتبة تعبر من قوقعة الواقع الأنثوي أو لا تكتب في غير معاناتها الشخصية، قد لا تنسلخ عن معاناتها لكنها تحلق في سماء أرحب، الكاتبة الحقيقية تكتب بحساسية الأنثى الفائقة وقدرتها على التقاط التفاصيل الصغيرة، وتوظّف معاناتها، لكن لا تحبس إبداعها بين قضبان هذه المعاناة التي مهما اتسعت تضيق، والمعاناة ليست مقتصرة على المرأة لأنّها قدر الإنسان سواء أكان رجلا أم أنثى وإنْ اختلفت الصور والأشكال ودرجة العمق والسطوة”.
تبيّن بيروتي أن لديها هواجس لا يمكن تحديدها بحيث أنها تحس بأنّ العمر يهرب ويهرب معه الكثير منها، تحس بأنّ الألم هو ما يحرّك قلمها، ووسط هذا الجنون والانسلاخ الإنساني الذي نعيشه تشعر بدهشة حقيقية من تعدد الجراح وتكاثر الطعنات والوخزات، فما نكتبه ضئيل وصغير، لكنه الشرفة المتاحة لتنفس الحلم بالأجمل.
لافتة إلى أنها تتمنى أن تسمح لها الكتابة بأن تلوذ بظل الحرف من هجير الوجود، وأن تشرع لها فسحة لترسم بحروفها الصغيرة، الكتابة ملاذ وحياة موازية لا تنتظر منها إلا أن تتركها على شرفة البوح تواصل غناء مجروحا.
وتشير بيروتي إلى أنها ليست لها طقوس معينة للكتابة وهو ما تعتبره ترفا في ظل تعدد مسؤولياتها، قائلة “ثمة تقمص حالات وجدانية تتوالد في داخلي لحظة الكتابة وهو أمر طبيعي، أن تكون كاتبا يعني أن تنسلخ عن ذاتك أحيانا لتتسلل ولتعيش داخل الشخصية التي تكتبها أو تكتب عنها، أن تكونها في لحظة الإبداع”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.