مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    نشرة التوك شو| الوطنية للانتخابات تعلن جاهزيتها لانتخابات الشيوخ وحقيقة فرض رسوم على الهواتف بأثر رجعي    سكان الجيزة بعد عودة انقطاع الكهرباء والمياه: الحكومة بتعذبنا والقصة مش قصة كابلات جديدة    هولندا تمنع الوزيرين المتطرفين سموتريتش وبن غفير من دخول البلاد وتستدعي السفير الإسرائيلي    بسبب حسن شحاتة.. اتحاد الكرة يشكر الرئيس السيسي    6 صور لشيما صابر مع زوجها في المصيف    "الحصول على 500 مليون".. مصدر يكشف حقيقة طلب إمام عاشور تعديل عقده في الأهلي    علاء عبد الغني: على نجوم الزمالك دعم جون إدوارد.. ومشكلة فتوح يجب حلها    تشييع جثماني طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما في حادث بالقاهرة    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 29-7-2025    السيطرة على حريق بمولدات كهرباء بالوادي الجديد.. والمحافظة: عودة الخدمة في أقرب وقت- صور    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    سميرة صدقي تكشف حقيقة زواجها من معمر القذافي (فيديو)    تغيير في قيادة «إجيماك».. أكرم إبراهيم رئيسًا لمجلس الإدارة خلفًا لأسامة عبد الله    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    الاندبندنت: ترامب يمنح ستارمر "الضوء الأخضر" للاعتراف بدولة فلسطينية    الرئيس الفلسطيني يثمن نداء الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي من أجل وقف الحرب في غزة    وزير الخارجية السعودي: لا مصداقية لحديث التطبيع وسط معاناة غزة    3 شهداء جراء استهداف الاحتلال خيمة نازحين في مواصي خان يونس    وزير الخارجية السعودي: لن نفيم علاقات مع إسرائيل دون إعلان دولة فلسطين    عبور قافلة مساعدات إنسانية إلى السويداء جنوب سوريا    تعرّضت للسرقة المنظمة بمحور "موراج".. معظم المساعدات المصرية لم تصل إلى قطاع غزة    «طنطاوي» مديرًا و «مروة» وكيلاً ل «صحة المنيا»    سوبر ماركت التعليم    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    تنسيق الجامعات 2025.. موقع التنسيق يفتح باب التقديم بالمرحلة الأولى    الأهلي يضغط على نجمه من أجل الرحيل.. إبراهيم عبدالجواد يكشف    أحمد فتوح يتسبب بأزمة جديدة في الزمالك.. وفيريرا يرفض التعامل معه (تفاصيل)    قرار مفاجئ من أحمد عبدالقادر بشأن مسيرته مع الأهلي.. إعلامي يكشف التفاصيل    أسعار الفاكهة والموز والمانجو بالأسواق اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 بالصاغة.. وعيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الثلاثاء 29 يوليو 2025    النجاح له ألف أب!    «قد تُستخدم ضدك في المحكمة».. 7 أشياء لا تُخبر بها الذكاء الاصطناعي بعد تحذير مؤسس «ChatGPT»    6 مصابين في حريق شقة سكنية بالمريوطية بينهم شرطي (تفاصيل)    ضبط 400 علبة سجائر مجهولة المصدر بمركز المنشاة فى سوهاج    محمد معيط: العام المقبل سيشهد صرف شريحتين متبقيتين بقيمة تقارب 1.2 مليار دولار لكل شريحة    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    نوسة وإحسان وجميلة    تعرف على برجك اليوم 2025/7/29.. «الحمل»: تبدو عمليًا وواقعيًا.. و«الثور»: تراجع معنوي وشعور بالملل    أحمد صيام: محبة الناس واحترامهم هي الرزق الحقيقي.. والمال آخر ما يُذكر    أهم الأخبار الفنية على مدار الساعة.. الرئيس اللبنانى يمنح زياد الرحبانى وسام الأرز الوطنى رتبة كومندور.. وفاة شقيق المخرج خالد جلال.. منح ذوى القدرات الخاصة المشاركة بمهرجان الإسكندرية مجانا    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    من تنظيم مستويات السكر لتحسين الهضم.. تعرف على فوائد القرنفل الصحية    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية تُقدم خدماتها الطبية ل 476 مواطناً    حزب مستقبل وطن بالبحيرة يدعم المستشفيات بأجهزة طبية    حرائق الكهرباء عرض مستمر، اشتعال النيران بعمود إنارة بالبدرشين (صور)    16 ميدالية، حصاد البعثة المصرية في اليوم الثاني من دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الوزراء يتابع مع وزيرة التخطيط استعدادات إطلاق السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حنان بيروتي: القصة القصيرة أسيرة جزيرة شبه مهجورة
نشر في صوت البلد يوم 22 - 01 - 2017

بعد ثماني مجموعات قصصية للقاصة الأردنية حنان بيروتي، استطاعت من خلالها أن ترسخ اسمها في فضاء القصة القصيرة بالأردن والعالم العربي، والتي نذكر منها “الإشارة حمراء دائما”، و”لعينيك تأوي عصافير روحي”، و”تفاصيل صغيرة”، و”فرح مشروخ”، و”لأنك حبري وبوحي”، لا تزال بيروتي على إخلاصها لذلك الفن الذي يهجره كتابه إلى “الرواية” في زمن يمثل الاحتفاء بالرواية وكتابها سمة أساسية من سماته الثقافية.
نسأل بيروتي عن مدى تفكيرها في كتابة الرواية مستقبلا فتقول القاصة “أفكر في كتابة الرواية لكن ليس لأنه زمنها، فالكتابة ليست تماشيا مع الدّارج بل محاولة لترجمة ما يعتمل في الداخل الضاج بالكثير من المسجون والمقيد والمجروح والنازف. لكني لا أتسرّع إنجازها، ولا أسعى إليها حتى أحس بأنها تتمرد علي، وأعتبر كتابتها تحديا ومغامرة في زمن زاخر بالأحداث، ومتخم بالتغيرات، والكتابة فيه وعنه بمنأى عن الانفعالية والحروف غير الناضجة وغير المتروية حلم كبير، وأراني طفلة أقرع بابا كبيرا ربما ألجه وربما يسرقني سحر الحلم دون تحققه”.
وتلفت بيروتي إلى أن الفن القصصي لا يموت لأنه فن الحياة، وهو متجدد وقادر على التأقلم والبقاء، وتراجع القصة الراهن ليس نتيجة لهيمنة السرد الروائي فكلاهما فن سردي من الرحم والنسق الإبداعي ذاته، ولهذه الهيمنة أسبابها المشروعة، ولكل فن جماليته وتفرده، وهيمنة فن لا تعني بالضرورة إلغاء الآخر أو نسف مشروعية وجوده، ولكنها قد تعني أنّ ثمة تقليصا مؤقتا في الحضور تبعا لظروف العصر اللاهث خلف الومضة المدهشة التي تشبه الوجبة السريعة أو الساعي لاستراحة في ظل خميلة نص روائي ممتد يحتضن قلقه وارتجافه، والمبتعد نوعا ما عن القصة القصيرة الواقعة في مساحة وسط شبه مهجورة.
وتوضح بيروتي أنها تنظر إلى كلّ قصة باعتبارها كائنا متفردا ومشروعا إبداعيا قائما بذاته، فلا يمكن الحكم على جودة النص القصصي من خلال الاكتفاء برصد استيفائه العناصر التقليدية من عدمه، لأنّ الفن القصصي ليس في جمع العناصر، وليس ثمة نموذج أو وصفة جاهزة للكتابة القصصية المتميزة، ولكنه في القدرة على القص والسرد بالاستعانة بعفوية بهذه العناصر، وتطويعها للكتابة بمقدار ما تفرضه القصة المنتجة والمتفردة بصفتها حالة إبداعية قائمة بذاتها.
وترى ضيفتنا أن الابتعاد عن عناصر القصة والافتقار لبعضها يجعلان النص القصصي أعرج ومنقوصا، ويفقده بنيته الفنية، لكن المعادلة الإبداعية تتفاوت من جيل إلى آخر ومن كاتب إلى آخر حتى لدى الكاتب نفسه من نص إلى آخر، ولا ترتبط باسم أو بتجربة مهما قصرت أو طالت، ففن القصة القصيرة مطواع يحتمل التجريب بشرط عدم إفلات خيوط الحبكة القصصية أو تمزق الثوب الفني للقصة، فالمتلقي ذكي ويستطيع التمييز.
كتبت بيروتي في فن القصة القصيرة جدا، وتقول عنها “أنظر إلى ما كتبته في القصة القصيرة جدا باعتباره تجربة لما تتضح معالمها، وأرى بعين الناقد بأنها تتفاوت في مستواها بين نص وآخر، وبعضها وقع في فخ الومضة أو الخاطرة، لأنّ اختزال قصة وتكثيفها دون ضياع ملامحها فن صعب ويحتاج إلى دربة، ولا تتأتى عناصر دهشته دائما، أرى أنّ هذا الفن لما يزل في طور التجريب إذ يستسهله الكثيرون، وتختلط بعض النصوص التي تُدرج، في ظل فوضى المسميات، تحت باب القصة القصيرة جدا بالخاطرة أو بالومضة التي تحمل الدهشة والمفارقة”.
وتتابع “أرى أنّ القصة القصيرة جدا لم تؤسس لنفسها إلى الآن البناء الفني المرجو، ولما تكتمل صورتها الفنية وشروط وجودها رغم زخم المنتج وتفاوته، ليست ثمة معايير نقدية واضحة للحكم على سيل النصوص المحتوية على جواهر وحجارة”.
الجمالية والأنوثة
عن دور الكتابة والمهام التي عليها أن تضطلع بها، تشير بيروتي إلى أن الكاتب ليس مصلحا اجتماعيا ولا هو حارس للقيم أو معزز للوعي بطريقة مباشرة، والكتابة التي وجدت لتضطلع بمثل هذه الأدوار بطريقة قصدية هي كتابة آنية مهما شاعت، وخاوية كالطبل مهما علا ضجيجها، وثقيلة على نفس المتلقي، ففي رأيها الإبداع الحقيقي لا يسعى للقول لكنه يُسمع من يحسن الإصغاء إلى الرسائل المخبوءة المتوالدة بعفوية بين السطور. الكتابة إعادة صياغة للحياة ومحاولة لجعلها أكثر إنسانية وأقدر على الاحتمال، الوجود ضيق وخانق، والروح خاوية دون تأثيثها بجمالية الفن وبما هو مدهش ونابض.
تتحدث بيروتي عن شعرية اللغة في أعمالها القصصية قائلة “اللغة نسيج العمل الأدبي، والكاتب لا يتقصد أن يكتب باللغة الشعرية أو يرسم الصور البيانية ولكنها تأتي مع الدفقة الشعورية التي يعيشها ويعبر عنها، وثمة معادلة فنية في كف المبدع للموازنة بين جمالية اللغة وتحقق الشكل الفني وبنائه المحكم. ثمة العديد من الأعمال السردية المتميزة التي يكون بطلها اللغة الحاضنة للرؤى وللأفكار، وأعترف بأني عانيت من طغيان اللغة في نصوصي السردية الأولى، لكني درّبت قلمي على الموازنة بين اللغة الشعرية والعناصر الفنية، وعلى امتلاك الجرأة على تشذيب النص القصصي مما يمكن اعتباره فائضا عن حاجته الفنية حتى وإنْ كان مبتكرا أو مدهشا”.
تواجه المرأة المبدعة العديد من الاتهامات النقدية بأنها غير قادرة على الخروج من قوقعة واقعها الأنثوي أو الكتابة في غير معاناتها الشخصية، وهنا تقول بيروتي “لا تعنيني الاتهامات النقدية المعممة لأنها غير دقيقة، كتابتي ليست كذلك وهذا ليس دفاعا لأنّ الكتابة من قوقعة الأنوثة ليست تهمة، الإبداع فعل إنساني بصرف النظر عن جنس من يقوم به، المعيار هو الجودة والتميز وهذا بديهي. ليس دقيقا تعميم أنّ المرأة الكاتبة تعبر من قوقعة الواقع الأنثوي أو لا تكتب في غير معاناتها الشخصية، قد لا تنسلخ عن معاناتها لكنها تحلق في سماء أرحب، الكاتبة الحقيقية تكتب بحساسية الأنثى الفائقة وقدرتها على التقاط التفاصيل الصغيرة، وتوظّف معاناتها، لكن لا تحبس إبداعها بين قضبان هذه المعاناة التي مهما اتسعت تضيق، والمعاناة ليست مقتصرة على المرأة لأنّها قدر الإنسان سواء أكان رجلا أم أنثى وإنْ اختلفت الصور والأشكال ودرجة العمق والسطوة”.
تبيّن بيروتي أن لديها هواجس لا يمكن تحديدها بحيث أنها تحس بأنّ العمر يهرب ويهرب معه الكثير منها، تحس بأنّ الألم هو ما يحرّك قلمها، ووسط هذا الجنون والانسلاخ الإنساني الذي نعيشه تشعر بدهشة حقيقية من تعدد الجراح وتكاثر الطعنات والوخزات، فما نكتبه ضئيل وصغير، لكنه الشرفة المتاحة لتنفس الحلم بالأجمل.
لافتة إلى أنها تتمنى أن تسمح لها الكتابة بأن تلوذ بظل الحرف من هجير الوجود، وأن تشرع لها فسحة لترسم بحروفها الصغيرة، الكتابة ملاذ وحياة موازية لا تنتظر منها إلا أن تتركها على شرفة البوح تواصل غناء مجروحا.
وتشير بيروتي إلى أنها ليست لها طقوس معينة للكتابة وهو ما تعتبره ترفا في ظل تعدد مسؤولياتها، قائلة “ثمة تقمص حالات وجدانية تتوالد في داخلي لحظة الكتابة وهو أمر طبيعي، أن تكون كاتبا يعني أن تنسلخ عن ذاتك أحيانا لتتسلل ولتعيش داخل الشخصية التي تكتبها أو تكتب عنها، أن تكونها في لحظة الإبداع”.
بعد ثماني مجموعات قصصية للقاصة الأردنية حنان بيروتي، استطاعت من خلالها أن ترسخ اسمها في فضاء القصة القصيرة بالأردن والعالم العربي، والتي نذكر منها “الإشارة حمراء دائما”، و”لعينيك تأوي عصافير روحي”، و”تفاصيل صغيرة”، و”فرح مشروخ”، و”لأنك حبري وبوحي”، لا تزال بيروتي على إخلاصها لذلك الفن الذي يهجره كتابه إلى “الرواية” في زمن يمثل الاحتفاء بالرواية وكتابها سمة أساسية من سماته الثقافية.
نسأل بيروتي عن مدى تفكيرها في كتابة الرواية مستقبلا فتقول القاصة “أفكر في كتابة الرواية لكن ليس لأنه زمنها، فالكتابة ليست تماشيا مع الدّارج بل محاولة لترجمة ما يعتمل في الداخل الضاج بالكثير من المسجون والمقيد والمجروح والنازف. لكني لا أتسرّع إنجازها، ولا أسعى إليها حتى أحس بأنها تتمرد علي، وأعتبر كتابتها تحديا ومغامرة في زمن زاخر بالأحداث، ومتخم بالتغيرات، والكتابة فيه وعنه بمنأى عن الانفعالية والحروف غير الناضجة وغير المتروية حلم كبير، وأراني طفلة أقرع بابا كبيرا ربما ألجه وربما يسرقني سحر الحلم دون تحققه”.
وتلفت بيروتي إلى أن الفن القصصي لا يموت لأنه فن الحياة، وهو متجدد وقادر على التأقلم والبقاء، وتراجع القصة الراهن ليس نتيجة لهيمنة السرد الروائي فكلاهما فن سردي من الرحم والنسق الإبداعي ذاته، ولهذه الهيمنة أسبابها المشروعة، ولكل فن جماليته وتفرده، وهيمنة فن لا تعني بالضرورة إلغاء الآخر أو نسف مشروعية وجوده، ولكنها قد تعني أنّ ثمة تقليصا مؤقتا في الحضور تبعا لظروف العصر اللاهث خلف الومضة المدهشة التي تشبه الوجبة السريعة أو الساعي لاستراحة في ظل خميلة نص روائي ممتد يحتضن قلقه وارتجافه، والمبتعد نوعا ما عن القصة القصيرة الواقعة في مساحة وسط شبه مهجورة.
وتوضح بيروتي أنها تنظر إلى كلّ قصة باعتبارها كائنا متفردا ومشروعا إبداعيا قائما بذاته، فلا يمكن الحكم على جودة النص القصصي من خلال الاكتفاء برصد استيفائه العناصر التقليدية من عدمه، لأنّ الفن القصصي ليس في جمع العناصر، وليس ثمة نموذج أو وصفة جاهزة للكتابة القصصية المتميزة، ولكنه في القدرة على القص والسرد بالاستعانة بعفوية بهذه العناصر، وتطويعها للكتابة بمقدار ما تفرضه القصة المنتجة والمتفردة بصفتها حالة إبداعية قائمة بذاتها.
وترى ضيفتنا أن الابتعاد عن عناصر القصة والافتقار لبعضها يجعلان النص القصصي أعرج ومنقوصا، ويفقده بنيته الفنية، لكن المعادلة الإبداعية تتفاوت من جيل إلى آخر ومن كاتب إلى آخر حتى لدى الكاتب نفسه من نص إلى آخر، ولا ترتبط باسم أو بتجربة مهما قصرت أو طالت، ففن القصة القصيرة مطواع يحتمل التجريب بشرط عدم إفلات خيوط الحبكة القصصية أو تمزق الثوب الفني للقصة، فالمتلقي ذكي ويستطيع التمييز.
كتبت بيروتي في فن القصة القصيرة جدا، وتقول عنها “أنظر إلى ما كتبته في القصة القصيرة جدا باعتباره تجربة لما تتضح معالمها، وأرى بعين الناقد بأنها تتفاوت في مستواها بين نص وآخر، وبعضها وقع في فخ الومضة أو الخاطرة، لأنّ اختزال قصة وتكثيفها دون ضياع ملامحها فن صعب ويحتاج إلى دربة، ولا تتأتى عناصر دهشته دائما، أرى أنّ هذا الفن لما يزل في طور التجريب إذ يستسهله الكثيرون، وتختلط بعض النصوص التي تُدرج، في ظل فوضى المسميات، تحت باب القصة القصيرة جدا بالخاطرة أو بالومضة التي تحمل الدهشة والمفارقة”.
وتتابع “أرى أنّ القصة القصيرة جدا لم تؤسس لنفسها إلى الآن البناء الفني المرجو، ولما تكتمل صورتها الفنية وشروط وجودها رغم زخم المنتج وتفاوته، ليست ثمة معايير نقدية واضحة للحكم على سيل النصوص المحتوية على جواهر وحجارة”.
الجمالية والأنوثة
عن دور الكتابة والمهام التي عليها أن تضطلع بها، تشير بيروتي إلى أن الكاتب ليس مصلحا اجتماعيا ولا هو حارس للقيم أو معزز للوعي بطريقة مباشرة، والكتابة التي وجدت لتضطلع بمثل هذه الأدوار بطريقة قصدية هي كتابة آنية مهما شاعت، وخاوية كالطبل مهما علا ضجيجها، وثقيلة على نفس المتلقي، ففي رأيها الإبداع الحقيقي لا يسعى للقول لكنه يُسمع من يحسن الإصغاء إلى الرسائل المخبوءة المتوالدة بعفوية بين السطور. الكتابة إعادة صياغة للحياة ومحاولة لجعلها أكثر إنسانية وأقدر على الاحتمال، الوجود ضيق وخانق، والروح خاوية دون تأثيثها بجمالية الفن وبما هو مدهش ونابض.
تتحدث بيروتي عن شعرية اللغة في أعمالها القصصية قائلة “اللغة نسيج العمل الأدبي، والكاتب لا يتقصد أن يكتب باللغة الشعرية أو يرسم الصور البيانية ولكنها تأتي مع الدفقة الشعورية التي يعيشها ويعبر عنها، وثمة معادلة فنية في كف المبدع للموازنة بين جمالية اللغة وتحقق الشكل الفني وبنائه المحكم. ثمة العديد من الأعمال السردية المتميزة التي يكون بطلها اللغة الحاضنة للرؤى وللأفكار، وأعترف بأني عانيت من طغيان اللغة في نصوصي السردية الأولى، لكني درّبت قلمي على الموازنة بين اللغة الشعرية والعناصر الفنية، وعلى امتلاك الجرأة على تشذيب النص القصصي مما يمكن اعتباره فائضا عن حاجته الفنية حتى وإنْ كان مبتكرا أو مدهشا”.
تواجه المرأة المبدعة العديد من الاتهامات النقدية بأنها غير قادرة على الخروج من قوقعة واقعها الأنثوي أو الكتابة في غير معاناتها الشخصية، وهنا تقول بيروتي “لا تعنيني الاتهامات النقدية المعممة لأنها غير دقيقة، كتابتي ليست كذلك وهذا ليس دفاعا لأنّ الكتابة من قوقعة الأنوثة ليست تهمة، الإبداع فعل إنساني بصرف النظر عن جنس من يقوم به، المعيار هو الجودة والتميز وهذا بديهي. ليس دقيقا تعميم أنّ المرأة الكاتبة تعبر من قوقعة الواقع الأنثوي أو لا تكتب في غير معاناتها الشخصية، قد لا تنسلخ عن معاناتها لكنها تحلق في سماء أرحب، الكاتبة الحقيقية تكتب بحساسية الأنثى الفائقة وقدرتها على التقاط التفاصيل الصغيرة، وتوظّف معاناتها، لكن لا تحبس إبداعها بين قضبان هذه المعاناة التي مهما اتسعت تضيق، والمعاناة ليست مقتصرة على المرأة لأنّها قدر الإنسان سواء أكان رجلا أم أنثى وإنْ اختلفت الصور والأشكال ودرجة العمق والسطوة”.
تبيّن بيروتي أن لديها هواجس لا يمكن تحديدها بحيث أنها تحس بأنّ العمر يهرب ويهرب معه الكثير منها، تحس بأنّ الألم هو ما يحرّك قلمها، ووسط هذا الجنون والانسلاخ الإنساني الذي نعيشه تشعر بدهشة حقيقية من تعدد الجراح وتكاثر الطعنات والوخزات، فما نكتبه ضئيل وصغير، لكنه الشرفة المتاحة لتنفس الحلم بالأجمل.
لافتة إلى أنها تتمنى أن تسمح لها الكتابة بأن تلوذ بظل الحرف من هجير الوجود، وأن تشرع لها فسحة لترسم بحروفها الصغيرة، الكتابة ملاذ وحياة موازية لا تنتظر منها إلا أن تتركها على شرفة البوح تواصل غناء مجروحا.
وتشير بيروتي إلى أنها ليست لها طقوس معينة للكتابة وهو ما تعتبره ترفا في ظل تعدد مسؤولياتها، قائلة “ثمة تقمص حالات وجدانية تتوالد في داخلي لحظة الكتابة وهو أمر طبيعي، أن تكون كاتبا يعني أن تنسلخ عن ذاتك أحيانا لتتسلل ولتعيش داخل الشخصية التي تكتبها أو تكتب عنها، أن تكونها في لحظة الإبداع”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.