انتخابات الشيوخ 2025.. التنسيقية: لجان الاقتراع في نيوزيلاندا تغلق أبوابها    تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    «الاتصالات» تطلق مسابقة «Digitopia» لدعم الإبداع واكتشاف الموهوبين    روسيا: تحرير بلدة "ألكساندرو كالينوفو" في دونيتسك والقضاء على 205 مسلحين أوكرانيين    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    الكوري سون يعلن نهاية مسيرته مع توتنهام الإنجليزي    تفاصيل القبض على سوزي الأردنية وحبس أم سجدة.. فيديو    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص بطريق "بلبيس - السلام" بالشرقية    «تيشيرتات في الجو».. عمرو دياب يفاجئ جمهور حفله: اختراع جديد لأحمد عصام (فيديو)    لا تتسرع في الرد والتوقيع.. حظ برج الجوزاء في أغسطس 2025    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت 26 مليونا و742 ألف خدمة طبية مجانية خلال 17 يوما    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    مبابي: حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    هايد بارك ترعى بطولة العالم للاسكواش للناشئين 2025 تحت 19 عامًا    "قول للزمان أرجع يا زمان".. الصفاقسي يمهد لصفقة علي معلول ب "13 ثانية"    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    المصريون في الرياض يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    أمطار على 5 مناطق بينها القاهرة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    رئيس عربية النواب: أهل غزة يحملون في قلوبهم كل الحب والتقدير لمصر والرئيس السيسي    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    60 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم أحمد وأحمد في دور العرض المصرية    رئيس جامعة بنها يعتمد حركة تكليفات جديدة لمديري المراكز والوحدات    وديًا.. العين الإماراتي يفوز على إلتشي الإسباني    استقبال شعبي ورسمي لبعثة التجديف المشاركة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    الثقافة تطلق الدورة الخامسة من مهرجان "صيف بلدنا" برأس البر.. صور    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد من كل أسبوع بشارع قناة السويس بمدينة المنصورة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    ترامب: ميدفيديف يتحدث عن نووي خطير.. والغواصات الأمريكية تقترب من روسيا    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    مشاجرة بين عمال محال تجارية بشرق سوهاج.. والمحافظ يتخذ إجراءات رادعة    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيت الحِكمة يصدر من بغداد " الحياة الرُّوحية في بابل" مسروقاً
نشر في صوت البلد يوم 16 - 01 - 2017

أصدر بيت الحكمة ببغداد كتاباً تحت عنوان "الحياة الرُّوحية في بابل"(بغداد 2014)، هذا ما سُجل على وجه الغلاف الأول، وفي الصفحة الداخلية(بغداد2013)، على أنها الطَّبعة الأولى، والكتاب مِن تأليف، حسب ما سُجل أيضاً: الأب الدُّكتور سُهيل قاشا، وسُجل أيضاً اسم الدُّكتور إياد كريم الصَّلاحي كمراجع علمي للكتاب.
كان الكتاب قد صدر، تحت العنوان نفسه "الحياة الروحية في بابل"(دمشق: منشورات "المدى" 1995، للباحث الآثاري الرُّوسي كلشكوف، ونقله إلى العربية الباحث العراقي عدنان عاكف حمودي. عثرتُ على الكتاب، طبعة بيت الحكمة، معروضاً في معرض الشَّارقة للكتاب للعام الماضي(2016)، فرابني العنوان، لأنني سبق أن نشرتُ(العام 1995) عرضاً للكتاب الأصل في صحيفة "الحياة"(27 شباط 1996)، ومع أنني أعلم ولي تجربة مع سهيل قاشا في السَّرقة أو الانتحال، فأجلت البت في الموضوع حتى أقابل بين "الحياة الروحية في بابل"(1995) و"الحياة الرُّوحية في بابل"(2014)، مع ثقتي أن الكتاب كان منحولاً، ليس مِن العنوان، فقد يُعذر مَن يصدر كتاباً بعنوان مشابه لكتاب آخر، لكن رابني اسم المؤلف، وفي الأقل الإشارة إلى مَن سبقه بالتأليف، وهو لم يفعل ذلك.
ليست السَّرقة الأولى التي يقوم بها قاشا، ويعتدي على جهود الآخرين، بجرأة عجيبة، ولا أدري هل هي إصرار على الانتحال وإمعان في الموبقة، مع أنه رجل دين ويعيش في دير بلبنان، أم أنه مِن السَّذاجة أن لا يميز بين التَّأليف والنسخ مِن الكُتب. فمن سوء حظه أن أكتشف سرقة سابقة له وفي المعرض نفسه، عندما اقتنيت كتابه "المعتزلة ثمرة الفكر الإسلامي الحر" الصادر عن دار "التنوير"(2010) ببيروت، ووجدت أنه انتحل مقدمة كتابي "معتزلة البصرة وبغداد"(منشور 1997) كاملةً(13 صفحة)، وكل ما بقي في الكتاب عبارة عن انتحالات من هنا وهناك،
ثم يفتضح أمره بسرقة من كتاب الأديب اللبناني عبده وازن "حديقة الحواس"، واكتشف وازن سرقة كتابه إثر دعوة وردته من دار "النُّعمان للثقافة" تدعوه لحضور حفل إعلان فوز كتاب سُهيل قاشا لعام 2011: "أنا والكتابة"، فعندها أكتشف وازن السَّرقة. أي بعد عام من نشر فضيحته بسرقة كتابي "معتزلة البصرة وبغداد"، ومِن عجب أن تمنح الجوائز بلا تدقيق ولاتوريق لتاريخ المؤلف.
مع السَّرقة المعرفية
انشغلتُ كثيراً في أمر السرقة الأدبية أوالمعرفية، فقد سبق أن نشرت مادة عن سرقة كتاب عن الأيزيدية، أرتكبها أكاديمي سوري، رئيس لقسم أكاديمي في جامعة حلب سابقاً، في «الشرق الأوسط»، العدد: 8302 والمؤرخ في 21 أغسطس 2001. يدعي هذا الأكاديمي أنه ألفَ أكثر من مائة كتاب، ويُدعى كأستاذ زائر في جامعات بريطانية، كجامعة أكستر، ومنح عدة جوائز من الهند والعرب، وكان الكتاب المسروق "اليزيدية في ماضيهم وحاضرهم" لعبد الرَّزاق الحسني(ت1997(
نشرتُ مادة عن سرقة كتاب "الصَّابئة المندائيين" لليدي دروار، قام بها كاتب عراقي، له عشرات الكتب في النقد الأدبي، ونشره مركز أردني معروف، وعنون كتابه بمعاكس عنوان دراور"المندائيون الصَّابئة" ونُشر الموضوع في «الشَّرق الأوسط» العدد: 8421 والمؤرخ في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2001. كذلك نشرتُ في "الحياة"(23 مايو/أيار 2015) عن سرقة مارسها كاتب مصري، يعمل مسؤول في مركز فنون، سطى فيها على كتاب الباحث ناصر الحُزمي "حرق الكتب في التُّراث العربي الإسلامي"، ونشره كاملاً كبحث في صفحة تراث وباسمه.
نشرتُ مادة في جريدة «إيلاف»، 3 مايو (أيار) 2004، فضحت سرقة بحث عن الصابئة المندائيين أيضا. نشرت أيضاً مادة بينت فيها أن الدبلوماسي الإيراني علي دشتي ترجم إلى الفارسية بتصرف كتاب الرصافي «الشخصية المحمدية»، ولم يؤلف «23 عاما.. دراسة في السيرة النبوية المحمدية»، «الشرق الأوسط»، العدد: 9703 المؤرخ في 22 يونيو (حزيران) 2005. وكتبت أيضا مادة «القرصنة والتدليس في نشر الكتب»، عما يحصل بإيران من قرصنة طباعة الكتب العربية، «الشرق الأوسط»، العدد: 9941 والمؤرخ في 15 فبراير (شباط) 2006
كنت قد ناشدت رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود بارزاني في مقالة نشرتها على صفحات الرأي في «الشرق الأوسط»، العدد: 10068 والمؤرخ في 22 يونيو 2006، تساءلت فيها عن توزير أحد سراق الحروف، حيث أصبح أحدهم وزيراً، وقيل لي إن أحد مستشاريه لم يطلع الرئيس على المقالة، تحت حجة أن هناك وزراء لهم باع في الفساد المالي، فما قيمة سرقة الحروف؟ مع أنها أخطر بكثير من سرقة الدَّراهم، فإذا كانت الدَّراهم تخص الجيوب فالحروف تخص العقول.
دخلت في معارك كي أمنع المتسترين بالعمامة والدين من نشر مواد منتحلة في المجال الثقافي، عندما كنت محرراً في جريدة «المؤتمر» العراقية (2000 - 2003)، لكن هذا المعمم أخذ حزبه يناديه بالشيخ الدكتور، بتوجيه على ما يظهر من رئيس حزبه، الذي يرى أنه في حاجة إلى عمائم تقدمه للجمهور العراقي المغلوب على أمره وعقله، وهو لم يحصل على الشهادة المتوسطة، وقيل لديه الآن معهد يعيد به تشكيل العقل العراقي، فتأمل حجم الكارثة.
اضطررتُ إلى مناشدة الفقهاء في أمر السَّرقة الأدبية، بعد البحث وثبوت خلو كتب فقه المذاهب الإسلامية، وما كتب حول السَّرقة وأحكامها في كتب قانونية وفقهية مختصة، من أي إشارة أو تلميح إلى السرقة الأدبية والفكرية استفسرنا الفقهاء المتقدمين في مذاهبهم عبر الرسالة الآتية: "ما حكم السرقة الأدبية والعلمية في الفقه، وأعني سرقة نص مكتوب من كتاب أو مجلة، أو أي دورية أخرى، مطبوعة ومنشورة ونسبته إلى كاتب آخر، نصاً أو بعد تحوير وتحرير، وما حكم سرقة الأفكار والآراء الأدبية والعلمية بعد كشفها بالدَّليل القاطع، وهل يشبه حكمها حكم سرقة المال والحلال، مع أنها أكثر خطورة من غيرها"؟
أجاب على هذا الاستفتاء آية الله علي خامنئي مرشد الجمهورية الإيرانية الإسلامية، ورئيس لجنة الفتوى في الأزهر ، وآية الله محمد حسين فضل الله(ت2010)، والشيخ زكي بدوي(ت2006) عميد الكلية الإسلامية ببريطانيا، وآية الله الميرزا جواد التبريزي، والسيد فاضل الميلاني أستاذ الجامعة الإسلامية وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإمام الخوئي بلندن، وآخرون لم تصلني ردودهم، كآية الله علي السيستاني، وذلك بسبب صعوبة البريد آنذاك بين العراق وأوروبا، ولا وجود للإنترنيت، ونشرت الإجابات مع صورها في "الشَّرق الأوسط العدد(9021) والمؤرخ في 10 آب/ أغسطس2003 .
أتيت على هذا، كي أوضح كم تسبب السَّرقة المعرفية معاناةً للباحثين، وكم فيها مِن استغفال للقراء، وهذا ما قام به سهيل قاشا، ويبدو أنه مصراً على الاستمرار في ذلك بلا وازع ضمير، الذي يُقدم نفسه الأب الدُّكتور قاشا، وقبل (2007) ولم يكن لي علم بانتحالاته أن أجريت معه مقابلة وافية ببيروت، وناشدته أن يحل محل أنستاس الكرملي، فأبٌ له نحو(77) كتاباً يصعب الشَّك في أمانته، حتى الكرملي لم يكن له هذا العدد.
بيت الحكمة والكتاب المنحول
ليس أكثر شيوعاً من سمعة "بيت الحكمة" العلمية، قبل أن تصادرها وتشوههها العقائد الحزبية والدِّينية، فكنا نأمل أن يعتدل حال الحكمة بعد(2003)، لكن أو رئيس لها جاء بعلاقة المصاهرة، فزادنا الأحباط إحباطاً. حسب ما كتبه الباحث المرموق سعيد الديوه جي(ت2000) أن الحكمة بيوت وليست بيتاً واحداً، ويمكن كل مؤسسة ترجمة وتأليف وتعليم وبيوت كُتب يُطلق عليها عنوان "بيت الحكمة"، لأن الثَّقافة والفلسفة تعني الحكمة، وأول بيت حكمة أسسه العباسيون ببغداد، وكم مِن علماء ومترجمين عملوا في هذا البيت، ومعلوم أن حضارة الشُّعوب تنقل مِن التَّرجمة حيث التَّبادل الحضاري(كراس بيت الحكمة 1954).
أقول: ما قياس العلمية لدى مراجع كتاب سُهيل قاشا علمياً، ووضعه اسمه على الغلاف الدَّاخلي؟ هل كان مختصاً في الآثار والتَّاريخ القديم مثلاً؟ وإذا لم يكن مختصاً فأول خطوات المراجعة العلمية أن يكون في الكتاب ثبتاً للمصادر، وجاء الكتاب خالياً منها، وأن يبحث المُراجع عن الكتاب، والإنترنيت لم يبخل بمعلومات وافية عن الكتاب الذي أصدرته المدى(1995)، وإلا كيف تمت المراجعة كي توصف بالعلمية؟ وأي مؤسسة، مِن المفترض أن تكون علمية لأنها أكاديمية وبحثية كبيت الحكمة، أصدرت الكتاب ووشحته مراجعتها العلمية باسم الدُّكتور إياد كريم الصَّلاحي؟
أقول: إذا كان سهيل قاشا تعود على ممارسة الانتحال، فما هو موقف "بيت الحكمة"، وبأي عذر يتعذر هذا الصَّرح العلمي، في تاريخه لا في حاضره، كما يبدو. فمؤلف الكتاب الأصل أعد فكرة التأليف في العام 1974، عندما كان عضواً في بعثة علمية صغيرة من معهد التاريخ القديم التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، فساهم بدراسة المواقع الأثرية، فترة أمضاها المؤلف كلشكوف وسط الرِّمال الجرداء، وبين خرائب وأنقاض(الحياة الروحية في بابل/طبعة المدى 1995).
فبأي حقٍ يُخطف الكتاب، والجريمة مركبة ضد المؤلف وضد المترجم أيضاً، فقد وجده سهيل قاشا جاهزاً، وزادته فخراً، على ما يبدو وأمن مِن الفضيحة، مراجعة بيت الحكمة (العلمية) لكتابه. أخذ سهيل قاشا الكتاب كاملاً، لكن مع تقديم وتأخير، أما فصل "المصير عند البابليين"(صفحة 33 طبعة المدى وصفحة 29 طبعة بيت الحكمة)، فجاءت النصوص نفسها تماماً من البداية وحتى النهاية، وحتى المثل السومري "اتبع مصيرك" جعلها قاشا في الهامش، كي يبعده عن عنوان الفصل، وكان كمفتتح تحت العنوان مباشرة.
تخيلوا المضحك في تأليف قاشا أنه يكتب في الصفحة(30) الآتي: "سنعتمد في دراستنا على تحليل المصطلح الأهم والأكثر شيوعاً واستعمالاً ومقارنته مع المصطلحات الأخرى القريبة منه..."، وهذه عبارة المؤلف نصاً. إنه وضع نفسه مكان المؤلف الأصلي للكتاب وأخذ يحتل مكانه ومكان المترجم أيضاً، وأنه الذي درس وبحث! فهل هناك جرأة على العلم والبحث كهذه الجرأة، يشترك فيها مُراجع الكتاب (العلمي)؟
يأخذ قاشا عناوين كلشكوف ونصوصه، ويبدأ العبارة ولا ينتهي إلا بملء صفحات من كتابه، ليس لدي وقت أقضيه مع هكذا منتحل وهكذا مراجعة خائبة، لكن مَن يقرأ الطبعتين مباشرة يذهب إلى الصفحات التالية المنقولة نصاً: 31 وما بعدها، 32 وما بعدها، 34 وما بعدها، 36 وما بعدها، 37 وما بعدها، 38 وما بعدها، 40 وما بعدها، 42 وما بعدها، 44 وما بعدها، 46 زما بعدها، 48 وما بعدها، 60 وما بعدها، 62 وما بعدها، 64 وما بعدها، 66 وما بعدها، مع انتحال القصائد نصاً، ومحاولته ذكر مصدر آخر غير الكتاب المسروق.
قد تفوت سذاجة المؤلف والمراجع على القارئ العادي، مع قصد استغفاله، لكن ما ظننتها تفوت على أكاديميين مختصين، في الجامعات العراقية، تمنيتهم قد عثروا على هذا الانتحال المدمر للثقافة وروح البحث، مع ممارسة استسهال الكتابة، والحصول على اللقب العلمي في حال المراجع والمؤلف بسهولة.
حاول قاشا التَّقديم والتَّأخير في العناوين والنّصوص، كي يخفي الانتحال، فيأخذ من فصل ويضمنه لفصل آخر، مع تلاعب طفيف في العبارات، حتى جاء الكتاب، طبعة بيت الحكمة، مشوهاً، لمَن أطلع على الكتاب الأصل. لهذا إذا كان بيت الحكمة يحترم تاريخه أن يُقدم اعتذاراً رسمياً عن هذه الفضيحة، لمؤلف الكتاب ومترجمه والقارئ، ويسحب الكتاب فوراً، ويتشدد مع الذين توكل إليهم المراجعات العلمية، وفي التعيينات في أقسامه أيضاً.
أصدر بيت الحكمة ببغداد كتاباً تحت عنوان "الحياة الرُّوحية في بابل"(بغداد 2014)، هذا ما سُجل على وجه الغلاف الأول، وفي الصفحة الداخلية(بغداد2013)، على أنها الطَّبعة الأولى، والكتاب مِن تأليف، حسب ما سُجل أيضاً: الأب الدُّكتور سُهيل قاشا، وسُجل أيضاً اسم الدُّكتور إياد كريم الصَّلاحي كمراجع علمي للكتاب.
كان الكتاب قد صدر، تحت العنوان نفسه "الحياة الروحية في بابل"(دمشق: منشورات "المدى" 1995، للباحث الآثاري الرُّوسي كلشكوف، ونقله إلى العربية الباحث العراقي عدنان عاكف حمودي. عثرتُ على الكتاب، طبعة بيت الحكمة، معروضاً في معرض الشَّارقة للكتاب للعام الماضي(2016)، فرابني العنوان، لأنني سبق أن نشرتُ(العام 1995) عرضاً للكتاب الأصل في صحيفة "الحياة"(27 شباط 1996)، ومع أنني أعلم ولي تجربة مع سهيل قاشا في السَّرقة أو الانتحال، فأجلت البت في الموضوع حتى أقابل بين "الحياة الروحية في بابل"(1995) و"الحياة الرُّوحية في بابل"(2014)، مع ثقتي أن الكتاب كان منحولاً، ليس مِن العنوان، فقد يُعذر مَن يصدر كتاباً بعنوان مشابه لكتاب آخر، لكن رابني اسم المؤلف، وفي الأقل الإشارة إلى مَن سبقه بالتأليف، وهو لم يفعل ذلك.
ليست السَّرقة الأولى التي يقوم بها قاشا، ويعتدي على جهود الآخرين، بجرأة عجيبة، ولا أدري هل هي إصرار على الانتحال وإمعان في الموبقة، مع أنه رجل دين ويعيش في دير بلبنان، أم أنه مِن السَّذاجة أن لا يميز بين التَّأليف والنسخ مِن الكُتب. فمن سوء حظه أن أكتشف سرقة سابقة له وفي المعرض نفسه، عندما اقتنيت كتابه "المعتزلة ثمرة الفكر الإسلامي الحر" الصادر عن دار "التنوير"(2010) ببيروت، ووجدت أنه انتحل مقدمة كتابي "معتزلة البصرة وبغداد"(منشور 1997) كاملةً(13 صفحة)، وكل ما بقي في الكتاب عبارة عن انتحالات من هنا وهناك،
ثم يفتضح أمره بسرقة من كتاب الأديب اللبناني عبده وازن "حديقة الحواس"، واكتشف وازن سرقة كتابه إثر دعوة وردته من دار "النُّعمان للثقافة" تدعوه لحضور حفل إعلان فوز كتاب سُهيل قاشا لعام 2011: "أنا والكتابة"، فعندها أكتشف وازن السَّرقة. أي بعد عام من نشر فضيحته بسرقة كتابي "معتزلة البصرة وبغداد"، ومِن عجب أن تمنح الجوائز بلا تدقيق ولاتوريق لتاريخ المؤلف.
مع السَّرقة المعرفية
انشغلتُ كثيراً في أمر السرقة الأدبية أوالمعرفية، فقد سبق أن نشرت مادة عن سرقة كتاب عن الأيزيدية، أرتكبها أكاديمي سوري، رئيس لقسم أكاديمي في جامعة حلب سابقاً، في «الشرق الأوسط»، العدد: 8302 والمؤرخ في 21 أغسطس 2001. يدعي هذا الأكاديمي أنه ألفَ أكثر من مائة كتاب، ويُدعى كأستاذ زائر في جامعات بريطانية، كجامعة أكستر، ومنح عدة جوائز من الهند والعرب، وكان الكتاب المسروق "اليزيدية في ماضيهم وحاضرهم" لعبد الرَّزاق الحسني(ت1997(
نشرتُ مادة عن سرقة كتاب "الصَّابئة المندائيين" لليدي دروار، قام بها كاتب عراقي، له عشرات الكتب في النقد الأدبي، ونشره مركز أردني معروف، وعنون كتابه بمعاكس عنوان دراور"المندائيون الصَّابئة" ونُشر الموضوع في «الشَّرق الأوسط» العدد: 8421 والمؤرخ في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2001. كذلك نشرتُ في "الحياة"(23 مايو/أيار 2015) عن سرقة مارسها كاتب مصري، يعمل مسؤول في مركز فنون، سطى فيها على كتاب الباحث ناصر الحُزمي "حرق الكتب في التُّراث العربي الإسلامي"، ونشره كاملاً كبحث في صفحة تراث وباسمه.
نشرتُ مادة في جريدة «إيلاف»، 3 مايو (أيار) 2004، فضحت سرقة بحث عن الصابئة المندائيين أيضا. نشرت أيضاً مادة بينت فيها أن الدبلوماسي الإيراني علي دشتي ترجم إلى الفارسية بتصرف كتاب الرصافي «الشخصية المحمدية»، ولم يؤلف «23 عاما.. دراسة في السيرة النبوية المحمدية»، «الشرق الأوسط»، العدد: 9703 المؤرخ في 22 يونيو (حزيران) 2005. وكتبت أيضا مادة «القرصنة والتدليس في نشر الكتب»، عما يحصل بإيران من قرصنة طباعة الكتب العربية، «الشرق الأوسط»، العدد: 9941 والمؤرخ في 15 فبراير (شباط) 2006
كنت قد ناشدت رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود بارزاني في مقالة نشرتها على صفحات الرأي في «الشرق الأوسط»، العدد: 10068 والمؤرخ في 22 يونيو 2006، تساءلت فيها عن توزير أحد سراق الحروف، حيث أصبح أحدهم وزيراً، وقيل لي إن أحد مستشاريه لم يطلع الرئيس على المقالة، تحت حجة أن هناك وزراء لهم باع في الفساد المالي، فما قيمة سرقة الحروف؟ مع أنها أخطر بكثير من سرقة الدَّراهم، فإذا كانت الدَّراهم تخص الجيوب فالحروف تخص العقول.
دخلت في معارك كي أمنع المتسترين بالعمامة والدين من نشر مواد منتحلة في المجال الثقافي، عندما كنت محرراً في جريدة «المؤتمر» العراقية (2000 - 2003)، لكن هذا المعمم أخذ حزبه يناديه بالشيخ الدكتور، بتوجيه على ما يظهر من رئيس حزبه، الذي يرى أنه في حاجة إلى عمائم تقدمه للجمهور العراقي المغلوب على أمره وعقله، وهو لم يحصل على الشهادة المتوسطة، وقيل لديه الآن معهد يعيد به تشكيل العقل العراقي، فتأمل حجم الكارثة.
اضطررتُ إلى مناشدة الفقهاء في أمر السَّرقة الأدبية، بعد البحث وثبوت خلو كتب فقه المذاهب الإسلامية، وما كتب حول السَّرقة وأحكامها في كتب قانونية وفقهية مختصة، من أي إشارة أو تلميح إلى السرقة الأدبية والفكرية استفسرنا الفقهاء المتقدمين في مذاهبهم عبر الرسالة الآتية: "ما حكم السرقة الأدبية والعلمية في الفقه، وأعني سرقة نص مكتوب من كتاب أو مجلة، أو أي دورية أخرى، مطبوعة ومنشورة ونسبته إلى كاتب آخر، نصاً أو بعد تحوير وتحرير، وما حكم سرقة الأفكار والآراء الأدبية والعلمية بعد كشفها بالدَّليل القاطع، وهل يشبه حكمها حكم سرقة المال والحلال، مع أنها أكثر خطورة من غيرها"؟
أجاب على هذا الاستفتاء آية الله علي خامنئي مرشد الجمهورية الإيرانية الإسلامية، ورئيس لجنة الفتوى في الأزهر ، وآية الله محمد حسين فضل الله(ت2010)، والشيخ زكي بدوي(ت2006) عميد الكلية الإسلامية ببريطانيا، وآية الله الميرزا جواد التبريزي، والسيد فاضل الميلاني أستاذ الجامعة الإسلامية وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإمام الخوئي بلندن، وآخرون لم تصلني ردودهم، كآية الله علي السيستاني، وذلك بسبب صعوبة البريد آنذاك بين العراق وأوروبا، ولا وجود للإنترنيت، ونشرت الإجابات مع صورها في "الشَّرق الأوسط العدد(9021) والمؤرخ في 10 آب/ أغسطس2003 .
أتيت على هذا، كي أوضح كم تسبب السَّرقة المعرفية معاناةً للباحثين، وكم فيها مِن استغفال للقراء، وهذا ما قام به سهيل قاشا، ويبدو أنه مصراً على الاستمرار في ذلك بلا وازع ضمير، الذي يُقدم نفسه الأب الدُّكتور قاشا، وقبل (2007) ولم يكن لي علم بانتحالاته أن أجريت معه مقابلة وافية ببيروت، وناشدته أن يحل محل أنستاس الكرملي، فأبٌ له نحو(77) كتاباً يصعب الشَّك في أمانته، حتى الكرملي لم يكن له هذا العدد.
بيت الحكمة والكتاب المنحول
ليس أكثر شيوعاً من سمعة "بيت الحكمة" العلمية، قبل أن تصادرها وتشوههها العقائد الحزبية والدِّينية، فكنا نأمل أن يعتدل حال الحكمة بعد(2003)، لكن أو رئيس لها جاء بعلاقة المصاهرة، فزادنا الأحباط إحباطاً. حسب ما كتبه الباحث المرموق سعيد الديوه جي(ت2000) أن الحكمة بيوت وليست بيتاً واحداً، ويمكن كل مؤسسة ترجمة وتأليف وتعليم وبيوت كُتب يُطلق عليها عنوان "بيت الحكمة"، لأن الثَّقافة والفلسفة تعني الحكمة، وأول بيت حكمة أسسه العباسيون ببغداد، وكم مِن علماء ومترجمين عملوا في هذا البيت، ومعلوم أن حضارة الشُّعوب تنقل مِن التَّرجمة حيث التَّبادل الحضاري(كراس بيت الحكمة 1954).
أقول: ما قياس العلمية لدى مراجع كتاب سُهيل قاشا علمياً، ووضعه اسمه على الغلاف الدَّاخلي؟ هل كان مختصاً في الآثار والتَّاريخ القديم مثلاً؟ وإذا لم يكن مختصاً فأول خطوات المراجعة العلمية أن يكون في الكتاب ثبتاً للمصادر، وجاء الكتاب خالياً منها، وأن يبحث المُراجع عن الكتاب، والإنترنيت لم يبخل بمعلومات وافية عن الكتاب الذي أصدرته المدى(1995)، وإلا كيف تمت المراجعة كي توصف بالعلمية؟ وأي مؤسسة، مِن المفترض أن تكون علمية لأنها أكاديمية وبحثية كبيت الحكمة، أصدرت الكتاب ووشحته مراجعتها العلمية باسم الدُّكتور إياد كريم الصَّلاحي؟
أقول: إذا كان سهيل قاشا تعود على ممارسة الانتحال، فما هو موقف "بيت الحكمة"، وبأي عذر يتعذر هذا الصَّرح العلمي، في تاريخه لا في حاضره، كما يبدو. فمؤلف الكتاب الأصل أعد فكرة التأليف في العام 1974، عندما كان عضواً في بعثة علمية صغيرة من معهد التاريخ القديم التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، فساهم بدراسة المواقع الأثرية، فترة أمضاها المؤلف كلشكوف وسط الرِّمال الجرداء، وبين خرائب وأنقاض(الحياة الروحية في بابل/طبعة المدى 1995).
فبأي حقٍ يُخطف الكتاب، والجريمة مركبة ضد المؤلف وضد المترجم أيضاً، فقد وجده سهيل قاشا جاهزاً، وزادته فخراً، على ما يبدو وأمن مِن الفضيحة، مراجعة بيت الحكمة (العلمية) لكتابه. أخذ سهيل قاشا الكتاب كاملاً، لكن مع تقديم وتأخير، أما فصل "المصير عند البابليين"(صفحة 33 طبعة المدى وصفحة 29 طبعة بيت الحكمة)، فجاءت النصوص نفسها تماماً من البداية وحتى النهاية، وحتى المثل السومري "اتبع مصيرك" جعلها قاشا في الهامش، كي يبعده عن عنوان الفصل، وكان كمفتتح تحت العنوان مباشرة.
تخيلوا المضحك في تأليف قاشا أنه يكتب في الصفحة(30) الآتي: "سنعتمد في دراستنا على تحليل المصطلح الأهم والأكثر شيوعاً واستعمالاً ومقارنته مع المصطلحات الأخرى القريبة منه..."، وهذه عبارة المؤلف نصاً. إنه وضع نفسه مكان المؤلف الأصلي للكتاب وأخذ يحتل مكانه ومكان المترجم أيضاً، وأنه الذي درس وبحث! فهل هناك جرأة على العلم والبحث كهذه الجرأة، يشترك فيها مُراجع الكتاب (العلمي)؟
يأخذ قاشا عناوين كلشكوف ونصوصه، ويبدأ العبارة ولا ينتهي إلا بملء صفحات من كتابه، ليس لدي وقت أقضيه مع هكذا منتحل وهكذا مراجعة خائبة، لكن مَن يقرأ الطبعتين مباشرة يذهب إلى الصفحات التالية المنقولة نصاً: 31 وما بعدها، 32 وما بعدها، 34 وما بعدها، 36 وما بعدها، 37 وما بعدها، 38 وما بعدها، 40 وما بعدها، 42 وما بعدها، 44 وما بعدها، 46 زما بعدها، 48 وما بعدها، 60 وما بعدها، 62 وما بعدها، 64 وما بعدها، 66 وما بعدها، مع انتحال القصائد نصاً، ومحاولته ذكر مصدر آخر غير الكتاب المسروق.
قد تفوت سذاجة المؤلف والمراجع على القارئ العادي، مع قصد استغفاله، لكن ما ظننتها تفوت على أكاديميين مختصين، في الجامعات العراقية، تمنيتهم قد عثروا على هذا الانتحال المدمر للثقافة وروح البحث، مع ممارسة استسهال الكتابة، والحصول على اللقب العلمي في حال المراجع والمؤلف بسهولة.
حاول قاشا التَّقديم والتَّأخير في العناوين والنّصوص، كي يخفي الانتحال، فيأخذ من فصل ويضمنه لفصل آخر، مع تلاعب طفيف في العبارات، حتى جاء الكتاب، طبعة بيت الحكمة، مشوهاً، لمَن أطلع على الكتاب الأصل. لهذا إذا كان بيت الحكمة يحترم تاريخه أن يُقدم اعتذاراً رسمياً عن هذه الفضيحة، لمؤلف الكتاب ومترجمه والقارئ، ويسحب الكتاب فوراً، ويتشدد مع الذين توكل إليهم المراجعات العلمية، وفي التعيينات في أقسامه أيضاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.